ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
من خلال من ما مضى من أيام وفي النظر إلى ما يصل إلينا عبر وسائل التواصل نذكر في هذا اليوم أسئلة وأجوبة هي أصرح من تلك الأسئلة والأجوبة في الخطبة الماضية ، منها ما يتعلق بالفقه ومنها ما يتعلق بالعقيدة ومنها ما يتعلق بالقصص ، فنستعين الله عز وجل .
مما سئلت عنه :
سئلت عن رسالة يتداولها الناس يُذكر فيها مما صفصفه المبتدعة والجهال من أن سجدة الشكر لها من المزايا ، وذكروا لها مزايا لا يعلم لها أصل في السنة ، ثم قالوا وما يضيرك لو سجدت كل يوم سجدة شكر لله عز وجل “
وهذا من البدع ، لأنه لم يشرع في عهده صلى الله عليه وسلم ولم تفعله الصحابة رضي الله عنه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها :
ومما سئلت عنه :
قالوا : من يبارك في هذا الشهر يحرمه الله على النار ، أتدرون أن هذا القول الذي أختلق في التهنئة قد قيل به قبل قدوم شهر ربيع – فانتبه رعاك الله ،- فلا يجوز أن يهنئ المسلم مسلماً بقدوم هذه الشهور إلا ما كان من رمضان ، والقول فيه كما مضى فيه في خطب سالفة وكلام أهل العلم فيه .
ومما سئلت عنه :
أن بعضا من الناس يعمل ” قروبات “ فهل يأثم أم لا ؟
لأن بعضا من الناس ينشئ قروبا ثم بالمشاركين يشاركون ، لكن يشاركون بماذا ؟ قد يشاركون بما هو محرم ، قد يساهمون في نشر البدع والخرافات ، وهنا من أنشأ قروبا فعليه أن يلزم من معه بأن يشارك بما هو مفيد وبما هو نافع بعدما يتحقق فمن خالف الشروط فليحذفه ، فإن أنشأ قروبا وتركه هكذا فإنه يأثم لأنه من الدعاة إلى الشر ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم :
( ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )
لكن إن حرَّص عليهم وذكر الشروط وإذا خالف شخص حذفه ، فهنا يكون داعية إلى خير من باب تعليم الناس الخير .
ومما سئلت عنه :
أن النساء يسألن عن الرموش الصناعية التي تلبس ، ولبسها حرام ، تقول بعض النساء أنا ألبسها في المناسبات ، نقول الحكم هو هو ، وكذلك ما خرج الآن يسمى ” الألياف الوبرية “ فيها شعر وبر يلصق بشعر الرموش ويزول بالماء ، فالحكم هو هو ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( لعن الله الواصلة والموصولة )
الواصلة : التي تصل نفسها أو تصل غيرها ، كما في الفتح .
الموصولة : هي التي تطلب من غيرها أن تفعل بها ذلك ، وكذلك القول في معنى ( الواشمة والمستوشمة )
ومما سئلت عنه :
عن مقطع متداول وهو مشهور – والناس يحبون الغرائب ، والغرائب لا تفيد إذا لم تكن تلك الغرائب مربوطة بالشرع فإنها لا تفيد – مقطع به قصة وبحثت عنها وجدتها عند الطبراني في كتابه الدعاء ، تلك القصة تقول :
” بينما عمر جالسا إذا برجل يأتي معه ابن له فقال عمر ما رأيت بغراب أشبه بغراب بأشبه منك بابنك ، فقال يا أمير المؤمنين والله ما ولدته أمه إلا وهي ميتة ، فاستوى عمر وقال ويحك حدثني ، قال خرجت للغزو وإذا بزوجتي حامل ، فقالت أتتركنا وأنا على ما أنا عليه ؟ فقال سأذهب وإني أستودع الله ما في بطنك ، فذهب فلما رجع إذا بالمرأة قد ماتت ، قال فأتيت إلى قبرها فبكيت عنده ، ثم أتيت بالليل عند بني عمي وليس يسترنا عن البقيع شيء ،وإذا بدخان يعلو من المقبرة ، فسألت بني عمي فهربوا مني ، فأتيت إلى أقربهم مني فسألته ؟ فقال هذا الدخان يخرج من قبر فلانة كل ليلة ، قال إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما علمتها إلا صوَّامة قوَّامة عفيفة مسلمة ، قال فانطلق بنا ، فانطلقنا فأخذ فأسه فأتى ،فإذا بالقبر منفرج وهي جالسة وهذا الطفل يدب حولها ، فنادى منادٍ ألا يا أيها المستودع الله وديعته خذ وديعتك ، أما والله لو استودعتنا أمه لوجدتها ، فأخذته وعاد القبر كما كان ، فهذا هو الخبر يا أمير المؤمنين “
هذه القصة فيها رجل اسمه ” عبيد بن إسحاق الكوفي العطار “ قال عنه الأئمة أنه يروي المناكير كابن عدي في الكامل والذهبي في ميزان الاعتدال ، وابن معين ، وقال البخاري عنده مناكير ، وقال ابن الجارود يروي الأحاديث المنكرة الباطلة ، وكذلك قال الدارقطني وغير هؤلاء من الأئمة ، فالقصة لا تصح أصلا ، ولا تعلق النفوس ولا تُبَكَّى القلوب وتدمع الأعين بقصص هي في الحقيقة مختلقة على عمر رضي الله عنه .
