ألفاظ يحذر ويحذر منها ـ الجزء الثالث

ألفاظ يحذر ويحذر منها ـ الجزء الثالث

مشاهدات: 506

 ألفاظ يحذر ويحذر منها  ـ الجزء الثالث

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

أما بعد : فيا عباد الله /

ما زال الحديث يتواصل معنا عن الألفاظ التي يجب أن يُحذر ويحذر منها ، فمن هذه الألفاظ :

أن بعض الناس إذا أراد أن يدعو لشخص صنع إليه معروفا ، يقول له ( جعلها الله في موازين أعمالك ) أنكر ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وقال : ” إن موازين أعمال ابن آدم تنقسم إلى قسمين : إما أن تكون أعمالا صالحة وإما أن تكون أعمالا غير صالحة ، ومن ثم فإن اللفظ السليم في مثل هذا الدعاء أن يقول ( جعلها الله في موازين حسناتك أو في موازين أعمالك الصالحة ) .

ومن هذه الألفاظ :

أن بعض الناس إذا قُتل شخص في سبيل الله قالوا (  فلان شهيد  ) ويجزم له بالشهادة ، بوَّّب البخاري رحمه الله في كتابه صحيح البخاري قال ( باب لا يقال فلان شهيد ) قال ابن حجر رحمه الله : ” هذا على السبيل الجزم والقطع ، إلا إذا أتى الوحي بذلك فإن الوحي قاطع في ذلك الأمر ، أما أن تنسب الشهادة لشخص فإن هذا لا يجوز ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند البخاري ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك ) فقال ( والله أعلم بمن يكلم في سبيله ) صحيح أن فلانا يرجى له الخير وترجى له الشهادة ، لكن أن يوصف بأنه شهيد ، فإن هذا لفظ نهى عنه الإسلام .

 

 

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس إذا أراد أن يصف شخصا بقلة الأمانة أو بقلة الأدب أو بما شابه ذلك من الصفات الذميمة ، يقولون ( فلان ليس له ضمير ) وهذه الكلمة تغيب الألفاظ الشرعية ، ما هي الألفاظ الشرعية ؟ فلان ليس عنده إيمان قوي ، فلان ليس عنده إسلام ، ليس عنده ورع ديني ، هذا هو اللفظ السليم ، أما أن  يقال ( فلان لا ضمير له ) فإن هذا مما ينبغي أن يترك .

ومن هذه الألفاظ : وهي عند بعض المثقفين :

أنه يقول ( عالمية الإسلام ) لا شك أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، لكن قول ( عالمية الإسلام ) أتى بها المستشرقون من أجل أن يُخضعوا الإسلام للأديان الأخرى ، فاللفظ السليم الصحيح أن  يقال ( الإسلام والعالمية ) أما إذا قُصد أن الإسلام عالمي أو عالمية الإسلام أنه صالح لكل زمان ومكان دون أن تميع أحكام الشرع ، فلا بأس بهذا المعنى .

 

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس يقول عن ملك الموت ( عزرائيل ) وهذا ليس اسما من أسماء الملائكة ، وليس اسما لملك الموت ، فإنه لم يثبت في ذلك حديث صحيح ، فلم يثبت أن اسم ملك الموت عزرائيل ، وإنما اسمه كما سماه الله عز وجل  { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ }السجدة11 .

ومن هذه الألفاظ ، وهي عند بعض الوافدين :

وقد نبه إليها مفتي الديار السعودية قديما سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : كلمة ( هذا غلام رسول الله ) يقول رحمه الله : ” إن كلمة غلام باللغة الأردية تعني ( عبد ) فإذا قيل غلام رسول الله ، يعني أنه عبدٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا شرك في التسمية ، لأن الأسماء يجب أن تُعبد كلها لله سبحانه وتعالى .

 

 

ومن هذه الألفاظ :

أنه إذا تلوث فكر إنسان يقولون هذا شخص ( مغسول مخه أو عنده غسيل مخ ) هذا اللفظ فيه تناقض من حيث المبنى ومن حيث المعنى ، لأن الغسل هو النظافة ، فإذا قلنا في شخص تلوث عقله غُسل مخه يعني أنه تنظف ، ونحن نريد أنه تلوث ، فإذاً هذه اللفظة تتناقض من حيث المبنى ومن حيث المعنى ، وهو تركيب مولد في هذا العصر ، وإنما يقال هذا شخص ملوث فكره.

