الدرس (23) الاستجمار والاستنجاء (2) ( عدد مرات الاستنجاء والاستجمار وعلامة الإنقاء وحكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله)

الدرس (23) الاستجمار والاستنجاء (2) ( عدد مرات الاستنجاء والاستجمار وعلامة الإنقاء وحكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله)

مشاهدات: 461

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الثالث والعشرون

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسائل في الاستجمار والاستنجاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يسن قطْعُه على وتر]

وعلامة الإنقاء في الاستجمار: [ أن يرجع إليك الحجرُ غير مبلول]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح / هذه المسألة لها فرعان :

الفرع الأول : أنه يسن قطع الاستجمار على وتر حتى لو حصل الإنقاءُ بأقل من ذلك

مثاله: لو أن الإنسان استجمر بثلاثة أحجار فلم يحصل معها إنقاء، فزاد رابعة فحصل الإنقاء، والرابعة شفع فيسن له -والحالة هذه – أن يزيد خامسة ليقطع استجمارَه على وِتر.

ــ وكذلك لو حصل الإنقاء بست فيزيدُ سابعة، وهلم جرا.

 

والواجب في المسحات:

أن تَعُمَّ كلُّ مَسْحة المَحَل، فلا تعد مسحة فيما لو مسح بحجر واحد معظمَ المحل، بل لابد أن تكون المسحة شاملة للمحل كلِّه.

 

ودليل سُنّية قَطْعِه على وِتر، ما جاء عند البخاري:

قوله عليه الصلاة والسلام: (( من استجمر فليوتر ))

فقوله عليه الصلاة والسلام: ” فليوتر ” صيغةٌ من صيغ الأمر وهو الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر

والقاعدة المقررة في الأصول: [ الأمر يقتضي الوجوب]

ولكن عُدِلَ عن الحكم بالوجوب لما جاء في سنن أبي داود وحسنه ابن حجر قوله عليه الصلاة والسلام :

” مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ “وضعفه الألباني .

 

ويؤيد مشروعيةَ الإيتار: حديث سلمان رضي الله عنه قال :

(( نهانا النبي ﷺ أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار )) والثلاثة وِتر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثاني/ ما علامة وأمارة الإنقاء في الاستجمار؟

قال بعض العلماء علامته : [ أن يرجع إليك الحجر غيرَ مبلول ]

وقال بعض العلماء : [ أن يبقى أثرٌ من النجاسة لا يُزيله إلا الماء ]

 

فهذان ضابطان

ولكن الأضبط ُفي نظري حتى لا تُصبح المسألة عائمة، هو ضابط من يقول :

[ أن يعود إليك الحجر غير مبلول ]

 وذلك أن القول ببقاء أثر لا يزيله إلا الماء يتفاوت فيه الناس، فمن مقصر ومن متشدد، فالمقصر متساهل والموسوس متشدد ، وبقاءُ هذا الأثر لا يدل على عدم صحةِ الصلاة مع وجوده، وذلك لما سبق من حديث عند أحمد وأبي داود: (( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليتسطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه ) )

بل لو أن العرق سال من دبره فوصل إلى سراويله بعد وجود ضابط الإنقاء، فالصحيح كما قال شيخ الإسلام رحمه الله  :أنه مجزئ ، ولا يكون هذا السيلان مانعا له من الصلاة .

والمذهب لا يرى صحة هذا الاستجمار فيما لو حصل ما ذُكِر، ولكن القوَل ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : [الاستنجاء قد يحصل بغسلة واحدة على الصحيح،

 وضابط الإنقاء في الاستنجاء: أن تعود خشونة المحل، وغلبة الظن كافية في ذلك دفعا للحرج]

 

الشرح/ هذه المسألة لها ثلاثة فروع  :

الفرع الأول: أن الاستنجاء يحصل ولو بغسلة واحدة  :

خلافا للمذهب فإن المذهب يرى  :

[ أن الانقاء لو حصل بأقل من سبع غسلات فلا يكون مجزئا حتى يكمل السبع ]

ويستدلون بحديث: [ ( أمرنا بغسل الأنجاس سبعا )]

 

القول الثاني : وهو الراجح: أنه متى ما حصل الإنقاء بغسلة أو بغسلتين أو بثلاث غسلات أو بأقل أو بأكثر فإن ذلك مجزئ، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين  :

من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : “كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيخر ج النبي ﷺ من الخلاء فيستنجي بالماء ” ولم يذكر عددا، وهذا هو الدليل الأول

 

الدليل الثاني/ أن الأصل في حكم النجاسة أن تزول بقطع النظر عن العدد

وإنما اعتُبر العددُ في الاستجمار لورود النص

 

أما الرد على القول الأول :

الأمر الأول : أن ما ذكرتم من حديث، فهو حديث ضعيف، ولو صح لكان فيصلا في المسألة لكنه ضعيف، والضعيف لا تقوم به حجة

الأمر الثاني: أن الماء أبلغ في التنظف من الحجر ومع ذلك جعلتم في الماء عدداً كثر منه في الاستجمار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثاني/ [أن ضابط الانقاء في الاستنجاء بالماء هو أن تعود خشونةُ المحل]

وذلك لأن المَخرَجَ في أصله خشن، فبنزول هذه الفَضْلَة تزولُ هذه الخشونة، فإذا غُسِلَت بالماء فعادت هذه الخشونة فقد حصل الإجزاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثالث: [أن غلبة الظن في علامة الإنقاء كافية دفعا للحرج]

وذلك لأن غلبة الظن فيما يتعسر أو يشق معرفة اليقين فيه كافية، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها في صفة غُسل النبي ﷺ : (( فغسل رأسه حتى إذا ظن أنه أروى بشرته ))

والشريعة في قواعدها العامة تدفع المشقة وتأتي باليسر، والأدلة على ذلك كثيرة  :

فمن الكتاب  :

ـــ   قوله تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }

ـــ وقوله تعالى { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ }

ــ وقوله تعالى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }

 

ومن السنة :ـ قال عليه الصلاة والسلام ( يسروا ولا تعسروا )

 

ولذا استنبط العلماء من هذه النصوص قاعدةَ [ المشقة تجلبُ التيسير ]

واستنبطوا من هذه النصوص ومن حديث من سها في صلاته قال عليه الصلاة والسلام :

(( فإذا شك أحدكم فليتحر الصواب وليتم عليه ))

فاستنبطوا قاعدة  : [ أن اليقين إذا تعذر رُجع إلى غلبة الظن ]

وهذا القواعد تفيد طالب العلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يجب الاستنجاء لكل خارج من السبيلين، ويُستثنى النجس اليابس والريح والمني]

الشرح/ هذه المسألة فيها بيانُ حكمٍ بالوجوب، وهو: وجوبُ الاستنجاء لكل ما خَرَجَ مِن السبيلين، والسبيلان هما: القبل والدبر، ويستوي في ذلك المرأة والرجل .

وذلك لأن هذا الخارجَ نجِس فنجاستُه تُوجبُ غَسْلَهُ،

والأدلة على ذلك كثيرة:

مِن فعله عليه الصلاة والسلام

ومن قوله ، إذ قال : (( استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ))

ولو لم يستنج لما تنزّه منه

بل ما جاء في الصحيحين: في قصة الرجلين الذين يعذبان قال عليه الصلاة والسلام :

(( أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ))

لكن العلماء استثنوا ثلاثة أشياء فلا يلزم معها الاستنجاء:

الأول/ النجس اليابس:

وذلك كأن تخرجَ حصاةٌ مِن قُبُلِ أو من دُبُر الإنسان، وهي يابسة ليس فيها أثر من آثار الرطوبة، فلا يجبُ الاستنجاء، وذلك لعدم وجود النجاسة

والقاعدة كما سبق : [ أن الحكمَ يدور مع علته وجودا وعدما ]

وإذا انتفت العلة انتفى المعلول، وإذا وُجدت العلة وُجد المعلول.

