( فقه المعاملات )
( 13 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب البيوع )
( 13 )
( باب القرض )
[ القرض : مستحب وكل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم على قول ، وأفتى شيخ الإسلام بجواز قرض المنافع ]
الشرح :
القرض مستحب لورود الأدلة في ثواب من أقرض المحتاجين والذي يصح قرضه هو الذي يصح بيعه .
ما الذي يصح بيعه ؟ ما سبق معنا .
ولذا المعاملات مُترتب بعضها على بعض ، فكل ما صح بيعه صح قرضه .
هل يجوز أن تُقرض كلباً ؟
لا يجوز ، لِمَ ؟
لأنه لا يجوز بيعه .
هل يجوز أن تُقرض ميتةً ؟ لا يجوز ، لأنه لا يصح بيعها و هلم جرا .
[ إلا بني آدم ] بنو آدم المراد من ذلك الإماء والأرقاء .
هل يجوز أن تقرض لشخص ” أمة ” على أن يعيد بدلها ؟
اختلف العلماء في ذلك ،
والأقرب أنه لا يكون هناك قرض لها حتى لا يحصل تلطيخ وتدنيس للأعراض واختلاط المياه ، فلربما وقع عليها ، وشيخ الإسلام رحمة الله عليه يقول بجواز قرض المنافع ، وذلك أن يأتي المزارعان ويقول أحدهما : أحصد معك هذا اليوم ، وتحصد معي غداً ، فهذا قرض المنافع ، أو أسكني في بيتك سنة ، وأسكنك في بيتي سنة ، فيجوز .
مسألة :
يُملك القرض بقبضه ويثبت في ذمته حالاً .
الشرح :
يُملك القرض بقبضه ، لو أقرضتك ” ألفاً ” وقبضته فقد ملكته فيجوز لك أن تشتري بهذا ” الألف ” الذي أقرضته لك .
هذا الجهاز الذي أملكه ، مع أن المال مالي ، فيجوز أن يشتريه مني ، لِمَ ؟
لأنه ملكه ، وله أحقية التصرف ، لكنه يبقى في ذمته حالاً ، يعني يبقى في ذمته في الحال ، بمعنى اني لو أطالبه بعد ساعة من القبض فلي الحق في ذلك ،
لكن لو اشترط أن تكون المطالبة به بعد شهر بمعنى أن يكون هذا القرض مؤجلاً ، فقد اختلف فيه ، والصحيح أنه يجوز ، وقد ورد كما قال البخاري رحمه الله ورد عن كثير من السلف ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
مسألة :
إذا كان القرض مكيلاً أو موزوناً أو دراهم فيرد مثله ولو نقصت قيمته ، أما إن لم يكن كالثياب فيأخذ القيمة وله أن يأخذ مثيلة .
الشرح
أقرضت فلاناً من الناس صاعاً من التمر ، فما الذي عليه ؟ أن يعطيك صاعاً من التمر ، هذا هو القرض ( صاع ) بـ( صاع ) مع أن القبض لم يحصل .
هل هذا ربا ؟ ليس بربا .
قلنا في تعريف البيع : قلنا غير رباً وقرض .
هنا المقصود منه المعاوضة أم الإحسان والإرفاق ؟
الإحسان والإرفاق ، فإذا أقرضتك صاعاً من التمر ، تعيده لي صاعاً من التمر .
لو كان قرضي لك هذا الصاع من التمر ، هذا القرض في وقت القرض يساوي مائة ريال فلما جاء وقت التسليم إذا بالصاع يساوي خمسين ريالا ، هل ترد لي الصاع ، أم ترد القيمة؟
ترد لي ( صاع ) بـ( صاع ) ، ( كيلو لحم ) بـ( كيلو لحم ) بقطع النظر عن السعر ،
وشيخ الإسلام رحمه الله يقول : إن العدل أن يرد القيمة ، لأنه أحسن إليه ، فلما نقصت قيمته فيرد قيمة هذا المكيل والموزون .
[ والدراهم ]
أعطيتك مائة ريال تسلمها مائة ريال ، فلو أن هذه المائة لها قيمتها الشرائية وقت القرض ثم لا قدر الله ضعفت القيمة الشرائية للريال ،
فلما جاء وقت التسليم إذا بهذه المائة لا تساوي إلا نزراً يسيراً ما يشترى بها شيء كثير كالسابق ، فترد مثلها ، هذا هو المذهب مثل المكيل والموزون ، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول : إن نقصت فالعدل أن يعطيه القيمة ، ولكن الظاهر أنه يعطيه المثيل ، أما ما ليس بمثيل مثل الثياب الأصل فيها أنها ليست من المماثلة .
