شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 84 ) حديث 99 ( كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 84 ) حديث 99 ( كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك )

مشاهدات: 484

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ حديث 99

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وَعَنْهَا :

 ( أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ اَلْغَائِطِ قَالَ: “غُفْرَانَكَ” )

أَخْرَجَهُ

اَلْخَمْسَةُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ, وَالْحَاكِم ُ 

 

( من الفوائد )

بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم “

إذ نقلن لنا ما خفي علينا من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم التي تكون في البيوت ، ولاسيما عائشة رضي الله عنها فإنها أفضل من خديجة رضي الله عنها باعتبار آخر الأمر ، إذ تلقت من النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الغزير ما جعلها تفضل غيرها في نفع الأمة ، بينما ” خديجة رضي الله عنها ” هي أفضل من عائشة باعتبار أول الأمر ، إذ وقفعت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قامت دعوته صلى الله عليه وسلم .

 

( ومن الفوائد )

أن هناك سنة قولية بعد الخروج من الخلاء ، كما أن هناك سنة قولية حين الدخول للخلاء ، كما مرَّ معنا في حديث أنس رضي الله عنه :

( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )

هذه السنة التي تقال بعد الخروج من الخلاء هي قول :

( غفرانك )

( ومن الفوائد )

لو قال قائل :

ما معنى قوله ( غفرانك ) ؟

نقول : هذه الكلمة منصوبة بفعل محذوف أصلها :

( أسألك غفرانك )

( ومن الفوائد )

أن قوله صلى الله عليه وسلم ( غفرانك ) بعدما يخرج من الخلاء ألذنب فعله ؟ أم لواجب تركه ؟

الجواب / لا .

إذاً /  لماذا يقول ( غفرانك ) بعد الخروج من الخلاء ؟

قال بعض العلماء : إن مناسبة قول ( غفرانك ) بعد الخروج من الخلاء لأنه انحبس عن ذكر الله في الخلاء ، فاستغفر الله مما تركه من الذكر في بيت الخلاء .

لكن نقول : إن هذا الجواب فيه ما فيه ، لم ؟

لأنه صلى الله عليه وسلم ما امتنع من الذكر في الخلاء إلا بأمر الله عز وجل ، ثم هو صلى الله عليه وسلم لو انحبس عن ذكر الله في بيت الخلاء لفظا ، فإنه لم ينحبس عن ذكر الله بقلبه  .

ولذا أعظم الذكر ما كان بالقلب واللسان ثم ما كان بالقلب ثم ما كان باللسان .

لو قال قائل :

كيف يذكر الله بالقلب في بيت الخلاء ؟
نقول : من عدة أمور :

أولا : تيسير الله عز وجل لهذه الفضلة ولهذا الأذى أنه خرجه منه ، ولذا علي رضي الله عنه لما خرج ذات يوم من بيت الخلاء :

( مسح على بطنه وقال يا لها من نعمة لو يعرف الناس قدرها )

ثانيا : باستشعار هذه النعمة ، فإن استشعارها نعمة أخرى .

ثالثا : أن يعرف العبد ضعف نفسه ، وأنه لو شاء ربه عز وجل لقتله بهذا الأذى اليسير ، ولذا من تتعطل عنده الكلى لو لم ينظف بدنه هلك .

رابعا : أن يدرك عظيم صنع الله عز وجل إذ جعل أعضاء صغيرة يسيرة تخرج هذه الفضلات ، قال تعالى :

{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }النمل88

خامسا :  أن يدرك الإنسان أنه ليس بشيء ، لم ؟

لأن هذا الأذى الذي يخرج منه يؤذيه ولا يخرج من غيره ، فإذا كان الذي يخرج منه يؤذيه فإن هذا يدل على أنه ليس بشيء ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه هذا الأذى ، إن تركه وحبسه هلك وتضرر وإن أخرجه تأذى .

فإذاً / أين من يتكبر ؟ أين من يظلم ؟ أين وأين ؟

سادساً : أن يدرك العبد عظيم الشرع ، إذ نهى عن اللوط ، فإذا كان الإنسان يتقذرمن هذا الشيء فكيف يقدم على موضعه من غيره ؟!

ولو جلسنا نتأمل لوجدنا أضاعف ما ذكرنا ، لكن ليعرف العبد أنه كلما أحضر قلبه في كل حالة من أحواله فإنه يكون بذلك من الذاكرين الله عز وجل بقلبه  .

