الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (151) أثر (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح )(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (151) أثر (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح )(2)

مشاهدات: 439

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(151)

(هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول ابن عباس :

(( هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من قوم نوح :

من هنا إما أن تكون للتبعيض وإما أن تكون للظرفية

فإن كانت للتبعيض :  فهم جزء وبعض من قوم نوح

وإن كانت للظرفية فيكون السياق : هذه أسماء رجال صالحين في قوم نوح

وهذا الثاني أظهر لأن ابن عباس لكمما صدر حديثه ، وهذا الحديث مختصر :

فإنه قال رحمه الله : ” كانت الأوثان في قوم نوح ثم انتقلت إلى العرب فجعل يفصل هذه الأصنام إلى من انتقلت إليه من القبائل ثم ذكر هذا الأثر

فهذا الأثر هو عجز الأثر

أما صدره فكما قيل

وأول من أتى بهذه الأصنام هو : عمرو بن لحي “ ولذا رآه النبي يجر قصبه يعني أمعاءه في النار

فهو أول من سيَّب السوائب

وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن لهذا الرجل صاحب من الجن

فأتاه فقال له : اذهب إلى جدة فإن بها أصناما

فذهب وأتى بها من تحت الأرض

وذلك لأن الطوفان حملها إلى هذا  الموقع

وهذا ما يذكر في السير

لكن كون عمرو بن لحي هو الذي أتي بالأصنام إلى جزيرة العرب هذا واقع

وهو الذي أتى بـ [هبل ]  من الشام

فإنه لما كان في تجارة مر على أناس يعبدون الأصنام فاستحسنها ، فطلب منهم  أن يعطوه صنما فأعطوه هبل فأتى به إلى أهل مكة وأمرهم أن يعبدوه

فزادت أصنامهم إلى ثلاثمائة وستين صنما كما هو معروف

ولذا قال بعض  المفسرين :

إن هذه لم تعبد في قوم نوح وإنما أصل عبادتها في جزيرة العرب من العرب أنفسهم

هذا قول لبعض المفسرين

لكن قول الجمهور هو ما ذكره ابن عباس

والذي يعكر على أثر ابن عباس المذكور هنا :

أنه قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فدل على أن هؤلاء من قوم نوح ، ومعلوم أن نوحا لم يأت إلا بعد ما غُير التوحيد

ولذا استشكل الشيخ ابن عثيمين ما ذكر في هذا الأثر ولم يتحدث عنه في شيء و إنما قال نأخذ بسياق الأثر

وقال : ربما – لكنه بعيد – أنهم كانوا في قوم  نوح ثم لما ماتوا عبدوا من دون الله ووقع الشرك

لكنه بعيد كما قال

وقد اطلعت على بعض كلام المفسرين :

إذ قال بعضهم :

إن هذه الأصنام هي ما بين آدم ونوح

فإذا كان كما قيل فقد رفع الإشكال

وإن قيل بأثر ابن عباس هذا فإن الإشكال قائم

ومما يعكر على أثر ابن عباس هذا :

 أن ما ذكره مما حصل في السابق

وابن عباس قد علم بأنه يأخذ من الإسرائيلين فيحتمل أن يكون هذا من بني إسرائيل فحدث به بناء على قوله عليه الصلاة والسلام عند البخاري :

(( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ))

ولكن جماهير الأمة قد أخذوا بهذا الأثر وقبلوه لاسيما أن البخاري أثبته

فيكون المعتمد عل ما ذكره ابن عباس ـــــــــ لم ؟

لأنه أعلم ممن قال بالقولين السابقين :

ممن قال : بأنه بين آدم ونوح

وممن قال :  بأنها في العرب ولم تعبد من قبل

وذلك لأنه صحابي

وأي صحابي ؟

إنه حبر الأمة وترجمان القرآن

فقد دعا له النبي أن يعلمه التأويل الذي هو التفسير

ولذا فإن تفسير الصحابي حجة ــ لم ؟

لأنهم أقرب الناس إلى عصر النبوة ، وهم الذين تلقوا من النبي العلم

أو تلقى بعضهم من بعض هذا العلم

ولعل الإشكال يزول :

إذا قلنا بأن نسبتهم إلى قوم نوح باعتبار قرب الزمن

أو باعتبار المكان

وهذا موجود في اللغة :

مثل ما يقال عن الطير : ابن الماء

مع العلم أن هذا الطير لا يعيش في الماء وإنما عيشه وتبيضه وتفريخه خارج الماء

لكن لقربه من الماء قيل : إنه ابن الماء

وكذلك : ابن السبيل الذي هو المسافر

إذاً لا إشكال ولا قول آخر غير هذا القول في المعتمد

فيقال :

إن هذا الأثر أخذت عليه مآخذ :

أولا :

ــــــــــ

أن الذي رواه عن ابن عباس هو عطاء الخرساني فهو لم يدرك ابن عباس

لكن قلنا ما قاله ابن حجر من أن عطاء بن أبي رباح قد رواه عنه لكن في غير التفسير

ثانيا :

ـــــــــــــــــ

أن هذا الأثر فيه قول ابن عباس : (( هذه أسماء رجال صالين من قوم نوح ))

ومعلوم أن نوح إنما أتى بعد ما وقع الشرك

فيفهم من هذا أن السياق الصحيح :