إذاً :
المثيل هو المكيل والموزون والدراهم ، أما ما ليس كذلك فإنه مُقوم ليس مثيلاً إنما هو مقوم ، ولذا لو أسلفتك ثوباً ، ففي أثناء الرد ترد لي قيمته ولا ترد لي ثوباً ، وإن رضيت بمثيله من الثياب فيجوز ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إناء بإناء )
مسألة :
لو منع السلطان التعامل بهذه العملة فيرجع للقيمة يوم القرض .
الشرح :
أسلفتك مائة ريال ، فلما جاء وقت السداد إذا بهذه المائة التغت عند الدولة فأصبحت العملة بالجنيهات
هل يضيع حقي ؟
لا ، وإنما يلزمك ما يماثلها وقت القرض ، ترد لي ما يماثلها وقت القرض ، فيكون الرد في القيمة ، هنا تعذر المثل ، فإذا تعذر المثل نرجع إلى القيمة من الجنيهات .
مسألة :
إذا تعذر رد المثل فترد القيمة وقت العوز .
الشرح :
كذلك ( صاع من التمر ) قرضاً ، فترده ( صاعاً من تمر ) لما جاء الوقت إذا بالتمر مفقود ليس هناك شيء فترد قيمة هذا الصاع ، وقت عوز وفقدان التمر .
مسألة :
شروط القرض :
أولاً :
[ أن يكون المُقرِض ممن يصح تبرعه ]
الشرح :
سبق معنا من يصح جواز تصرفه هنا من يصح تبرعه ، قلنا إن ولي اليتيم يجوز له إذا رأى المصلحة أن يبيع
[مثال]سيارات ورثها اليتيم من أبيه ، لأنه مأذون له في البيع ، لكن لا يجوز لولي اليتيم أن يقرض من مال اليتيم ، لِمَ ؟
لأن ولي اليتيم لا يحق له أن يتبرع فكذلك لا يحق له ان يقرض .
ففرق بين جواز التصرف وبين جواز التبرع ، فالذي لا يصح تبرعه لا يصح قرضه .
فإذا ً ولي اليتيم هنا يصح تصرفه ، لكن لا يصح تبرعه
ثانياً :
[ أن يكون المال معلوماً قدراً وصفة ]
الشرح :
نعرف قدره وصفته حتى نستطيع أن نرد مثله فإذا لم يعلم بمقداره ولا بوصفه فلا يمكن أن يكون هناك رد لهذا القرض .
مسألة :
الهدية في الشفاعة لا تجوز .
الشرح :
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
( من شفع لأخيه شفاعةً فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا )
وما يفعله البعض من أنه يجري معاملة لشخص عن طريق وساطة .
مثاله / يعرف شخصاً له مكانته عنده فيمرر هذه المعاملة لذلك الشخص ويأخذ على صاحب المعاملة مبلغاً من المال ، هذا حرام ، كذلك لو أهدى له هدية فلا يجوز .
مسألة :
كل قرض جر نفعاً مشروطاً أو متواطئاً أو نواه “ فربا ” ، أما لوزاده وقت الرد دون شرط أو مواطأة أو نية فمستحب ومن هنا لا تقبل هديته قبل الوفاء ، إلا إن جرت عادة سابقة أو نوى إسقاطها من الدين .