وقال بعض العلماء :

إن مناسبة ذكر ( غفرانك ) بعد الخروج من الخلاء : لأن ما خرج منه نعمة ، وتلك النعمة لم يستطع العبد أن يشكر الله عليها ، فاستغفر الله عز وجل لتقصيره في شكر النعمة ، ولذا قال عز وجل في سورة النحل :

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18

فمع تقصيرنا في شكر نعمة الله فإنه عز وجل غفور رحيم .

وقال بعض العلماء :

إن مناسبة ذكر ( غفرانك ) بعد الخروج من الخلاء –وهذا الرأي لابن القيم رحمه الله – وهو رأي قيم قال :

” قول ( غفرانك  ) يعني أطلب منك المغفرة من باب تذكر الشيء بالشيء ، فإنه لما أُزيل عنه هذا الأذى الذي في بطنه فاستراح ، تذكر الأذى الأعظم الذي يكون يوم القيامة وهو” الذنب ” فسأل الله أن يزيل عنه هذا الأذى الذي هو الذنب كما أزال عنه ما في بطنه حتى يستريح ، لأنها هي الراحة الحقيقية المؤبدة “

وهذا أوجه الأقوال مع القول الثاني .

ولو نظرنا مثلا إلى الصلاة تجد أن بعدها ” أستغفر الله ثلاثا ” قال العلماء : لأنه لم يستطع أن يقيم هذه الصلاة من أولها إلى آخرها على الوجه الأكمل ، فاستغفر الله مما قد يحصل من خلل في صلاته ؟

نأتي إلى الحج ، قال تعالى :

{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة199.

( ومن الفوائد )

بيان فضل الاستغفار وأنه لا غنى للعبد عنه حتى ولو بلغ في نفسه مراتب عليا ، فإنه لا غنية له عن الاستغفار ، لأن العبد لا يسلم من الخطأ والزلل ، فإن سلم من الخطأ والزلل كحال نبينا صلى الله عليه وسلم فإن هذا الاستغفار يحتاج إليه في زيادة الدرجات .

ولذلك أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء106 متى جاءت هذه الآية ؟

بعد قوله تعالى :

{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }النساء105، ثم قال : {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء106

إذاً من يحكم بالشرع بين الناس ومن يفتي للناس ومن يعلم الناس بحاجة إلى الاستغفار .

ولذلك يروى عن شيخ الإسلام رحمه الله أنه إذا استعصت عليه المسألة والتبست عليه ” أكثر من الاستغفار “

نأتي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :

( إنه ليغان على قلبي )

والغين : هو الهم – سبحان الله – أيصيب النبي صلى الله عليه وسلهم هم ؟

الجواب / نعم ، لكن ما هو هذا الهم ؟

قال النووي رحمه الله : ” هو هَمّ مستقبل أمته “

قال صلى الله عليه وسلم :

( إنه ليغان على قلبي ، وإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة )

بل لعظم الاستغفار – كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما

( كان يُعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد أنه يستغفر الله مائة مرة )

ولذا تقول عائشة رضي الله عنها :

” القلب بمثابة المرآة صقلها بالاستغفار “

المرآة إذا تلوثت وأصابها الغبار تحتاج إلى التنظيف حتى تعود بيضاء نقية ، فالقلب مثل المرآة ، ما تنظيف القلب ؟

( الاستغفار )

ولعظم هذا الاستغفار قيل بعد الخروج من الخلاء ، وقيل بعد الفراغ من الصلاة ، وقيل بعد الفراغ من الحج ، وأُمر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أعظم الأقوال العقدية ، قال تعالى :

{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد19

فهذا يدل على أنك يا ابن آدم في كل أحوالك ، في ذهابك ، في إيابك ، في معاشك ، في أحوالك كلها بحاجة إلى الاستغفار ، بسبب ما يحصل منه من ذنوب يقدم عليها .

( ومن الفوائد )

أن حديث :

( إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني )

بعض العلماء يرى ثبوته ، وثبوته يؤيد المعنى الذي قاله ابن القيم رحمه الله ، فإنه لما أزال عنه الأذى الذي في بطنه تذكر الأذى الأعظم الذي هو الذنب ، فتأتي هذه المقولة :

( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني )

تقرر هذا المعنى .

فلو قالها في بعض الأحيان فلا بأس .

( ومن الفوائد )

أن هذا الذكر يقال حتى ولو كنت في الصحراء