الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (121)
حديث (اللهم العن فلانا وفلانا فنزلت( ليس لك من الأمر شيء)ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
” وفيه عن ابن عمر :
(( أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر : (( اللهم العن فلانا وفلانا )) بعد ما يقول :” سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد فأنزل الله :((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )) :
وفي رواية : ” يدعو على : ” صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ” فنزلت : ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــ
عبد الله بن عمر هو :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن العدوي القرشي
ـــ وهو من المكثرين من الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام
ــــ وهو من أحرص الناس على اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام
ـــ ومضى الحديث عنه فيما أظن فلا معنى لإعادته .
(( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سمع : من أقوى أدوات وطرق الحديث ، وذلك لأن قول سمعت فيه تأكيد على أن الصحابي سمع هذا الحديث من النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام واسطة
ففرق بينها وبين ” قال النبي ”
والسماع يختلف /
ــ إما أن يكون السماع مع مجموعة
ــ أو سماع سمع من النبي عليه الصلاة والسلام بمفرده
والظاهر من هذا الحديث انه سماع عام لأن هذا السماع كانفي صلاة
فيقول : (( أنه سمع رسول الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الجملة أفادتنا بعدة فوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفائدة الأولى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن القنوت لا يكون إلا بعد رفع من الركوع ، ولكن جاءت السنة في حديث حسنه الألباني : (( من أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قنت قبل الركوع ))
فدل على جواز الأمرين
وأن السنة أن يطبق هذا مرة ، وذلك مرة أخرى
الفائدة الثانية :
ـــــــــــــــــــــ
أن القنوت لا يكون إلا في الركعة الأخيرة ، فإن كانت الصلاة صلاة فجر ففي الركعة الثانية
وإن كانت الصلاة صلاة ظهر أو عصر أو عشاء ففي الركعة الرابعة
وإن كانت الصلاة صلاة مغرب ففي الركعة الثالثة
الفائدة الثالثة :
ــــــــــــــــــــــ
أن قوله : (( من الفجر )) فيه تأكيد لما ذهب إليه بعض العلماء من تأكيد سنية القنوت في الفجر وذلك للتأكيد على ذلك في هذا الحديث
لكن السنة جاءت بقنوت النبي عليه الصلاة والسلام في الصلوات الخمس :
الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر
الفائدة الرابعة :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا القنوت ليس قنوتا مجردا عن سبب ، وإنما هو قنوت مبني على سبب
ما هو هذا السبب ؟
وجود نازلة نزلت بالمستضعفين المسلمين في مكة ، إذ كان هؤلاء المستضعفون يُعتدى عليهم من قبل بعض الكفار
الفائدة الخامسة :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن القنوت هنا قنوت في الفرائض :
لأنه قال : (( من الفجر ))
فترد علينا مسألة القنوت في الفرائض من غير سبب :
فقد تنازع في ذلك العلماء :
فبعض العلماء : يرى أن القنوت في صلاة الفجر سنة ، و لم تكن هناك نازلة
وبعض العلماء : ( وهو الصواب ) : أنه لا قنوت ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في الفرائض إلا حينما تنزل بالمسلمين نازلة
ـــ أما القنوت الوارد في حديث ” أنس ” من فعل النبي عليه الصلاة والسلام بعد رفعه من الركوع
فالمراد من هذا القنوت هو ” الدعاء الذي يكون بعد رفع المصلي رأسه من الركوع ، وذلك لأن القنوت طول القيام
فالنبي عليه الصلاة والسلام أطال القيام بالذكر : (( ربنا ولك الحمد حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ملء السموات والأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ))
المراد من هذا القنوت الوارد من قول أنس هو طول قيام النبي عليه الصلاة والسلام بعد الرفع من الركوع
إذ كان يطيل الذكر :
