الأسئلة والأجوبة ـ الجزء الثالث

الأسئلة والأجوبة ـ الجزء الثالث

مشاهدات: 490

خطبة  : ”  الأسئلة والأجوبة –  الثالثة  “

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

لدي بعض التنبيهات والتي أتت عن طريق أسئلة سُئلت عنها .

أولا : ليعلم أن الدعوة إلى الله عز وجل لها فضل عظيم ، والأمة بحاجة إلى الدعاة إلى الله عز وجل وإلى طلاب العلم في كل عصر ولا سيما في هذا العصر ، وهذا التنبيه أقصد به نفسي أولا قبل غيري ، فأنا أولى به من غيري ، فالدعوة إلى الله عز وجل عمل شريف ، ورسالة عظيمة  فيجب على كل من تصدَّر لهذا الأمر أن يكون عالماً بما يدعو ، قال الله عز وجل :

{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي }يوسف108

فدعوة من غير علم فإنه ولو تصور بعض الناس أن بها خيرا ، أو تصور الداعي أن بها خيرا فإنه قد أخطأ خطأً عظيماً ، لأن بقاء الناس على ما هم عليه من علم قليل خير من علم يؤتى به تُدغدغ به العواطف والمشاعر ، ثم إذا نظرت إلى ما يلقى ويُذكر إذا به قد ضُمِّن أحاديث ليست ضعيفة فحسب بل أحاديث موضوعة ، ضُمِّن بعض القصص التي لو تُؤمِّل فيها حق التأمل لوجدت هذه القصص عند بعض الصوفية ، لو نُظر إلى ما يلقى إذا ببعض ما يلقى يخالف العقيدة مخالفة واضحة صريحة ، ولقد شهدت وحضرت أكثر من مرة شيخنا ابن باز رحمه الله كان يُسأل بعض الأسئلة فكان يقول ” هذا السؤال نتداوله مع اللجنة الدائمة للإفتاء” بإمكانه أن يفتي ، بل حدثني بعض مشايخنا القدامى الذين حضروا له دروسه في محافظة الخرج قديما كان إذا أتاه ظرف فلم يحضِّر للدرس ما أقامه ، خيفة من ماذا ؟ خيفة من أن يقول على الله عز وجل ما لا يعلم ، وهذا من باب الاحتياط والتحرز منه رحمه الله ، وإلا فلديه من العلم ما يستطيع أن يفيد به طلابه ، لكن ما أجمل العلم ، ما أجمل الموعظة ، ما أجمل الدرس الذي يحترم به المتحدث من يحدِّث ومن يسمع ، وقبل ذلك يحترم عقله هو ، بل يحافظ على دينه هو ،  لأن الناس لا ينفعون ، قد يريد الإنسان الخير وإذا به يقع من حيث لا يشعر في الخطأ ، لم أقدم ؟

ليس من الضروري أن أتحدث في كل مسجد ، حضِّر  وتحمد على تنبيه الناس ، والأمة بحاجة في هذا العصر إلى دعاة وإلى طلاب علم ، الأمة بحاجة ولا سيما مع وسائل التواصل ، بإمكان طالب العلم والداعية إذا حضَّر التحضير المناسب الجيد وصل علمه إلى من في البيوت فأثَّر بإذن الله عز وجل في غيره ، لكن أن يصل لي علمٌ به أخطاء وليست أخطاءً يسيرة ثم إذا من يسمع ولا سيما أن الناس يحبون الكلام الذي يدغدغ العواطف ، لأن المسلم عنده عاطفة تجاه الدين ، فإذا به إذا أتاه مثل هذا العلم الذي يثير المشاعر إذا به يرسله إلى غيره .

