الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (177)حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (177)حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )(1)

مشاهدات: 500

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 177)

حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )  الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــــ

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ))

رواه أبو داود بإسناد حسن ، ورواته ثقات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أبو هريرة ــــــ مرت ترجمته

قوله : (( لا تجعلوا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ لا ] ناهية

[ تجعلوا ] فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة

و [ الواو] ضمير مبني على السكون في  محل رفع فاعل

و [ الألف ] يؤتى بها للتفريق بين ” الواو ” التي للمفرد و ” الواو (( بيوتكم ))

ــــــــــــــــ

والبيت  :

هو ما يلجأ إليه الإنسان لراحته ونومه

وهذا البيت يختلف من عصر إلى عصر ومن حال إلى حال

فهناك من بيته خيام

من بيته من طين

من بيته من أسمنت وحديد

ومن بيته من هو أعظم وأعظم من هذا

ولذا أطلق هنا من أجل أن يعم الجميع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : (( لا تجعلوا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ لا ] ناهية

[ تجعلوا ] فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة

و [ الواو] ضمير مبني على السكون في  محل رفع فاعل

و [ الألف ] يؤتى بها للتفريق بينها وبين ” واو ” التي للمفرد .

(( بيوتكم ))

ــــــــــــــــ

والبيت  :

هو ما يلجأ إليه الإنسان لراحته ونومه

وهذا البيت يختلف من عصر إلى عصر ومن حال إلى حال

فهناك من بيته خيام

من بيته من طين

من بيته من أسمنت وحديد

ومن بيته من هو أعظم وأعظم من هذا

ولذا أطلق هنا من أجل أن يعم الجميع .

والنهي يقتضي التحريم كما هي القاعدة في الأصول

إلا إذا وجد ما يصرف هذا النهي ، ولا صارف له هنا ، فيكون الحكم :

(( تحريم اتخاذ البيوت قبورا ))

واتخاذ البيوت قبورا نوعان :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوع الأول :

ـــــــــــــــــــــ

أن يدفن في البيت بعض أهله أو من غير أهل البيت

وهذا هو ظاهر الحديث : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ))

ـــ وذلك لأن الدفن في البيوت تترتب عليه مفاسد كثيرة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولا :

ـــــــــــــ

أنه سبب للغلو في هذه القبور

والشريعة جاءت بحماية التوحيد ، وجاءت بسد الذرائع المفضية إلى الشرك

ثانيا :

ـــــــ

أن في هذا الدفن حرمانا لهذا المسلم المدفون في البيت من دعاء المسلمين  إذا زاروا المقابر

ثالثا :

ــــــــــ

أن فيه إلحاق الضرر بالورثة

فإن هذا البيت لو بيع فإنه لا يساوي إلا شيئا قليلا

رابعا :

ـــــــــــــ

أن في هذا الدفن في البيت يوجد وحشة ورهبة لأهل البيت ، وهذا معقول حسا

فإن النفوس تستوحش ولاسيما بالليل تستوحش من القبور

خامسا :

ــــــــــــ

أنه ربما ينهدم هذا البيت ثم يظهر هذا القبر ويُحتاج إلى البناء عليه مرة أخرى

والشريعة جاءت بالنهي عن البناء عن القبور

سادسا :

ـــــــــــــــ

أن في دفنه قد يحصل عنده من اللغو والرفث ما يتنافى مع زيارة القبور ومن الاتعاظ بها

في مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة ))

إلى غير ذلك من المفاسد التي تظهر للمتمعن في حكمة النهي من هذه الشريعة الغراء لهذا الأمر

ــــ ولكن قد يعارض هذا بما يحصل في دفن النبي عليه الصلاة والسلام في بيته ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيجاب عن هذا بأمور :

ــــــــــــــــــــــــــ

الأمر الأول :

ـــــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه خشوا أنه لو أبرز قبره لاتخذ مسجدا ، وقد مر معنا في ضبط كلمة :

[ خَشي ] [ خُشي ]

الأمر الثاني :

ـــــــــــــــــ

أنه ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام :

(( أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون ))

الأمر الثالث :

ـــــــــــــــــــــــ

إجماع الصحابة على ذلك ولم يتنازعوا فيه

فدل هذا على أن النبي عليه الصلاة والسلام مستثنى

الأمر الرابع :

ـــــــــــــــــ

أنه يترتب على دفنه خارج بيته مفاسد :

من بينها :

ـــــــــــــــ

ــ أنه قد ينال جسده بسوء

ــ وأنه قد يُتخذ هذا القبر وثنا ، وهو عليه الصلاة والسلام قد قال : (( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد ))

وهذا التوضيح قد مر معنا

ــ ** ولكن قد يعترض معترض بدفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في البيت ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيجاب عن هذا بما يأتي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولا :

ــــــــــــــ

إجماع الصحابة على ذلك ، ولم ينازعوا فيه

ثانيا :

ــــــــــ

أن الصحابة كانوا يقولون : جاء النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر

دخل النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر  وعمر

فتوافق الصحابة على أن يجتمع هؤلاء الأخيار بعد موتهم كما اجتمعوا في حياتهم

ولذا : ابن عباس لما وقف على عمر بعدما طعن قال :

(( وإني لأرجو أن يجمعك الله مع صاحبيك ))

ثالثا :

ـــــــــــ

أن عائشة رضي الله عنها رأت رؤيا من أنه يسقط في حجرها ثلاثة أقمار ، فسرها أبوها

وجاءت رواية أن المفسر لها هو النبي عليه الصلاة والسلام لكن فيه ضعف

ففسرها أبوها : إذ قال :

(( إن صدقت رؤياك فسيدفن في بيتك ثلاثة من خيار أهل الأرض ))

