بسم الله الرحمن الرحيم
(الأسباب العَشَرة في وُجوبِ حفظِ أمنِ الدولةِ السعوديّة)
مع بيان (الدّليل الشرعيّ) لكلّ سبب
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَذِهِ الدولةُ المباركةُ حرسَها اللهُ وحفظَها مُستهدَفةٌ مِن قِبَلِ أعداءِ الدِّين.
والواجبُ على كل مسلم: ليس على كلّ سعوديٍّ فَحَسْب، الواجب على كُـلِّ مسلمٍ أن يحافِظ على أمْنِها ومقدَّراتها وأن يدافعَ عنها. لِمَ؟ لهذه الأسبابِ العَشَرة التي دلّ عليه دليلٌ شرعيّ. وسببٌ واحد كافي، فكيف إذا اجتمعت هذه الأسباب العَشَرة.
أوّلًا: هذه الدولة هي دولة التوحيد
وأيّ دولة تحرصُ على التوحيد فقد أثنى الله عزّ وجلّ عليها في كتابه،
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}
ما الذي بعدها؟ بعدها جملة استئنافيّة تعليليّة. لِمَ؟ ما محلّ الثناء؟
لأنّهم – كما قال بعد ذلك – {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
فكيف تُستهدَفُ دولةٌ تَحْرِصُ على التوحيد، وعلى نَبْذِ الشرك والبدع، بل يجب على كلّ مسلم على وجه هذه الأرض أن يحافظَ عليها وأن يدافعَ عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيًا: هذه الدولة بها مدينتان محبوبتان إلى قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ( مكّة والمدينة ). قال في شأن مكّة: كما ثبت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(( واللهِ إنّكِ لَأَحَبُّ أرضِ الله إليّ، ولولا أنّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ ))
وفي حقّ المدينة: كما جاء عند البخاريّ من حديث أنس رضي الله عنه:
(( كان صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا قدِم من سفر فرأَى، حينما يَقدُمُ إلى المدينة رأى جُدرانها وأشجارها أسرعَ صلّى الله عليه وآله وسلّم حنينًا إليها، وإلى محبّتها ))
كما قال ابْنُ حَجَر رحمه الله في الفتح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثًا: هذه الدولة بها مدينتان أَمَرَ الشرعُ بِتأمين الناس فيها، حتّى بتأمين الدوابّ التي هي للصيد.
حتّى إنّ إبراهيم دعا لهذه البلد مرّتَين:
مرّة قَبل أن يبنيَ البيت: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}
والمرّة الثانية: دعا لها بعد أن اكتمل بناء الكعبة كما في سورة إبراهيم
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}
فقال عزّ وجلّ: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} على أحد وجهَي التفسير: أَمِّنوا مَن دَخَل هذا الحَرَم
أمّا المدينة: فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – كما جاء في صحيح مسلم – أهوَى بِيَده إلى المدينة – أي أشار إليها – وقال: ( إنّها حَرَمٌ آمِن)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعًا: هذه الدولة بها بُقعتان، بها بُقعتان جَعَلَهما الشرع محرّمة:
– مكّة: في صحيح مسلم: قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:
( إنّ هذا البلد حرّمه الله عزّ وجلّ..) متى؟ (.. يوم أن خَلَق السموات والأرض )
فهو حرام بحُرمة الله إلى يوم القيامة.
ثمّ أتى إبراهيم – كما جاء في صحيح مسلم – فحرّم هذه البلد تذكيرًا للناس بهذا الأمر مِن الله عزّ وجلّ، ثمّ جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وخَطَب خُطبته المشهورة يوم أن فَتَح مكّة بتحريم هذا البلد.
– أمّا حَرَمُ المدينة: فقد جاءت الأدلّة الصحيحة كما في صحيح مسلم وغَيرِه بأنّها حَرَم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خامسًا: هذه الدولة بها بُقعة، بُقعة الحَرَم التي سبق بيانها، مَن أراد بها إلحادًا فهو مِن أبغض الناس عند الله.
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيح البخاريّ:
( أَبغَضُ الناس إلى الله ثلاثة، مُلحِدٌ في الحرم ومُبتَغٍ في الإسلام سُنّةَ الجاهليّة ومُطَّلِبٌ دمَ امرئٍ مسلم لِيُهرِقَ دمَه )
انظر/ -( ملحد في الحرم ) قَبُحَ الفِعل باعتبار المكان
– ( ومُبتَغٍ في الإسلام سُنّةَ الجاهليّة ) قَبُح الفِعل باعتبار الفاعل
– ( ومُطَّلِبٌ دمَ امرئٍ مسلم لِيُهرِقَ دمَه ) قَبُحَ باعتبار الفِعل
فما ظنّكم لو اجتمعت هذه الأمور الثلاثة فزُعزِع أمنُ هذه البلاد؟!
لأنّه إذا تَزَعزَع أمنُ هذه البلاد أُلحِدَ في الحرم وابتُغِيَ في الإسلام سُنّة الجاهليّة، ابتُغيَ في الإسلام، ابتُغيَ في الإسلام سُنّة الجاهليّة
ما هي سنّة الجاهليّة؟ سنّة الجاهليّة الفَوْضَوِيّة
يموت الإنسان وليس في عُنُقه بَيْعَة، يموت مِيتةً جاهليّة، ليس عندهم وُلاة.
ثمّ بعد ذلك تُهراق الدماء ( مُطَّلِبٌ دَمَ امرئٍ مسلم لِيُهرِقَ دمَه )
وتأمّل. سبحان الله! قال: (( ومُبتَغٍ في الإسلام سُنّةَ الجاهليّة ومُطَّلِبٌ دمَ امرئٍ مسلم لِيُهرِقَ دمَه )) هذا لَمْ يَفعل؛ هذا نوَى، هذا نوى وأراد، فما ظنّكم بمَن فَعَل فزعزعَ الأمنَ والاستقرار. نسأل الله السلامة والعافية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسًا: هذه الدولةُ، دولةٌ تَصنعُ وتفعلُ المعروفَ والإحسان إلى المسلمين عامّة في جميع أقطار الدُّنيا، ولذلك: النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ـــ كما في مُستدرَك الحاكم كما ثبت عنه ـ: ( صنائعُ المعروف تَقي مَصارع السُّوء والهلَكات والآفات )
أَفَيُعتَدى على أمنِ هذه البلاد؟!! سبحان الله!
أَفَيُسعى إلى خَلْخَلَتِها وإلى تفكيكِ لُحْمَتِها؟!
أعوذ بالله من الطُّغيان والفساد، فساد الفِطَر، فساد في الدِّين، فساد في العقل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابعًا:
هَذِهِ الدولةُ تُنظِّمُ الحجّ الذي يأتي إليه المسلمون من كلّ فجٍّ عميق، يأتون إليه من كلّ فجٍّ عميق.
وهذه سُنّة محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم في تنظيم الحجّ.
ولذلك: عند أبي داود، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم للمهاجرين ( انزِلوا هاهُنا ) وأشار إلى مَيْمَنَةِ القِبلة، وقال للأنصار ( انزِلوا هاهُنا ) وأشار إلى مَيْسَرَةِ القِبلة
وقال للناس: ( انزلوا حولهم ) هذا تنظيم. سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثامنًا: هذه الدولة تَسقي الحَجيج وتوفّر لهم المياه،
وهذه سُنّة محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى إنّه أَذِن للعبّاس بن عبدالمطّلب أن يَترُكَ، أن يَترُكَ المَبيت بِمِنى مِن أجْل أن يسقيَ الحُجّاج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاسعًا: هَذِهِ الدولةُ حرسها الله وحفِظها الله، هَذِهِ الدولةُ تحرِصُ على تسهيل تنقّلات الحجّاج، مِن قِطاراتٍ ونحوِها.
وهذه سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:
أذِن للرُّعاة أن يَبِيتوا خارج مِنى لياليَ مِنى مِن أجل الإبل أن ترعى خارج مِنى، مِن أجل أن تَرعى، لأنّ هي الوسيلة الوحيدة لتنقّلاتهم.
وهذه سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشرًا: هذه الدولة تبعثُ الدُّعاة في الحجّ مِن أجل تعليم الناس التوحيد.
وهذه سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
جاء في السُّنَن: أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو واقفٌ بعرفة أرسَلَ رسوله فقال ( قُل لَهُم – يعني قُلْ للناس– قِفُوا على مشاعرِكم فإنّكم على إرث مِن إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه أسبابٌ عَشَرة. سببٌ واحدٌ كافي، وكلّ سبب عليه دليل من أدلّة الشرع
وواجبٌ على كلّ مسلم: أن يحفَظ أمْنَ هذه البلاد، وأن يدافعَ عنها.
نسألُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أن يحفظَ لنا عقيدتَنا وبلادَنا ووُلاةَ أمرِنا، ونعوذُ به عزّ وجلّ من شرّ الأشرار ومِن كَيدِ الفجّار.
وأخيرًا/ هذا الأمن وهذا الاستقرار:
الذي تطلُبُه نفوس البشر لا يَحصُل وكذلك لا يبقى، لا يحصل ولا يبقَى إلّا بهذه الأمور السبعة:
أوّلًا: التوحيد، التمسّك بالتوحيد والحرص عليه
ثانيًا: إقامة الصلاة. ثالثًا: إخراج الزكاة
رابعًا: الأمرُ بالمعروف. خامسًا: النهيُ عن المنكر
سادسًا: الالتفات حول الولاة
سابعًا: صُنع المعروف وإسداء الخير للآخَرين مِن قريب ومِن بعيد
والأدلّة على ذلك:
– التوحيد والتمسّك به: قال عزّ وجلّ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ..} يعني بِشرك.
ما الثمرة؟ {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} وأمنٌ حتّى في القبر وحتّى في الآخرة.
صاحب العقيدة الصحيحة يأمن في دنياه وفي قبره وفي أُخراه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– الدليل على: إقامة الصلاة، وعلى إخراج الزكاة وعلى الأمرِ بالمعروف، وعن النهي عن المنكر:
قال عزّ وجلّ:
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}
ــــــــــــــــــــــــــــ
– وأمّا الدليل على وجوب الالتفات حول الوُلاة:
فكُتُب أهل السنّة والجماعة مَلأَى بِذِكر النصوص والآثار، ومن بينها:
ممّا جاء في السُّنَّة قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في السُّنَن
( ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهِنّ قلبُ امرئٍ مسلم.. ) لا يصيبُ قلبه غلٌّ ولا حِقد، نعم. ماهي هذه الثلاث؟ حتّى لا يُصيب قلبَك غِلٌّ ولا حِقد. قال: ( إخلاص العمل لله) ثانيًا: ( ومناصحة ولاة المسلمين )
المناصحة: ليست المجاهرة والفضيحة وكشف الأخطاء والتصيُّد لها. لا
( ومناصحة ) لأنّ كشف الأخطاء وتضخيم هذه الأخطاء، هذا ليس مِن منهج أهل السُّنَّة والجماعة
( ومناصحة ولاة المسلمين ) ثالثًا: ( ولزوم جماعة المسلمين )
ــــــــــــــــــــــــــــ
– أمّا الدليل على:
أنّ صُنع الخير وبذل المعروف من أسباب بقاء الأمن بإذن الله عزّ وجلّ:
فكما سبق في الحديث الذي عند الحاكم في مستدركه، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ( صنائع المعروف تقي مَصارعَ السوء والهلَكات والآفات )
التتمّة: ( وأهل المعروف في الدُّنيا هُم أهل المعروف في الآخرة )
المعروف: الذي هو معروف من حيث الشرع ومن حيث العقل ولا يُنكِرُه ذو فضل.
لأنّ بعضًا من الناس قد يُسدَى إليه المعروف فلا يعتبرُه معروفًا بإنكاره لِفضل هذا الشخص
فالمعروف: هو الذي عُرِف حُسْنُه في الشرع وبالعقل ولَمْ يُنكرُهُ ذو فضل.
( وأهل المعروف في الدنيا هُم أهل المعروف في الآخرة )
ــــــــــــــــــــــــــــ
نسأل الله عزّ وجلّ أن يحفظَ لنا عقيدتَنا وأمنَنا وولاةَ أمرِنا
وأن يحفظَ كلَّ بلدٍ من بلادِ المسلمين مِن شرِّ الأشرار ومِن كيدِ الفجّار.
وننصح بالعودة إلى خُطبة: [يجب على كل مسلم ومسلمة الدفاع عن السعودية بلاد الحرمين]
وخُطبة: (المحافظة على أمن السعودية خير لأهلها ولكل مسلم)
وخطبة: جهود الدولة السعودية في خدمة حجاج بيت الله الحرام؛ متّبعين السنة في ذلك