تأملات في آيات الصيام ( 1 )

تأملات في آيات الصيام ( 1 )

مشاهدات: 532

محاضرات وكلمات

تأملات حول آيات الصيام (1 )

قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(1 )

         فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سنتعرض في هذه الليلة لتأملات وإمعانات وتدبرات في آيات الصيام

آيات الصيام صدرت بنداء

صدر هذا النداء من الرب :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

البقرة183

من المنادي ؟

الله عز وجل العظيم الجبار المنعم المتفضل

من المُنادَى ؟

المؤمنون ـ أنت أيها المؤمن

نداء من ربك

تصور :

لو أن أحد ملوك الأرض نادَى أحد رعيته كيف تكون النفوس ؟

كيف تكون الأسماع لهذا النداء

لاشك أن كل نفس تهفو إلى أن يناديها هذا الملك

هذه القلوب تتطلع إلى أن يدعوها هذا الملك

وهذا الملك لا يملك نفعا ولا يدفع ضرا

فكيف إذا كان النداء من ملك الملوك ؟!

ملك الدنيا :

لو أمر بأمر أو نهى عن نهي فإنه لا يملك نفعا ولا يدفع ضرا

وسأسمعك حادثة وقعت ،  ذكرها ابن حزم

محمد بن حزم أحد علماء الأمة :

كان والده وزيرا لأحد الأمراء

فبينما هذا الأمير جالس ، ومعه وزيره والد ابن حزم

إذا بامرأة عجوز تقدم له رقعة فيها استعطاف

تستعطف هذا الملك أن يمنَّ على ولدها السجين بإطلاقه

فلما اطَّلع عليها قال هذا الأمير :

ذكرتني به والله ليصلب

فكتب على الورقة يطلق وهو يرغب أن يكتب عليها يصلب

فدفعها إلى الوزير

فقال : ماذا تصنع بها ؟

قال : أطلقه

قال  من أمرك بهذا ؟

قال : أنت

انظر

فلما نظر إلى توقيعه رأى كلمة يطلق

فقال : وهمت والله ليصلبن

فكتب فأراد أن تجري أنامله بهذه الكلمة يصلب لكن  الله بقدرته كتب هذا الأمير بدل كلمة يصلب كتب : يطلق

للمرة الثالثة

فأطرق  رأسه وقال : يطلق على رغم أنفي من أراد الله إطلاقه لا أستطيع أن أمنعه .

 

اعلم :

وصية الرسول عليه الصلاة والسلام لابن عباس لما كان رديفا له

قال :

(( اعلم لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف ))

جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة

فلماذا لا تتطلع نفوسنا وتهفو قلوبنا إلى مناداة الله ؟

يناديك ربك بأعظم صفة وهي صفة الإيمان أكرم بها من خصلة !

أنعم بها من مكرمة !

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))

ما أحوجنا إلى هذا الإيمان في هذا العصر !

نحن بحاجة ماسة إلى الإيمان الذي يدفعنا إلى العمل الصالح ، وأن يزجرنا عن المعاصي

هذا الإيمان هو الذي دعا الصحابة لما نهى الله عن شرب الخمور التي  كانت تدار في  مجالسهم كما تقدم القهوة والشاي في  مجالسنا ألفوها واعتادوها

كان الكأس في راحة أحدهم بل إن بعضهم كان الكأس على شفتيه فلما سمع قوله تعالى :

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91} ))

فماذا قالوا ؟

انتهينا يا ربنا

انتهينا يا ربنا

هذا هو الإيمان الذي نحن بحاجة إليه في هذا الزمن

هذا الإيمان الذي أجلس ابن مسعود عند الباب في مقام الحذاء والنعال

لما كان عليه الصلاة والسلام يخطب فقال :

(( من كان قائما فليجلس ))

فلما سمع ابن مسعود هذه الكلمة جلس من فوره عند الباب عند الأحذية

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( تعال يا ابن مسعود ))

سبحان الله

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ))

أُبَي رضي الله عنه :

كان يصلي ذات يوم ، فناداه النبي عليه الصلاة والسلام وهو في صلاته فلم يستجب له لأنه يظن أن الصلاة مقدمة على ندائه عليه الصلاة والسلام

فلما فرغ من صلاته قال :

ما منعك يا أبي أن تأتي لما دعوتك ؟

فقال : كنت في الصلاة

فقال عليه الصلاة والسلام : ألم تسمع قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ  ))

الحياة الكاملة السعيدة حياة القلوب

هذا الإيمان الذي جعل علي بن أبي طالب لا  يلتفت

لما قال عليه الصلاة والسلام  – كما في الصحيحين –  قال :

(( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله علي يديه ))

فتشرف الصحابة لهذه الرئاسة

فلما كان الغد نادى عليه الصلاة والسلام عليا وأعطاه الراية فقال :

(( يا علي اذهب على رسلك ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ))

فلما ولى علي رضي الله عنه ناداه النبي عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا علي ))

فوقف علي ولم يلتفت

فقال عليه الصلاة و السلام له وهو لم يلتفت قال :

(( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمْر النعم ، انفد على رسلك وأخبرهم بما جيب عليهم لله ولرسوله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم  ))

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) :

آمنوا بمن ؟

مطلقة

آمنوا بمن ؟

أمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره

هذه أركان الإيمان الستة

من  لم يؤمن بهذ الأركان أو لم يؤمن بجزئية منها فإنه لا يعد من المؤمنين بل هو في عداد الكافرين

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ))

إذاً :

هذه منة من الله عز وجل منة علينا أن يأمرنا بهذا الصيام

ويا ترى ما هو هذا الصيام ؟؟

ما حقيقته ؟

الصيام يعرفه العلماء فيقولون :

هو التعبد لله جل وعلا بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات في وقت مخصوص من شخص  مخصوص

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة183

التقوى هي الثمرة من هذا الصيام ولعل هي الثمرة تكون هي محل حديثنا في الدرس القادم إن شاء الله