الشاهد من هذا : أنه لما يصل علمك الذي حضَّرت له التحضير المناسب كم تغنم ؟ وعلى العكس من ذلك ، وليس مجرد ما تسمعه من قصص ماضية من آبائك وأجدادك أو ما قرأته في كتب إذا بك تنثره للناس دون أن تتبين الصحيح منه من الضعيف ، إذا وصل علمك الذي لم يحضر له وكان به أخطاء لست غانماً والله إنك لغارم ، والله إن من حبس نفسه في الصف الأول وفي الصف الثاني وجلس يقرأ القرآن ويعبد الله ولم يعظ الناس بكلمة واحدة هو خير مما تصنعه أنت لأنه سلَّم نفسه ، أما أن يكثر من يدعو إلى الله – وهذا شيء حسن ، وأكرر الأمة بحاجة ولا يفهم أننا ضد من يدعو إلى الله ، لا والله ، أعوذ بالله من أن يظن هذا الظن ، نسأل الله السلامة والعافية ، فهي رسالة الأنبياء ، لكن نريد علماً نافعاً صحيحاً ، وليس أي علم ، ليس من الضروري أن أكون في كل مسجد ، في كل محفل ، وليس المسلم مطالبا بهذا ، هذه تأخذ أوقات ،في بعض اللقاءات التي أجريت لي في بعض القنوات ظللت قرابة أربع ساعات ذهابا وإيابا وإعدادا للاستديو وما شابه ذلك ، فإذا كان الإنسان كل يوم في أكثر من قناة كم بقي عنده من الوقت حتى يحضر ، حتى يتعلم ؟

أما كل ما تبصره عيني مما أراه إذا بي ألقيه دون أن أتمعن فيه وأتثبت منه ، فهذا أمر خطير ، غداً تكون من الغارمين وليس لك عذر ، أبو بكر رضي الله عنه مع أنه من أعظم الصحابة صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لم قلَّ حديثه ؟ لماذا كان غيره أكثر منه حديثا ؟

من التوجيهات التي ذكرها العلماء : أنه كان رضي الله عنه لا يمكن أن يذكر حديثا إلا وذكره بلفظه دون زيادة حرف أو نقصان ، مع أن رواية الحديث بالمعنى جائزة بشروطها ، وهذا موضعه في مصطلح الحديث ، ومع هذا كله لم أقدم أبو بكر رضي الله عنه على أنه لا يحدِّث إلا بحديث قد ضبط كل ألفاظه دون زيادة أو نقصان ؟

 كل هذا خوفا من الله عز وجل .

الناس يقولون : ” كثر العلم “ جميل أن يكثر العلم ، لكن ما هو هذا العلم ؟ العلم المبني على الدليل الصحيح ، فهذا ما نحتاج إليه ، وهذا التنبيه أحتاج إليه أنا قبل غيري ، وليس من يتحدث فقط – لا  – حتى من يكتب في التويتر وغيره ، وليس الوقت مثل الوقت السابق بحيث لو ذكر حديث أو ذكرت قصة غير صحيحة بإمكانك أن تنبه تنبيها خفيا ، الآن مقاطع تنتشر بعضها تصل المشاهدات عليها إلى مليون أو مليونين ، وإذا فيها من الأخطاء ما يكون به خلل في العقيدة أو حديث مختلق على النبي صلى الله عليه وسلم ، فما الذي أستفيده أنا ؟ أينجو الناس وأهلك كداعية أو طالب علم ؟ !

ولذلك اليهود لما احتالوا في قصة صيد الحيتان ، وحرَّم الله عز وجل عليهم الصيد يوم السبت وابتلاهم الله عز وجل بمجيء الحيتان بكثرتها في يوم السبت

 ويوم الأحد لا يأتي منها شيء ،فماذا صنعوا ؟ وضعوا الشباك يوم الجمعة ولم يصطادوا يوم السبت ، فإذا أتت الحيتان يوم السبت تعلقت بهذه الشباك فأخذوها يوم الأحد ، فقالوا لم نصطد يوم السبت ، وهذا احتيال ، فانقسموا ثلاث طوائف تجاه فعل هؤلاء ، قال تعالى :

{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } ؟

ماذا قال الداعون إلى الله عز وجل ؟

{ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف 164

فأول ما قدَّموا : أن الإنسان يعذر نفسه أمام الله  .

تأتي الإنسان العاطفة ويرى حال الناس فيأخذ بجهاز المكبر ويحدث الناس مما يحفظه ويفهمه ومما قرأه قديما ، و يفتح صفحة ويكتب مع الناس في وسائل التواصل ، فهذا خطأ أن أعرض ديني لهذا الأمر ، ولذلك إذا بالأعداد الهائلة تنجرف مع مثل هذه التوجيهات التي تثير العواطف ، لأن الإنسان في حقيقته يحب العاطفة .

