أما بعد : فيا عباد الله :
لم يبق لنا حديث عن العلامات الكبرى للساعة ، لم يبق معنا إلا علامتان ، العلامة الأولى :
( خروج الدابة من الأرض ) وقد دلَّ على ذلك كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }النمل82 .
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ } يعني بتماديهم في المعاصي والذنوب
{ أَخْرَجْنَا } أخرج الله جل وعلا من الأرض{ لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ } أي تكلم الناس على غير العادة .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه كما في تفسير القرطبي ، قال ( إن وقْع القول يكون بذهاب العلم وذهاب العلماء وبرفع القرآن ، فيا أيها الناس أكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يُرفع ) انتهى كلامه رضي الله عنه منقولا من تفسير القرطبي .
{ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ } خروجها دل عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال ( إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى ، فأيتهما كانت فالأخرى على أثرها قريبا ) ودلت أحاديث أخرى على خروجها
{ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ } من أي مكان ؟ تتابعت الأدلة وتكاثرت على أنها تخرج من مكة من المسجد الحرام ، جاء في معجم الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ( بأنها تخرج من أعظم المساجد فبينما هم كذلك إذ دبَّت الأرض فبينما هم كذلك إذ تصدَّعت الأرض ) قال الهيثمي في المجمع رواته ثقات ، وجاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ( أن الدابة تخرج ثلاث خرجات ، تخرج في بعض البوادي ) يعني في الهِجر ( ثم تختفي ، ثم تخرج في بعض الأمصار ) يعني في المدن ( ثم تخرج من المسجد الحرام ) وما جاء عند الحاكم من أنها ( تخرج من أقصى اليمن ثم بعد ذلك تخرج قريبا من مكة ثم تخرج في المسجد الحرام ما بين الركن وما بين باب بني مخزوم ) فإنه حديث لا يصح.
الشاهد من هذا أن هذه الدابة تخرج من مكة من المسجد الحرام هذه الدابة ما حقيقتها ؟ ما ماهيتها ؟
جاءت آثار في تبيين ماهية هذه الدابة ، لكنها آثار لا تصح ، قيل ( إنها فصيل ناقة صالح عليه السلام التي قُتلت من قِبل قومه ) فإن لها فصيلا اختفى ثم يخرج ، ويدللون عليه بما جاء عند أبي داود الطيالسي من ( أنها ترغو ) والرغاء لا يكون إلا للإبل ( ترغو بين الركن والمقام ) ولكنه حديث لا يصح ، وقيل ( إنها الجساسة ) التي تجس الأخبار للمسيح الدجال ، وأيضا لا يصح ، وقيل ( إنها الثعبان الذي كان على ظهر الكعبة قبل أن تبنيه قريش ) وأيضا لا يصح ، وما جاء من ( أنها إنسان يتكلم بلغة الإنسان فلا يصح ) قال القرطبي رحمه الله ” لو كانت إنسانا ما كانت آية على غير المعتاد ” وما قاله بعض المعاصرين من أنها الجراثيم التي تدب في الناس ، فلا يصح ، لم ؟ لأن الجراثيم كانت موجودة قبل ذلك ، ولأن الجراثيم لا تُرى ، بينما هذه الدابة ترى – الشاهد من هذا – أنه ما ورد من آثار في تبيين حقيقتها فليست بآثار صحيحة .
وهذه الدابة كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ( أنها تخرج فتَسِم الناس على خراطيمهم ) يعني تضع علامة على مقدمة أنوفهم ( ثم يغمرون فيكم ) يعني يكثر فيكم من تخطمه الدابة على أنفه ( حتى يشتري الرجل البعير من الرجل فيقال له ممن اشتريه ؟ فيقول من أحد المُخطمين )
وجاء حديث في المسند يصححه أحمد شاكر ، لكن يضعفه الألباني رحمه الله من أن ( معها عصا موسى ، ومعها خاتم سليمان ، فتخطم ) يعني تسم ( أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن ) يعني تبيضه ( بعصا موسى ، حتى إن أهل الخوان ) يعني ما يوضع عليه الطعام مما يجتمعون عليه ( لا يجتمعون على خوانهم ، فيقول هذا الرجل يا مؤمن ويقول ذاك يا كافر ) ولكن الحديث كما أسلفت فيه ما فيه من المقال .
