الدرس ( 83 )باب شروط الصلاة ( 5) ( وقت صلاة الفجر)

الدرس ( 83 )باب شروط الصلاة ( 5) ( وقت صلاة الفجر)

مشاهدات: 461

 بسم الله الرحمن الرحيم

مواقيت الصلاة

الدرس الثالث والثمانون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: وقتُ الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.

الشرح: الفجرُ الثاني يختلف عن الفجر الأول، وكِلا الفجَرين بياضٌ ونور، لكنَّ الفجرَ الأول له مزايا تُميزه عن الفجر الثاني:

الميزةُ الأولى: أن الفجر الأول ممتد من الغرب إلى الشرق، ولذا جاء في حديث اختلف في وصله وفي إرساله ( أنه كذَنَب السِّرحان) يعني: كَذَنَب الذِّئب، وذنب الذئب ممتد.

الميزة الثانية: أن نورَه يتقلص كلما مضى وقت، ثم تأتي الظلمة مرة أخرى.

الميزة الثالثة: أن بين نورِه وبين الأفقِ ظُلمه، والظلمةُ تكونُ فاصلةً بينه وبين الأفق،

وهذا الفجرُ لا يتعلق به شيءٌ من أحكام الشريعة، انما الحكمُ الشرعي يتعلقُ بطلوع الفجرِ الثاني،

 وهو على النقيض في المزايا من الفجر الأول، فيمتازُ هذا الفجرُ:

1/ بأنه مُعتَرِض ليس ممتداً، فهو معترضٌ مِن الشَّمالِ إلى الجنوب.

2/ أن نوره يزداد ولا تُعقِبُه ظلمه.

3/ أنه ليس بينه وبين الأفق ظلمة، فإذا طلع الفجرُ الثاني الذي هو بهذه المزايا فقد دخل وقتُ صلاة الفجر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وصلاةُ الفجر جاءت فيها أحاديث كثيرة تبينُ فضْلَها:

 قال النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” ليسَ صَلَاةٌ أثْقَلَ علَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والعِشَاءِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا “.

 

ومنها قوله ﷺ كما عند مسلم: ” مَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ “.

 ومنها قولُه ﷺ كما عند مسلم: ” مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشَيءٍ فيُدْرِكَهُ، فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ “. ” في ذِمَّةِ اللهِ ” أي: في حفظ الله.

 

ومنها ما جاء في الصحيحين: ” يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ ” الحديث.

ومنها ما جاء في الصحيحين: ” مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ ” والبُردان هما: الفجر والعصر.

والأحاديث في فضلها كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 وقد اختلف العلماء: هل الأفضل أن تؤدى في أول وقتها؟

 أم أنه يُسفَرُ بها فتقعُ في وقت الإسفارِ قبل طلوع الشمس؟

 قال بعض العلماء: إنه يُسفَرُ بها لقول النبي ﷺ كما في المسند والسنن:

“أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ “(2 وأن النبي ﷺ أسفَرَ بها.

القول الثاني: أن إيقاعها في الغَلَس، أي: في الظلمة، في أول وقتها أفضل، لما رَوى كثيرٌ من الصحابة في الصحاح انهم كانوا يصلونها مع النبي ﷺ بِغَلَس، ولأنه كما جاء في الصحيحين:

“يَقْرَأُ فِى الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً ” (3)

وهذا يدلُّ على ان إيقاعها يكون في أول الوقت، ولأن النصوص جاءت بالأمر بالمسارعة إلى الخيرات في مواضعَ متعددة كقوله عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10]

ولقول النبي ﷺ كما في الصحيحين لما سئل: ” أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا “

” سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ” الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا 

وهذا هو الراجح، أنها تُصلَى بِغَلَس.

 

وأما الجواب عن الحديث “أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ “، فقد أجيب عنه بعدة أجوبة:

1/ الوجه الأول: أنه منسوخ بحديث أبي مسعودٍ البدري: قال ( كان آخِرُ أمْرِ النبي ﷺ التغليس ) وهذا ينقُض احتجاجَهم من ان النبي ﷺ فَعَل الإسفار.

2/ الوجهُ الثاني وهو احسنُ من الوجه الأول، أن هذا محمولٌ على الليالي المقمرة التي لا يستبينُ فيها الفجر، فتؤخَرُّ الصلاةُ عن أول وقتها حتى يتقين دخولَ الوقت.

3/ الوجهُ الثالث: وهو أحسنُ من الوجهين الأولين، أن النبي ﷺ كان يصليها بغلس، فكان يطيل القراءة فيخرج وقت الإسفار، ولذا قال في آخر الحديث ( فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ) وتعظُمُ الأجور بإطالةِ الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 وأما آخِرُ وقتها بطلوع الشمس، ومِن ثَم: فإنه لا اتصال بينه وبين صلاة الظهر بإجماع العلماء، فتخرج صلاة الفجر من حديث أبي قتادةَ عند مسلم:

” أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى

 

وهناك مسألةٌ ألمَحَ بها الفقهاء إذ قالوا: إن تعجيلَ الصلاةِ أفضلُ مِن تأخيرها، أي: مِن تأخيرِها في نفسِ الوقت، لكن قالوا: يجب أن تؤخرَ عن أول وقتها إذا كان هذا التأخيرُ مُقابِلَ تحصيلِ واجب، لأن الواجبَ مُقَدّمٌ على السٌّنَّة، وذلك كتعلم الفاتحة، إذا كان تعلُّمٌه لها يحصُلُ قبل خروج الوقتِ المُختار،

 

وليس هناك وقتان اختياري واضطراري سوى صلاة العصر وسِوى صلاة العشاء على القول المرجوح،

 أما على القول الراجح فليس هناك صلاة لها وقتان اختياري واضطراري سوى صلاة العصر.

 

ونظيرُ ذلك أن يتعلم واجبا كتسبيحةِ ركوعٍ أو تسبيحةِ سجود،

 ومثلُه: لو أمَرَه والدُه أن يصليَ به، فينتظر لأن تأخيرَه يحصلُ به تحقيقُ واجبِ أمْرِ والدِه،

 ولا شك أن هذا إذا لم يكن هناك تفويتٌ للولدِ لواجب كصلاة جماعة، أما في حالة الإنفراد فالتأخيرُ مَطلَب، وذلك لأن أداءها جماعةً لا تساوي أداءها انفراداً.

 

وقالوا: يُستحب تأخيرُها إذا كان حاقناً، يعني مانعاً للبول مُدافعاً له، وهذا على القول بأن الدخول في الصلاة مع مدافعه الأخبثين مكروه، أما من يقول بأنه محرم، فإن التأخير لا يكونُ مستحباً بل واجباً، وسيأتي لهذه المسألة بيانٌ إن شاء الله.

فيقولون يستحب له أن يؤخر الصلاة إذا كان حاقناً حتى يتفرع ذهنُه لأداء الصلاة.

 

 هذه هي أوقاتُ الصلواتِ الخمس وما يتعلقُ بها من مسائل.

(2) ــ [ الترمذي باب الإسفار بالفجر برقم/ 154 والنسائي باب المواقيت برقم/ 548، وأحمد في المسند 28 /518 ح /17286 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم/ 154 ]

(3) ــ [ متفق عليه:  البخاري باب وقت الظهر عند الزوال  رقم / 541، مسلم باب القراءة في الصبح رقم /461]