ولذلك قال ابن سيرين رحمه الله كما في مقدمة صحيح مسلم :

( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )

ونحن نريد أن يكون هناك علماء ، نريد أن ينتشر الخير ولكن على الوجه الصحيح ، اجتهد وحضِّر لما تلقيه ، هنا تفيد نفسك وتفيد غيرك  .

لمَ بقي علم المشايخ الكبار مع أن الله توفاهم ؟

الآن ما تأتي حادثة من الحوادث في الأمة إلا ويبحثون عن كلام ابن باز وابن عثيمين رحهما الله ، لأنه علم مبني على أصل أصيل ، نحن نبحث عن كلام شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله وعن كلام غيرهما من السلف ، مع أن المسافة الزمنية بيننا طويلة ، لأنه علم مبني على أصل  .

أعطيكم بعض الأمثلة :

يقولون  :

” قم في آخر الليل حيث العشق الرباني فصل ركعة حيث إن هذا الوقت هو وقت العشق الرباني “

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله كما في شرحه على الطحاوية :

” المحبة عشر  مراتب ” هي مرتبة على حسب ما أذكره لك الآن :

أولا : العلاقة .

ثانيا : الإرادة .

ثالثا : الصَّبابة .

رابعا : الغرام .

خامسا : المودة .

سادسا : الشَّغف .

سابعا : العشق .

قال : ” والعشق لا يوصف به الله ، ولا يوصف به العبد حينما يحب الله ، لعدم ورود الدليل ، ولأن العشق محبة مصحوبة بشهوة ، وهذا لا يليق بالله “

ثم يقول بعضهم ” العشق الرباني “!

ثامنا : التيم .

تاسعا : التعبد .

عاشرا : الخُلة .

هذه عشر مراتب للمحبة .

( ومن الأمثلة )

يقولون : ” عيد الأم “

وهذا العيد عيد بدعي ، وهذا العيد البدعي كيف نحاربه ؟

نحارب البدعة بالسنة ، ولا نحارب البدعة بالبدعة ، الآن مقاطع ورسائل تدار لبيان فضل الأم ، هل الإسلام أمرك أن تذكر فضل الأم حينما يذكرك أهل البدع ببدعهم ؟

لا ، هم أخطئوا فهل نعالج خطأهم بخطأ منا ؟ ابتدعوا فهل نعالج بدعتهم ببدع منا ؟ لا ، ولذلك في يوم عاشوراء – كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى – قال : الرافضة جعلوا يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن على قتل الحسين رضي الله عنه ، فقابلتهم النواصب – يعني الخوارج – وجهلة من أهل السنة فقابلوا البدعة بالبدعة ، كيف ؟

قال : جعلوا يوم عاشوراء يوم فرح وسرور ، بل إن بعضهم أقدم على اختلاق الأحاديث الموضوعة في بيان فضل يوم عاشوراء من أجل أن يحارب بدعة الرافضة .

ليس في الإسلام إلا عيدان ، كما في حديث أنس رضي الله عنه  ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها :

( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )

فلا نحتاج إلى أن نحارب البدع بالبدع ، وإنما تحارب البدعة بالسنة .

ومن الأمثلة :

وكنت أسمع هذا وأنا صغير من بعض الوعاظ الكبار – الكبار في السن – وكان يعزو هذه القصة إلى البخاري ومسلم ، وهذه القصة في بيان فضل الأم ، ولا شك أن الأم لها فضل عظيم ويجب أن يبين وأن يوضح ، لكن ليس في هذا الوقت دون غيره .

يقولون :

” كان هناك رجل صالح من المصلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما حضرته الوفاة ظل ثلاثة أيام يُلقَن الشهادة فلا يستطيع أن يقولها ، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقال ما شأنه إنه من المصلين ؟ قالوا إنه كان عاقَّا لأمه ضحوكا لزوجته ، وأمه لم ترض ، فأشعل النبي صلى الله عليه وسلم نارا وأراد أن يلقيه فيها ، لكن أمه – وبعضهم يأتي برواية أخرى يقول هي جدته من باب بيان فضل الجدة – قالوا : لما أراد أن يقذف به في النار أتت شفقة الأم فقالت رضيت عنه ، فلما رضيت عنه إذا به يذكر الشهادة “

فهل هي في البخاري ومسلم ؟ لا ، وإنما أخرجها العقيلي في الضعفاء ، وابن الجوزي في الموضوعات ، وفيها فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء ، حكم عليه الأئمة كابن معين وابن حبان والمنذري والهيثمي وغيرهم بأنه متروك الحديث ، بل حكم الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة أنه حديث مختلق موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومشتهر في وسائل التواصل  .

” ومن الأمثلة “

وأقول : العقيدة من لا يحسن فيها لا يتحدث فيها ، وإن تحدث يذكر كلام الأئمة السابقين حتى يخرج نفسه ، بعض الأشخاص تجد أنه في كل قناة ، وإذا بالبرامج توسعت فليست وعظا وتذكيرا وقصصا – لا  – وإنما فيما يتعلق بالعقيدة .

أبصرت شخصا وإذا به يُسأل عن آية:

( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم )

هذه آية الرجم ، نسخ لفظها وبقي حكمها  .

فقال هذا السائل : إن هذه ذهبت واختفت ، كيف ؟ قال لأن الداجن – وهي الشاة – أتت في بيت عائشة ، وكانت هذه الآية موجودة في صحيفة فأكلتها الداجن “

” وأنا أتحدث من مرارة ما أجد مما يُرسل إلي من تخبط في العقيدة “

فقال هذا المسؤول : ليس عندي إسنادها حتى أبحث فيها

هذا لا يحتاج إلى بحث ، هل يمكن أن تذهب آية بأكل شاة لها ؟

ولذلك نظرت إليها فإذا  بها قد ذكرها القرطبي في تفسيره لسورة الأحزاب ” من أن هذه القصة التي يذكر أن الداجن أكلت هذه الآية ، قال هي من أقوال الملاحدة والرافضة  “

فلو كان هناك قوة في علم العقيدة ، لما احتجنا إلى هذا الكلام كله ،وإلا فالآية :

( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم )

هذه ثابتة وموجودة ولكن نسخ لفظها ، موجودة من حديث عمر رضي الله عنه في مصنف ابن أبي شيبة ، وأشار مسلم إليها إشارة ولم يذكرها ، وأشار البخاري إشارة خفية جدا إلى هذه الآية .

وموجودة من حديث زيد بن ثابت في مسند الإمام أحمد ، ومن حديث أبي بن كعب عند ابن حبان والحاكم .

الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله :

هنا قصة مشتهرة “ أن هناك علاجا للعقم “

يقولون : ” يا من هو عقيم قل يا رحيم ” كيف ؟

قالوا : إن امرأة أتت إلى موسى عليه السلام فقالت ادع الله أن يرزقني الولد ، فدعا موسى ربه ، فقال الله عز وجل يا موسى إني كتبتها عقيما ، فقال لها موسى إن الله قد كتبك عقيما ، فذهبت المرأة ، وبعد حين من الزمن إذا بهذه المرأة تأتي ومعها ولد ، فقال موسى من هذا ؟ قالت ابني ولدته ، فسأل موسى ربه ، يا رب قلت إنك كتبتها عقيما ورزقتها الولد ، فقال الله عز وجل إني كتبتها عقيما ولكن كانت تقول يا رحيم ، فسبقت رحمتي قدرتي “

هذه القصة لا أطراف لها حتى يكون لها أصول أصلا ، ثم أيضا جملة ( غلبت رحمتي قدرتي ) لم ترد بهذا اللفظ في أي حديث بعد التمعن والتأمل والبحث الطويل ، إنما الوارد في الصحيحين ( غلبت رحمتي غضبي ) وفي رواية ( سبقت رحمتي غضبي )

هذه أمثلة وأمامي أمثلة كثيرة ، لكن الوقت لا يسع ، ويكتفى بهذه الأمثلة في بيان المقصود .

الخاتمة : …………………..