قال عز وجل { تُكَلِّمُهُمْ } يعني تنطق وتنبئ الناس بأن الأمر عظيم وجلل على غير المعتاد ، وفي قراءة غير سبعية ( تَكْلَمُهم ) يعني تجرحهم من الكلم وهو الجرح ، قال ابن كثير رحمه الله ” ولا تعارض فإن هذه الدابة تُكلم الناس وأيضا تجرح الناس كما جاء في الحديث بأنها تخطم أنوف الناس “
ومن العلامات الكبرى للساعة وهي الأخيرة في علامات الساعة الكبرى :
وهي خروج النار العظيمة التي تحشر الناس ، من أين تخرج؟
تخرج من قعر عدن ، كما جاء في صحيح مسلم ( وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) وفي مسلم ( تخرج نار من قعر عدن ) وجاء في مسند الإمام أحمد بالتحديد ( أنها تخرج من بحر حضر موت ) وهو ما يسمى الآن بالبحر العربي ، فهذه النار هي آخر علامة من العلامات الكبرى للساعة ، وما جاء في صحيح البخاري من ( أن هذه النار هي أول العلامات ) فالمقصود منها كما قال ابن حجر رحمه الله ” المقصود أنها أول العلامات التي لا يأتي شيء بعدهما من أمور الدنيا وإنما يعقبها النفخ في الصور .
قال وأما ابتداء خروجها كما جاء عند البخاري ( فأولها نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ) كيف تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وهي تخرج من قعر عدن ؟
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” إنها تخرج من قعر عدن من بحر حضر موت ثم ينتشر شرها فيكثر انتشار شرها في جميع أقطار الأرض ، فليس المقصود المشرق والمغرب وإنما المقصود أنها تعم الأرض كلها ” أو أن المقصود منها الفتن ، لأن الفتن مثل النار إذا اشتعلت ، فتكون النار التي نحن بصدد الحديث عنها نار حقيقية تحشر الناس إلى المحشر وتخرج من قعر عدن ، أما النار التي عند البخاري فيكون المقصود منها الفتن التي إذا انتشرت فإنها تنتشر كانتشار النار .
وهذه النار – عباد الله – يكون الناس على ثلاث طرق ، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يُحشر الناس على ثلاث طرائق، راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا )
وجاء عند الطبراني ورواته ثقات كما في مجمع الزوائد ( أن النار تسوق الناس كسوق الجمل الكسير )
وإذا خرجت هذه النار يفني الله عز وجل الدواب التي تُركب ، يلقي الله عز وجل على الدواب آفة فتبيد وتهلك ولا يبقى إلا القليل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند ، قال أبو ذر رضي الله عنه ( حدثني الرسول صلى الله عليه وسلم أن النار تحشر الناس على ثلاثة أفواج ، فوج راكبين طاعمين كاسين ) هؤلاء الذين بادروا وركبوا الدواب ثم انطلوا قبل أن تلقى الآفة العظيمة على الدواب ( وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار ، فقال قائل قد عرفنا هذين الصنفين ، فما بال من يمشي ويسعى ؟ قال يلقي الله عز وجل الآفة على الظهر ) يعني على الدواب ( حتى إنه لا يبقى ظهر ، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المُعجبة ) يعني النضرة ( يعطيها بالشارف ذات القِتْب ) يعني يعطي الحديقة مقابل الناقة ، مع أن الحديقة أعظم ثمنا ( فلا يقدر عليها ) يعني لا يجد أحدا يعاوضه ويبادله بحديقته ناقة ولو كانت تلك الناقة هزيلة .
