الخطبة الأولى من أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

الخطبة الأولى من أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

مشاهدات: 517

بسم الله الرحمن الرحيم

 الخطبة الأُولَى من: أحاديث ومسائل وفوائد نادرة عن شهر شعبان

لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحريّ

https: //youtu.be/1gZTjeWR1ow

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه مسائل تتعلّق بِشهر شعبان:

مِن المسائل: قال ﷺ كما ثَبَت عنه عند الترمذيّ: ” أَحْصُوا هِلالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ “

 ” أحْصُوا ” [بفتح الهمزة] البعض ربّما ينطقُها بسبب السرعة [أُحصُوا، بضم الهمزة].

” أَحْصُوا ” قال الطِّيبِيّ رحمه الله: هذا أَبلَغ مِن قَولِه (عُدُّوا)؛ لِأنّ الإحصاء يُحتاجُ فيه إلى جُهدٍ عظيم، فَدَلّ هذا على أنّ الأُمَّةَ مأمُورةٌ بإحصاء هلال شعبان مِن أَجْل أن يَستَكمِلُوا رمضان عَلَى وِفق ما أَمَرَ به الشَّرع مِن رؤية الهلال

وهذا إن دَلّ يَدُلّ على فَضيلةِ رمضان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِن المسائل: مَن عَلَيه قضاء مِن رمضان الماضي:

فيجِب عليه أن يقضِيَه قَبل انقضاء شعبان.

ولِذَلِك عائشةُ رَضِيَ الله عنها كان يكون عليها الصَّوم مِن رمضان فما تستطيع أن تَقضِيَه إلَّا في شعبان، فَدَلَّ هذا على أنّه لا يَجوزُ لِأَحَدٍ أن يُؤَخِّر ما عَلَيه مِن قضاءٍ حتّى يَدخُل رمضان الثاني، إلَّا إن كان معذُورًا.

فإنّه إن تَرَكَه حتّى دَخَلَ رمضانُ الثاني، فإنّه يُنظر في حالِه:

 إن كان معذورًا لَم يتمكّن مِن الصِّيام لِمرضٍ أو نحو ذلك: فإنّه لا إثمَ عليه، وإنّما يَقضِي بَعْدَ فراغه مِن رمضان الثاني، دون أن يكون هناك إطعام بسبب العُذر الَّذي حصل له.

 

 لَكِنْ إن لَم يَكُن هناك عُذرٌ؛ وَقَعَ تهاوُنًا أو كَسَلًا أو ما شابَه ذلك: فإنّه يكون آثمًا، وعَلَيه بَعْدَ رمضان الثاني بعد فراغه مِن صيامه:

[التَّوبة، مع القضاء، مع إطعام عن كلّ يَومٍ مِسكينًا]

إذًا: عليه أن يَقضِيَ تلك الأيّام، ويُطعِم عن كُلّ يَومٍ مِسكينًا بِقَدرِ ما يُشبِعُه.

مِن باب التقريب لِلنَّاس يَعْنِي:

 ما يكون قَدْرَ (كِيلُو ونِصف) مِن الأرز؛ أو مِن أيِّ طعامٍ يَقتاتُه أَهْلُ كُـلِّ بَلَد.

– فإنّه يُطعِمُ مع القَضاء؛ لِوُرُودِ آثارٍ.

– وهذا القَول أَصَحّ مِن قَول مَن قال:  يَقضِي مِن غَير إطعام.

– وأَضعَف مِن هذَين القَولين مَن يقول:  يُطعِم ولا يَقضِي.

 

 إذًا: إن تَرَكَه لِغَير عُذرٍ فعَلَيه: التَّوبة، مع القضاء، مع إطعام عن كلّ يَومٍ مِسكينًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ومِن المسائل: النبيُّ ﷺ كما في الصّحِيحَين مِن حديث عائشةَ وغَيرِها: ” كان ﷺ يَصُومُ شَعبانَ “

 

هل كان يصومُه كُلَّه؟ أَم أنّه يَصُومُ أكثَرَه؟

في رواياتٍ في الصّحِيحَين ” أنّه كان يَصُوم كُلَّ شعبان “

لَكِن وَرَدَت روايات في صحيح مُسْلِم: ” كان يصوم شعبان إلَّا قليلًا “

ولِذَلِك قال ابن عبّاس رَضِيَ اللَّـه عنهما: لَم يَستَكمِل رسولُ الله ﷺ صِيامَ شَهرٍ إلَّا رَمَضانَ.