الشرح :
لو أقرضت شخصاً ( صاع تمر ) على أن يرده ومعه
( مد من البر ) هذا لا يجوز ، لأنه انتقل من الإرفاق والإحسان إلى المعاوضة ، ” وكل قرض جر نفعاً فهو ربا ” ، لكن لتعلم أنه ليس ” كل قرض جر نفعاً يكون ربا ” ، والمراد من ذلك كل قرض جر نفعاً مشروطاً بين المتعاقدين ، كأن يقول : أقرضك ( صاعاً من التمر ) نظير أن ترد صاعاً من التمر ومداً من القمح هذا مشروط ، أو مواطأ عليه ، كأن يتواطئا وأن يتفقا فيما بينهما ،
أو يكون هناك نية ،كأن يأتي شخص ويقرض شخصاً ” ألف ريال ” ، ولم يشترط عليه شرط ، فقال : أقرضه ألف ريال لعله أن يعطيني ألف ومائتين أو ألف وثلاثمائه فهذا ربا ، لِمَ ؟
لأن القرض خرج عن مقصوده وهو الإرفاق والإحسان إلى المعاوضة فلا يجوز ، فكل قرض جر نفعاً ، هذا النفع إن كان مشروطاً أو متواطئاً أو منوياً به فهو ربا ، لكن إن لم يحصل تواطؤ ولا نية ولا شرط فزادك ،
فيجوز أخذ هذه الزيادة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إن خيركم أحسنكم قضاءً )
لما استسلف من شخص بكراً ـ وهي الصغيرة من الإبل ـ ردها رباعياً أي كبيرة ، فقال الرجل هذه رباعياً وأعطيتك بكراً وهذه أنفس ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن خيركم أحسنكم قضاء ) ولذا يُستحب إن لم تكن هناك شروط أو مواطأة ، يُستحب للمقترض إذا رد القرض أن يزيده .
فإذاً كل قرض جر نفعاً بالشروط التي ذكرت ، ولذا الهدية قبل تمام سداد القرض لا تجوز ،
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
( إذا اقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه شيء فلا يأخذه فإنه ربا )
أو كما قال عليه الصلاة والسلام ،
ولذا قال عبد الله بن سلام كما في صحيح البخاري قال : إذا أقرضت أحداً فأهدى إليك حفنة من شعير فلا تقبلها فإنه ربا .
ولذا لو أقرضت شخصاً مبلغاً من المال فلا يجوز أن تقبل منه نفعاً ، إلا في حالتين :
الحالة الأولى :
أن تقبل منه هذا النفع وأنت تنوي أن تكافأه ، أو أن تُسقط وقت السداد نظير ما أهداه لك .
الحالة الثانية :
أو كانت هناك عادة جرت في التهادي بينكما وذلك أنه قبل القرض كان يهدي لك وتهدي إليه ، فهنا يجوز أن تقبل الهدية ،
أما إن لم يكن هناك عادة سابقة ، فإنه لا يجوز أن تقبل هذه الهدية ،
ولذا قال الفقهاء : لو أنه دعاه لوجبة يأكلها فلا يجوز أن يقبل لكن إن كانت دعوات عامة فمثله مثل غيره .
مسألة :
لو اشترط المقرض أن يسدده الدين في بلد آخر جاز ، وهذه هي السفتجة وعلى المدين ألا يجبر الدائن للإتيان إليه لإستراد قرضه لأنه محسن .
الشرح :
فلو أقرضت شخصاً في مدينة الرياض ، فلا يجوز له أن يكلفك ويقول يا فلان تعال خذ دينك من مكة لأنك محسن ، فلا يجوز أن يُسيء إليك ، صورة أخرى لو قلت يا فلان أقرضك ” ألف ريال ” لكن نحن في الرياض ، وأريد أن تدفع لي في مكة ، وهذا ما يسمى بالسفتجة ،.
مسألة :
تحرم المماطلة في السداد ، أما إن كان معسراً فيجب إنظاره ، وكذا لو كان غنياً وماله غائب .
الشرح :
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
( مطل الغني ظلم ) أي الغني إذا ماطل في السداد فمماطلته ظلم ، قال ( مطل الغني ظلم ) إذاً مطل الفقير الذي لا يملك شيئاً ليس بظلم ، وكذلك الغني الذي لا يماطل لأن ماله ليس موجوداً عنده فهذا ليس بظالم ، الظالم هو : الواجد للمال ويماطل أصحابه .
مسألة :
يستحب للمقترض أن يزيده في القضاء فإن لم يجد فيدعو له بقوله ” جزاك الله خيراً ” أو ” بارك الله لك في أهلك ومالك “
الشرح :
هذا مستحب لكن دون أن يكون هناك شرط أو تواطؤ لقوله عليه الصلاة والسلام :
( إن خيركم أحسنكم قضاء )
لكن إن لم تجد فلتدع له ، قال عليه الصلاة والسلام :
( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) ، ومن أحسن الأدعية:
جزاك الله خيراً لقوله عليه الصلاة والسلام ( من صنع إليه معروف فقال لصاحبه جزاك الله خير فقد أبلغ في الثناء ) والنبي عليه الصلاة والسلام لما سدد ديناً عليه قال لصاحبه ( بارك الله لك في أهلك ومالك ) .