وهذه النار – عباد الله – تحشر الناس إلى الشام في آخر الزمان ، لم ؟ لأن الشام هي أرض المحشر في آخر الزمان ، ولذلك في المسند لما ذكر النار قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال عليكم بالشام ) وفي المسند قال ( تحشرون هاهنا ،تحشرون هاهنا ، تحشرون هاهنا ،وأشار بيده عليه الصلاة والسلام إلى الشام ) وجاء في المسند وقال عنه ابن حجر إسناده لا بأس به ، قال عليه الصلاة والسلام ( وتحشرُ النارُ مع الناس القردة والخنازير وتأكل من تخلَّف منهم )
ولذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما ( من شك أن الشام هي أرض المحشر فليقرأ قوله تعالى { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ } فالنبي صلى الله عليه وسلم أجلى يهود بني النضير من المدينة إلى الشام )
والشام – عباد الله – هي المأمن بعد الله عز وجل إذا كثرت الفتن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما المسند من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه ابن حجر رحمه الله في الفتح ، قال ( بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعُمد به إلى الشام ، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام ) إذاً الإيمان حينما تقع الفتن بالشام .
وجاء عند الطبراني من حديث عبد الله بن حوالة وحسنه ابن حجر في الفتح ، قال عليه الصلاة والسلام ( رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لواء ) يعني كأنه راية ( كأنه لواء تحمله الملائكة ، قلت وما هذا ؟ قلت عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام ) وقال عليه الصلاة والسلام مبينا أن الناس يفترقون إلى ثلاث فرق وإلى ثلاثة جنود بالشام وبالعراق وباليمن ، الناس يتجمعون في تلك المدن ، ففي سنن أبي داود وصححه الألباني رحمه الله قال عليه الصلاة والسلام ( سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة ، جند بالشام ، وجند بالعراق ، وجند باليمن ، قال عبد الله بن حوالة يا رسول الله خِر لي ) يعني اختر لي ( قال عليه الصلاة والسلام عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه ويجتبي إليها خيرته من عباده ، فأما إن أبيتم فعليكم بيَمَنِكم واسقوا من غُدركم ، فإن الله توكل لي بالشام وأهله )
وهذه النار – عباد الله – ظن بعض المعاصرين أن هذه النار تحشر الناس يوم القيامة ، قالوا أين أرض المحشر وقد قال الله عز وجل { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }إبراهيم48 ، أين أرض الشام ؟
فيقال هنا خطأ ، بعض الناس يظن أن حشر هذه النار للناس يظن أنها يوم القيامة – هذا خطأ – الحشر نوعان ، حشر في الدنيا وحشر في الآخرة ، الحشر في الدنيا وقع منه واحد وسيقع الأخير ، الأول الذي وقع هو حشر النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير من المدينة إلى الشام ، وحشر آخر في الدنيا وهو حشر هذه النار للناس ، وهو حشر في الدنيا وليس في الآخرة ، تحشر الناس قبل يوم القيامة ، أين تحشرهم ؟ كما قال جمهور العلماء ونقل ذلك ابن كثير وابن حجر والقرطبي وغيرهم رحمهم الله ، تحشر هذه النار الناس قبل يوم القيامة إلى الشام ، ولذا يقول ابن حجر رحمه الله ” مما يدل على أن هذه النار قبل يوم القيامة وليست في يوم القيامة أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فيقول فمن أين للذين يُبعثون بعد الموت حفاة عراة من أين لهم حدائق يعتاضون بها بأخذ الإبل ؟ فأفهم رحمه الله أن هذه النار ليست يوم القيامة وإنما تكون في الدنيا ، لأن الله عز وجل ذكر الأكل وذكر الشرب وذكر الركوب على الدابة وذكر البيع والشراء ، فدل على أن هذه النار هي النار التي تحشر الناس قبل يوم القيامة ويكون مخرجها من قعر عدن من بحر حضر موت ، تحشرهم إلى الشام .
الخطبة الثانية
أما بعد : فيا عباد الله /
بهذا انتهى الحديث عن العلامات الكبرى للساعة ، وكنا قبل ذلك أسبقنا الحديث عنها بحديث عن العلامات الصغرى للساعة ، وهذه العلامات نستفيد منها فوائد ، منها :
يجب الإيمان بما ذُكر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فيجب على المسلم أن ينقاد وأن يستسلم لما ذكره الشرع .
ومن الفوائد :
نُصح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة إذ بيَّن لها ما يكون في مستقبلها .
ومن الفوائد :
أنه لم يثبت حديث في تحديد عمر الدنيا ، وأيضا لم يثبت دليل على أن العلامة الفلانية من الساعة ستقع في زمن كذا أو في عام كذا ، لم يثبت شيء من ذلك .
