الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (32)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (4)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (32)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (4)

مشاهدات: 426

الشرح الموسع لكتاب التوحيد

الدرس (32)

حديث عبادة(من شهد أن لا إله إلا الله) الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام:((وأن عيسى عبد الله ورسوله)) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي وشهد أن عيسى عبد الله ورسوله

وعيسى عليه الصلاة والسلام يُلقب بالمسيح ، وذلك لأنه إذا مسح صاحب العاهة برأ بإذن الله عز وجل  كما قص الله عز وجل علينا في سورة ” آل  عمران ” و ” المائدة “

والمسيح الدجال يلقب بالمسيح ، وذلك لأن عينه اليمنى ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما ، ولكن إذا أطلق المسيح أو قيل : قال المسيح

أو فعل المسيح فالمراد عيسى عليه الصلاة والسلام ، ولا يراد بها الدجال ، وإنما تطلق مقيدة بكلمة ” الدجال “

وعيسى :

قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ليس بيني وبينه نبي ))

فهو الذي جاء قبل النبي عليه الصلاة والسلام

وقد جاء عند البخاري معلقا بصيغة الجزم :

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه : ” أن بينهما ستمائة سنة “

وهذا القول من سلمان رضي الله عنه يطرح أي قول آخر

لأنه قد قيل بأقوال أخرى

وعيسى عليه الصلاة والسلام والرسل من قبله  قد عرفوا قدر النبي  عليه الصلاة والسلام :

ولذا في حديث الشفاعة : (( يأتي الناس إلى الأنبياء ، فكل منهم يعتذر ويذكر ذنبا ، فإذا أتوا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام لا يذكر ذنبا ، وإنما يعتذر ، ويقول : اذهبوا إلى محمد فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))

أليسوا عباده ؟

بلى ، لكنه حاز عليه الصلاة والسلام أعلى مراتب العبودية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ” عبد الله ورسوله ” :

زاد ابن المديني في روايته : (( وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته ))

ومجيء هذين الوصفين :

العبودية

والرسالة

للرد على  طائفتين :

فقوله عبد الله رد على ” النصارى ” الذين غالوا فيه :

فقالوا : هو الإله

وقال بعضهم : هو ابن الله

وقال بعضهم : هو ثالث ثلاثة

ولذا قال عز وجل كما في آخر سورة النساء : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }

ثم قال بعدها : (( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ))

وفي كلمة : (( الرسول )) رد على اليهود الذين حطوا من قدره فقالوا غنه ابن زانية

ولذا في رواية ابن المديني رد عليهم ورد على النصارى أيضا :

” فهو ابن أمته “

والأَمَةُ ــــــــ هي في مقابلة العبد من حيث المعنى ، والعابد لا يكون زانيا

ولذا قال عز وجل : ((وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ))

وفيه رد على النصارى لا القائلين : بأنه ابن الله أو أنه هو الله أو أنه ثالث ثلاثة

وقد قال عز وجل في شأن النصارى وموقفهم من عيسى عليه الصلاة والسلام : ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ))

وقال عز وجل : ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ))

وقد أقر عيسى عليه الصلاة والسلام بعبوديته لله عز وجل :

ففي الدنيا قال : ((اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ))

وفي يوم القيامة :

قال عز وجل : ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ )) الآية

واليهود قد قتلوه في حكم الله الشرعي

أما في حكمه القدري فلم يقتلوه بمعنى أنهم يعاقبون في عزمهم على قتله كأنهم قد قتلوه

أما من حيث الواقع والقدر فما قتلوه :

قال عز وجل في أواخر سورة النساء : ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ ))

وهو عليه الصلاة والسلام قد رُفع

وما ورد بأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فقد قال ابن القيم رحمه الله : ” لا أصل له ”

