التحقيق في مسألة من عليه دين حالا أو مؤجلا أو أقساطا فهل تجب عليه الزكاة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن هذه المسالة تسمى بمسألة من عليه دين ينقص النصاب
اختلف العلماء في هذه المسألة :
القول الأول :
أن الزكاة واجبة في هذا المال الزكوي بقطع النظر عما في ذمة هذا المدين واستدلوا بعموم النصوص التي أوجبت الزكاة في الأموال :
كقوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }
وكقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين ( فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم )
ومن أدلتهم :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يجبي الزكاة فكانوا يجبونها من أهل الثمار وأهل المواشي ، وما كانوا يسألونهم هل عليهم دين أم لا ؟
القول الثاني :
أن الزكاة تجب عليه بشرط أن يكون ماله مالا ظاهرا ، أما إذا كان المال مالا باطنا يعني لا يظهر فإنه لا زكاة فيه ، إنما الزكاة في المال الظاهر ما هو هذا المال الظاهر ؟ قالوا الحبوب والثمار وبهيمة الأنعام
لِمَ أوجبتم الزكاة في المال الظاهر دون المال الباطن؟
المال الباطن كالذهب والفضة والأوارق النقدية وما شابه ذلك
لِمَ أوجبتم ؟
قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يجبي الزكاة من أهل المواشي وأهل الحبوب والثمار ، وما كان هؤلاء يسألونهم هل عليهم دين أم لا ؟
ولأن نفوس الفقراء تتعلق بهذا المال الظاهر ، أما المال الباطن فإن الفقراء لا يدرون عنه فلم تجب فيه الزكاة
ويتفرع من هذا القول قول قالت به طائفة وهو : أنه يلحق بالمال الظاهر عروض التجارة قال لأنها ظاهرة وواضحة فوضوحها كوضوح الحبوب والثمار وبهيمة الأنعام إن لم تكن أظهر وضوحا ، ولا شك أن هذا القول المتفرع من هذا القول قول وجيه ؛ لأنه مال ظاهر
القول الثالث : أن من عليه دين ينقص النصاب فإنه لا زكاة عليه
وهذا يصدق في مثل هذا الزمن تجد أن بعضهم يشتري سلعة من تاجر لدين مؤجل مثلا بمائة ألف ، فالمال بين يديه وفي ذمته مائة ألف هنا لا نصاب موجود فهنا قالوا لا تجب فيه الزكاة ، وأدلتهم ما يلي :
ــ قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها )
ــ وقوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم ( أفضل الصدقة أو خير الصدقة ــ على رواية الشك ــ ما كان عن ظهر غنى )
بمعنى :
أنه إذا أنفق وتصدق يبقى بعدها غنيا غير محتاج
ومن أدلتهم :
ما ثبت عن عثمان رضي الله عنه في موطأ الإمام مالك أنه قال على المنبر ( إن هذا الشهر شهر زكاتكم فأدوا دينكم ثم أخرجوها )
فقال هذا القول على منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام وبمحضر من الصحابة وأقروه على ذلك
ومن أدلتهم :
ما جاء عند البيهقي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال فيمن استدان من أجل ثمرته ، قال ( يقضي دينه ثم إن بقي شيء فيخرج زكاته )
وكذا ورد عند البيهقي بنحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما
ومن أدلتهم :
أنهم قالوا ” لو قلنا بوجوب الزكاة ففي بعض الصور قد تجب الزكاة في هذا المال مرتين ، تصور لو كان لديك مائة ألف اقترضتها من شخص لو قلنا بجوب الزكاة فيها من أقرضك سيزكي ما في ذمتك ، لم ؟
لأنه يعلم أنه متى ما طلبها منك ستعطيه إياها ففي بعض الصور تجب الزكاة مرتين في هذا المال ومثل هذا لم تأت به الشريعة
ولا شك أن هذا القول أقوى من حيث الدليل وما سبق هو أحسن من حيث الاختيار ؛ لأنه إن أخرجها فإنه لن يعدم خيرا
أما كون النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من يجبي الزكاة ولا يسأل هؤلاء فإن الأصل أن من عليه دين سيقول علي دين
ثم إن مواساة الإنسان لنفسه أولى من مواساته لغيره فلا تقدم حاجة الفقير على حاجة هذا المدين
ثم تأتي مسألة أخرى :
على هذ القول بهذا الترجيح الذي سألت عنه :
أن من عليه دين ينقص النصاب هب أن هذا الدين دين حال فلا إشكال فيه على هذا القول من أنه لا تجب عليه الزكاة لكن لو كان هذا الدين دينا مؤجلا يعني سيحل على هذا المدين بعد سنة أو بعد سنتين أو كان أقساطا يسددها شهريا
هنا اختلف هؤلاء :
هل يكون الدين بوجه عام سواء كان دينا حالا أو مؤجلا مسقطا للزكاة إذا أسقط النصاب أم لا ؟
قولان :
فبعضهم يقول لا يسقط ، وبعضهم يقول يسقط
والأقرب إن رجح القول الأخير أنه على العموم سواء كان دينا حالا أو دينا مؤجلا ، لم ؟
لأن هذا الدين بتأخيره سيبقى في ذمته فإنه إن كان حالا أو كان مؤجلا فإنه لا تأثير فيه لأن ذمته مشغولة بهذا المال فلا يكون فيه تأثير على وجوب الزكاة من عدمها
الدائن على ما مر معنا في المسأل السابقة إن كان الدين الذي أقرضه لشخص على غني باذل غير مماطل هنا يزكيه كل سنة
لكن إن كان دينه على شخص معسر أو على غني مماطل فهنا لا يزكيه إلا سنة واحدة سنة القبض
ويزكيه سنة القبض على الصحيح لأنه مفقود ومعدوم فهو بمثابة المعدن لما يجد المعدن يزكيه مباشرة خلافا لمن قال إنه إن كان الدين على معسر أو على غني مماطل فإنه إذا قبضه ينتظر به سنة أخرى حتى يزكيه والصحيح : أنه من حين ما يقبضه يزكيه ، لم ؟
لأنه بمثابة الشيء الذي لا يحلم به فتحصل عليه كمعدن ونحوه فهنا { وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ }
وفي المعادن كما مر معنا يجب من حين إخراجه تجب فيه الزكاة زكاة المعدن ، المعدن تجب فيه الزكاة من حين إخراجه لأنه يشبه الحبوب والثمار