الدرس ( 56 ) باب التيمم ( 1 ) ( التيمم تعريفه أهميته هل هو رخصة أم عزيمة ـ مبيح أم رافع ؟ )

الدرس ( 56 ) باب التيمم ( 1 ) ( التيمم تعريفه أهميته هل هو رخصة أم عزيمة ـ مبيح أم رافع ؟ )

مشاهدات: 542

بسم الله الرحمن الرحيم

باب التيمم – الدرس السادس والخمسون – من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب التيمم

التيمم لغة / هو القصد.

اصطلاحا   / هو التعبد لله عز وجل بقصد الصعيد الطيب لرفع الحدث على صفة مخصوصة.

 

والتيممُ من خصائص هذه الأمة ، وقد قال النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي “

وذكر من جملةِ هذه الخمس قال:

” وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فأَيُّمَا رَجُلٍ من أمتي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ “

وفي رواية أحمد: ” وَجُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ، وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ “

وخصائص النبي ﷺ التي انفرد بها عن الأنبياء قال ابن حجر في الفتح:

” ينتظمُ بهذا سبعَ عشرةَ خَصلة وقد تزيد، وقد أوصلها البعض إلى ستين خَصلةً ” يختصُّ بها النبي ﷺ،

 فما كان التيممُ موجودا في الأمم السابقة، ولم يكن أيضا موجودا في أول الإسلام، ولذا فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا في أول الأمر إذا لم يجدوا ماءً لم يُصَلُّوا حتى يجدوه،

 ولا شك أن في عدمِ مشروعية التيمم أو في عدم وجوده لا شك أن في عدم وجوده ضررا يلحقُ الأمة وكذلك يقطعُ الصلةَ بين العبد وربِّه -عز وجل- وذلك أن الصلاة صلةٌ بين العبد وربه، فإذا كان لا يرفع الحدث إلا الماء وقع الناس في هذا الحرج.

 

وسببُ مشروعية التيمم: ما جاء في الصحيحين: أن الرسول ﷺ كان في غَزاة فافتقدت عائشةُ عِقدًا لها فأخبرت النبي ﷺ، فحَبَسَ الناس على التماسِه فلم يجدوه، فلما حضرت الصبح طلبوا الماء فلم يجدوا فصَلَّوا مِن غيرِ وُضوءٍ ولا تيمم، فأخبروا النبي ﷺ، فأنزل اللهُ آيةَ التيمم؛

 فلما بعثَوا بعيرَها -رضي الله عنها- وجدوا العقدَ تحته، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حضَيْرِ -رضي الله عنه- قال قَولَتَه المشهورة: ” مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ هل التيمم رخصة أم هو عزيمة؟
( وقد سبق معنا بيانُ تعريفِ الرخصةِ وتعريف العزيمة )

الشرح/ اختلف العلماء:
القول الأول: إن التيمم رخصة، لأنه جاء لِرَفْعِ الحرج.

القول الثاني: إنه عزيمة، بمعنى: أنه من الأمور المعزوم فِعلُها إذا لم يوجد الماء أو تعذَّرَ استعمالُه.

القول الثالث -فصَّل- فقال: إن عُدِمَ الماءُ فهو عزيمة لأنه لا يجوزُ له أن يتركه،

وإن خاف الضرر باستعماله فهو رخصة لأنه لو استعمله مع وجود الضرر فقد ترك الرخصةَ والتيسير الذي يسَّرَه اللهُ عليه.

( ولعل هذا القول يجمع بين القولين، فيكونُ رخصةً في العذر، ويكونُ عزيمةً فيما لو لم يجد الماء)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ هل هذا التيمم مبيح أو أنه رافع؟

الشرح/ اختلف العلماء:

القول الأول/ وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله قال:

  إنه مبيح، واستدلوا على ذلك بدليلين:

الدليل الأول: أن ابن عمر كان يتيمم لوقتِ كلِّ صلاة، وهذا يدل على أنه مُبيحٌ لا رافع.

 

الدليل الثاني: أن هذا التيممَ بمثابة الضرورة و[ الضرورةُ تُقَدَّرُ بِقَدَرِها ] كما هي القاعدةُ الشرعية.

ومِن ثَم/ فإنه لو تيمم لصلاة الظهر ثم دخل عليه وقتُ صلاة العصر فإن تيممَه السابق ينتِقض،

 وكذلك لو تيمم لنافلة لم يستبِح بهذا التيمم أن يصلي الفرض،

ولو تيمم لقراءة القرآن فلا يستبيحُ بهذا التيممِ أن يصلي النافلة،

 وقد استثنوا: لو أنه تيمم للجمْعِ بين صلاتين كالظهر والعصر مثلا، فجَمع جَمْع تقديم بهذا التيمم، فصلّى الظهرَ مجموعةً إليها العصر، فإنه إذا دخل عليه وقتُ صلاةِ العصر لا ينتقِضُ تيممُه لأن الجَمْعَ يُسَيِّرُ الوقتَين بمثابةِ الوقتِ الواحد.

