( القرآن والصيام )

( القرآن والصيام )

مشاهدات: 694

كلمة عن

( القرآن والصيام )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

أيها الأحبة في الله ، شهر رمضان هو شهر القرآن قال جل وعلا { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ثم أوضح الله جل وعلا صفات وسمات ومزايا هذا القرآن فقال { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } البقرة185 ، وقال جل وعلا في آية أخرى عن هذا القرآن { هذا } والإشارة ترجع إلى كتاب الله عز وجل { هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }آل عمران138، هذا القرآن من تمسك بك نجا ، ومن اعتصم به اهتدى ، قال عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع كما ثبت في صحيح مسلم قال ( تركت فيكم ما إن اعتصمت به فلن تضلوا بعدي كتاب الله ) زاد مالك رحمه الله في موطئه ( وسنتي )

إذاً القرآن والصيام قرينان وشقيقان ، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، ويقول الصيام : رب منعته الطعام والشهوات والشراب بالنهار فشفعني فيه ، فيشفعان ) كان سلف الأمة إذا أقبل هذا الشهر طوى العلماء كتبهم وتفرغوا لكتاب الله جل وعلا فكان البعض منهم يختم القرآن في الشهر ثلاثين مرة ، وروي عن الشافعي أنه ختم القرآن في رمضان ستين مرة ختمة بالليل وختمة بالنهار ، هكذا كان الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم بإحسان يهتمون بكتاب الله عز وجل غاية الاهتمام ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم ليأتيه جبريل في رمضان من أجل أمر سام نبيل وهدف عظيم وهو مدارسة القرآن ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس في سائر الشهور ) كان عليه الصلاة والسلام من أجود الناس ، كان جوادا ، حتى جاءه رجل فأعطاه عليه الصلاة والسلام غنما تفوق المائة ثم أعطاه ثم أعطاه فأسلم هذا الرجل فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمدا عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ) وكان عليه الصلاة والسلام يرشد أصحابه إلى أن يبذلوا وإلى أن ينفقوا في سبيل الله جل وعلا فقال لبلال ذات يوم ( يا بلال أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) وقال لأسماء رضي الله عنها قال ( أنفقي ولا توعي ) يعني لا تربطي الكيس الذي تجمع فيه النقود ( ولا توعي فيوعي الله عليك ) كما قال الله جل وعلا { وَجَمَعَ فَأَوْعَى }المعارج18، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح ( ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ) وقال الله عز وجل في الحديث القدسي ( يا ابن آدم : أنفق أُنفق عليك ) فكان عليه الصلاة والسلام في سائر الشهور كان من أجود الناس ، لكن إذا دخل الشهر ازداد الجود جودا وازداد العطاء عطاء وازداد الإنعام إنعاما ( وكان أجود ما يكون في رمضان حين ) ماذا ؟ ( حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير أجود من الريح المرسلة ) عليه الصلاة والسلام .

إذاً هذا الشهر شهر يتلا فيه كتاب الله جل وعلا ، شهر يتدارس فيه كتاب الله جل وعلا  ، والله لو تمسكت الأمة بهذا القرآن والله ما أهانها أحد ، والله لن نجد الذل قد ضرب بأطنابه عليها كما هو حالنا في الزمن ، أعرضنا عن كتاب الله جل وعلا فأعرض الله عنا ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولن يرتفع إلا بتوبة ) ومن أجل هذا أحببت في هذا الشهر أن أربط نفوس المسلمين بكتاب الله عز وجل وأن نحلق بقلوبهم عبر الآيات التي احتوت الفوائد والزواجر والمواعظ والعبر ، انظر إلى حال السلف ، حال الصحابة رضي الله عنهم مع كتاب الله عز وجل ! النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في سنين أبي داود من حديث عبد الله بن الشِّخِّير ( قال دخلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز ) كصوت القدر حينما يوضع فيه ماء فيغلي غليانا ( ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) هكذا كان عليه الصلاة والسلام مع كتاب الله عز وجل .

العبرة – عباد الله – ليست بالتلاوة فقط ، وإنما العبرة بأن تتلو هذا الكتاب وأن تتدبر ما فيه وأن تتأمل ما فيه وأن تعمل به ، يقول سمرة رضي الله عنه ( تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا ) كان بعض الصحابة يظل في حفظ السورة ثنتي عشرة سنة ، هم أعمق الناس فهما وأعمقهم حفظا ومع  ذلك لا يتجاوزون كما قال أبو عبد الرحمن السلمي يقول ( حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يحفظوها ويتعلموا ما فيها ويعملوا  بها ،  فجمعنا بين العلم والعمل معا )