أن تكون قبل قوم نوح

وقد قيل بهذا : ما بين آدم ونوح

وأجيب عن هذا بأنهم نسبوا إلى نوح باعتبار قرب الزمن أو قرب المكان

كما يقال : ابن السبيل أو ابن الماء

الثالث :

ـــــــــــ

أن هذا مما ذكر فيما سبق

ومعلوم أن ابن عباس يأخذ من الإسرائيلين كثيرا

فلعله أن يكون من قبيل الإسرائيليات

والجواب عن هذا :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الأقوال قد تعددت في هذه الآية كما قلنا

وأقربها ما قاله ابن عباس ـــــــــ لم ؟

لأن البخاري أخرجه

ولأنه قول الجمهور

ولأنه صحابي وهو أعلم من غيره

ولأنه في علم التفسير له شأنه ليس كغيره إذ أن النبي قد دعا له بأن يعلمه التأويل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلما هلكوا :

” لما  “ : مر معنا التفريق بينها وبين  لو و لولا :

لما : أداة وجود لوجود :

مثالها :

لما بعث معاذا إلى اليمن قال : يعني وجد القول لما بعث معاذ

ولو :

أداة امتناع لامتناع

مثالها :

لو زرتني لأكرمتك :

فامتنع الإكرام لامتناع الزيارة

لولا : أداة امتناع لوجود

مثال :

لولا رحمة الله لهلكنا

فامتنع الإهلاك لوجود رحمة الله

فـ” لما أداة وجود لوجود ، وهذا هو أحد معاني لما الثلاثة :

فإنها تأتي كما قيل :

أداة وجود لوجود

ثانيا :

ـــــــــــــ

تأتي على أنها حرف جزم للفعل المضارع وتنفيه وتقلبه من الحاضر إلى الماضي

مثالها :

قال تعالى : (( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ))

فـ ”  يدخل “  فعل مضارع مجزوم بـ ” لما ”  وعلامة جزمه السكون

لكن أين السكون ؟

حذف لالتقاء الساكنين

أداة نفي : نقت دخول الإيمان

أداة قلب : يدخل فعل مضارع للحاضر لكنها قلبته إلى الماضي

يعني : ما دخل الإيمان

النوع الثالث :

ـــــــــــــــــــــــ

أنها تكون بمعنى أداة الاستثناء و، وعلامتها في الغالب أن يسبقها إن المخففة

التي هي بمعنى ” ما ” النافية

قال تعالى :

((  إن كل نفس لما عليها حافظ ))

إن : ــــــــــ  اجعل في مقامها ما

ولما  : ـــــــ اجعل مكانها إلا

فيكون المعنى :

ما كل نفس إلا عليها حافظ

قال تعالى :

{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

أي  : ما كل إلا جميع لدينا محضرون

وهنا : أداة وجود لوجود :

وهذه مزية :

يعني إذا عرفت هذه الأقسام عرفت معنى كل واحدة هنا تجد أن ما بعد لما فعل ماض إذا ليست الجازمة

هنا لا توجد ” إن ” قبلها إذاً ليست أداة استثناء إذا بقيت : أنها أداة وجود لوجود

((فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيكون المعنى :

وجد إيحاء الشيطان لما وجد هلاك أولئك

(( فلما هلكوا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

يعني ماتوا وهو هلاك حقيقي لأبدان :

لأن الهلاك قد يكون هلاكا في الدين :

والدليل :

قول النبي : (( إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالاهم واختلافهم على أنبيائهم ))

(( فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ))

إذا الشيطان يوحي عنده وحي لكنه وحي وسوسة :

قال تعالى :

((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ))

((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ))

كما أن الوحي يكون إلهاما كما قال تعالى :

(( وأوحى ربك إلى النحل ))

هذا وحي إلهام

وقال تعالى :

(( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ))

والوحي الكبير :

هو وحي الله عز وجل إذ يرسل جبريل إلى أنبيائه بشرع من شرعه

وأحيانا يكون وحي الله إلهاما للرسل :

قال تعالى :

((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ))

مثل : موسى

ونبينا ليلة المعراج

((أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ))

والشيطان سبق وأن ذكر في دروس سابقة في رمضان اشتقاق الشيطان :

مأخوذ : إما من ” شاط ” يعني إذا غضب

وإما من ” شطن ” يعني : بعد

وكلا المعنيين موجودان فيه فإنه غضب لما أمر بالسجود لآدم

فلما لم يمتثل الأمر حلت عليه لعنة الله فأصبح من المبعدين عن رحمة الله عز وجل .

وراجع الفقه الموسع في باب  :” صفة الصلاة ” ففيه مزيد فوائد

والوحي قد يكون من الإنسان على إنسانا آخر لكنه بالإشارة وبالقول :

فأما القول : ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ))

 وأما الدليل على أن الإشارة تكون وحيا :

((فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ))

من هو الموحي ؟

زكريا عليه السلام

ولذا قال تعالى عنه :

((قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً ))

رمزا : أي إشارة

والشيطان : سبق وأن ذكر في دروس سابقة في رمضان اشتقاق الشيطان له معنيان : مأخوذ إما من شاط يعنس إذا غضب  وإما من  شطن إذا بعد ، وكلا المعنيين موجودان فيه فإنه غضب لما أمر بالسجود لآدم ، فلما لم يمتثل الأمر حلت عليه لعنة الله فأصبح من المبعدين عن رحمة الله عز وجل