ومما سئلت عنه :
الناس يقولون هناك ساعة يستجاب فيها يوم الأربعاء بعد الظهر “
هذا حديث جابر رضي الله عنه :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين ، فعرف البشر في وجهه صلى الله عليه وسلم ، قال جابر فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيها فأعرف الإجابة )
هذا الحديث في المسند ، قال عنه المنذري في الترغيب إسناده جيد ، وقال الهيثمي في المجمع رواته ثقات ، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد ، والألباني حسب علمي أنه لم يتوسع في هذا في كتبه ، إنما في صحيح الأدب المفرد .
الشاهد : أن هذا الحديث لما بحثت عن سنده وجدت فيه “ كثير بن زيد ” وليس بالقوي ، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في ” اقتضاء الصراط المستقيم “ لما ذكر هذا الحديث قال : ” فيه كثير بن زيد يوثقه ابن معين مرة ويضعفه مرة أخرى “
قلت : لا سيما أنه رواه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب وهو من المجاهيل .
قال شيخ الإسلام رحمه الله على افتراض صحته : ليس فيه ما يدل على تحري المكان في الدعاء ،فلا أحد يقول سآتي إلى مسجد الفتح وأدعو – لا – وإنما قال كان جابر يخصص ذلك الزمان ويتحرى الزمان ولا يتحرى المكان ، فإذا كان هذا في المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وبنيت بإذنه ليس فيها ما يشرع قصده بخصوصه من عبادة فكيف بما سواها ؟ ا.هـ
فالذي يظهر لي أن حديث ساعة الاستجابة يوم الأربعاء فيه ضعف والله أعلم .
ومما سئلت عنه :
” أن هناك مكانا في حجرة عائشة سيدفن فيه عيسى ابن مريم عليه السلام “
جاء هذا عن عبد الله بن سلام موقوفا عليه كما عند الطبراني ، لكن فيه عثمان بن الضحاك وهو ضعيف كما أشار إلى ذلك البخاري وأبو داود وغيرهما .
وجاء عند الترمذي :
( أن هناك بقعة يدفن فيها عيسى ابن مريم في آخر الزمان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مكتوب في التوراة )
لكن لا يصح لا مرفوعا ولا موقوفا .