ومن هذه الألفاظ ، وقد ظهرت في السنوات الأخيرة :

أنهم إذا أرادوا أن يذكروا الكفار قالوا ( غير المسلمين ، أو الطرف الآخر ) ويأنفون أو يجبنون أن يصفوا الكفار بما وصفهم الله بأنهم كفار وأنهم مشركون .

 

 

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس يقول ( هذا رجل فضولي ) يعني متطفل ، هذه الكلمة يجب أن يحذر منها إذا أطلقت على شخص يدعو إلى الخير وينهى عن الشر ، فإذا قيل لشخص أمر بمعروف أو نهى عن منكر بأنه رجل فضولي فهذا منزلق عقدي خطير يجب أن يحذر منه ، بل إن بعض العلماء وصفه بالردة ، وذكر ذلك الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه ” معجم الألفاظ المنهي عنها ” .

ومن هذه الألفاظ :

أن يقال ( فلسفة الإسلام ) والإسلام ليس له فلسفة ، وإنما هو وحي من الله عز وجل ، فالفلسفة عبارة عن كلمات مركبة وأفكار ، وهذه لا يجوز أن تطلق على الدين ، أو يقولون ( فلاسفة الإسلام ) كلا ، لأن الإسلام ليس فيه فلسفة إنما هو وحي من الله سبحانه وتعالى .

 

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس إذا أراد أن يذكر القصة التي حصلت لابني آدم المذكورة في سورة المائدة { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ }المائدة27 الآيات ،

قال ( حصل لهابيل وقابيل كذا وكذا ) ولم يرد حديث صحيح في تسمية هذين الشخصين بأنهما هابيل أو قابيل ، وإنما يقال حصلت قصة لابني آدم دون أن يُسَمَيا بهذا الاسم ، لأنه ليس واردا لا في كلام الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما تلقاها من تلقاها عن أهل الكتاب .

ومن هذه الألفاظ ، ويجب أن يحذر منها :

أن البعض من الناس يقول عن بعض أحكام الدين ( هذه قشور ) فلا تقف عندها يا فلان ، لا تتشدد فهذه قشور ، فهذا لا يجوز فالإسلام ليس فيه قشور ، لأن القشر يطرح وينبذ ويلقى ولا قيمة له ولا قدر ، أما شرع الله عز وجل فكله خير وله قدر عظيم ، فإذاً تقسيم الإسلام من أنه لب وقشور هذا خطأ عظيم .

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس إذا أراد أن يدعو لشخص يقول( الله يقوي ضعفك ) هو يريد له الخير ويريد أن يرفع الله عز وجل عنه ضعفه ، فيقول

( الله يقوي ضعفك ) وهذا خطأ ، ولهذا لما دخل الربيع على الشافعي ” فقال الربيع للشافعي قوى الله ضعفك يا إمام ، قال يا أبا محمد لو قوى الله ضعفي لأهلكني ”  فظاهر هذه الكلمة أنه إذا قوى الله ضعفك يعني زادك ضعفا على ضعف فهلكت ، إذاً إذا أراد الإنسان أن يدعو لشخص كان في مقام ضعيف ، فليقل رفع الله عنك ضعفك أو أزال عنك الضعف .

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس يقول ( لولا فلان ما حصل كذا ، أو لولا ذلك الشيء ما حصل كذا ) وهذا شرك بالله عز وجل ، وإنما إذا كان لشخص سبب في أمر من الأمور نجيت فيه أو نجيت منه ، فقل لولا الله ثم فلان ، أما أن يقال لولا فلان ، أو لولا براعة السائق لحصل الحادث ، فهذا شرك بالله عز وجل .