فقد جاء في صحيح مسلم قوله : (( أفضل الصلاة طول القنوت ))
ما هو وطول القنوت ؟
أي القيام
ولذا قال تعالى : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً …… ))
ولذا في حديث ” أبي مالك الأشجعي ” :
أن ابنه سأله : صليتَ خلف النبي عليه الصلاة والسلام وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي : هل كانوا يقنتون في الفجر ؟
قال : (( أي بني مُحدث )) يعني ” بدعة
فحكم عليه هذا الصحابي أنه بدعة
لكن رأى بعض الأئمة انه سنة باعتبار بعض الأحاديث
وهذه الأحاديث : أما أن تكون ضعيفة ، وإما أن تكون صحيحة غير صريحة
لكن الأئمة لحكمتهم مبُعد نظرهم قالوا: ” لو أن مسلما صلى خلف مَن يقنت في صلاة الفجر من غير نازلة فإنه يقنت معه ويؤمِّن ، وذلك من باب الحرص على اجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقهم “
وقوله : (( يقول : اللهم العن فلانا وفلانا )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا سب من النبي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء :
و (( فلانا وفلانا )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة فلان مصطلح يطلق على شخص مبهم أو على شخص يراد إبهامه ، لكن هذا المبهم وضحته الرواية الأخرى:
قال : ” (( يدعو على : صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ” ))
فنزلت : ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ))
هذا يعود بنا إلى مسألة تقدمت وهي اللعن :
أيجوز أن يلعن الكافر ؟
أيجوز أن يلعن الفاسق ؟
مرت المسألة مستوفاة في حديث ” علي ” رضي الله عنه عند مسلم :
في باب ما جاء في الذبح لغير الله : (( لعن الله من ذبح لغير الله ………………….. الحديث ))
فلا معنى لإعادتها
لكن هذا الحديث دليل على انه لا يجوز أن يلعن “المعيَّن ”
فهذا الحديث من أقوى الأدلة على أنه لا يجوز أن يلعن الشخص المعيَّن : سواء كان هذا المعين كافرا أو فاسقا
فقوله : (( فلانا وفلانا )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع أن الرواية الأخرى في بيان أسماء هؤلاء يجوز أن يذكر في الصلاة أسماء وأشخاص إما بالدعاء لهم وإما بالدعاء عليهم
والدليل هذا الحديث
فإن هذا الإنكار من الله عز وجل إنما هو للعن النبي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء ، وليس لذكر هذه الأسماء
فلا يدخل ذكر أسماء معنيين في الصلاة بأسمائهم الصريحة لا يدخل ضمن حديث النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ))
فإنه لا يعد كلاما
ولذا يجوز أن تقول : (( اللهم اغفر لوالدي فلان أو لشيخي فلان )) وأنت في الصلاة فهذا جائز
فقوله : (( بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا يدل على أن وقت الرفع إلى الاستتمام ليس محلا لذكر آخر سوى هذا الذكر
ما هو هذا الذكر ؟
(( سمع الله لمن حمده ))
وهذا بالنسبة للإمام
ولذا جاء في حديث ” أبي هريرة ” في الصحيحين ، قال :
(( كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول حين يرفع : سمع الله لمن حمده ، فإذا استتم قائما قال : ربنا ولك الحمد ))
والمنفرد يدخل مع الإمام لأنه سيقول : ” سمع الله لمن حمده ”
ـــ وأما المأموم فماذا يقول ؟
أيقول : سمع الله لممن حمده ؟
وإذا استتم قائما يقول : ربنا ولك الحمد
قولان لأهل العلم :
الشافعية :
ـــــــــــــــــ
يرون أنه يقول : سمع الله لمن حمده “
وعند الاستتمام قائما يقول : ربنا ولك الحمد
وهذا يختاره الألباني
ويستدلون بحديث النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند البخاري – : (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))
والنبي صلى عليه الصلاة والسلام هكذا
ــــ القول الآخر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو الصواب :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن المأموم إذا أراد أن يرفع يقول : (( ربنا ولك الحمد ))
والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – : (( إذا كبّر الإمام فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ))
فيكون هذا الحديث مخصصا لعموم قوله : (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))