ومما سئلت عنه :
” ما يسمى بقروب القرآن “
بعض الناس ينشئ قروبا خاصا بالقرآن ، يعني يرسل صفحة أو صفحتين كل يوم لمن عنده فيقرءون صفحة أو صفحتين ، ويقولون نحن نستعين به على أن نقرأ ونعين غيرنا على القراءة فهل يجوز هذا أم لا ؟
هذا ليس موجودا في عصر المتقدمين ولا المتأخرين ، فهو وجد حديثا ، واختلف فيه المعاصرون ، منهم من يقول بجوازه لأنه يعين على الطاعة ، ومنهم من يقول الاستمرار عليه بدعة ، والذي يظهر لي أنه ومن باب الجمع :
أنه لو أنشئ قروب للقرآن من غير تحديد صفحات معينة في كل يوم ولا يرسل كل يوم وإنما في بعض الأيام وشورك في هذا القروب بمعلومات أخرى ولم يلزم الناس أن يفرغوا من هذه الصفحات في ساعة معينة من اليوم ، فالذي يظهر أنه لا إشكال فيه ، وقد اطلعت لشيخ الإسلام ما قد يشبه هذا في الفتاوى الكبرى ، قال رحمه الله :
” الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه ، هذا عمل صالح من أفضل القربات والعبادات ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن لله ملائكة سياحين في الأرض فإذا مروا بقوم يذكرون الله ، قالوا هلموا إلى حاجتكم )
وموضع الشاهد
( فإنهم يسبحونك ويحمدونك )
قال : ولكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة ، فلا يجعل سنة راتبة إلا ما سنه الشرع ، فما سنه الشرع على وجه الاجتماع من العبادات كالصلوات الخمس يفعل على وجه الاجتماع ، وما سنه الشرع من العبادات على وجه الانفراد يعمل على وجه الانفراد كالأوراد ، وما لم يكن كذلك فلا يكون سنة راتبة ، فإن الصحابة كان يجتمعون أحيانا فيؤمر أحدهم أن يقرأ القرآن والبقية يستمعون ، ولذا كان عمر يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا ، وهم يستمعون ، وكان بعض الصحابة – ولعله يقصد حديث معاذ عند البخاري – يقول لأصحابه ( اجلس بنا نؤمن ساعة “ا.هـ
فإذا توفرت هذه الشروط ولم تكن على وجه الاستمرار يوميا ، ولم تكن هناك صفحات معينة بل ينوع ولم تكن في ساعة معينة ، فلا إشكال في ذلك ولا حرج إن شاء الله ، فهذا ما تبين لي في هذا ، والله تعالى أعلم .
ومما سئلت عنه :
يقولون : العلماء الكبار لا نراهم ينكرون – سبحان الله – ألا يكفينا فعل أسامة رضي الله عنه ؟
يعني لا يتم إنكار عند البعض من الناس إلا أن يجيش الناس وتوضع هشتاقات في الإنكار على مسؤول أو الإنكار على الدولة ، أو تجمع الجموع وتصوير بالكاميرات والجوالات، فلا يتم إنكار من هؤلاء إلا إذا كان بهذه الطريقة ؟
هذه ليست طريقة السلف ، في البخاري :
( قالوا لأسامة ألا تكلم فلاناً – يعني عثمان فإنه رضي الله عنه كان يعطي أقرباءه من ماله رضي الله عنه ، فنقموا عليه يظنون أنه يعطيهم من بيت مال المسلمين – قالوا ألا تكلم فلانا ؟ قال ألا ترون أني لا أكلمه إلا أن أسمعكم ؟! إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا أكون أول من أفتحه )
وسمعت شيخنا ابن عثمين رحمه الله لما تكلم عن هذا قديما في عام 1410هـ ، أتظنون أن العلماء لا ينكرون إلا إذا قالوا لكم يا ناس ، يا عالم نحن أنكرنا ، هذا ليس من هدي السلف ، فالدعوة في السر للولاة هي منهج السلف .
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الإمام أحمد رحمه الله عانا من الجهمية ، وكان بمساندة الولاة في ذلك العصر ، وكان الولاة في ذلك العصر يلزمون الناس بأن يقولون بمعتقد الجهمية من أن الله ليس له أسماء ولا صفات وأن القرآن مخلوق ، وكان يعذبون من لا يقول ذلك ، بل يكفرونه ، ويمنعون عنه الرزق والوظائف ، قال شيخ الإسلام رحمه الله ومع ذلك ترحم الإمام أحمد على هؤلاء الولاة ، لم ؟ لأنه يعرف أنهم قد تأولوا وأخطأوا في تأويلهم واجتهادهم “
فلم يأمر الإمام أحمد باعتصامات أو بمظاهرات أو تأليب –لا – شيخ الإسلام رحمه اله عانى من الولاة وصبر ، فليس هذا من هدي السلف حقيقة ، من لك ولاية عليه كولدك – لنكن واقعيين – جاهرْ بالإنكار عليه أمام أمه وإخوته وأخواته أيقبل منك ؟ مع أن لك ولاية عليه ، فما ظنكم بمن هو يمكن أن يكون مسؤولا عنك ؟
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فيجب على المسلم أن يكون عارفا لمهج السلف في الدعوة إلى الله عز وجل .
