الدرس (24)الاستجمار والاستنجاء (3)(حكم الوضوء قبل الاستنجاء والاستجمار وقضاء الحاجة في مهب الريح والجحر ورفع الثوب )

الدرس (24)الاستجمار والاستنجاء (3)(حكم الوضوء قبل الاستنجاء والاستجمار وقضاء الحاجة في مهب الريح والجحر ورفع الثوب )

مشاهدات: 542

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الرابع والعشرون

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [يسن ألا يرفع ثوبه عند قضاء الحاجة حتى يدنو من الأرض]

الشرح/ دليل هذه المسألة: ما جاء في سنن أبي داود ان النبي ﷺ كان لا يرفع ثوبه إذا أراد قضاء الحاجة حتى يدنو من الأرض: ” كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ “

 

 والقول بالسنية بناء على ما قُرر في الأصول [ أن الفعل المجرد منه عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب ]

والتعبير بـ( كان ) تقيد الاستمرار على الفعل.

 

ويكونُ هذا الفِعل في الفضاء: لأنه في البنيان إذا كان في بيت الخلاء فالعلة منتفية، وهي: علة الخوف من أن يُنظر إلى عورته،

 أما لو كان قضاء الحاجة في بنيان في غير مكان مُحاط بجدران: فهذا الحكم ينطبق عليه.

 وهذه السنية يشترط فيها: ألا تكون على مرأى من أحد

 فإن كان هناك من يراه: فيجب هذا الفعل.

 أما إذا لم يكن هناك من يراه: فتبقى السنية زيادة في التستر.

فلو قال قائل / لماذا أخرجتم بيت الخلاء؟

الجواب/ للعلة السابقة، ولأن الراوي لهذا الفعل لا يراه إلا وهو في مكان مكشوف.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يجيب المؤذن في الخلاء سرا بقلبه]

الشرح/ إذا كان يقضي حاجتَه وهو في بيت الخلاء فسمع المؤذن فإنه يُجيبه سرا بقلبه.

وقال بعض العلماء: ولو تلفظ به.

ومثله لو عطس فحمد الله: قيل يكون بقلبه دون تلفظ، وقيل لا يكره التلفظ سرا.

 

 ويمكن أن يُستدل على هذه المسألة، وليس هذا الاستدلال بواضح تمام الوضوح، يمكن أن يستدل بقول أبي أيوب كما في الصحيحين: ” فقدمنا إلى الشام فوجدنا مراحيض بنيت تجاه القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله ” فإذا قيل إن هذا الاستغفار داخل الخلاء فهو محتمل أن يكون هذا الاستغفارُ استغفارا قلبيا ويمكن أن يكون استغفارا لفظيا؛ ويمكن أن يكون هذا الاستغفار خارجَ الخلاء وذلك لأن ( الواو ) تقتضي مطلقَ المشاركة ولا تفيد ترتيبا وتعقيبا،

ومِن ثَم فالأولى أن يكون هذا الذكر بالقلب: وذلك لأن هذا الذكر لا يعدو أن يكون مسنونا وهو متابعة المؤذن، ولذا النبي ﷺ كما جاء عند مسلم وغيره: لما سُلَّم عليه، قال: ” كرِهتُ أن أذكر الله على غير طهارة ” وكان هذا السلام ملقى عليه، عليه الصلاة والسلام وهو يقضي حاجته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [الأحوط ألا يتوضأ وألا يتيمم حتى يستجمر أو يستنجي مما يجب لهما، إلا إن كانت النجاسة غيرَ خارجة من السبيلين أو كانت منهما على غير السبيلين ]

 

الشرح/ هذه المسألة وهي مسألة الوضوء أو التيمم قبل الاستجمار أو الاستنجاء:

 وصورتها: لو أن شخصا بعدما قضى حاجته تيمم أو توضأ قبل أن يغسل ما تلوث به المخرج، ثم لما فرغ من الوضوء أو التيمم غسَل مخرجه، فهل يصح هذا الوضوء أو هذا التيمم؟