جمعوا بين العلم والعمل معا ، يقول ابن عمر رضي الله عنهما ( إن الرجل إذا حفظ فينا سورة البقرة وآل عمران جد في أعيننا ) عظم في أعيينا ، أهو الحفظ للألفاظ فقط ؟ ( لا ) بل حفظا لألفاظ القرآن وتدبرا وعملا ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما أُثر عنه حفظ سورة البقرة في ثنتي عشرة سنة ، ليس حفظا فقط وإنما تدبرا وعملا ، فواجبنا نحن المسلمين أن نلتفت إلى  كتاب الله عز وجل وأن نرتبط به قلبا وقالبا كما كان السلف من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا القرآن – أيها الأحبة في الله-  أخرج  جيلا مثاليا ، جيلا عظيما ، جيل محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، هؤلاء كانوا في جاهليتهم مستعبدين مقهورين مستذلين من قبل الفرس والروم أعظم دولتين في ذلك الزمن كانت الأموال تجبى منهم قسرا وقهرا ، كانوا بمثابة العبيد والأرقاء عند الفرس والروم ، لكن لما جاء هذا القرآن ما الذي صنع بهم ؟ صنع بهم أمرا عظيما ، يقفون عند حدود الفرس وعند حدود الروم ، يقف خالد بن الوليد رضي الله عنه على حدود كسرى فيقول له حينما أرسل إليه رسالة ( يا كسرى أسلم تسلم وإلا جئتك برجال يحرصون على الموت كما تحرصون أنتم على الحياة ) نعم { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } ولكن هذا التعمير { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } لو عمر ألف سنة ، لو عمر ألفين ، لو عمر مليون سنة فإنه لا مناص ولا محيص من العذاب  ( كما تحرصون  أنتم على الحياة ، فتقع الرسالة في يدي كسرى فيرتجف ويتصبب عرقا ، فيستغيث بمن حوله من الإمبراطوريين ، فيرد عليه بعضهم فيقولون: يا كسرى ما لنا طاقة بهؤلاء الرجال الذين لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها ) سبحان الله العظيم ، فما كان من كسرى إلا أن جمع الجيوش وجمع الجموع والتقى بخالد بن الوليد فلما رآهم خالد بن الوليد ورأى عددهم وكثرتهم أرسل برسالة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يطلب منه المدد ، يطلب منه النجدة ، فماذا كان من أبي بكر رضي الله عنه ؟ اسمعوا وعوا ، هذه قصص لا تلقى على أسماعكم كيما نقضي على الوقت ، أو تمر على الأسماع دون أن يوقف السمع عند هذه القصص ويتأملها ويتدبرها وينظر إلى حاله وإلى حال أولئك الأبرار العظماء ، ما الذي غير حالهم ؟ أليسوا مستذلين ؟ أليسوا مستعبدين ؟ أليسوا مقهورين ؟ بلى والله ، أليس أولئك الرجال هم هؤلاء الرجال الذين قالوا لكسرى هذه المقولة ؟ والذين سيقولون كما سأذكره آنفا لقيصر هذه المقولة ، بلى والله ، لكن ما الذين تغير ؟ الذي تغير القلب ، العظم هو العظم ، اللحم هو اللحم ، الدم هو الدم ، لكن ما الذي تغير ؟ تغير القلب ، تغير بماذا ؟ تغير بكتاب الله عز وجل ، نعم ، يقول عليه الصلاة والسلام ( لو نزلت سورة واحدة على الناس لكفتهم ) ابن مسعود رضي الله عنه يقول ( اقرءوا هذه القرآن ، قفوا عند عجائبه ، حركوا به القلوب ، لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ) وقال ابن  عباس رضي الله عنهما ( لأن أقرأ سورة واحدة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله ) يقف النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم عند بيت أبي موسى الأشعري فيستمع لقراءته بالليل فلما أصبح قال ( يا أبا موسى يا عبد الله لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ) انظر إل الآيات كيف أوقفت النبي صلى الله عليه وسلم حتى استمع وهو النبي عليه الصلاة والسلام لقراءة تلميذ من تلامذته ، لصحابي من صحابته ، إنها القلوب عرفت فوفَّت فصفت فعملت .

فيرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد برسالة ضمنها كلمات يسيرة وأرسلها مع القعقاع بن عمرو فلما أتى القعقاع إذا بخالد ينظر هل هناك من أحد خلف القعقاع ، استطلع فلم ير أحدا فأخذ الرسالة وقرأها وإذا بها ( من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق إلى خالد بن الوليد سيف الله المسلول : لقد أرسلت إلي تطلب المدد وأنا قد أرسلت إليك المدد ، أرسلت إليك القعقاع بن عمرو ، ولعك تقول ماذا يصنع القعقاع بن عمرو؟! ولكني أقول : إن جيشا فيه القعقاع بن عمرو لن يهزم بإذن الله أبدا ) نعم ، كانت العادة إذ ذاك أن يتبارز القائدان ، فقال قائد الفرس سأشغل خالدا بالمبارزة فإذا أشغلته فأتوا إليه من الخلف واطعنوه ، فدبروا المكيدة ، وتبارز القائدان وإذا بالجنود خلف خالد بن الوليد رضي الله عنه ولكن إذا بالقعقاع بن عمرو أمامهم بالمرصاد فيرديهم قتلى ( إن جيشا فيه القعقاع بن عمرو لن يهزم بإذن الله أبدا ) قلوب حملت كتاب الله جل وعلا فأعلى مكانتها ورفع شأنها ، البعض من الناس وللأسف بل جمرة الأسى تتقلب في القلب ، البعض من الناس لا يعرف كتاب الله جل وعلا إلا في شهر الصوم ، آخر عهده بهذه القرآن في شهر رمضان ، يوضع في البيت ، يوضع في السيارة ، البعض من الناس يضع المصحف في السيارة ، لماذا تضعه ؟ يقول : من أجل أن يحفظني من الحوادث ، هذا من التمائم التي لا تجوز ، القرآن ما أنزل ليوضع في البيوت ، ولا ليوضع في السيارات وإنما أنزل هذه القرآن كي ما  يعمل به المسلمون ، وأنا أريد أن أبين لكم أن هؤلاء الصحابة سادوا الأمم ، أصبحوا زعماء للدول بقوتهم ؟ بعدتهم ؟ بعددهم ؟ لا والله ، بقيت بعض مدائن للفرس بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وإذا به أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرسل سعد بن أبي وقاص لكي يتمم فتح أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فسار الجيش فأراد عمر رضي الله عنه أن يُوقف سعد بن وقاص على أمر عظيم قال له ( يا سعد لا يغرنك ) لأن سعد من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة ( قال يا سعد : لا يغرنك أنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لأنه عليه الصلاة والسلام ( إذا رأى سعد قال هذا خالي فليرني امرؤ خاله ) ( قال يا سعد : لا يغرنك أنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا سعد والله إني لا أخشى على الجيش من عدوه ولكني أخشى على الجيش من ذنوبه )

 

فيخرج ويتمثل بهذه الوصية وهي أمام مرآه ونصب عينيه ، فيسقط المدن مدينة تلو المدينة ، حتى لم يبق على قصر كسرى إلا أن يعبروا نهر دجلة – سبحان الله العظيم – { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران160 ، كيف يعبرون النهر ؟! لا قوارب ، لا سفن ، لا عتاد ، لا عدة ، فماذا صنعوا ؟ إذا برجل من الجيش يعبر النهر بفرسه ، فلما رآه الجيش لم يغرق تتابعوا في دخول النهر ، يقول ابن كثير رحمه الله وهو يحكي هذه القصة يقول : إن الماء لم يتجاوز ركبتي الفرس ، حتى إن الفرس إذا تعب قيض الله له أكمة ، يعني مكانا مرتفعا حتى يستريح عليه .

فماذا قال سلمان الفارسي ؟ قال ( والله ) انظروا إلى حسن الظن بالله عز وجل ، لأنه يعرف أن هؤلاء مع قلتهم ومع ضعفهم لا يستطيعون أن يجابهوا هؤلاء الذين هم أكثر منهم عتادا وعدة ( قال : والله لتخرجن منهم سالمين كما دخلتموه سالمين ) وإذا بالجيش يعبر النهر فخرج هؤلاء من النهر ولم يفقدوا لا مالا ولا سلاحا ولا متاعا ولا نفسا ، حتى إن أحدهم سقط متاعه فقال يا رب لا تجعل متاعي من بينهم هو الذي يذهب ، فحمل الموج المتاع إلى صاحبه فأخذه – سبحان الله العظيم – فلما رآهم جنود كسرى قالوا هؤلاء مجانين ، والله ليسوا بمجانين ولكنها قدرة الله جل وعلا  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } محمد7، { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47 {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51 ، فماذا صنع سعد لما دخل هذا القصر ورأى ما فيه من التحف ومن الجواهر ومن الذهب ؟ قال { كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{27} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } فماذا صنع ؟ سجد لله جل وعلا سجدة الشكر ، وأمر المؤذن أن ينادي في جوانب القصر ( الله أكبر ) فأطفئت  نار الفرس التي لم تطفأ منذ ألف سنة .