ومن هذه الألفاظ ، وهي أتت عن طريق الكتابة وانتشرت وسادت على الألسن :

إذا أرادوا أن يكتبوا اسم شخص حذفوا كلمة ( ابن ) فسرت هذه الكتابة إلى اللفظ ، مثلا قول ( زيد مسفر البحري ) هذا خطأ ، فيجب أن تذكر كلمة (ابن ) في الكتابة والنطق ، زيد بن مسفر البحري ، أو محمد بن أحمد بن فلان ، فلا يقال محمد أحمد ، وهذا خطأ ، لم ؟ لأن المسلمين نشأوا وخرجوا من نكاح وليس من سفاح ، لأن هذه الكلمة أتتنا من الغرب ، والغرب تختلف أنسابهم لأن الزنا مباح عندهم ، فيذكرون أسماءهم دون كلمة ( ابن ) وهذا خطأ ، فإذا أردت أن تذكر اسما من الأسماء تذكر كلمة (ابن ) وكذلك إذا أردت أن تتلفظ بها تنطق كلمة ( ابن ) ولذلك لو أننا حذفنا كلمة ( ابن ) ما استقامت لا من حيث اللفظ ولا من حيث الإعراب ، لما أريد أن أعرب ( زيد مسفر ) كيف أعربها ؟ هذا لا يستقيم في اللغة ، ولذلك لا يوجد في كتب السير والأعلام من علمائنا السابقين أنهم كتبوا اسم شخص من المسلمين من غير كلمة

( ابن) فليتنبه لمثل ذلك الأمر .

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس يقول ( لا سمح الله ) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إن مثل هذه الكلمة كأنها في لفظها تدل على أن الله عز وجل مجبر ، والله عز وجل ( لا يتعاظمه شيء  ولا مكر له ) كما جاء في الحديث ، إنما اللفظ السليم أن يقال ( لا قدر الله ) فيتجنب كلمة ( لا سمح الله ) .

 

 

 

ومن هذه الألفاظ ، وقد ذكرها النووي رحمه الله في الأذكار :

أن بعضا من الناس إذا غضب على أحد سواء كان ابنا له أو قريبا له أو شخصاً من الأشخاص يقول ( يا حمار ، يا كلب ، يا تيس ) يقول رحمه الله هذا وقع في محذورين :

الأول : أنه كذب ، لأن هذا المخاطب ليس حمارا ولا تيسا ، إنما هو آدمي .

الثاني : أنه نسب أخاه المسلم إلى التنقص والذم والاحتقار حينما وصفه بهذه الأوصاف الذميمة ، فيجب على المسلم أن يتنبه لمثل هذه الألفاظ .

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس يقول ( يا حنان يا منان ) إذا أراد أن يدعو , ( منان) اسم من أسماء الله عز وجل وهذا ثابت ، أما اسم ( حنان ) فليس ثابتا في السنة من أنه اسم من أسماء الله عز وجل ، ولذلك كره الإمام مالك رحمه الله أن يدعو الإنسان بحنان ، وكذلك بعض الناس يظن أن كلمة ( ساتر ) اسم من أسماء الله عز وجل ، وليس بصحيح ، إنما اسمه عز وجل ( ستِّير ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله حيي كريم سِتِّير يحب الستر ) أما ساتر ليس اسما من أسماء الله عز وجل .

ومن هذه الألفاظ :

أن بعضاً من الناس – وأظنه يريد التعجب – وقد ذكرها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، أن البعض من الناس إذا ذُكر له شيء قال ( يا وجه الله) يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ينبغي أن تترك هذه اللفظة اهـ، لماذا تترك ؟ لأن وجه الله عز وجل كريم ولا يذكر في أي مكان ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم وللحديث شواهد تدعمه ( لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة ) لا تقل أسألك بوجهك الكريم أن ترزقني مالا ، فلا تسأل بوجه الله عز وجل الأشياء المحتقرة ، تسأل الله عز وجل بوجهه الجنة وما يقرب إليها فلا بأس به ، تسأل الله عز وجل أن ينجيك من النار وما قرب إليها لا بأس به ، أما أن تسأل الله عز وجل بوجهه أمورا دنيوية فإنه لا يجوز .