رابعا :

ــــــــ

أنه لم ينقل أحد من الصحابة أنهم دفنوا أحدا في بيته ، أو أن أحدا منهم أوصى بأن يدفن في بيته

خامسا :

ــــــــــــ

أن قوله : (( خَشي  )) أو على الضبط الآخر (( خُشي ))

يفهم من ذلك أن الأصل هو إبراز القبر

ـــــــــــــــــــــــــ

ينقل من ضمن الرد على من احتج بدفن النبي عليه الصلاة والسلام في بيته

ــــــــــــــــ

لكن لما لم يبرز دل على اعتبار آخر برر دفنه عليه الصلاة والسلام في بيته

ــــ لكن يُشكل عندنا أمر ، وهو :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” أن عائشة لما استأذنها عمر أذنت له ، وأثرت بذلك له مع أنها قالت : (( لقد أردته لنفسي ))

ففهم من هذا أنها تجوِّز مثل هذا

وإلا لما قالت : أردته لنفسي ؟

والجواب عن هذا :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذا اجتهاد منها ،  وهذا الاجتهاد لا يخرجنا عن الأصل وهو ” حرمة دفن الإنسان في بيته “

لكن قد يعترض عليه باعتراض :

وهو : [ أنها قالت هذا ونقل عنها ولم يُنكر عليها ؟]

فالجواب :

ــــــــــــــــ

أنه لم ينكر عليها فيما نعلمه في النقل لأن هذا لم يقع  ، وذلك لأنها فصَلَت في الموضوع ، ولما لم يقع مثل هذا فلا وجه لوجود الإنكار

فقوله : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا هو المعنى الأولى في اتخاذ البيوت قبور

المعنى الثاني :

ـــــــــــــــــــــــــ

لا تترك العبادة في البيت حتى لا تشبه القبور

وهذا يقرر ما سبق :

[ باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح ]

فهذا الحديث يدل على أن المقابر ليست محلا للعبادة

والمقصود : عبادة الله

أما : عبادة غيره فهذا مفروغ منه

لو قال قائل :

ــــــــــــــــ

أنَّى لكم هذا المعنى ؟

فإن هذه الجملة تدل على المعنى الأول أكثر من دلالتها على المعنى الثاني بل هي أظهر وأظهر ؟

فالجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ بأنه جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام :

(( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تخذوها قبورا ))

واستدل بهذا البخاري على أن القبور ليست محلا للصلاة ولا للعبادة

وتُعقب على البخاري بأن لفظة الحديث :

(( لا تتخذوها قبورا ))

بمعنى : لا تصلوا في هذه القبور

وهذا التعقيب معقب عليه : إذ جاءت رواية عند مسلم :

(( ولا تتخذوها مقابر ))

بينما جاء في الصحيحين :

(( قبورا ))

فائدة :

ــــــــــــــــ

في رواية مسلم :

[ لا تتخذوها مقابر ]

مر معنا في باب : [ ما جاء في التغليظ فيما عبد الله ]

مر  معنا أن النصوص الواردة هناك تتحدث عن الصلاة ، ولم تتحدث عن العبادات الأخرى ؟

وقلنا :

ـــــــــــــ

بأن ما ذكر هناك من نصوص ذكرت فيها عبادة الصلاة فحسب مع أن المؤلف جمع تحتها كل العبادات

هذا من باب القياس

لأن العلة في الصلاة هي العلة في سائر العبادات

وهي الخشية أن تُتخذ أوثانا من دون الله عز وجل

لكن :

من رواية مسلم ظهر لي أن النص كما جاء بالتصريح في النهي عن الصلاة عند القبور جاء بالنهي عن بعض العبادات عند القبور

فقوله :

(( ولا تتخذوها مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ))

فدل على أن المقابر لا يقرأ فيها كتاب الله

ويستفاد من هذه الرواية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ أن ما ذكره المؤلف فيما سبق ليس بالقياس فحسب بل بالدليل الوارد عند مسلم

ــ ويفيدنا أيضا :

ـــــــــــــــــــــــــــ

بأن القراءة للقرآن في المقابر منهي عنها مطلقا لا سورة ” يس ” ولا سورة ” الإخلاص ” ولا ” الفاتحة ” ولا غير ذلك

فقوله : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استفيد منها المعنيان السابقان

لكن المعنى الثاني له وجه أقوى تحت هذا الباب

كما ان المعنى الأول له وجه أقوى باعتبار ظاهر النص

فإن ظاهر النص يقضي بأن البيوت لا تتخذ قبورا

بمعنى : أن لا يدفن فيها

لكن المعنى الثاني : أخذ من قرينة الجملة التي قبلها

هنا  :

ألا يستفاد من هذه الجملة حرص النبي عليه الصلاة والسلام على حماية التوحيد ؟

بلى

لكن أهي أظهر في المعنى الثاني ام في المعنى الأول ؟

المعنى الثاني

لأنها عبادة الله عند القبور

وقوله : (( بيوتكم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البيت : هو ما يلجأ إليه الإنسان لراحته ونومه

والبيت : يختلف من عصر إلى عصر ومن حال إلى حال

والبيوت هنا : تشمل أي بيت

سواء كان البناء من خشب أو من جريد أو من طين أو من حديد

فهو شامل

ولذا أطلق هنا من أجل أن يعم الجميع

وكلمة : (( البيوت ))  أضيفت ، والإضافة تعم أي بيت ، سواء كان صغيرا أم كبيرا

سواء كان عظيما أم صغيرا

فأي بيت لا يجوز أن يتخذ قبرا

فكلمة ” بيوت ” أضيفت

والقاعدة :

ـــــــــــــ

[ أن الكلمة إذا أُضيفت إلى معرفة تدل على العموم ]