الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 132 )
قوله تعالى (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
ـــــــــــ وقول الله تعالى :
{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأنعام51
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
الشرح :
ــــــــــــــ
أراد المصنف من هذه الآية أن يبين أن الشفاعة من حيث الأصل نوعان :
ـــ 1 ــ شفاعة منفية
و
ـــ 2 ــ شفاعة مثبتة
وفي هذا النص دليل على الشفاعة المنفية
والشفاعة المنفية والمثبتة سيأتي لها حديث لشيخ الإسلام ضمنه الماتن هنا ، لكن بعبارة مختصرة
**فـ [ الشفاعة المنفية ]:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هي التي نفاها القرآن ، وذلك لخلوها من شرطي الشفاعة
وهي التي نفاها عن المشركين :
كما قال تعالى :
{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
** وأما [ الشفاعة المثبتة ] :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فسيأتي دليلها كما ذكره رحمه الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( وأنذر به )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ الإنذار ] :
ــــــــــــــــــــ
هو الإعلام مع التخويف والتهديد
ففرق بين الإنذار وبين الإخبار :
[ الإخبار ] : هو إعلام دون أن يحمل في ثناياه تهديدا أو تخويفا
وأما [ الإنذار] فهو الإعلام مع التخويف والتهديد
وقوله : [ به ] :
ــــــــــــــــــــــــــ
هذا الضمير يعود على القرآن
والقرآن أعظم ما ينذر به ويخوف به
ولذا قال تعالى عن النبي عليه الصلاة والسلام آمرا له :
((قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ))
وذلك لأن الكفار قالوا : من يشهد لك ؟
فقال : الله ، وهو أعظم الشاهدين ، وكفى بالله شهيدا
ولذا قال تعالى :
((أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ))
على أحد وجوه التفسير
((أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ )) أي هو عالم بأنك أهلٌ يا محمد بأن ينزل عليك القرآن
ومن ثم :
ـــــــــــــــ
فإن الإنذار كما في هذه الآية ، وهي التي ذكرها المصنف [ إنذار خاص ]
بينما الآية الأخرى [ إنذار عام ] :
((لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ))
وهاتان الآيتان في سورة الأنعام
فيكون الإنذار :
ـــ إما ان يكون إنذارا يستفيد منه المنذَر
ـــ وإما ان يكون إنذارا لا يستفيد منه
والكفار لم يستفيدوا من هذا الإنذار :
كما في قوله تعالى :
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }
أما في قوله تعالى هنا :
فهو إنذار أفاد المنذَر ، وهم المؤمنون
ولا شك أن هذا القرآن هو أعظم منذِر
ولذا قال تعالى :
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
وقال تعالى :
{قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
فقوله : ((وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولذا ذكر بعدها الخوف مما يدل على أن هذا الإنذار الذي يحمل التهديد والتخويف قد بلغ منهم مبلغا
ولذا هم ” خافوا “
((الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولذا قال تعالى عن أمر الساعة :
((وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ))
فدل على أن هناك إشفاقا وخوفا من هذا اليوم
و [ الحشر ] :
ـــــــــــــــــــــــــــ
في اللغة : هو الجمع والضم
ـــ والحشر إلى الرب عز وجل في يوم القيامة هو أن يأتي كل مخلوق خلقه الله :
{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }
قال تعالى :
((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))
لا لباس
ولا طعام
ولا غير ذلك
وهم يأتون أفواجا كما جاء في سورة النبأ :
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }
ـــ ويعرضون على الله عز وجل صفا :
((وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))
ـــ في ذلك الموقف تكون كل أمة منعزلة عن الأمة الأخرى :
قال تعالى :
((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ))
ـــ والحشر قد سبق معنا أنواعه :
ـــ وأن هناك حشرا في الدنيا وله أنواع
ـــ وأن هناك حشرا في الآخرة
وقوله عز وجل:((لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس : هنا نافية
فنفى عز وجل أن يكون هناك شفيع أو أن يكون هناك ولي ينصرهم من دون الله عز وجل
ــــ وفي هذا الإنذار دعوة إلى أن يكونوا من المتقين