قد رفع الله عز وجل عيسى عليه الصلاة والسلام ، ولم يمكن اليهود من قتله ، مع أنهم قتلة له من حيث  الحكم الشرعي ؛ وذلك لأن العازم على الفعل ، ولم يتوفر له أن يفعل فإنه في حكم الفاعل:

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل  والمقتول في النار ، فقالوا : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : لأنه كان حريصا على قتل صاحبه ))

وعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الثانية لما عُرج به:

قال : (( فعرج بي إلى السماء الثانية فرأيت ابني الخالة : عيسى ويحيي عليهما الصلاة والسلام ))

وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بـ ” أن عيسى أحمر  سبط الشعر ،  أي إن شعره ناعم ، يقطر كأنه خرج من ديماس ( أي حمام )

وهو عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان ، ونزوله من علامات الساعة الكبرى :

قال عليه الصلاة والسلام : (( يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ))

كما جاء في الصحيح : (( يضع الجزية ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ))

وأحاديث نزوله كثيرة

ولكن من مجموعها : ” أنه ينزل في دمشق شرقي المنارة البيضاء ، وأنه يحكم بدين الإسلام ، ولذا يكسر الصليب ، ولا يقبل دينا غير دين الإسلام ، ويقتل المسيح الدجال “

والحديث يطول في تفاصيل ما يدور آخر  الزمان من شأن عيسى عليه الصلاة والسلام .

ولنا خطبة في ” أشراط الساعة ” موضح فيها كل ما ذُكر عن عيسى عليه الصلاة والسلام .

وأما أمه مريم ، فقد جاء فضلها في أحاديث كثيرة :

قال عليه الصلاة والسلام : (( ما من مولود إلا وينخسه الشيطان ( أي يطعنه في خاصرته ) فيستهل صارخا إلا مريم وابنها ))

قال أبو هريرة رضي الله عنه :

قال تعالى : ((وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن مريم خير النساء ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( لم يكمل من النساء إلا مريم ، وآسية امرأة فرعون ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد ، وأرعاه على زوج ))

قال أبو هريرة رضي الله عنه في إثر ذلك ، قال : ” ولم تركب مريم بعيرا قط “

ويريد رضي الله عنه أن يبين فضلها بحيث لم تكن مريم من المفضولات من النساء .

وقد ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله عز وجل : ((وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ))

ذكر أن مريم وآسية من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ولكنه حديث ضعيف

ولذا يستدل به بعض المفسرين بأن الله عز وجل قال : {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

وجميع نسائه في الدنيا ثيبات ما عدا عائشة رضي الله عنها ، فلما جاءت هذه الكلمة بالجمع : ” وأبكارا استدلوا بهذا الحديث على أن ” آسية ومريم وأخت موسى المذكورة في قوله تعالى : ((وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ )) أنهنّ من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة  ولكنه من حيث السند ضعيف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( وأن عيسى عبد الله ورسوله )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذان الوصفان لدفع الإفراط ، والتفريط اللذين حصلا له عليه الصلاة والسلام :

فـ ” عبد الله ” رد على النصارى

و ” رسوله ” رد على اليهود

فالنصارى جعلوه في منزلة الإله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة على اختلاف بينهم

وأما اليهود فجعلوه ابن زانية :

ولذا ذكر عز وجل ما قالته اليهود في سورة ” مريم ” : {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }

ومريم ليست أختا لهارون النبي الذي هو اخو موسى عليهما الصلاة والسلام .

ولذا قال بعض المفسرين : ” إنه رجل يعمل السوء فإذا عمل أحدا عملا سيئا نسبوه إلى هذا الاسم “ .

والصحيح ما جاء عند مسلم :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كانوا يتسمون بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم ))

فيكون لها أخ اسمه ” هارون ” مسمى على النبي هارون .

فلما قالوا : هذا القول أشارت إليه فأنطقه الله عز وجل : ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ))

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين : (( لم يتكلم في الممهد إلا ثلاثة ………. – وذكر منهم : عيسى ))