وكذلك ثَبَت مِن قَول عائشة رَضِيَ الله عنها كما في صحيح مُسْلِم.

 فَالشاهِد مِن هذا: أنّه يُستَحَبُّ أن يُصامَ أَكثَرُ شعبان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة التي تليها:

لَو قال قائل: النبيُّ ﷺ قال كما في صحيح مُسْلِم مِن حديث أَبِي هريرة رَضِيَ الله عنه:

” أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ “، فلماذا كان ﷺ يَصُومُ أَكثَرَ شعبان؟

 فالجواب عن هذا -وقد مضى-: مِن أنّه ﷺ كانَ يَحرِص على صيام شعبان؛ لَكِنّه لَم يتمكّن مِن صيام مُحَرَّم لأنّه ﷺ كان مشغولًا بِالجهاد

أو أنّه ﷺ لَم يُخبَر بِفَضل صيام شهر محرّم إلَّا في آخر حياته.

 

 لَكِن لَو قال قائل: أيُّهما أَفضَل صيامُ محرّم أم صيام شعبان؟

الأَفضل على الصّحيح: صيامُ شعبان، لِمَ؟ لِقُربِه مِن صيام الفَرض

فَهُوَ بمثابة ماذا؟ بمثابة السُّنَن الرَّواتب لِلصّلوات المفروضة، وقرَّر ذلك ابن رجب رحمه اللَّـه في  [لطائف المعارف]

– أمّا قَولُه ﷺ عند مسلم: ” أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ” المقصود مِن ذلك:  الصِّيام المُطلَق، يَعْنِي: مَن أراد أن يَصُوم صَومًا مُطلَقًا فإنّ أَفضَل الصِّيام يكون في محرّم

لَكِن ما كان مقَيَّدًا بِفَرضٍ كَـ(شعبان) فَهُوَ أَفضَل كالسُّنَن الرواتب.

ولِذَلِك في ضِمن حديث: ” أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ” ما الجُملة الَّتي بَعْدَها؟ الجُملة: ” وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ “

هل قِيامُ الليلِ أَفضَلُ مِن السُّنَنِ الرّواتب؟

ج/ لا، السُّنَن الرواتب أفضل مِن قيام الليل، لِمَ؟

لِأنّ السُّنَنَ الرَّواتب مُرتَبِطَةٌ بِالفرائض، فيكونُ شعبان هو الأفضَل مِن حَيثُ الصِّيام مِن محرّم.

 ومَن جَمَعَ بَينَ الأَمرَينِ فَهُوَ خَير، لَكِن مِن باب بَيان الأفضليّة؛ حتّى لا يَستَقِرَّ في الأذهان ما ذهبت إليه طائفة مِن الشافعيّة:

كما استقرّ عند بعض الشافعيّة مِن أنّ شَهر محرّم في الصِّيام أَفضَل مِن شهر شعبان

ولِذا وَرَدَ حديث عند الترمذيّ – لَو صَحَّ لَكان فاصِلًا – لَكِنّه ضعيف، وهو: أنّه سُئِلَ ﷺ عن أفضل الصِّيام بعد رمضان، فقال: شعبان تعظيمًا لِرمضان ” لَكِنّه لا يَصِحّ عنه ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومِن المسائل: لَو قال قائل: لماذا كان ﷺ يَصُوم شعبان بكثرة؟

قَد يُقال -كما سبق – مِن باب أنّه قريبٌ من رمضان كالسنن الرواتب

 لكن هناك فوائد ذُكِرَت في السُّنَّة وذَكَرَها بعض العُلَماءِ استئناسًا، مِنْهَا:

– تمرين المسلم على الصِّيام قَبْلَ دخول رمضان؛ حتّى يعتاد على الصِّيام

 

– أَمرٌ آخَر وهو أنّه ﷺ بَيَّنَ لَمّا سُئِلَ كما عند أحمد والنَّسائِيّ عن صيامه لشهر شعبان:

” يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ “

 قال ﷺ: ” ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ”

إِذَنْ الناس يغفلون عن فَضل شعبان بِاعتِبار ماذا؟

بِاعتِبار الصِّيام، لا بِاعتِبار عباداتٍ أخرى.