 

القول الثاني/ أن التيمم رافِعٌ لا مُبيح، ويستدلون بأدلة منها:

الدليل الأول: أن الله عز وجل لما ذكر التيمم قال عز وجل:

{مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ}

 

الدليل الثاني: قول النبي ﷺ لذلك الرجل الذي أجنب ولم يُصَلِّ معه لما لم يجد الماء- وهو في الصحيحين- قال: “عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ الطيِّب فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ” ولم يقل له عليه الصلاةُ والسلام أنه لا يُستباح بهذا التيمم صلاةٌ أخرى، ولذلك لما وَجَد الماء عليه الصلاة والسلام أعطاه دَلوًا فقال:

” خذ هذا فأفرغه عليك “.

 

الدليل الثالث: قول النبي ﷺ كما في المسند والترمذي قال ﷺ:

” الصَّعيد الطيّب وُضُوء المسْلم، وإِن لم يَجِد الماء عَشر سنين، فإِذا وجَدَ الماء فَلْيَتَّقِ الله ولْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فإِن ذلك خيرٌ “

قال ﷺ: ” إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ ” الحديث

وجاء عند أبي داود: ” الصعيد الطيب وَضوء المسلم ” فدل على أن التيمم إذا جاز استعمالُه أنه يأخُذُ حُكْمَ الماء سواءً بِسواء.

 

الدليل الرابع: أن البدل يأخذ حكم المُبْدَل، وذلك لأن التيمم بَدَلٌ عن الوُضوء، والوُضوءُ رافِعٌ للحَدَث وليس أمرا يُستباحُ به الصلاة وسائرُ العبادات التي يُشترَطُ لها الطهارة -وهذا هو القول الراجح –

 

أما ما استدلوا به من فِعْلِ ابنِ عمر -رضي الله عنهما- فلا يدل على ما ذكرتموه فإنه رضي الله عنه ربما تيممَ لوقتِ كلِّ صلاة من باب الاستحباب؛ ومعروفٌ أن ابن عمر له اجتهاداتٌ عِدّة، قد أوضَحَ شيئا منها ابن القيم -رحمه الله – بل كان يُشدِّدُ في بعضِ الأحايين حتى كان يغسل عينَيه من الجنابةِ حتى كُفَّ بصرُه -رضي الله عنه-؛ وكان يتتبعُ المَواطِنَ التي بالَ فيها النبيُّ ﷺ أو توضأ فيها، فإذا مَرذَ بتلك المواطِن حَرِصَ على أن يؤديَ في هذا المَوطِن مثلما أدّاه الرسول ﷺ، وقد كان -رضي الله عنهما – يغسِلُ رِجلَيه في الوُضوءِ سبعَ مرّات؛

سؤال/ لماذا كان ابنُ عمر-رضي الله عنهما – يغسل قدميه سبع مرات في الوضوء؟

الجواب/ إن كان هناك دليلٌ، فهو دليل القياس، قياسا على الجنابة، فكانت الجنابة في أولِ الأمْر – هذا إن صَحَّ الحديث – أنها تُغسَلُ سبعَ مرات؛ – مَرّ معنا وقلنا: إن شيخ الإسلام رحمه الله يرى عدم التثليث في الغُسل –

وقد مر معنا أن النبي ﷺ كما عند أبي داود: لما شق عليه أن يتوضأ لكل صلاة، أمَرَه الله عز وجل بالسواك ” فلم يزل ابنُ عمر يتوضأ لكل صلاة، فلعله – رضي الله عنه- قاس التيمم على الوضوء في هذه المسألة،

 

 وأما قولُكم: [ بأنه ضرورةٌ لا يُتَعدَّى بالضرورةِ قَدْرَها] فليس هناك دليل على ما ذكرتموه، بل أن الأدلةَ جاءت – كما سَلَف ذِكْرُها – جاءت بأن التيمم ليس مِن باب الضرورة، وإنما هو رافِعٌ للحدث عند عدم وجود الماء، أو تَعَذُّر استعمالِه.

 

ما معنى اختلاف العلماء في التيمم من أنه مبيح أو رافع؟

الجواب/ (مُبيح) يعني: أنه تُستباحُ به الصلاة في أشياء محصورة، يعني ليس كالوضوء تماما،

 الوضوء: لو كنت على طهارة الظهر، ودخل وقت العصر تصلي بها،

 أما من يقول إنه (رافع) يقول هو كالوضوء إلا إذا انتقض،

أما من يقول إنه (مبيح) يقول: لا، هي ضرورة، فهذا التيمم بمثابة رفع الضرورة والحرَج؛

 ومِن ثم فإذا مضى الوقت فالضرورة انتهت.