محاضرات وكلمات
تأملات في آيات الصيام ( 10 )
قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )) 2
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــ
فيقول الله جل وعلا :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ))
قوله عز وجل : ((شَهْرُ رَمَضَانَ )) :
جاء في بعض الأحاديث المختلقة على رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي لا أصل لها ، وإنما هي من وضع الوضاعين الكذابين جاء فيما ذكروه على ألسنتهم:
(( ألا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله إذ قال :
((شَهْرُ رَمَضَانَ ))
وهذا الحديث باطل :
بدليل أن النبي لعيه الصلاة والسلام ذكره دون أن يضيف الشهر إليه :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( عمرة في رمضان – لم يقل عمرة في شهر رمضان وإنما قال : عمرة في رمضان تعدل حجة ))
قوله عليه الصلاة والسلام :
(( إذا كانت أول ليلة من رمضان ))
أحاديث كثيرة جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذكر رمضان دون أن يضاف الشهر إليه
وأبطل من هذا الحديث أن يذكر هؤلاء الوضَّاعون أن رمضان اسم من أسماء الله جل وعلا
أسماء الله حسنى وهي توقيفية :
جاءت بها النصوص فلا نتعدى النصوص الشرعية التي جاءت بذكر أسمائه عز وجل .
فقوله جل وعلا :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ))
لم يقل : (( نُزّل فيه القرآن ))
فرق بين : أنزل ونزّل :
أنزل ، ونُزِّل
فإذا جاءت كما قال بعض العلماء:
إذا جاءت هذه الكلمة بالتشديد نزَّل:
فالمراد أن هذا التنزيل جاء منجما :
يعني : تأتي آية أو آيتان على حسب الأحداث
أما إذا قال أنزل :
فالمراد إنزال القرآن أو إنزال الكتاب جملة واحدة
وتعالوا معي لنذكر بعض الآيات التي جاءت في ذكر نزل وأنزل تجد أن الكتب السابقة نزلت جملة واحدة ليست كالقرآن نزل منجما مفرقا على حسب الوقائع والأحداث على النبي عليه الصلاة والسلام لا ، وإنما نزلت جملة واحدة
ولذا :
ماذا كان يقول الكافرون ؟
هم لا يريدون أن يؤمنوا ولكن هذا من باب التعنت والتشدد فقالوا :
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ))
يعني :
لماذا لا يكون هذا القرآن كسائر الكتب السالفة التي نزلت جملة واحدة فماذا قال جل وعلا :
((كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ))
فهذه الآيات حينما تنزل آية آية تزداد الإيمانيات وتزيد النبي عليه الصلاة والسلام وتزيد الصحابة ثباتا ورسوخا
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } التوبة124
قوله جل وعلا :
((الم{1} اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{2} نَزَّلَ ))
لم يقل أنزل
ماذا قال ؟
((نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ))
لكن لما جاء ذكر التوراة والإنجيل قال :
((وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ{3} مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ))
يعني : النبي عليه الصلاة والسلام
((وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ))
فقوله جل وعلا هنا :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))
أنزل : يعني جملة واحدة
هذا الكتاب نزل مرتين :
في أول أمره نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا
كما قال ابن عباس وقد تواتر النقل عن المفسرين أن هذا القرآن نزل في رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، ولذا جاء اللفظ بقوله : (( أنزل ))
متى نزل ؟
في أي ليلة من رمضان ؟
نزل في ليلة القدر
(( إنا أنزلناه )) هو نزل في رمضان لكن في أي الليالي ؟
في ليلة القدر :
((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} ))
إذاً : تشرفت هذه الليلة وعظم الأجر فيها لأن القرآن أنزل فيها
(( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
ههذ الليلة خير من ألف شهر
((وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} ))