وأيضا يستفاد من قوله : (( بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن قول : سمع الله لمن حمده لا يصلح أن تكون في غير هذا الموضع
فلا يصلح قبل الرفع ولا يصلح بعد الرفع ، وإنما هذه الجملة ” سمع الله لمن حمده ” تكون بين الركعتين
ولذا في حديث (( أبي هريرة )) في الصحيحين :
قال (( … فيقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع ))
فالحينية تدل على قرب الزمن
فمن حين ما يرفع رأسه يقول هذا الذكر
ويتبين خطأ بعض الأئمة حينما لا يقول هذا الذكر إلا بعد ما يستتم قائما
وفي هذا جناية على من يأتي وهو مسبوق ولم ير الإمام فيظن أن الإمام مازال في الركوع فيدخل معه بهذه النية ، وإذا به قد فاتته ركعة نظير هذا الخطأ الذي يصنعه بعض الأئمة
وقوله : (( سمع الله لمن حمده )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سمع الله : السمع هنا سمع استجابة ، ولا شك أن الله يسمع ، فليس إخبارا عن أن الله يسمع
فهو يسمع لكنه جل وعللا يستجيب لمن حمده
فتكون كلمة : ” سمع ” بمعنى : استجاب
والدليل :
ـــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن عين لا تدمع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ))
هذا عند مسلم
في رواية الترمذي : (( ومن دعوة لا يستجاب لها ))
فقوله : (( من دعاء لا يسمع )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فُسر بالرواية التي عند الترمذي : (( من دعوة لا يستجاب لها ))
ولا يعني أن معنى (( سمع الله لمن حمده )) يعني : (( استجاب الله لمن حمده ))
لا يعني أن الله لا يسمع ” لا “
بل هو دليل على صفة من صفات الله ، وهي ” صفة السمع “
وقوله : (( لمن حمده )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : لمن حمد الله
وفي هذا دليل على أن الحمد يعد دعاء لأن الذي يستجاب هو الدعاء
ولذا جاء عند الترمذي في الحديث الحسن :
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( أفضل الدعاء الحمد لله ، وأفضل الذكر : لا إله إلا الله ))
وفي هذا فضيلة حمد الله
والحمد : / هو وصف المحمود بالصفات العظيمة مع المحبة والتعظيم
قوله : (( ربنا ولك الحمد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لوقال قائل :
ـــــــــــــــــــــ
هذه الواو ما هي ؟
أهي واو عطف ؟
فإذا كانت واو عطف فكيف يكون المعنى ؟
” ربنا ” دعاء
(( ولك الحمد )) إخبار ؟
قال بعض العلماء : هذه الواو حالية
يعني : (( ربنا استجب حالة كون الحمد لك ))
فهو توسل بصفة من صفات الله أو بصفاته عز وجل
وقال بعض العلماء : إنها واو استئناف
فيكون المعنى : ” ربنا استجب “
ثم تبدأ جملة أخرى : (( ولك الحمد ))
وقوله تعالى : (( ربنا ولك الحمد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه إحدى صيغ ما يقال بعد الرفع من الركوع
وقد ورد بحذف الواو : (( ربنا لك الحمد ))
وهذه في الصحيحين :
والمذكورة هنا أيضا في الصحيحين
وورد بزيادة اللهم فتكون : (( اللهم ربنا ولك الحمد ))
وهذه في الصحيحين
وورد بزيادة : (( اللهم )) وحذف الواو
وهذه عند البخاري : (( اللهم ربنا لك الحمد ))
وقد أنكر هذه ابن القيم :
وقال : ” إنها لم ترد مع أنها في البخاري “
وهذا يدل على عجز وضعف الإنسان مهما بلغ من العلم لا شك أن مثل هذا لا ينقص من قدره
فإنه عالم جليل بل إمام
لكن هذا يفيدنا بفائدة وهي :
ـــ أن الإنسان مهما بلغ في العلم ما بلغ فلا يغتر ، فإن هناك أشياء قد تفوت عليه ، وإلا من العجب أن يفوت مثل هذا على ابن القيم
مع أن هذا الحديث وارد في صحيح البخاري
لو كان في المعاجم أو كان في المسانيد لكان الأمر يسيرا ، لكن كون هذا الحديث ثابتا عند البخاري ، ويكون فيه إنكار لهذه اللفظة يدل على ضعف ابن آدم ، وأنه بحاجة إلى إعانة من الله وتوفيقا منه جل وعلا
وهذا مصداق قوله تعالى : ((وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ))
فمسكين ثم مسكين من اطلع على بعض العلم فظن أن نفسه من أعلم زمانه
يرى انه هو العالم النحرير الذي لا يشق غبار
ولذا كلما بلغ الإنسان مبلغا كبيرا في العلم كلما عرف قدر نفسه فلا يغتر مغتر.