 

الثاني/ الريح:

فهذه الريح هو الضُّراط أو الفُساء، لا يجب من خروجه الاستنجاء، وذلك لطهارته على الصحيح

وأما حديث: ” من استنجى من الريح فليس منا ” فهو حديث ضعيف جدا، ولو صح لكان الاستنجاء من الريح محرما بل كبيرة.

وبعض العلماء يقول:

[ إن الريح إذا صادفت في خروجها المحل وهو رطب: فإنها نجسة ] ولكن الصحيح: عدم النجاسة وذلك لعدم الدليل بل إن النبي ﷺ قال كما في الصحيحين :

(( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ))

ولم يأمره عليه الصلاة والسلام بالاستنجاء من خروج هذه الريح إذا أعاد الوُضوء، وقد فَسّرَ أبو هريرةَ رضي الله عنه لما سُئل عن الريح؟ قال: فُساءٌ أو ضُراط .

الثالث مما استُثني من عدم وجوبِ الاستنجاء/ المني:

وذلك لأن المني طاهر على القول الصحيح من أقوال العلماء، وسبقت هذه المسألة وهي مسألة طهارة المني ، وهذا على القول بأنه طاهر؛ وأما على قول من يقول بأنه نجس: فيجبُ الاستنجاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله مكروه ويجوز عند الحاجة

وأما إدخال القرآن في الخلاء فمحرم ويجوز عند الضرورة كأن يخاف عليه من السرقة]

 

الشرح/ هذه المسألة لها فروع :

الفرع الأول: أن يدخل بشيء في ذِكر الله عز وجل، فهذا كرهه العلماء:

وذلك لأن ذكر الله عز وجل ينزه عن هذه المواطن، والذي دعاهم إلى القول بالكراهة وعدم القول بالتحريم هو دخول النبي ﷺ :

(( بخاتمه في الخلاء وكان هذه الخاتم مكتوب عليه محمد رسول الله ))

فلذا جعله العلماء من قبيل المكروه

 

أما ما جاء أنه ﷺ: ” كان إذا دخل الخلاءَ وَضَعَ خاتَمَه ” فهذا حديث ضعيف

 

ولكن الدخول بالأوراق التي فيها ذكر الله عز وجل  :

عند الحاجة تجوز للقاعدة الفقهية [ المكروه تبيحه الحاجة]

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله:  ” الدراهم التي فيها التهليلة يجوز الدخول بها في الخلاء “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثاني/ [إدخال القرآن إلى الخلاء محرم]

وذلك بناءً على الأصل:

ــ قال تعالى :{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }

ــ وقال تعالى :{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ   }

ــ وقال تعالى :{ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ   (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ   (79)   }

 

وفرق بين الذكر وبين القرآن  :

وذلك لأن القرآن أعظم من الذكر، ولأن فِعلَ النبي ﷺ بدخوله الخلاء وفي هذا الخاتم ذِكر لفظ الجلالة يُخفف حكم الذكر، ولكنه يجوز عند الضرورة أن يدخل به في الخلاء

وذلك للقاعدة الفقهية: [ لا محرم مع ضرورة ]

وللقاعدة الأخرى: [ الضرورات تبيح المحظورات ]

وذلك كأن يخافَ عليه من أن تناله يدُ كافر بسوء، فعند ذلك يجوز له أن يدخل به في الخلاء لأن هذا الأمر فيه صورة من صور الضرورة

 

ولو قال قائل : الشريط الذي به قرآن هل يأخذ هذا الحكم؟

الجواب/ الظاهر عدم دخول الشريط الذي فيه قرآن في هذا الحكم، وذلك لعدم ظهور الحروف في هذا الشريط بخلاف المصحف، وإن تورع فهو خيرٌ له.