ومن الفوائد :
أن العلامات الصغرى للساعة قد خرج كثير منها وسيخرج ما تبقى فيما يأتي من زمن أو ربما تخرج مصاحبة لبعض العلامات الكبرى .
ومن الفوائد :
أن العلامات الكبرى لم يظهر منها شيء حتى الآن ، وإذا ظهرت علامة من العلامات الكبرى تتابعت كانقطاع الخرز من النظام ، يعني من السبحة .
ومن الفوائد :
أن آخر العلامات الكبرى خروج النار ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ، يعني أن هذه النار إنما تحشر شرار الخلق .
ومن الفوائد :
أن المسلم عليه أن يستعيذ بالله عز وجل من الفتن ، وقد ذكرنا الأدلة على ذلك ، فعلى المسلم أن يطلب من الله عز وجل الاعتصام من الفتن .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يتعبّّد الله عز وجل إذا وقعت الفتن ، فإذا وقعت الفتن فالعبادة لها شأن عظيم عند الله عز وجل ، قال عليه الصلاة والسلام ( عبادة في الهرج ) يعني في الفتن ( كهجرة إلي ) كأنك مهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن ينفر من الفتن إذا وقعت ، فيفر بدينه إما في الصحراء وإما إلى مكان آمن ، فعليه أن يفر ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما أسلفنا الحديث ( من أدرك الدجال فلينأ عنه ) يعني فليذهب عنه .
ومن الفوائد :
أن هذه الدنيا جُبلت على البلاء والكدر ، فلا يظن أحد مهما كان في سعادة من مال أو منصب أو جاه أو ما شابه ذلك أنه في سعادة، فإن هذه الدنيا جُبلت على كدر وعلى ابتلاء وأنه لا راحة ولا سعادة للمسلم إلا إذا انحطت قدماه في الجنة كما قال بعض السلف .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يستغل زمن الأمن في طاعة الله عز وجل ، الناس في مثل هذه الأيام في زمن أمن في بعض البلدان وفي رخاء ، فعليهم أن يستغلوا الزمن الآمن في عبادة الله عز وجل وألا تشغلهم الدنيا عن أمر الآخرة ، لأن أيام المحن والفتن إذا أتت الناس فإن الناس تكاد أن تذهب عقولهم .
ومن الفوائد :
أن تنشر هذه العلامات في المجالس وبين أوساط الناس ، وما ذكره من علامات مسجل وموجود على الموقع في الانترنت ، مسجلة صوتا وكتابة ، فعلى المسلم أن ينشر مثل هذه العلامات وأن ينشرها بين أفراد أسرته حتى يتفطنوا لما سيكون أمامهم .
ومن الفوائد :
مما يدل على حقارة الدنيا أن المال لو كثر عافته النفس، مر معنا أن زمن المهدي وزمن عيسى عليه السلام يحثى المال حثوا ويُعطى الناس عطاء كبيرا ومع ذلك لا يُقبل هذا المال ، فدل على أن النفس من طبيعتها الملل والسآمة وأنه لا سعادة للإنسان إلا في الجنة ، لأن كثيرا من الناس يظن أن السعادة تكون في المال ، وليس هذا بصحيح ، ونحن نعاشر أشخاصا ونعرفهم ممن يملك الملايين ليس بسعيد ، فخير الدنيا في يده وملت نفسه منه ، فدل هذا على أنه لن تكون لك راحة وسعادة إلا في جنات النعيم ، وأضرب لكم مثلا ، في سنن أبي داود يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ابن آدم إن أصابه حر قال حسي ) يعني كلمة توجع ( وإن أصابته برد قال حَسِ ) نعم ، إذا جاء البرد قلنا يا ليت الحر يأتي وإذا جاء الحر قلنا يا ليت البرد يأتي ، وهكذا دواليك ، لو استمر المطر تباعا على الناس لملوا منه ، فابن آدم لا تستقيم له حالة سعيدة في الدنيا وإنما السعادة الكاملة الدائمة الباقية في الآخرة ، فلا تغفل – عبد الله – عن سعادتك الكاملة الأبدية .
الخاتمة :……………