الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 8 )

الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 8 )

مشاهدات: 476

شرح ( دليل الطالب لنيل المطالب )

الدرس الثامن

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

( ويكره في حال التخلي ، استقبال الشمس ، القمر ، ومهب الريح ، والكلام ، والبول في إناء ، وشَق ، نار ، ورماد )

الشرح :

ذكر رحمه الله بعض المكروهات أثناء قضاء الحاجة :

( استقبال الشمس والشمس ) ولهم عبارة أخرى ( يكره استقبال النيرين ) والنيران : هما الشمس والقمر ، وهذه الكراهة لا دليل عليها ، بل إنها تخالف حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في الصحيحين ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولا تستقبلوها ولكن شرقوا أو غربوا ) فهو في مثل هذه الحال سيستقبل أو سيستدبر الشمس ، فيرد هذا القول حديث أبي أيوب رضي الله عنه .

( ومهب الريح ) ويكره أثناء قضاء الحاجة أن يكون في مهب الريح ، وهذا من باب الاستحسان خيفة من أن يرتد إليه بوله ، وهذا مستحسن حتى لا يقع الإنسان في وسوسة مما يمكن أن يرتد عليه من البول من هذه الريح ، فليجتنب المسلم المكان الذي تهب فيه الريح .

( والكلام ) ويكره الكلام أثناء قضاء الحاجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سلَّم عليه رجل وهو يقضي حاجته لم يرد عليه السلام )  كما في حديث أبي جهيم (  فلما فرغ أتى إلى الحائط فتيمم ثم رد السلام ، وقال إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ) فهذا هو دليلهم ، لكنه دليل ليس في محل النزاع ، لم ؟ لأن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم إما لكونه يقضي حاجته أو لكونه لا يحب أن يذكر الله إلا على طهارة ، وقد ورد حديث فيه مقت الله سبحانه وتعالى على من يفعل ذلك ، لكنه حديث ضعيف .

( والبول في إناء ) ويكره البول في إناء ، ولكن هذا القول يمكن أن يرد ، لما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أميمة ( كان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه ) فمن ضعَّف هذا الحديث ،فالقول كما قال الماتن ، ومن صححه فإن هذا الحديث يرد عليه ، ولكن متى ما أتت حاجة فلا يكره ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم في مرض موته ( دعا بطست فبال فيه ) وكذلك ثبت عند مسلم أن أبا موسى رضي الله عنه ( بال في إناء ) فالأمر في ذلك واسع .

( وشق ) الشق هو : الجحر ، وأما حديث عبد الله بن سرجس ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر ، قيل لقتادة لم ؟ قال : يقال إنها مساكن الجن ) فهذا الحديث ضعيف ، لكن الكراهة باقية ، لم مع أنه لا دليل صحيح ؟ لأن بوله في الجحر عرضة إلى أن يؤذى
أو يتأذى غيره من الدواب ، فربما هناك تكون دابة فيؤذيها وربما أن تؤذيه .

( ونار ) ويكره البول في النار ، قالوا لأنه يورث السقم ، واحتمال أن الشياطين تكون حاضرة ، ولكن لا دليل على  ذلك ، وكون الإنسان يبتعد هذه مثل هذه الأماكن أفضل وأطيب .

( ورماد ) ولا دليل على الكراهة كما سبق في ( النار ) لكن إن كان هناك فحم في الرماد فلا يجوز ، لما جاء في السنن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استقبل الجن ، قالوا له يا محمد إنْهَ أمتك من أن تستجمر بعظم أو روث أو حممة ، فإن الله جعل لنا فيها طعاما )

والحممة : هي الفحم ، فالفحم لا يجوز الاستجمار به ، ومن ثم لا يجوز أن يبال أو أن يتغوط عليه ، لأن الفحم طعام إخواننا من الجن .

قال رحمه الله :

( ولا يكره البول قائما )

هل يكره البول قائما ؟ قال بعض العلماء : يكره ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت كما في سنن النسائي ( من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا جالسا )

وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا ( إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم )

والصواب / أن بول الإنسان  قائما لا بأس به ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حذيفة ، وما ورد عند الحاكم من أن النبي صلى الله عليه وسلم ( بال قائما من جرح في مأبضه ) و المأبض هو ما كان خلف الركبة ، فمنعه أن يبول قائما هذا الجرح في المأبض ، فهذا الحديث ضعيف .

فخلاصة القول أن البول أثناء الجلوس أفضل وأحسن ، لأن هذا معظم حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن بال قائما فلا بأس بذلك ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، بشرطين :

  • أن يأمن من أن يصيبه شيء من البول .
  • وان يأمن من أن يرى عورته أحد .

قال رحمه الله :

( ويحرم : استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل ، ويكفي إرخاء ذيله .

وأن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك ، وظل نافع ، وتحت شجرة عليها ثمر يقصد ، وبين قبول المسلمين .

وأن يلبث فوق حاجته )

الشرح :

( ويحرم : استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل ، ويكفي إرخاء ذيله  )

هذه مسألة متشعب الخلاف فيها ، والأقوال فيها كثيرة ، لكن خلاصة القول فيما يظهر أن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء حرام ، إلا إذا كان هناك حائل ، والدليل ما جاء عند أبي داود ( أن ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته وبال مستقبل القبلة ، فقيل له : ألم ينه عن ذلك ؟ فقال رضي الله عنه : إنما نهي عنه في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس )

وأما في البنيان : فإن الأحوط ألا يستقبل القبلة ، ولكن لو استقبلها فلا جناح عليه ، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر القبلة في البنيان لما كان في بيت حفصة ، كما جاء في الصحيحين .

