الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (149) قوله تعالى { يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم } (4)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (149) قوله تعالى { يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم } (4)

مشاهدات: 470

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 149)

قوله تعالى ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ) الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : ((انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ  )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” انتهوا فعل أمر

و ” خيرا ” :
” قيل  : إنه منصوب على أنه خبر كان المحذوفة

فيكون المعنى : انتهوا يكن خيرا لكم

وقيل : إنها منصوبة على المفعولية على أنها مفعول به :

فيكون المعنى : انتهوا وأتوا خيرا لكم منه أي من المعتقد السابق وهو قولكم بالتثليث

ما هو الذي خير منه ؟

التوحيد

فيكون المقدر : وأتوا خيرا لكم منه

منه : الضمير يرجع إلى قولهم : (( إن الله ثالث ثلاثة ))

ما هو الذي خير منه ؟

هو التوحيد

((إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(( إنما )) أداة حصر فكأنها أعرضت عما سبق مما قالوه من عقيدة التثليث : ((إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ))

ففيه رد على النصارى أو على طائفة من النصارى القائلة بأن الله ثالث ثلاثة وهو في زعمهم : الله ، وعيسى وأمه

فقاتل عز وجل مكفرا لهم : ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ))

وهناك طائفة أخرى زعمت في عيسى عليه الصلاة والسلام أنه هو الله

ولذا قال تعالى :

((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))

ـــ وطائفة ثالثة زعمت بأن عيسى ابن لله :

((وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ))

فهذه طائفة من النصارى زعمت أن الله ثالث ثلاثة فقال عز وجل حاصرا الألوهية له : (( إنما الله ))

وإنما أداة حصر تحصر الحكم الذي بعدها

فما الذي حصره جل وعلا؟

أنه إله واحد:

قال تعالى : (( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ))

وقال تعالى : (( وإلهكم إله واحد ))

إلى غير ذلك من النصوص المثبتة أنه عز وجل واحد

ولذا صارت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأن من بين ما ذُكر فيها أنه جل وعلا ” أحد ” 

((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ))

قوله تعالى : (( سبحانه )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التسبيح لله عز وجل : هو تنزيهه عما لا يليق به

وقد جاءت صيغ التسبيح في كتاب الله متعددة :

منها بصيغة الماضي :

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

ومنها بصيغة المضارع الذي يفيد الحاضر والاستقبال :

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }

ومنها ما جاء بصيغة المصدر :

وهو قول : (( سبحان ))

كما هنا

وكما في قوله تعالى : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا ))

والمصدر كما سيأتي معنا في شرح الأجرومية بإذن الله تعالى من أنواعه :  أنه يفيد التوكيد

وقوله تعالى : (( سبحانه أن يكون له ولد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي هذه الجملة فائدة :

وهي : رد على من زعم أن عيسى ابن لله عز وجل

((سبحانه أن يكون له ولد ))

ما الذي بعدها ؟

((لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ ))

فإذا كان جل وعلا  هو مالك ما في السموات وما في الأرض ومالك كل شيء فإنه واحد لا نظير له ، فإنه هو المالك

والمالك الملك لا يحتاج إلى أن يكون له ولد

ولذا قال تعالى :

((لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوا ))

اللهو هنا هو الولد والزوجة :

{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }

ولذا لو تأملت إلى ما نفاه عز وجل عن نفسه من الولد تجد أن بعدها يأتي ذكر ملكه عز وجل للسموات والأرض :

قال تعالى :

((  وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ{100} بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{101} ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ{102} ))

وقال تعالى في سورة البقرة :

((وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ{116} بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{117} ))

وقال في سورة ” يونس ” :

{قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

والصاحبة والولد اللذان نسبا إلى الله ليس في الإنس فقط بل حتى في الجن اقرأ سورة الجن :

((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً{1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً{2} وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً{3}))

وكيف يكون له ولد وهو الصمد الذي من معاني اسمه الصمد أنه هو الكامل الذي  كمل في سؤدده وكمل في ملكه

ومن بين معاني الصمد :

أن الخلائق كلها تقصده في جميع حوائجها

ولذا قال تعالى في سورة الإخلاص :

((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4}))

وقوله : (( لهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً )):

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” كفى بالله وكيلا  ” : أي شهيدا على خلقه

وكفى :  فعل ماض ، والفعل الماضي يحتاج إلى فاعل ، والفاعل هو الله ، فتكون الباء زائدة

(( وكفى بالله وكيلا )) الباء حرف زائد يفيد التوكيد

والغالب في فاعل كفى أن يكون مزيدا بحرف الباء

وإلا قد يأتي خاليا من الباء كما قال تعالى : ((وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ))

فتكون الباء حرف زائد

والله : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الزائد :

وكيلا : شهيدا على خلقه فيما يقولون وفيما يفعلون

ومن بين وكالته عز وجل : أنه وكيل على ما ينسبه هؤلاء

فهو وكيل بهم محيط بهم وبتصرفاتهم وأفعالهم فلا يغيب عنه مما يفعلون أو يقولون شيء

ويكون في هذا شيء من التهديد

ولذا قال عز وجل :

((وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {116} مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{117} ))

وكما أنه وكيل فهو يوكِل لكن وكالته عز وجل ليست كوكالة المخلوق محتاج إلى المخلوق كلا

فإنك إذا وكلت شخصا فإنك محتاج إلى مئونته وإلى وقوفه معك لكنه عز وجل في وكالته ليس كالمخلوق لا يشابهه شيء :

(( ليس كمثله شيء ))

وقال عز وجل :

((فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ  ))

قال : ” فقد وكلنا ” وهذا فيه دلالة على أنه يوكل عز وجل

ثم بعدها وليست محل حديثنا فيه بيان أن عيسى بريء مما يصنعه هؤلاء بتزكية الله له ، لأنه قال بعدها :

((لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ))

فيكون في هذا تزكية لعيسى مما قال هؤلاء :

ولذا قال تعالى : {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }

وأقر حق في طفولته قال :

((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً{33} ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ{34}))

” قول الحق ” :

ـــــــــــــــــــــــــــ

منصوب بفعل مقدر تقديره : قلت : ” قلت القول الحق ”

((قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ{34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{35} وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{36} ))

وكما أن النصارى جعلت لله ابنا كذلك اليهود :

(( وقالت اليهود عزير بن الله ))

وكذلك كفار قريش زعمت أن الملائكة بنات الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