ـــ ومما يدل على عظم الأمر أن شيخ الإسلام أنكر وتبعه ابن القيم الصلاة الإبراهيمية : (( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد …….. ))
قالوا : لم يرد ذكر إبراهيم وآل إبراهيم معا في حديث صحيح
مع أنها واردة في صحيح البخاري
لكن ابن القيم في ” زاد المعاد ” :
أنكر هذه اللفظة ، وهي زيادة ” الواو ” مع قول : ” اللهم ” ولعل عذره رحمه الله أنه ألف زاد المعاد عن ظهر قلب في سفرته إلى الحج
انظروا
” عن ظهر قلب “
وفي سفر ـــــــ إلى أين ؟
إلى الحج
مع ما فيه من المشاق والمتاعب ، ليست هناك وسائل نقل مريحة ولا متقدمة غنما هي جمال
قلة الأكل ، والتعب ، وشدة الحر
كل هذه من المعوقات ، ومع ذلك فقد ألف هذا الكتاب من خمسة أجزاء :
الجزء يزيد على خمسمائة صفحة
فهذا مما يدل على عمق علمية هذا الرجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وورد (( لربي الحمد )) وهذا ثابت عند أبي داود
فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يكررها بقدر ما مكث في ركوعه :
لربي الحمد
لربي الحمد
لربي الحمد
وورد عند مسلم : (( اللهم لك الحمد ))
بدون ربنا
وبدون الواو
وهذا يقف منها الألباني موقفا فيقول : ” إنها لم ترد في هذا الموطن ، ولم ينص الحديث على هذا لكننا نقول : ” إن إيراد الإمام مسلم لها تحت ما يقال بعد الرفع من الركوع يدل على أنها في هذا الموطن
وكذلك الراوي لها : (( ابن أبي أوفى )) ذكر هذه ضمن حديث هو رواه فيما يقال بعد الرفع من الركوع
وقوله : (( فأنزل الله : (( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفاء : هنا للتعقيب والترتيب
فمن حين ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام نزلت هذه الآية
لو قال قائل : هذه الآية أنزلت في غزوة احد لما شج النبي عليه الصلاة والسلام ؟
أم أنها نزلت لما دعا النبي عليه الصلاة والسلام على هؤلاء النفر ؟
فالجواب عن هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن للعلماء في مثل هذا ، وهي قاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير قال : (( إذا جاءت الآية لها سبب نزول ، وهذا السبب ورد في حادثة أخرى فيكون ما وقع من أحداث جاءت بعده الآية ))
بمعنى : أن الآية نزلت في هذين الأمرين
فهي لم تنل فور وقوع حادثة منها ، وإنما بعد وقوع الحوادث نزلت الآية مرة واحدة
بعض العلماء يقول :
(( إن الآية نزلت مرتين : مرة لهذا ، ومرة لهذا ))
مثال ذلك : آية اللعان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل هي نزلت في ” عويمر العجلاني “
أم أنها نزلت في ” هلال بن أمية “
جاءت الأحاديث الصحيحة أنها نزلت في هذا ، ونزلت في هذا فماذا يصنع ؟
يقال :
ـــــــــــــــ
إما أن الآية نزلت مرتين
أو أن الآية نزلت مرة واحدة بعد وجود هذه الأحداث
مثل ما قيل في سورة الفاتحة :
هل نزلت في مكة ونزلت في المدينة ؟
قد قيل بهذا : أن سورة الفاتحة نزلت في مكة
وقيل : نزلت في المدينة
فهذا قول واحد على أنها نزلت في مكة ، ونزلت في المدينة
فيكون الحكم فيها والقول كما قلنا
لكن إن وجدنا مساغا في أن الآية لم تنزل إلا مرة واحدة فلنسلك هذا المسلك
وذلك لأن الأصل عدم تعدد نزول الآية أو السورة
لكن إن لم نجد مسلكا فنقول : إن الآية نزلت مرتين
ومن هنا : لو قلنا : ” إن هذه الآية نزلت مرة واحدة ، فنعقب بإشكال
ما هو هذا الإشكال ؟
ــ أن الفاء أتت ، وهي تفيد التريتب والتعقيب
بمعنى : أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟
نزلت ولم تتأخر
وكذلك هنا : لما دعا على هؤلاء نزلت
فإما أن يقال : إنها نزلت مرتين ، وغما ان يقال أن الفاء التي هنا للترتيب والتعقيب
ولكن الترتيب والتعقيب بحسبه :