ولذا قال :
((لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ))
فإذا أراد الإنسان أن يكون متقيا لله قد بلغ في التقى منتهاه فعليه أن يوعظ قلبه بهذا القرآن
ــــ وذكر الحشر مع ذكر القرآن يدل على أن أعظم ما توعظ به القلوب ذكر اليوم الآخر
ولذا في قضية الإيمان : يأتي اقتران الإيمان بالله وباليوم الآخر كثيرا
وكلا هذين الأمرين أصلان من أصول الإيمان الستة
فأن بقية الإيمان ؟
هذا يدل على أن أعظم ما يذكر القلوب هو ذكر اليوم الآخر
ـــ ولذا النبي عليه الصلاة والسلام – كما ثبت عنه في صحيح مسلم :
( كان يقرأ سورة [ ق ] على المنبر في كل جمعة )
وهذا يدل على ما قاله بعض العلماء : ” أن أعظم ما توعظ به القلوب هو ذكر الموت ، وذلك لأن هذه السورة اشتملت على ذكر الموت ، وعلى ذكر ما يكون في يوم القيامة “
ولذا :
ــــــــــ
كان يقرأ هذه السورة في هذا اليوم ، وهو يوم الجمعة لأن هذا اليوم تقام فيه الساعة كما صح بذلك الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام
ومما يذكر أن من سنته كما في صحيح مسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة : (( بالسجدة / و ((هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ))
وذلك لأنه – كما قال شيخ الإسلام – تضمنتا ما كان :
ــ من خلق آدم
ـــ وما يكون في يوم القيامة
وفي يوم الجمعة :
ــــــــــــــــــــــــ
ـــ خلق آدم
ـــ وفيه اهبط من الجنة
ـــ وفيه أدخل الجنة
ـــ وفيه تيب عليه
ــــ وفي يوم الجمعة تقوم الساعة
فموضع الشاهد هنا قوله تعالى :
((لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ))
ـــ ولهذه الآية نظائر كثيرة في نفي هذه الشفاعة :
قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
وذكر عز وجل آيتين في سورة البقرة ، وهي قوله :
{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
وقوله تعالى :
{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
ففي هاتين الآيتين نفي لهذه الشفاعة
ـــ ما هي هذه الشفاعة المنفية ؟
سيأتي توضيحها في كلام شيخ الإسلام رحمه الله
ـــ ولو نظرنا إلى كلمة (( الولي والشفيع )) لوجدنا أنهما كلمتان نكرتان ، وهذا في سياق النفي فتعم
ـــ وذلك لأنه لا خير يؤمله الإنسان يوم القيامة إلا ما قدمه من عمل صالح
ولذا قال عز و جل في شان الولي :
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ }
أحب الناس إليه :
((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37} ))
وقال تعالى : وهم يرى بعضهم بعضا :
{وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }
كل مشغول بنفسه
بل قال تعالى :
((يُبَصَّرُونَهُمْ ))
ـــ بل يتمنى أن يخلص نفسه من العذاب نظير ان يهلك من كان أحب الناس إليه في دنياه :
((يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ{14} ))
ـــ سبحان الله : نجد كثيرا ممن عصى الله:
إنما عصى الله بسبب الأولاد
أو بسبب الزوجات
فهو يبحث عما يرضيهم ويقدم رضاهم على الله
فيكون هؤلاء يوم القيامة من أقل الناس منزلة عنده
ولذا من يصور شخصا لا يصوره إلا لأنه يحبه
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما سيأتي :
(( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في النار ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ((لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا إن ما يأتي بالتقوى هو ذكر اليوم الآخر
والتقوى :
ــــــــــــــــ
للعلماء في تعريفها مشارب متعددة :
فبعض العلماء : يرى أن التقوى : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تدع معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله
ـــ وعرفها آخرون بقولهم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل “
ـــــ وعرفها آخرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأنها هي ترك الذنوب
كما قال القائل :
ــــــــــــــــــــــــــــ
خل الذنوب صغيرهــــا وكبيرها ذاك التــــقى
واعمل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يـــرى
لا تحقرن صغيـــــــــــــرة إن الجبال من الحصى
ــــ وعرفها آخرون بقولهم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هي أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه
(( وهذا هو المشهور ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