يعني :
ينزلون بما قدره الله جل وعلا في هذه السنة ابتداء من ليلة القدر إلى السنة القادمة
ثم قال : ((سَلَامٌ هِيَ ))
كلها سلام :
تسلم الملائكة على المؤمنين على التالين وعلى القائمين
((سَلَامٌ هِيَ )) :
يعني :
يسلم فيها المؤمن بإذن الله من الشرور
يسلم فيها من النار قد تعتق رقبته في هذه الليلة من النار
((سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5} ))
وفي الآية الأخرى :
((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ )) هي ليلة القدر ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} ))
يعني :
ما قدره الله جل وعلا في هذه السنة
ولذا سميت ليلة القدر بهذا الاسم :
على أحد وجوه التفسير عند العلماء:
لأنه يقدر فيها ما يكون إلى السنة القادمة يكتب فيها : أن فلانا سيشفى إن كان مريضا
أن فلانا سيمرض
أن فلانا سيحج
أن فلانا سيفعل ويفعل
ويفعل
يغتني
أو يفتقر
أو ما شابه ذلك
وهذا يدل على أن ليلة القدر لا تكون إلا في رمضان
ولذا :
ما جاء من قول بأن ليلة القدر تكون خارج رمضان فإنه قول لا دليل عليه والآية ترده
والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح البخاري : (( اعتكف العشر الأول من رمضان يطلب هذه الليلة ثم اعتكف العشر الوسطى ليدرك هذه الليلة ثم أخبر أنها في العشر الأواخر ))
إذاً :
هذه الليلة ليلة القدر أين في أي شهر ؟
في رمضان
في أي جزء من رمضان ؟
في العشر الأواخر
وقد جاء حديث في المسند فيه مقال ويحسنه الألباني رحمه الله :
(( أن هذا القرآن نزل في رمضان ولكن حددت الليلة بالعدد :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان – ((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19} ))
لإبراهيم عليه الصلاة والسلام صحف أنزلت في أول ليلة من رمضان
(( وأنزلت التوراة لست من رمضان ))
يعني : في الليلة السادسة
(( وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ))
يعني : في الليلة الثالثة عشرة
(( وانزل القرآن في ليلة أربع وعشرين ))
فقوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ))
إذاً : هذا القرآن هدى لمن ؟
للناس
في الأصل هو هدى للناس
لكن قال تعالى في آيات كثيرة :
((هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ))
لم ؟
لأنهم هم المنتفعون بهذا الكتاب
بينما الكفار بينما البشر بينما الخلق لو عملوا بهذا القرآن أصبح هدى لهم
ولكن الكفار أغلقت أذانهم وأغلقت قلوبهم عن أن ينتفعوا بهذا القرآن
فهو في الأصل هدى للناس
والقرآن هذا عجيب :
كان الكفار بل جبابرة الكفار كفار قريش يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيته وهو يقرأ القرآن ليسمعوه منه
من شدة تأثير القرآن على نفوسهم
ولذا :
في إحدى الليالي أتى أبو جهل :
أبو جهل :
فرعون هذه الأمة أتى إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام ، وجلس يستمع القرآن ، فلما رجع في طريقه إذا به يلتقي أبي سفيان ، والأخنس بن شريق ، كلاهما أتى إلى مثل ما أتى إليه أبو جهل كل منهم لا يعلم بمكان الآخر
فتعاهدوا على ألا يعودوا مرة أخرى حتى لا يقتدي بهم سفهاؤهم وصغارهم
لكن أبى الله عز وجل إلا أن يعودوا مرة أخرى كل منهم أتى في خفية عن أصحابه
ثم إذا بهم يلتقون في الطريق فتعاهدوا على ألا يعودوا وإذا بهم في الليلة الثالثة يعودوا
فلما مضت الليلة الثالثة وأتى النهار جاء الأخنس بن شريق إلى أبو جهل
ويقول : يا أبا الحكم ما رأيك في محمد ؟
قال : والله إنه لصادق ولكن بني هاشم نافسونا في سقاية الحجيج فنافسناهم ، وفي إطعام الحجيج فنافسناهم أتوا بنبي من أين نأتي بنبي ، والله لا نسلم له
وقد قال جل وعلا كما قرأنا هذه الليلة في سورة الأنعام :
((قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ))
لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يبلغ الحزن والأسى من قلبه لما لم يسلموا لأنه رحمة للعالمين عليه الصلاة والسلام :