الجواب /  قولان لأهل العلم:
القول الأول/ لا يصح وضوءٌ ولا تيمم قبل الاستنجاء أو الاستجمار:

 وذلك لأن النبي ﷺ قال كما في الصحيحين في شأن على بن أبي طالب رضي الله عنه لما كان مذاء،

 قال ( يغسل ذكره ويتوضأ ) فقدم عليه الصلاة والسلام غَسْلَ الذكر قبل الوضوء، وما كان مقدما في النص فهو مقدم في حكم الشرع، فما قُدِّمَ إلا لاعتباره،

 وهذه قاعدة مضطردة ما لم يأت دليل يجعل المتأخر هو المُعتَبَر،

 ودليل هذه القاعدة: أن النبي ﷺ كما في صحيح مسلم لما دنا من الصفا قال { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ” أبدأ بما بدأ الله به ” فبدأ عليه الصلاة والسلام بالصفا في سعيه، وذلك لأن الله عز وجل ذكر الصفا قبل المروة فقال تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ولذا لو بدأ الإنسان بالمروة في سعيه سقط شوط،

 فكونه عليه الصلاة والسلام يُقدم غَسْلَ الذكر على الوُضوء دل على اعتبار الاستنجاء قبل الوضوء، وأخَذَ التيممُ حكمَ الوُضوء لأنه بَدَل مِن الوُضوء عند عدمِ الماء أو عند وجوده مع العجز، وكلتاهما طهارتان: طهارة بماء وطهارة بتراب.

الدليل الثاني/ ما جاء عند النسائي قول النبي ﷺ  ( يغسل ذكره ثم يتوضأ ) فأتى ب(ثم ) هنا وثم تفيد الترتيب والتراخي فدل على وجوب غسل الذكر قبل الوضوء بإفادة معنى ( ثم )

وقوله عليه الصلاة والسلام ( يغسل ذكره ) هذه خبر ويراد منه الأمر، أي: لِيَغسِلْ ذَكَرَه

.

الدليل الثالث /  أن في هذا الفعل بُعدا للإنسان عن أن ينتقض وُضوؤه لاضطراره لمسِّ فَرْجِه لإزالة هذا الخَبَث.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الثاني/ أن الوضوءَ والتيمم يصحان قبل الاستنجاء والاستجمار:

 ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين فقدم عليه الصلاة والسلام ( توضأ وانضح فرجك ) فقدم عليه الصلاة والسلام الوُضوءَ قبل الاستنجاء والاستجمار،

 ومن ثم: فإن القاعدة التي ذكرها أصحابُ القول الأول قد انتقضت في هذه المسألة،

 

 أما قولكم: بأن الإنسان سيضطر إلى مس فرجه من ثم ينتقض وضوءه فليست علة في عدم الصحة ،

وذلك لإمكان إزالةِ هذا الأذى بحائل كالحجر أو الورق ونحوهما،

 وأما ما استدللتم به مما جاء عند النسائي: فهو حديث ضعيف ، ولو صح لكان كما قلتم لكنه حديث ضعيف لانقطاعه كما قال ابن حجر رحمه الله،

 

 ومِن ثم: فإن التيمم والوضوء يصحان، والأحوط في المسألة: أن يستجمر أو يستنجي قبل أن يتوضأ أو يتيمم لوجود ما يدل على هذا:

 وإذا تعارضت الأدلة وهي قوية فمسلك الاحتياط مُعتَبَر شرعا، وسبق ذِكْرُ ذلك في مسألة استقبال القبلة ببول أو غائط، وذكرنا هناك الأدلة على اعتبار الشرع لهذا الاحتياط،

 

 ولْتعلم أن هذه المسألة في حالة ما إذا كان المُوجِبُ للُوضوء قد انقطع:

 أما إذا كان لم ينقطع فلا يصح، وذلك كأن يكون الخارجُ مستمرا ويتوضأ، أو منقطعا لكنه ينتظر خروجَ بقيته، فإنه لو توضأ والحالةُ هذه فلا يصح؛

 ولذا سيأتي معنا: أنه من شروط صحة الوضوء انقطاع مُوجِبِه،

 ولْتعلم أيضا: أن هناك صورا تخرج عن مسألة هذا الخلاف، ومن هذه الصور ما يأتي :

أولا/ لو توضأ وعلى جسمه نجاسة على غير أعضاء الوضوء (وإذا قلت الوضوء فلْيُفهم أن التيمم يأخذ نفسَ الحكم ) فلو كانت النجاسةُ مثلا على ساقه سواء كانت هذه النجاسة خارجة منه أو من غيره:

 فإن وضوءه يصح، لعدم الدليل على عدم الصحة.

 ومثلها: لو كان على مخرجه نجاسة خارجة من غير هذا المخرج، وذلك كأن تقع نجاسة على ذكره،

 فلو توضأ صح وضوءه،

 فالمسألة محصورة فيما لو كانت هذه النجاسة خارجة من مخرجها.

ولا يعني هذا أن يُبقي النجاسة! وإنما المراد: هل هذا الوضوء يصح أم لا ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [لو انسد المخرج الأصلي وفُتح له مخرج آخر فلا يجزئ غير الماء]

الشرح/ عافانا الله وإياكم من كل بلاء، صورةُ هذه المسألة:

 لو أن شخصا تعطّل مخرجه الأصلي، فاضطر إلى فتْحِ مخرَجٍ آخَر مِن بدنه، فخروج هذه النجاسة من غير مخرجها الأصلي لا يُجزئ في تطهيرها إلا الماء ، وذلك لأن المخرج الطارئ لا يأخذ أحكام المخرج الأصلي، وذلك لأن النصوص إنما جاءت بذكر أحكام المخرج الأصلي،

 وسيأتي في ثنايا مسائل متعددة ما ذكره الفقهاء حول القبل والدبر الأصليين، ولتحصر ذهنَك في هذه المسألة على قضية صحة الاستجمار من عدمه حتى لا يلتبس عليك ما سيأتي من مسائل حول خروج هذا النجس، هل ناقض للوضوء أو غير ناقض ؟ فمصبُّ هذه المسألة على صحة الاستجمار من عدمه إذا خرجت النجاسة من غير مخرجها الأصلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

مسألة/ [لا تكلف الثيب أن تغسل داخلَ فرجها]

الشرح/ صورة هذه المسألة:

 المرأة الثيب لو خرج من مخرجها، أي: من فرجها نجاسة أو مني، فلا تكلف على الصحيح أن تدخل أصبعها لإزالة هذه النجاسة أثناء الاستنجاء، ولا تكلف بإدخال أصبعها لإزالة المني أثناء الاغتسال، وذلك لعدم النص،

فإن كل زوجات النبي ﷺ ثيبات ما عدا عائشة رضي الله عنها، وهي أيضا بعد جماعه عليه الصلاة والسلام لها أصبحت ثيبا، ولم يرِد عنه عليه الصلاة والسلام ولا عنهن ما يدل على هذا الفعل؛

 وإنما قال الفقهاء بالتفريق بين الثيب والبكر، ولم يدخلوا البكرَ هنا، لأن البكر عَذَرَتُها بارزة بخلاف الثيب فإنها داخلة.

ولذا/ يستحبون بأن تبدأ البكر بغسل فرجها قبل دبرها، ولا دليل عليه، وهو مستحسن أن يُفعل لكن لا يفعل على أنه عباد،ة يستحبون بأن تبدأ البكر بغسل فرجها قبل دبرها ، وذلك لأنها لو غسلت دبرها أولا قد تتلوث يدها بعذرتها البارزة في فرجها،

 ومثل البكر الرجل فلو بال وتغوط فحسن به أن يبدأ بغسل ذكره قبل دبره إبعادا له عن ملامسة النجاسة وفي ذلك سهولةٌ ويسر عليه،

 بينما قالوا في الثيب إذا بالت وتغوطت، قالوا: تُخيّر وذلك لأن عذرتها غيرُ بارزة .