 – بل زاد ﷺ عِلَّةً أخرى فقال ﷺ:

” وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “

 وَلْتَعلَم: أنّ رَفعَ وعَرضَ الأعمالِ على الله عزّ وجلّ كما يكون في[شعبان] كما نَصّ عَلَيه هذا الحديث، كذلك يكون هنالك[عَرضٌ يَومِيٌّ] في أَوَّل النهار وفِي آخِرِه تُعرَض الأعمال

ولِذَلِك في الصَّحيحَين قَولُه ﷺ: ” يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ – وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ – : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ “

 

أَوضَحُ مِن هذا ما جاء في صحيح مسلم، قَولُه ﷺ أن الله عز وجل:

” يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ “

-فأعمالُ العِباد كما تُرفَعُ في شعبان؛ تُرفَعُ أيضًا [يَومِيًّا] في أَوَّل النهار وفِي آخِرِه.

-بل تُرفَعُ الأعمال [أُسبوعِيًّا] مَتَى؟ في يَومَي الاثنين والخميس.

 

كما في مُسنَد الإمام أحمد وسُنَن النسائيّ كما ثَبَت عنه ﷺ مِن حديث أسامة أنّه قال:

” يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرُ حَتَّى لَا تَكَادُ أَنْ تَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ، وَإِلَّا صُمْتَهُمَا.

– أَيْ في ضِمنِ صِيامك الَّذي تصومُه في كُلّ شَهر-

قَالَ : ” أَيُّ يَوْمَيْنِ ؟ “. قَالَ : قُلْتُ : يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ. قَالَ : ” ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “.

 

تنبيه/ وهذا دليل نؤكّد فيه مِن أنّ ما يُسَوَّق ويُرَوَّج له في مِثل هذه الأزمان أو في هذه السنوات:

[مِن أنّه لا يُستَحَبّ صيام يوم الاثنين ويوم الخميس!]

وإن كان قال به بعض العُلَماء القدامى؛ لِأنّ السُّنَّة النبويّة هي الفَيصل في أيِّ خِلافٍ ونزاعٍ.

وبعضهم يقول [لا تَصُم إلَّا يوم الاثنين، يوم الخميس ما وَرَدَ فيه حديث] هذا خطأ!

 

 أَكثَرُ الأئمّة كما قال ابن رجب رحمه اللَّـه في [لطائف المعارف] مِن استِحباب صيام هذَين اليَومَين (الاثنين والخميس)

 

 وما وَرَد عَن بعض العُلَماء مِن أنّه كان يَكرَه صيام يَومَي الاثنين والخميس، مِن أَجْلِ ماذا؟

خِيفَةً مِن أن يُظَنّ أنّ صيامهما واجبٌ كما قال الشافعيّ

 كان الشافعيّ يَكرَه ذلك ويقُول: إنّما أَنهَى عنه حتّى لا يَظُنّ جاهِلٌ مِن أنّ صيامهما واجب

لَكِن يقول: مَن اعتَقَد أنّه لا يَجِب فَلْيَصُم.

 

 فَدَلّ هذا عَلَى أنّ الكراهيّة السابقة ليس مِن أَجْل عَدَم ثُبُوت الحديث، لا! الحديث ثابت، قَالَ ﷺ:

 ” ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “

فالحديث هذا يَدُلّ عَلَى أنّه ﷺ كان مستمرًّا في صيامِهما

ولِذَلِك أسامة راوي الحديث ما كان يَدَعُ صيام يَومَي الاثنَين والخَميس لا في حَضَرٍ ولا في سَفَر.