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } الأنعام33
ولذا :
كانوا يتواصون فيما بينهم ويوصون صغارهم بألا يستمعوا إلى هذا القرآن
ولو قدر أنهم حضروا مجلسا يستمعون فيه القرآن رفعوا أصواتهم حتى تكون الغلبة لأصواتهم على القرآن
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ ))
يخشون أن يؤثر فيهم القرآن
إذاً :
هو هدى
هو نور
هو ضياء
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت26
ومن عجائب هذا القرآن :
الحروف المقطعة التي ابتدئت بها بعض السور
(( الم ))
((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{1} ))
(( المص ))
( ن )
( ق )
قال غالبية المفسرين :
الله أعلم بمراده جل وعلا من هذه الحروف
لكن قالوا : فيها فائدتان
ما هما هاتان الفائدتان في الحروف المقطعة ؟
الفائدة الأولى :
أن ذكر هذه الحروف المقطعة تستقطب قلوب الكفار وأسماعهم
حتى يسمعوا (( الم )) (( ص )) (( المص ))
فإذا سمعه الإنسان قال : ما هذا ؟
فيتشوف إلى ما بعده لأن هذه حروف مقطعة
إذاً :
هذا يستميل ويستقطب قلوب الكفار أن يسمعوا إلى هذا القرآن
ولذا كانوا يتواصون كما في الآية السابقة أن لا يسمعوا له
الجن ماذا قالوا :
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } الجن1
عجبا في نظمه
عجبا في آياته
عجبا في حسن أسلوبه
نور بركة خير سعادة والله لمن تلاه وعمل به وحكم به وتحاكم إليه
((فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً{1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً{2} ))
((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ))
لما سمعوا أول آية قالوا : أنصتوا ، مثل هذا القرآن حري وجدير أن يسمع له :
((قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ )) الأحقاف29
هذا القرآن عظيم
ولذا قال تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام :
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} ))
لم ؟
((إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} ))
ثقيل ليس بكلام سفساف ولا لغو
هذا كلام عظيم
إذاً :
الفائدة الأولى :
أنها هذه الحروف تستميل قلوب الكفار لسماع كتاب الله جل وعلا
الفائدة الثانية :
فيها تحدي فيها تعجيز لهؤلاء الكفار الذين يقولون اختلقه محمد
((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ))
كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل على أحد الأعاجم قالوا : إنه يعلمه
فقال تعالى :
(({وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103
كيف يتأتى أن يأخذ النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الأعجمي هذا القرآن العربي لا يمكن
((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ))
كيف يكون القرآن أعجميا ومحمد عليه الصلاة والسلام عربيا ؟!
فلما أتت هذه الحروف المقطعة ففيها تحدي
ولذا اقرأ (( الم )) يأتي بعدها ذكر للقرآن :
((الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ ))
((المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ ))
((ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ{1}))
((ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ{1} ))
خذ اقرأ تأمل تجد أن بعد هذه الحروف ذكرا للقرآن
فيقال لهؤلاء :
هذا القرآن إن كنتم تدعون أن محمدا صلى الله عليه وسلم اختلقه وأتى به من تلقاء نفسه فألفوا مثل محمد عليه الصلاة والسلام
فهذا القرآن مؤلَّف من مثل هذه الحروف :
فألفوا مثله فإن عجزتم فما عليكم إلا أن تسلموا
ولذلك :
قال جل وعلا :
((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم )) أعوانكم
((فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ))
فهذا القرآن عظيم هدى للناس
لكن الكفار وكذلك كثير من الفساق لا يستمعون إلى هذا القرآن ولا يتلونه ولا يمتثلون بما فيه وإلا له قوة عجيبة :