وهم يريدون بكلمة ( يا وجه الله ) التعجب ، ولذلك ينبغي أن يعدل عن هذه اللفظة بلفظة سبحان الله أو الله أكبر ، كما جاءت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن هذه الألفاظ :

أن البعض من الناس إذا أراد أن يذكر اسم المصحف أو المسجد وكان صغيرا قال ( مُسيجد أو مصيحف ) فينبغي أن يترفع عن هذه اللفظة ، لأن التصغير في أصله من حيث اللغة للتحقير والتقليل ، وقد يراد منه التعظيم ولكنه نادر ، لكن الأصل في التصغير في اللغة أنه للتحقير ، ولذلك لا تقل  ( مُسيجد أو مصيحف ) وإنما تقول مسجد ، مصحف ، ولذلك حرَّم العلماء أن تصغر أسماء الله عز وجل ، لم ؟ قالوا لأن التصغير في أصله يراد منه التحقير والتقليل .

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله /

من الألفاظ الذي يجب أن يحذر منها :

ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء المعروف بالجواب الكافي ، يقول رحمه الله : ” كان السلف رحمهم الله يحاسبون أنفسهم على بعض الألفاظ التي منها ” هذا يوم حار ، هذا يوم بارد ” ا.هـ

يقول بعض الشعراء :

يرغب المرء في الصيف الشتاءَ

 

فإذا جاء الشتاءُ أنكره

  إنه لا يرضى بحــال أبدا

 

قتل الإنسان ما أكفره

 

ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما ثبت عنه في المسند ( إن ابن آدم إن أصابه حرٌ قال حَسِ ) وهي كلمة توجع وتألم ( وإن أصابه بردٌ قال حَسي) وهذا يدل على أن ابن آدم لا يمكن أن يرضى بحال من الأحوال في هذه الدنيا ، إن جاء الشتاء قال يا ليت الصيف يأتي ، وإن جاء الصيف قال يا ليت الشتاء يأتي وهلم جرا ، وهذا يدل على أن ابن آدم لا يمكن أن ينعم بسعادة أبدية لا تتغير عليه ولا تكدر عليه صفوه إلا في جنات النعيم ، فإن هذه الدنيا جبلت على كدر ، كما قال الشاعر :

      جبلت على كدر وأنت تريدها

 

صفوا من الآلام و الأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعها

 

متطلب من الماء جذوة نار

 

فهؤلاء هم السلف كانوا يتورعون عن كلمة هذا يوم حار أو هذا يوم بارد ، ولكن أيصح أن يقول الإنسان على سبيل الخبر هذا يوم حار أو هذا يوم بارد ؟ أو كما يقول البعض ( هذا جو زفت ) سب الدهر وتلوم الدهر وعدم الرضا بما يكون في الدهر ، هذا سبٌ لله عز وجل ، يقول الله سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ) وقال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله ) ليس معنى ذلك أن الدهر اسم من أسماء الله – لا – وإنما الدهر مخلوق بيد الله عز وجل يصرف الله عز وجل فيه ما يشاء من الحرارة والبرودة ، من الخير والشر ، فالمتصرف هو الله عز وجل ، أما إذا ذكر اليوم بأنه حار أو أنه بارد أو وصف الجو بوصف ذميم يريد من ذلك الخبر ولا يريد من ذلك الغضب وعدم الرضا ، فلا بأس بذلك ، لأن لوطا عليه السلام لما جاءه قومه وجاءت الملائكة قال { هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }هود77 ، والصحابة رضي الله عنهم لما افتقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، قالوا ( بتنا بشر ليلة بات بها قوم ) وصفوا الليلة بأنها شر ، لأنهم كانوا يخبرون ، أما إذا كان منزعجا من غبار الجو أو من حرارته أو برودته فإن في هذا ذما لله عز وجل وهذا محرم لا يجوز .

ولعل الحديث يتواصل معنا ، لأن هناك بعض الألفاظ مهمة جدا لأن منها ما يتعلق بالعقيدة ، فلعل الحديث يتواصل بنا في الجمعة القادمة ولعلها تكون آخر ما يتعلق بهذا الموضوع وإلا فالألفاظ كثيرا جدا ، فنسأل الله عز وجل أن يصون ألسنتنا وأعيننا وجميع جوارحنا عما يسخطه ويغضبه .

الخاتمة : ………………