وهذه المسألة كثرت فيها الأقوال ، والأدلة فيها قوية ، لكن ما يظهر لنا أن ذلك محرم في الصحراء ، أما في البنيان فنرى عدم فعل ذلك ، لكن لو فعل فلا بأس .

ولذلك قال الماتن رحمه الله ( ويكفي إرخاء ذيله ) يعني لو أنه بسط ثوبه كفى ، فإنه يعد حائلا ، ولولا التزامنا بالاختصار لبينا هذه المسألة أكثر من ذلك .

( وأن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك ) فيحرم أن يبول أن يتغوط في طريق مسلوك ، أما إذا كان طريقا غير مسلوك ، فإنه يخرج من هذا الحكم ، لماذا الطريق المسلوك ؟ لأن البول فيه أذية للمسلمين ، ولذلك جاء في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اتقوا اللاعنين ، قالوا ما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ) وجاء في السنن ( اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) فمن هذين الحديثين أُخذ هذا الحكم ، وقاس عليه العلماء كل مكان يكون التخلي فيه ، فيه أذية للمسلمين فيما يتعلق بأمور دينهم أو أمور دنياهم ، فمجمع الناس لا يجوز أن تقضى الحاجة فيه .

( وظل نافع ) كما سبق في الحديثين السابقين ، وقال ( وظل نافع ) لأن هناك من الظل ما يجوز أن تقضي حاجتك فيه ، وهو الظل الذي لا ينتفع فيه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ( قد استتر بشجرتين لما قضى حاجته ) ومعلوم أن الشجرتين لهما ظل ، فالظل الذي ينتفع به الناس ويقصدونه لا يجوز التخلي فيه ، أما إذا كان لا يقصد ولا ينتفع منه فلا بأس .

( وتحت شجرة عليها ثمر يقصد ) وكذلك الشأن في قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة التي ينتفع بثمارها ، أما إذا كان لا ينتفع بثمارها فلا بأس .

( وبين قبور المسلمين ) فقبور المسلمين لا يجوز التخلي فيها ، لأن المسمين لهم حرمة في محياهم وفي مماتهم ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور تعظم أهل القبور وتحفظ لهم حقهم ، ونهى عن أن يفعل معهم أشياء ترفعهم فوق منزلتهم ، فالإسلام عظيم ووسط ، احترم أهل القبور ، ونهى عن أن يرفعوا فوق منزلتهم ، كتجصيص القبور أو الكتابة عليها ، فهذا كله محرم ، كذلك نهى الإسلام أن يقعد على القبر أو أن يوطئ ، احتراما له ، فكذلك الشأن في قضاء الحاجة ، فلا يجوز بين قبور المسلمين أن تقضى الحاجات ، ولذلك جاء عند ابن ماجة قوله عليه الصلاة والسلام ( لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أم في السوق ) فإذا كان الإنسان يشنع عليه إذا قضى حاجته في السوق لأنه مجمع الناس ، فكذلك الشأن في قبور المسلمين ، لم ؟ لأن هذه القبور كما قال ابن القيم رحمه الله قال ” إنها بمثابة أفنيتهم التي هي محل تزاورهم وتلاقيهم ” فهم يتلاقون ويتزاورون .

( وأن يلبث فوق قدر حاجته )

يحرم أن يلبث فوق حاجته من غير حاجة ، لأن هذا يورث السقم ، فتتولد الأمراض من ذلك ، ولأن فيه كشفاً للعورة من غير حاجة ، فالماتن رحمه الله يرى أنه يحرم ، بينما علماء آخرون يرون الكراهة ، ولا أظن أن هناك شخصا له ذوق سليم يبقى بعد قضاء حاجته في الخلاء من غير مبرر ، ولذلك قال بعض السلف ” إن من مساوئ كثرة الأكل أنه يحوجك إلى دخول الخلاء كثيرا ” فأفهم رحمه الله أن تقليل الطعام مطلوب ، ويكفي من مزايا تقليل الطعام أنه يقلل دخولك إلى الخلاء .

أسئلة :

س1: ما حكم المشي بين القبور بالنعال ؟

ج1 : المشي بين القبور بالنعال ليس محرما ، ولكن الأفضل ترك ذلك ، أما قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يا صاحب السبتيتين الق سبتيتيك ) وهما نعلان ، فأمره أن يلقي بنعليه ، هذا من باب التنزه ومن باب الأفضلية ، أو قد يكون هذا الشخص لم يراع في مشيته أهل القبور ، أو لم تكن هناك حاجة ، إما إذا كانت هناك حاجة فلا بأس ، كأن تكون هناك حرارة في الأرض أو شدة برودة أو شوك لو خلع نعليه لتضرر ، فإنه غير منهي عنه ، لم ؟ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر أن الميت بعد الدفن يسمع قرع نعال أصحابه ، فإذاً الأصل أن الأفضل عدم المشي بين القبور بالنعال ، هذا هو الأفضل والأكمل والأحسن ، لكن إن تضرر أو تأذى فلا بأس .

س2 : هل كلمة الأحوط تدل على التحريم ؟

ج2  : هذه الكلمة ترد على لسان الأئمة القدامى ( لا ينبغي ) أو( الأحوط ) فإذا أتت على لسان العالم المجتهد فإنها لا تدل على التحريم إنما تدل على الأفضلية .