ومثل مسألتنا مثلما قيل في الثيب: يُقال في الأقلف وهو غير مفتوق الحشفة .

وصورتها: لو أن شخصا لم يختتن فلا يكلف بضغط هذه الحشفة أو القلفة لإخراج ما بقي من نجاسة وذلك لوجود المشقة، أما إذا كانت هذه القُلفة ما زالت باقية ولكنها مفتوقة فيلزمه لعدم وجود المشقة،

وهل يجوز له بناء على ما ذكر هنا أن يترك الختان  ؟

ستأتي المسألة في بابها بإذن الله ، ولكن هذه المسألة بناء على قول من يقول إن الختان سنة، أو بناء على قول من يقول إن الختان واجب ويسقط مع وجود الضرر ،

وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في بابها بإذن الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [يكره قضاء الحاجة في مهب الريح وفي الجحر وفي النار وفي الرماد كما قال بعض الفقهاء]

 

الشرح/ هذه المذكورات للفقهاء عليها أدلة، ولكنها أدلة تعليلية:

 ومِن ثم: حكموا بأن فِعلَ هذه الأشياء من الكراهة،

 ولكن الصحيح: أن الكراهة حكم شرعي، والحكم الشرعي يحتاج إلي دليل في إثباته.

 

 فعللوا كراهية البول في مهب الريح: بأن الريح يَرُدُّ عليه بولَه، ومن ثم فقد لا يسلم من رشاش البول، فلما كان في ظنه أنه لن يسلم قلنا بالكراهة.

 

 وقولهم يكره في النار والرماد: قالوا لأن هذا الفعل يُورث السقمَ والمرض، ولكن لا دليل على ذلك.

 

 أما قولهم بالكراهة في الجُحر: فلهم فيه دليل سمعيّ وهو: نهي النبي ﷺ عن البول في الجحر وقال:

( إنها مساكن الجن ) ويستدلون بأن سعْدَ بن عبادة كما ذكر ابنُ عساكر قتلته الجن لما بال في الجُحر، ولأن الجُحرَ مَوطِنُ الهوام فلا يسلم وكذا هي لا تسلم من الأذية،

 وقد تخرج عليه هامّة فتؤذيه أو هو يؤذي هذه الهامّة.

 

وهذه الآثار التي ذكروها لو صحت لما اقتُصر في النهي على الكراهة بل وصل إلى التحريم:

 لكن ما ذُكر من نهيه عليه الصلاة والسلام: فهو حديثٌ ضعيف.

 وما ذكره ابن عساكر عن سعد بن عبادة: فهو باطل لا أصل له، قال الألباني رحمه الله: مع أنه مشهور عند المؤرخين .

 

 وأما القول بعدم سلامته أو سلامة الهوام: فلا يوجب حكما إلا إذا تأكد أن في هذا الجُحر هواما، فإذا تأكد بأن فيه هواما فلا يُكره فحسب بل يَحرُم؛ والأسلمُ له من الأذية ألا يبول في الجُحر لأن الغالب في الجحر أن يُسكَنَ مِن هوامٍ ونحوها.

 

 وقد جاءت أحاديث منها ما في سنن أبي داود أن النبي ﷺ قال ( إذا قضى أحدكم حاجته فليرتد لبوله )  وهو حديث ضعيف،

 وقد جاء حديث أنه عليه الصلاة والسلام (إذا أتى أرضا صلبة نكتها بعود حتى يبول على التراب ) 

 

وما ذُكر من تَجَنُّبِ مَهب الريح والبول في الجحر والأمر بالبول في أرض ليست صلبة:

 ما ذُكر حَسَنٌ فِعلُه حتى يُبعدَ الإنسان نفسَه عن الوساوس، وحتى يبعد نفسه عن التلطخ بالنجاسة.