الطفيل بن عمرو الدوسي :
جاء من دوس أتى إلى مكة وكان كافرا فلما أتى إلى مكة وعلم صناديد قريش بمجيئه التفوا حوله وقالوا : إياك إياك من محمد فإنه ساحر
يقول الطفيل :
فمازالوا بي وبي حتى حشوت أذني قطنا خيفة من أن يصل إلى سمعي شيء مما يقوله محمد
فيقول : خرجت فلما أتيت إلى المسجد الحرام إذا بمحمد عليه الصلاة والسلام قائم يصلي فأبى الله إلا أن يسمعني شيئا مما يقوله
فيقول :
فإذا بي آتي شيئا فشيئا حتى أصل إليه
فلما سمع الآيات وقرت في قلبه وأسلم من بعدها
جبير بن مطعم:
أتى على النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة لكي يحاوره ويتفاوض معه في أسرى كفار قريش
فيقول :
أتيته وإذا به يصلي ويقرأ في صلاة المغرب : ((وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} ))
يقول:
حتى بلغ قوله تعالى : ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{35} ))
قال :
فلما سمعتها كاد قلبي أن يطير من عظم هذا القرآن
لكن الشاهد من هذا:
أن هذه الآيات ماذا تصنع ؟
كان الصحابة يشربون الخمور يعبدون الأصنام كانوا مستعبدين مستذلين من قبل فارس والروم كانوا يدفعون إليهم الأموال
ومع ذلك لما جاء هذا القرآن ماذا صنع بهم ؟
غير أحوالهم
أليس هؤلاء الصحابة الذين خاضوا المعارك ورفعوا راية الدين أليسوا هم أولئك الذين كانوا في الجاهلية مستعبدين محتقرين ؟
هم
هل تغير شيء؟
اللحم هو اللحم
الدم هو الدم
الأعضاء هي الأعضاء
لكن ما الذي تغير ؟
القلب
(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب ))
ولذا يقف خالد بن الوليد:
((يا كسرى أسلم تسلم وإلا جئتك برجال يحرصون على الموت كما تحرصون انتم على الحياة ))
عجب
فلما وصلت الرسالة إلى يد كسرى ارتعد فأراد ان يستنجد بالملوك حوله
فردوا عليه :
يا كسرى لا طاقة لنا بهؤلاء الرجال الذين لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها
عدد ضعيف جدا
لأنهم يحملون كنزا عظيما وهو كتاب الله جل وعلا
في جيش
وكانت هذه المعركة التي يقودها خالد في عهد أبي بكر
فلما رأى خالد كثرة الفرس أرسل برسالة إلى أبي بكر فقال : أريد المدد
فلما بعث بالرسالة إذا بالرسالة تأتي إليه مع رجل واحد وهو ” القعقاع بن عمرو “
فلما قرأها خالد
مضمون هذه الرسالة :
من عبد الله أبي بكر إلى سيف الله المسلول خالد بن الوليد لقد أرسلت إليّ تطلب المدد وإني أرسلت إليك المدد أرسلت إليك القعقاع بن عمرو وأقول : ولعلك تقول ما يصنع القعقاع بن عمرو ؟ ولكني أقول : إن جيشا فيه القعقاع بن عمرو لن يهزم بإذن الله أبدا “
واحد سبحان الله
فلما بدأت المعركة :
وكانوا في السابق يتبارز القائدان فلما أراد خال أن يبارز قائد الفرس قال قائد الفرس سأشغل خالدا – لأنه يعرف أنه لا يستطيع أن يقضي على خالد – فسأشغله بالمبارزة ثم تأتوا من خلفه فتطعنوه
وإذا قتل قائد الجيش انهارت قوى الجيش
فلما أتى هؤلاء خيانة وغدرا إذا بالقعقاع خلف خالد فيرديهم قتلى
إذاً :
إن جيشا فيه القعقاع بن عمرو لن يهزم بإذن الله أبدا
يرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص ويقول له :
يا سعد لا يغرنك أنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تغرنك الألقاب
يا سعد إني لا أخشي على الجيش من عدوه ولكني أخشى على الجيش من ذنوبه
الذنوب هي المهلكة هي الداء هي المرض
فإذاً هذا القرآن هدى
فمثل هذه الآيات التي جاءت ببيان أن القرآن نزل في هذا الشهر يدل على ماذا ؟
يدل على أن تلاوة كتاب الله في هذا الشهر من الأمر العظيم ومن الأشياء التي ندب إليها الشرع نقروءه ونتأمله ونعمل به
ليست قراءة فقط وإنما بالتدبر
ولماذا لا يطبق المسلم حينما يقرأ كتاب الله عز وجل ؟!
أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بهذا القرآن العظيم
وان يذكرنا منه ما نسينا
وأن يعلمنا منه ما جهلنا
وان يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا