الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (157) مسائل على باب ( ما جاء أن سبب كفر بني آدم)(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (157) مسائل على باب ( ما جاء أن سبب كفر بني آدم)(1)

مشاهدات: 895

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (157)

 مسائل على باب

( ما جاء أن سبب كفر بني آدم) الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــ

فيه مسائل :

ــــــــــــــــ

الأولى :

ــــــــــــــ

أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام ، ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب

الشرح :

ـــــــــــــــ

قوله : ”  أن من فهم هذا الباب وبابين بعده “

 فإنه رحمه الله ذكر بعد هذا الباب بابين يتعلقان بنفس الموضوع :

فيقول رحمه الله عن من استوعب هذا الباب والبابين اللذين بعده تبين له غربة الإسلام  ، ورأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب

هذا في زمنه فإنه ذكر حال من في زمنه كيف فعلوا وكيف صنعوا من الغلو إلى أن أخرجهم عن دين الله

وهذا يسري على واقعنا في هذا اليوم : تجد أن الغلو موجود في البلدان الإسلامية

موجود في الصالحين في الأولياء وفي بعض الصحابة وهذا هو الغلو بعينه الذي أفضى  – كما قال ابن القيم – أفضى بأرباب الغلو إلى الشرك بالله عز وجل

فإنهم قالوا :

إن هؤلاء الصالحين لهم مكانة وفضل عند الله عز وجل لعبادتهم فنحن نتقرب إلى الله عز وجل بهم

فأوصلهم هذا الغلو إلى أن تقربوا إليهم وذبحوا لهم ونذروا لهم وطافوا بقبورهم

ثم أصبح هذا الأمر كما قال رحمه الله أصبح حكما فصلا بين أهل الباطل وأهل الحق

فإن أهل الحق إذا نصحوا وبينوا ناصب أهل الباطل لهل الحق العداء : إذ قالوا : كيف تنتقصون من قدر هؤلاء ؟

كيف تنزلون من مراتبهم ؟

ولذا ما جرت الفتن في عهد شيخ الإسلام إلا بسبب هذا الأمر الذي هو الغلو

بل إنه لبس على بعض عوام الناس

مثل ما يظن مثلا في  “مصر ” بأحمد البدوي

يظنون أنه يعلم الغيب وأنه يعرف ماذا تضمر ، وهذا الرجل لا يعرف له فضل في الإسلام

وإنما من باب الصيت والتلبيس على عوام الناس أنه من الصالحين

ولا يعرف له إلا أنه دخل مسجدا ذات يوم في يوم جمعة فبال فيه ثم خرج فلم يصل

فأي فضل وأي منزلة لهذا الرجل ؟

وكما يفعل بقبر ” عبد القادر الجيلاني ” بالعراق:

فإن هذا الرجل من علماء متأخري الحنابلة  ليس من متقدميهم

وهناك من سبقه ومن جاء بعده أكثر منه علمه وأكثر منه عبادة ومع ذلك لم يتخذ قبره كما اتخذ قبر هذا العالم

وهذا الرجل تحدث عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء :

قال : ” وعبد القادر الجيلاني ” له شأن كبير لكن عنده مزاعم ودعاوي يدعي انه هناك كرامات عجيبة تحصل له والله الموعد وكثير منها مكذوب عليه ”

هذا كلام الذهبي رحمه الله في عبد القادر الجيلاني

فهذا الرجل افتتن به مع أن هناك قبله وبعده من هو أفضل منه

وحصلت كرامات لكثير من السلف ما لم تحصل لهذا

ولذا قال المصنف رحمه الله قال :

(( رأى من قدرة الله وتقليبه القلوب العجب ))

يعني  : مما يعجب منه الإنسان حينما يرى أن هناك مسلمين في بلاد إسلامية قد أودى به هذا الغلو إلى أن يصرفوا العبادة لغير الله عز وجل

وهذا يدعو المسلم الذي منَّ الله عليه بنعمة التوحيد أن يسأل الله عز وجل الثبات وأن يسأله أن لا يقلب قلبه

وهذا منهج نبوي كما ذكر الصحابة عنه كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها  أنها لما سئلت : ما كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في بيتك ؟

فكانت تقول : (( اللهم يا مقلب القلوب تبث قلبي على دينك ))

وجاء عند مسلم من دعائه عليه الصلاة والسلام :

(( يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك ))

وجاء عند البخاري أنه إذا حلف عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يقول : (( لا ومقلب القلوب ))

فنسأل الله أن يثبت قلوبنا على طاعته وان يصرفها إلى دينه وطاعته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثانية :

معرفة أول شرك حدث على وجه الأرض أنه بشبهة الصالحين.

 

ذكر المصنف المسألة الثانية تحت هذا الباب وهذه المسألة دليلها

ما جاء في صحيح البخاري من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وقد بين فيه أن سبب وقوع الشرك في أول ما وقع هو لشبهة الصالحين ، إذ صوروا تلك التصاوير وعكفوا على قبورهم من أجل أن يتذكروا عبادة الله فلما مات أولئك وجاء جيل آخر أوحى الشيطان إليهم أن لهم قدرا ومكانة فعبدوهم من دون الله

 

الثالثة :

أول شيء غيّر به دين الأنبياء ، وما سبب ذلك مع معرفة أن الله أرسلهم.

ما الذي غير دين الأنبياء مع أن الدين كان واحدا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما (عشرة قرون بين آدم ونوح ولم يقع شرك )

ما سبب وقوع الشرك في قوم نوح ؟

هو الغلو في الصالحين ، والغلو في الصالحين غير دين الأنبياء ودين الأنبياء كما هو معلوم هو التوحيد الخالص ولذا قال تعالى

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }

وكل نبي يأتي يقول { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ففي هذا التحذير من الغلو في الصالحين لأن الشيطان يأتي ويقول ما بلغ هؤلاء الصالحون هذا المبلغ إلا لأن لهم قدرا ومكانة فيتقربون  إلى الله لهؤلاء الصالحين ، وبالتالي تكون العاقبة أن يعبد هؤلاء من دون الله عز وجل

 

الرابعة :

قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها.

البدع كلها شر وضلال ، وأما قاله النووي وغيره من أن البدع تنقسم حسب الأحكام الشرعية إلى بدعة واجبة وبدعة مستحبة وبدعة محرمة وبدعة مكروهة وبدعة مباحة فإنه لا دليل عليها لعموم قوله عليه الصلاة والسلام ( كل بدعة ضلالة )

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس  منه فهو رد )

يعني مردود عليه

وفي رواية عند مسلم ( من عمل عملا ليس عليه فهو رد )

والبدع كلها شر ولكونها شرا فإن الفطرة تردها إذ لو سلم الإنسان من تغير المجتمع الذي يعيش فيه وكان في مجتمع خال من البدع فإن فطرته ترد هذه البدع

كيف ؟

إذا جاء الشرع وبين ووضح فيكون هذا التبيين تقوية لما جاءت به الفطرة

ولذا قال تعالى { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }

ثم قال { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا }

  ما سبب هذا التفرق والتفريق في الدين ؟

هو البدع والخروج عن منهج الله

فلو قال قائل : ما الدليل على أن البدع منبوذة ؟

فيقال الدليل دليلان :

دليل الشرع والأدلة في ذلك كثيرة منها ما أسلفنا ذكره

والدليل الثاني : الفطرة

 

الخامسة :

أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل، فالأول: محبة الصالحين، والثاني: فعل أناس من أهل العلم والدين شيئاً أرادوا به خيراً، فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره.