 

هذا موضع الشاهد: أن هناك يومان في الأسبوع تُعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل.
قال ﷺ: ” ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ “

بل جاء في السُّنَن كما ثَبَت عنه ﷺ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

” إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ “

 

مِمّا يَدُلّ عَلَى أهَمِّيَّتهما عنده ﷺ، وهذا ثابت وهذه أحاديث صحيحة، فَلَا تَسمَعْ إِلَى ما يُقال مِن تَثبِيط وإِضعاف الناس عن صيام هَذَين اليَومَين! ولا سِيَّما يَوم الخميس الَّذي يقولون إنّ الحديث لَم يَثبُت فِيه! بَل الحديثُ ثابِتٌ فِيه.

ولِذَلِك لا يُغْتَرُّ بِحديثِ أَنَس بن سيرين كما في المُسنَد، قال:

” أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَمِيسٍ، فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْغَدَاءِ، فَتَغَدَّى بَعْضُ الْقَوْمِ وَأَمْسَكَ بَعْضٌ،-لِأنّهم كانوا صُوّامًا في يوم الخميس- ثُمَّ أَتَوْهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْغَدَاءِ، فَأَكَلَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَأَمْسَكَ بَعْضٌ، فَقَالَ لَهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:

 لَعَلَّكُمُ اثْنَانِيُّونَ، لَعَلَّكُمْ خَمِيسِيُّونَ، -يَعْنِي: مِمَّن يَصُوم الاثنين والخميس-

 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ ” الحديث ضعيف.

 الحديث ضعيف؛ ولَو صَحَّ، فأراد أنس رَضِيَ الله عنه أَنْ يُبَيِّنَ مِن أنّه ﷺ ما كان يَقتَصِرُ عَلَى صيام يَومَيِ الاثنَين والخميس بل كان يَصُوم غَيرَهما.

 

بل لِتَعلَمْ كما ثَبَت في السُّنَن ” أنّه كان يَصُوم ﷺ مِن كُلِّ شَهرٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، أَوَّلَ اثنَينٍ ثُمَّ الخَمِيسَ ثُمَّ الخَمِيسَ “، وهذا أَصَحُّ مِن رواية ” كان يَصُوم الخميس ثمّ الاثنين ثمّ الاثنين”.

 

يَعْنِي كان يَصُوم أوّلَ يَـوْمِ اثنَين، ثُمّ يَصُوم الخميس ثمّ يَصُوم الخميس حتّى تَجتَمِع له ثلاثةُ أيّامٍ.

 

بل ممّا يؤكِّد عَلَى استِحباب صيام يَومَيِ الاثنَين والخميس:  

أنّ عبدَالله بن عمرو بن العاص كان يَصُوم الدَّهرَ كُلَّه، فقال ﷺ كما في سنن النسائي الكبرى:

” صم من الجمعة يومينِ الاثنين والخميس “

فَدَلّ هذا على أنّه يُستحَبّ صيام يَومَيِ الاثنَين والخميس.

 

 فالشاهدُ مِن هذا أنّ أَعمالَنا تُرفَع:

-【 في شَهر شعبان 】كما ثَبَت بِذلك الحديث.

-【 وفِي كُلّ أُسبوع 】في يَومَي الخميس والاثنَين.

 

بَل لِتَعلَمْ: في يَومَي الاثنَين والخميس، أنّه جاء في صحيح مُسْلِم، قال ﷺ:

” تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا “

انظر إلى عِظَم التَّوحيد. سبحان الله! الله أكبر

” فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ” -أخيه: يَعْنِي المُسلِم-

” فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا “

أَنْظِرُوا: يَعْنِي أَمهِلُوا.

فكَما أنّ الأعمال تُرفَع يَومَيِ الاثنَين والخميس، أيضًا تُفتَحُ أبواب الجَنّة يَومَيِ الاثنَين والخميس

وأيضًا تُرفَع أعمالُنا【 يَومِيًّا 】فِي أَوَّل النهار وفِي آخِرِه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومِن المسائل المتعلُّقة بِشَهر شعبان:

لِتَعلَمْ أنّه كما سَلَف: تُرفَع الأعمال في شهر شعبان، وشَهرٌ يَغفُلُ الناس عنه ولِذَلِك كان يَصُومُه ﷺ

 ولَكِن لِتَعلَمْ:

أنّ ما وَرَد مِن حَـدِيـثٍ مِن أنّ اللهَ عزّ وجلّ يَأمُرُ مَلَكَ المَوت لِيَقبِضَ في هذا الشَّهر مَن يُريد أَنْ يقبض رُوحَه، قال ﷺ فيما يُذْكَر عنه أنّه قال لَمّا سُئِلَ عن صيام شهر شعبان، قال:  

” إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، وأنا أحب ألا ينسخ اسمي-يَعْنِي مِن ضِمن مَن يموت- إلا وأنا صائم ” هذا الحديث ضعيف.

 وكذلك لا يَصِحّ حديث: ” تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ، يَعْنِي لَيتزوّج- وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى ” فِي الْمَوْتَى: اسْمُه مِمَّن سيموت، هذا الحديث لا يَصِحّ.

 

 وبِالتالي فإنّ ما وَرَد مِن حديث ” مِن أنّ شعبان تُخطَفُ فيه الأرواح أو تُقبضُ فيه الأرواح دُون غَيرِه، وأنّ المَوتَ يَكثرُ فيه ” هذا لا يَصِحّ فيه حديث.

 ومن ثَمّ انتبه..

لا يَقَع في قَلبك تشاؤم مِن هذا الشَّهر، فَهُوَ شهرٌ كَغَيرِه مِن سائر الشهور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومِن المسائل: وهي مسألة أُعَرِّجُ عَلَيها سريعًا لِأنّه ربّما تنتشر

لَكِن سيَكُون لها حديث إن شاء الله في الجمعة القادمة (الخطبة التالية رقم 2 ) مع بعض المسائل المتعلّقة بشعبان بإذن اللَّـه لِأنّ المَقام لا يَسمح لنا بِالتفصيل:

مِن أنّه جاء عن أَنَس: مِن أنّه إذا دَخَل شعبان انكَبَّ الناس عَلَى المصاحف وأَخرَجوا زكاةَ أَموالهم تَقوِيَةً لِلفقراء على صَوم رمضان ” فإنّه أَثَرٌ لا يَصِحّ.

 

 وبِالتالي: ما يُسَمَّى مِن أنّ شعبان (شَهر القُرّاء) مِن أنّ بعض الناس فيما مَضَى كان ( يُغلِقُ حانُوتَه) -يَعْنِي دُكّانه ومَحَلَّه- مِن أَجْل أن يَتفرّغَ فقط لِقراءة القرآن! فهذا لَيس معرُوفًا عن النبيّ ﷺ ولا عن الصحابة رَضِيَ الله عنهم، مَن أراد أَنْ يَجتَهِد فَلْيَجتَهِد.

 

ولِذَلِك جُملة ” يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ” استفادَ مِنْهَا العُلَماءُ فائدةً، لَوِ اتَّسَعَ المقامُ لَبَيَّنتُ.

لَعَلَّها تأتي إن شاء الله في الجمعة القادمة.

 

 الشاهد مِن هذا: أنّ عَلَى المُسلِم أن يَستَغِلّ حياتَه كُلَّها وأيّامَه كُلَّها فِي طاعة الله

ما جاء مِن حَديثٍ في بَيانِ زَمَنٍ فاضِلٍ مِن شَهرٍ أَو أيّامٍ بِعِباداتٍ مُعَيَّنةٍ ☜نَقتَصِرُ عَلَى ما وَرَدَ ☜وَعَلَى ما جاء في الشَّرع، فَالخَير كُلّ الخَير في اتِّباعِ ما كان عَلَيه ﷺ.

 

ولِلحديث إن شاء الله تَتِمَّة في الخُطبة التالية عن المسائل المتعلقة بشعبان.