كقوله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ))
فمن حين نزول المطر تخضر الأرض بل تحتاج إلى وقت
وكقوله تعالى : ((ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً ))
بالفاء مع أن بينهما أربعين يوما كما اخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام
ــ فإما أن تكون نزلت مرة واحدة
وهذا له وجاهة
وإما أن تكون نزلت مرتين ، وهذا أيضا له وجاهة
والله أعلم
وقوله : (( وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، فنزلت : ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح : :
ــــــــــــــــــــــــــ
هؤلاء الثلاثة كانوا من أعتى كفار قريش على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام
فدعا عليهم عليه الصلاة والسلام ودعوته كانت باللعن فأنكر الله عز وجل ذلك منزلا هذه الآية
وهؤلاء الثلاثة قد من الله عليهم بالإسلام فآمنوا ودخلوا في دين الله عز وجل
ومن هنا يتبين أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك من المر شيئا
وذلك لأن الدعاء باللعن هو : الطرد والإبعاد عن رحمة الله
وهو كما قال شيخ الإسلام : قال : ” هو أحد نوعي الكلام عند أهل اللغة وبالأخص عند البلاغيين
وذلك لأن الكلام ينقسم عندهم إلى قسمين :
خبر
وإنشاء
فكما أنه لا يجوز في الخبر أن يثبت حكم بالجنة والنار لشخص معين
كذلك لا يجوز أن ينشأ ويطلب اللعن عليه
وذلك لأن الأمر كله لله
واللعن ما حذر منه الشرع
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن اللعانين لا يكونون شفاء ولا شهداء يوم القيامة ))
وقال عليه الصلاة والسلام – كما عند البخاري – : (( لعن المؤمن قتله ))
وقال : (( إذا لعن العبد شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق السماء دونها أبوابها إلى الأرض ،” فتغلق الأرض دونها أبوابها ، ثم تذهب فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لُعن فإن كان كما قال وإلا رجعت إلى قائلها ))
وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من اللعن حتى للبهائم
فتلك المرأة التي لعنت ناقة لها قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا تصاحبنا ناقة ملعونة ))
فأنزلوا ما عليها ولم تصحبهم تلك الناقة
وهذا يدل على عظم خطورة اللعن
لكنه عليه الصلاة والسلام اجتهد في هذا ، وذلك لن هناك أسبابا جعلت النبي عليه الصلاة والسلام ويدعو بهذا الدعاء
ويقول : ” كيف يفلح قوم شجوا نبيهم “
أولا : هو رسول عليه الصلاة والسلام أرسله الله إليهم فكذبوه
ثانيا : أنه مخالفوا ما كانوا عليه في جاهليتهم من الثناء العاطر على النبي عليه الصلاة والسلام بالأوصاف الجميلة
ثالثا : أنهم أتوا إلى محاربته ، وقد خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس لمحاربته في أحد
رابعا : أنهم اعتدوا عليه فشجوه وكسروا رباعيته ، وأصيب منهم في وجنتيه
خامسا : أنهم اعتدوا على جثمان عمه ” حمزة ” فبقروا بطنه وليكت كبده
فهذه الأسباب هي التي دعت النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول هذا القول وان يدعو بهذا الدعاء
ولو نظرنا إلى هذين السببين لوجدنا في الأولى : خبرا إذ قال : (( كيف يفلح قوم ))
وفي الثانية : إنشاء :
وهو الدعاء عليهم باللعن
فمع هذه الأسباب التي أوقعها هؤلاء بالنبي عليه الصلاة والسلام وقال مقولته تلك لم يعذره الله وإنما أنكر عليه
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام مع عظم منزلته وعظم قدره وأصيب بما أصيب به
إذا كان ليس له من الأمر شيء فكيف بحال هذه المعبودات التي تعبد من دون الله ؟
ففي هذا برهان ودليل قاطع على بطلان عابدة ما سوى الله عز وجل