عجيب أن يعبروا النهر ولم يفقدوا شيئا ، لكن أتدرون ما هو أعجب من ذلك كله ؟ هذا لا شك أنه عجيب وغريب لكن فيه ما هو أعجب ، فيه ما هو أغرب ، ما هو ؟ أن أموال الفرس تَبَدَّت أمامهم وتزينت لهم ومع ذلك لم يفقدوا شيئا من أخلاقهم ولا شيئا من دينهم ، تزينت لهم الدنيا ، هذا هو الأعجب ، هذا هو الأغرب لأن الإنسان إذا كان فقيرا في الغالب أنه إذا اغتنى طغى { كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى } لماذا ؟ {  أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى } {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ } لماذا حاج إبراهيم في ربه ؟ { أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ } { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }الشورى27 ، تزينت لهم الدنيا ولكنهم لم يفقدوا شيئا من آدابهم ولا من أخلاقهم ولا من دينهم ، حتى جمعت الجواهر وإذا برجل يأتي بصندوق مليء بالجواهر فوضعه بين يدي سعد ، فقال له أحد الجالسين : أأخذت منه شيئا ؟ قال : والله إن ملك الفرس والروم لا يساوي عندي قلامة ظفر ولولا حقه ، يعني بيت المال ، ولولا حق بيت المال منه ما رفعته من مكانه ، فماذا قال له سعد ؟ قال له : ما اسمك ؟ قال : ولم ؟ قال : حتى أذكرك لعمر فيكافئك ، فقال : والله لو أردت المكافئة ما رأيت هذا الصندوق أنت ولا عمر ، لأن عمر رضي الله عنه لو أعطاه وأعطاه وأعطاه كم يعطيه ؟ لن يعطيه إلا النزر اليسير إذا قوبل بما في هذا الصندوق ، وإذا بالرجل يذهب فيأمر سعد رضي الله عنه رجلا أن يتبعه حتى يعرف من هو هذا الرجل ، حتى انتهى هذا الرجل الذي حمل الصندوق إلى بعض أصحابه ، فسلَّم عليهم ثم انصرف ، فقال هذا الجندي من هذا الرجل ؟ قالوا : ألا تعرفه ؟ إنه عامر بن عبد الله التميمي زاهد البصرة .

يقف الصحابة أمام حدود الروم ، فيقول هرقل : ويلكم ثم ويلكم ما هؤلاء الجنود الذي تقاتلونهم ؟ ألستم أكثر منهم عددا ؟ ألستم أعظم منهم قوة ؟ فقالوا : بلى ، فقال حدثوني لماذا ينتصرون عليكم ؟ فسكت القوم ، فقال أحدهم : لأنهم يقومون الليل ، ويتلون القرآن ، أما نحن فنزني ونسرق ونفعل ونفعل ، فقال هرقل : أنت صدقتني .

إذاً / هذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم مع كتاب الله عز وجل ، ، والله لن يحصر الحديث عن فوائد هذا القرآن وعن فضائله لا في جلسة ولا في جلستين ولا في ساعة ولا في ساعتين ، الحديث عن القرآن ذو شجون ، حتى الكفار  يتأثرون من هذا القرآن ، أحد زعماء الكفر يمسك بالمصحف ويقول في اجتماع له ، فيقول : لن تكون لنا الغلبة على المسلمين حتى نمزق هذا المصحف ، فقام أحد الجالسين فأخذه ومزقه ، قال : يا أحمق ما أردت تمزيق أوراق إنما أردت أن يمزق هذا القرآن من قلوب المسلمين ، ولذا قال بعضهم :

(  كأس وأغنية يفعلان بأمة محمد أكثر ما يفعله ألف مدفع ) نعم كأس وأغنية ، الآن في هذا الشهر تتفنن ، بل تستقذر القنوات الفضائية بعرض ما لديها من أفلام ومن مسلسلات تعرض لمن ؟ للمسلمين ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ) أول يوم من رمضان يصلي البعض صلاة المغرب ثم يسرع يسابق الريح ثم ينظر إلى المسلسل الفلاني وإلى الفلم  الفلاني ، أي صيام هذا ؟ أتنظر أن يشفع لك هذا الصيام ! اتق الله عز وجل ، اتق الله عز وجل .

يقضون ساعاتهم وأوقاتهم في رؤية هذه المسلسلات والأفلام ، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) فارجعوا إلى كتاب الله عز وجل حتى تسعدوا ، حتى تفوزوا ، حتى تسودوا على الأمم ، إن أردتم السعادة ، إن أردتم الراحة ، إن أردتم الطمأنينة والرقي والأمن والرخاء والسعة فعليكم بكتاب الله عز وجل ، لا أريد أن أطيل عليكم فالحديث ذو شجون وفي النفس من الحديث ما لا يحصره هذا المقام ، لكن نكتفي بهذا القدر ونسأل الله عز وجل أن يجعل أمثال هذه الكلمات نافعة لقلوبنا ، اللهم آمين .