ومما سئلت عنه :
بعض الشباب يقول تغير الناس وتغيرت الفتوى وأصبحت هناك تنازلات وليس الأمر كما مضى .
وفي مثل هذا المقام : أحذر من لديه علم من الظلم الذي هو به يظلم الأمة ، وأحذرك من أن ترخي بسمعك لمن يظلم هذه الأمة من طلاب العلم ، كيف يظلمهم ؟
كلام جميل ورائع لشيخ الإسلام رحمه الله ، وروعة كلام شيخ الإسلام رحمه الله وغيره من أئمة السلف لأنه يتكلم بالقرآن وبالسنة على فهم السلف ، هذا الكلام الذي قاله شيخ الإسلام كم له ؟ أكثر من سبعمائة سنة ، والآن هو يناسب واقعنا لم ؟
لأنهم لا يتكلمون إلا بالدليل الشرعي ، فلا نحتاج إلى قصَّاص يصفصفون الكلام .
الشاهد من هذا أن شيخ الإسلام رحمه الله قال في مجموع الفتاوى :
” مضت السنة بأن الشروع في العلم والجهاد مثل الشروع في الحج – كما أنه لا يجوز لك أن تخرج من الحج إذا دخلت فيه – قال كذلك من شرع في الجهاد وفي العلم الشرعي فلا يجوز له أن يخرج منه ، يعني أن ما حفظه من علم الدين وعلم الجهاد ليس له إضاعته – وذكر النصوص الشرعية على ذلك ؟
ثم قال : وأهل العلم عليهم للأمة حفظ علم الدين – هناك من يكون في بعض العصور من هو ظالم حتى من العلماء وطلاب العلم ، ظالم للأمة بما يصنع وبما يقول – قال : عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه ، فإذا لم يبلغوا علم الدين أو ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين “
وأنا أقول في مثل هذا الوقت الذي كثرت فيه البدع ويراد بالمسلمين الشر ، من باب أولى إذا لم يكن لك خير ونفع للأمة أنت يا طالب العلم على أقول الأحوال اسكت ، أرح الأمة مما تقول ، ولست ملزما بأن تقول في كل ما يحدث للأمة من أحداث ، كل حدث تخرج فيه وتتحدث ، لست ملزما بهذا .
قال رحمه الله ” ولهذا قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159
قال : تلعنهم حتى البهائم ، فكما أن معلم الناس الخير
( يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر )
كذلك إذا كان عالما أو طالب علم ظالما يلعنه اللاعنون حتى البهائم ، لأن الجزاء من جنس العمل .
قال : وكذلك كذب أهل العلم في العلم من أعظم الظلم ، وكذلك من أعظم الظلم أن يظهروا للناس المعاصي والبدع التي تمنع الثقة بأقوالهم وتصرف القلوب عن اتباعهم وتقتضي متابعة الناس لهم فيها ، فهذا من أعظم الظلم ويستحقون الذم والعقوبة عليها ما لا يستحقه من أظهر الكذب والمعاصي والبدع من غيرهم ” لم ؟
لأن إظهار غير العلماء من البدع والفسوق وإن كانت ضررا ، لكن ليست كإظهار طالب العلم للبدع وللفسق .
قال : لم في ذلك من أعظم الضرر على المسلمين ، فترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك المجاهد في سبيل الله الجهاد ، وكلاهما ذنب عظيم ، فإن ترك هذا أعظم من ترك أداء المال الواجب إلى مستحقه مما يظهرونه من البدع والمعاصي التي تمنع قبول قولهم وتدعوا النفوس إلى موافقتهم وتمنع غيرهم من إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو أشد ضررا “
بعض الناس – نسأل الله السلامة والعافية – لديه من هوى النفس أو من الاجتهادات التي يراها ، ليس من الضروري أن كل ما تراه أو تقع فيه مما تضعف به نفسك لا يلزم أن تخرجه للناس ، إن عصيت الله فاعصه في الخفاء لعل الله يتوب عليك ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ) أما أن تخرج للشباب وللشابات بعض الأمور المنكرة وتدعو الناس إلى فعل المنكر حتى يزول الحق ويظهر الباطل – نسأل الله السلامة والعافية .
قال شيخ الإسلام : ولهذا جبل الله قلوب الأمة أنها تستعظم جبن الجندي وفشله وتركه للجهاد ومعاونته للعدو أكثر مما تستعظمه من غيره ، وتستعظم الأمة إظهار العالم الفسوق والبدع أكثر مما تستعظمه من غيره “
انتهى كلامه رحمه الله كلام واضح .