ما سبب قبول البدع مع أن الشرع والفطرة تردها ؟

ما سبب ذلك ؟

سبب ذلك أن الحق مزج بالباطل فصور الباطل كأنه حق فانطلى هذا المزج على كثير من الناس ، وهذا يفيدنا بفائدة وهي أن البدع لا تقرب إلى الله مهما استحسنت

والواجب على المسلم أن يسير حيث سار الشرع وأن يقف حيث وقف الشرع ولذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول :” قف حيث  وقف القوم ؟

من هؤلاء القوم ؟ الصحابة رضي الله عنهم

قال : ” قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ”

فما عليك إلا أن تقول إذا جاء الشرع سمعنا وأطعنا فبذلك يسلم لك دينك

ولذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما وهو أحد الوجوه في تفسير هذه الآية قال تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }

قال : تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة

فهذا في يوم القيامة كذلك في الدنيا فإن أهل السنة تعلوهم علامة النور وأما أهل البدع فتعلوهم علامة الظلمة في قلوبهم في أسماعهم في ألسنتهم على وجوههم وعلى أفعالهم وهذا واضح جلي ولو طالعنا التاريخ لوجدنا أن من بقيت لهم أسماء وسطر لهم ذكر ورسخ لهم ثناء في قلوب  الناس وعلى ألسنتهم هم أهل الحق

حتى لو رأيت أهل الباطل قد ارتفعوا وعلوا فإنهم يكونون في خسار في الدنيا قبل الآخرة ولا أدل من أولئك المبتدعة من الجهية والمعتزلة والأشاعرة والصوفية والرافضة وغير هذه الفرق ممن خرج عن طريق الحق فإن لهم أتباعا كثر فيما مضى من الزمن ومع ذلك أين هؤلاء في الكتب ؟

أين هؤلاء في قلوب الناس ؟

أين هؤلاء  في ثناء الناس ؟

إذا قرأت في الكتب قرأت ذما وقدحا وعيبا لهؤلاء

لكن لو نظرنا مثلا إلى أئمة سبقوا مثل الإمام أحمد لما وقف أمام بدعة خلق القرآن ما الذي جرى ؟

بقي الوحيد ، العلماء الآخرون اتخذوا الرخصة من باب أنهم أكرهوا فقالوا ببدعة خلق القرآن وقد اطمأنت قلوبهم بأنه غير مخلوق

لكن الإمام أحمد صدع بالحق وذلك لم ؟

لأن هذا الرجل هو الوحيد الذي بقي لو قال ببدعة خلق القرآن لسرت هذه البدعة إلى ما بعده من عصور ، ولأنه كان أكثر الأئمة طلابا فلما رأى حال الناس وأن دينهم سيضلل وأن يمزج الحق بالباطل  قام رحمه الله

لكن ما الذي حدث له ؟ أصبح إماما بل إن الواحد قد لا يستغيث أن يقول قال أحمد بن حنبل تجد أن كلمة الإمام تأتي  على لسان الإنسان المسلم من غير أن يقصدها وذلك فضل الله

من جاء من بعده

انظروا إلى شيخ الإسلام لما وقف في وجوه أهل البدع ما الذي  حصل له ؟

أصبح يذكر بذكر عاطر طيب جميل وتبعه في ذلك طلابه كابن القيم حتى لو عودي في هذا العصر إنما يعادى شيخ الإسلام لا لشخصه لأنهم لم يعاشروه ولم يكونوا معه في مكان وهم ليسوا معه في زمان لكن لما يحلمه من الحق  ومن بيان السنة

فهو يعادى ولكن كما قال تعالى { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ومثل ما يقال عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وينسب إليه أقوال هو منه بريء ومنهجه من هذه الافتراءات بريء وينسب أتباعه إلى أنهم وهابيون ، ويلمزون ويعابون لكن كما قال تعالى { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } فالحق أبلج

ولذا شيخ الإسلام لما جودل وحوور في العقيدة الواسطية لما كتبها كان هناك علماء سوء علماء بدع فوشوا به إلى الأمير فقال الأمير لنعقد مناظرة فعقدوا مناظرة ثلات مرات وقد أخرسهم وألجمهم حتى إنهم قالوا للأمير إنه يقول إن هذه عقيدة الإمام أحمد بن حنبل قال لا لا ، ليست عقيدة الإمام أحمد بن حنبل إنما هي عقيدة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

الحق أبلج واضح

 

السادسة :

تفسير الآية التي في سورة نوح.

قد مر تفسير الآية تفسيرا مفصلا وهي قوله تعالى { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا } الآية