وأقول :إن وسائل التواصل كشفت أناسا على حقائقهم بل كشفت وعرَّت أشخاصا من اللباس الذي يستترون به كيف ؟
كشفت وسائل التواصل : عما لا يحب التوحيد ، سواء كان عدم حبه مباشرة أو غير مباشرة ، بقصد أو بغير قصد ، أما من هو مباشرة وبقصد فهؤلاء هم الرافضة والصوفية وأشباههم ، أما من يتلبَّس فهذا هو الأمر الخطير جدا على الأمة ، تغريدات تصهر وتضعف التوحيد ، فيما مضى تذم هذه الدولة – لنكن صرحاء – وهذا إضعاف للتوحيد ، من بقي من الدول – وفي الدول الإسلامية خير – ما الذي يحيط بنا من كل جانب ؟ الرافضة ، من الذي يرفع لواء السنة ولواء التوحيد ؟ هذه الدولة ، لا لأني منها – لا – بل هذا هو الحق ، وأعرف أناسا من أهل الخير ليسوا من هذه الدولة ويحبون هذه الدولة لما فيها من التوحيد ولما فيها من الخير ، ولكن بعض الناس عنده حساسية من هذه الدولة مما يقع فيها ، مع أنه ذهب إلى بعض البلدان – وأنا لا أبرر ما يفعل في بعض البلدان حتى يفعل عندنا – لا – لكن لو فعل شيء واحد مما يفعل في تلك البلدان يمكن لنسبوا إلينا الكفر ، لكن عندنا حساسية من هذه الدولة وإذا ذهب إلى هناك كأن الأمر لا شيء ، بل يثنى على تلك الدول ، وإذا حصل هنا شيء ، ولا يعني أن يسكت عن المنكر – لا – المنكر ينكر ولكن بالأسلوب الشرعي ، وليس بهشتاقات وتغريدات وما أدري ماذا سيأتي ، أصبح بعض الناس مثل الأعور – نسأل الله السلامة والعافية – فحافظوا على دينكم وتوحيدكم ، لا ترخ بسمعك إلى ما يقال ، ما الذي فعلته هذه الوسائل ؟ ما قدمت شيئا للأمة ، كل من أراد شيئا قال نعم هاشتاق ضد ذلك الوزير أو ضد ذلك المسؤول ، ثم ماذا ؟ وكما أسلفت لكم الإنسان لما ينكر على ابنه بين أمه وإخوانه لا يقبل منه .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
تعليق الناس بالدنيا ، ما الذي يفيدني منك يا طالب العلم أويا داعية أو يا عالم لما تخرج لي عن بيتك ، ما الذي يفيدني لما تذهب إلى بعض البلدان وتصور فيها وتنشر بين الشباب ؟
هذا لا يفيدنا شيئا ، بل إنه يضر ، أنا لست قادرا
أبنائي وبناتي لما يرون يقولون انظروا إلى هؤلاء ، وأنا ليس عندي من المادة ما ليس عندكم ، وأين المصلحة للدعوة ؟ ليكن الإنسان على وعي تام بما يجري .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
ظهور الآراء الفاسدة إما فتاوى للشهوة ، وإما للشبهة ، أو للشهرة ، وهذا انتشر على مستوى عظيم .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
ضعف العلم الشرعي عند هذا الجيل من حيث المعلومات ، والسبب من المُلقي قصص وأحداث ثم ماذا ؟
انظروا إلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله بيننا وبينه أكثر من سبعمائة سنة ، ومع ذلك صلح لوقتنا ، ولم يصلح لأنه كلام شيخ الإسلام – لا – ما صلح في هذا الزمن إلا لأنه مبني على الكتاب السنة على ما فهمه سلف هذه الأمة .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
أظهرت عن شعوب همها القيل والقال دون أن يكون هناك نفع للأمة .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
البعض يقول : إن الشعوب شعوب جنس لأنهم كانوا مكبوتين – سبحان الله – كيف تبرر إشاعة الجنس بأن هناك كبتا ؟
أدركت وأدرك الكبار فيما مضى من أجدادنا ، المرأة أحيانا تمر على الرجل وهي حريصة على التستر ومع ذلك قد تخرج من غير عباءة ومع ذلك لا يلتفت إليها ، لم ؟
لأن الناس فيما مضى مشغولون إما بطاعة الله عز وجل فلا يلتفتون إلى مثل هذا لأن قلوبهم ملأى بالخير ، وإما هم مشغولون بطلب الرزق ، من حين ما يصلي الفجر ويذهب بفأسه ومسحاته ما يأتي إلا قبيل المغرب ومع ذلك أ ين الجنس في ذلك الزمن ؟ لماذا ظهر الآن ؟ لأن الناس غير مشغولين ، الناس في فراغ لا شغل في الدين ، أين العبادات ومن أهمها الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟
ثم أيضا / كيف لك بشاب ومعه الجوال واللابتوب وفي كسل ونوم وأكل من مطاعم ووجبات تثير الغرائز وينظر إلى ما حرَّم الله ، غذِّ القلوب بالعبادة ، وأشغل نفسك في عمل الدنيا وانظر ، لأن مبنى الشهوة – كما قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين – مبنى الشهوة على حرارة الرجل ، الرجل كيف تضعف حرارته بالنسبة إلى الجماع إذا اشتغل ولم تكن له نفسية طيبة ، لكن إذا كان الرجل جالسا ولا سيما في قوة الشباب فحرارته باقية ، وهناك ما يثيرها ، وليس هناك ما يدفعها من العبادات كالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
أحوال الناس في الخلوات ، وكل بحسبه ، لما تخلو في غرفتك تريد أن ترى كل شيء يتيسر لك كل شيء ، فقد تيسر في هذا الزمن ما لم يتيسر في غيره ، هنا كشفت من هو المراقب لله ومن هو غير مراقب لله سبحانه وتعالى .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
الإعجاب والعشق بين الجنسين وهذا شي ء ظاهر ولا ينكره أحد في الدردشات الصوتية والمرئية وأهلها يعرفونها فليتنبهوا إليها .
ومما كشفته وأعرته وسائل التواصل :
هجران القرآن مع قيام الحجة ، والمصحف موجود في كل جوال يسمى بالذكي ومع ذلك تحرص على أن ترى كلام البشر الذي لا يفيد بل يضر ليل نهار وتترك كلام رب البشر عز وجل ما الحل ؟
الحل عودوا إلى طلب العلم الشرعي من العلماء الكبار الذين يبنون العلم بالأدلة الشرعية على ما فهمه السلف ، دعونا من القصص ودعونا من هذه الأشياء ، النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وعند الطبراني من حديث عوف بن مالك قال :
( لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال ) وضبطت ( محتال ) والجمهور على أنها ( مختال ) بالخاء ، وعند الدارمي ( أو مراءٍ ) أي لا يتصدر للدعوة إلا الوالي أو من أذن له الوالي ، ومن لم يكن كذلك فإنه أراد الاحتيال على الناس .
وذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره – سواء صح الأثر أو لم يصح لكن له ما يؤيده – لما خطب شخص ، قال ما هذا ؟ قالوا هذا رجل يعظ الناس ، فناداه وقال أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال لا، قال هلكت وأهلكت ، إنما قمت من أجل أن يقول الناس هذا فلان بن فلان فاعرفوني ، اذهب “
وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنها .
قال المناوي في فيض القدير : ” إنما ذُم من هو يقص من أجل أنه يأتي بأخبار وقصص يدلس بها على العوام “
وقال الخطابي رحمه الله : الناس في تعلم الناس إما مذكِّر أو واعظ أو قاص ، فالمذكر من يذكرهم بنعمة الله ، والواعظ من يخوفهم من عذاب الله ، والقاص الذي يأتي بالقصص وبالأخبار الماضية ويسرد عليهم القصص فلا يأمن أن يزيد فيها أو ينقص “
أنا لما أذكر لك قصة واقعية قد لا أسلم أزيد فيها ، فكيف بمن حياته في قصص مستمر في أحداث تباع .
علموا أبناءكم التوحيد ، وحثوهم على طلب العلم الشرعي بالكتاب وبالسنة ، فهذا أبقى للخير في هذه الأمة بإذن الله عز وجل .
أسأل الله عز وجل أن يثبتنا حتى نلقاه وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .
الخطبة الثانية
أما بعد : فيا عباد الله :
الخاتمة : ………………..