تأملات في آيات الصيام ( 12 )
قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ… )) الآية
( 4 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــ
فيقول الله جل وعلا :
((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ))
لما خفف الله جل وعلا على هذه الأمة وذلك إذا اعترى أحدا عذرُ من مرض أو سفر فإن له أن يفطر وعليه أن يصوم بعدد الأيام التي أفطرها
فقال جل وعلا :
((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ))
إذاً هذا الدين جاء باليسر جاء بالسماحة
ولهذه الآية نظائر وأشباه فإنه عز وجل لما شرع التيمم ماذا قال جل وعلا ؟
((مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) المائدة6
ولما أمر بالمجاهدة قال :
((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ))
والنبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في صحيح البخاري – :
(( إن هذا الدين يسر ))
وقال :
أيضا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ((يسروا ولا تعسروا ))
لكن ما هو ضابط اليسر في هذه الشريعة ؟
هل اليسر كما يزعمه البعض أن ينفلت ويرتكب ما شاء من الذنوب أو يدع ما شاء من الواجبات بحجة أن هذا الدين يسر ؟
لا
اليسر في الدين :
أن تمتثل أمر الله وأن تجتنب نهيه
كثير من الناس إذا زجرته عن معصية قال : يا أخي لا تتشدد لا تتعنت الدين يسر
سبحان الله !
من قال :
إن هذا الدين يسر هو الذي نهاك أن تقترف هذا الذنب
من قال :
يسروا ولا تعسروا هو الذي أمرك أن تأتي بهذا الواجب
إذاً :
اليسر في هذه الشريعة :
هو أن يخفف عنك ما لا تستطيع القيام به من الواجبات
لو كنت مريضا :
لك أن تصلي وأنت قاعد
صل قاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك
صل قائما فإن لم تستطع فصل قاعدا فإن لم تستطع فصل على جنبك
من اليسر في هذه الشريعة :
أن الإنسان إذا امرض وهو في حال الصيام أن يفطر ويقضي في الأيام الآتية
من اليسر :
أن الإنسان إذا أضره استعمال الماء في الطهارة أن يعدل عن استعمال الماء إلى التيمم
هذا هو اليسر
ولذا :
النبي عليه الصلاة والسلام امتن الله به حتى على اليهود والنصارى
((النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))
ولذا :
كانت توبة العاصي منهم :
أن يقتل – كما قال جل وعلا في أوائل آيات سورة البقرة – :
((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ))
النجاسة إذا مست ثوب أحدهم:
كما صح الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود لا يغسلها وإنما عليه أن يقطع ثوبه
لكن هذه الشريعة شريعة سمحة
والناس فهموا أن اليسر في هذه الشريعة أن ينفلت حسب مايشاء ، لا
ـــــــــــــــــــــــــــ
ولذا:
إذا حاججت قال قال النبي عليه الصلاة والسلام
قال :
(( التقوى ها هنا )) وأشار إلى قلبه عليه الصلاة والسلام
ونقول :
ما أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى قلبه من أن التقوى ها هنا إلا لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم أن القلب هو ملك الأعضاء وإذا صلح هذا القلب صلحت الأعضاء
(( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ))
والله لو صلح هذا القلب لظهرت الأعمال الصالحة على جوارح الإنسان
ولذا:
قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه :
(( إن أعضاء ابن آدم هي مغاريف لما في القلوب ))
ما في القلب يظهر على الأعضاء إن كان ما في القلب صالحا صارت الأعضاء صالحة وإن كان ما في القلب فاسدا صارت الأعضاء فاسدة
إذاً :
هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام :
(( التقوى ها هنا ))
بعضهم يقول :
ساعة وساعة :
ـــــــــــــــــــــــــــ
لما التقى حنظلة بأبي بكر :
فقال : يا أبا بكر نافق حنظلة
قال : وما ذاك ؟
قال : إنا إذا كنا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام تأثرنا حتى كأننا نرى الجنة والنار رأي العين فإذا فارقنا النبي عليه الصلاة والسلام وخالطنا الأولاد والضيعة والأموال نسينا
فقال أبو بكر : إني لأجد مثل ما تجد
فلما ذهبا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبراه بالخبر فقال عليه الصلاة والسلام : ساعة ياحنظلة وساعة
معنى ذلك :
أن القلوب لها إقبال
ولها نشاط
ولها رغبة في الخير
لكن يعتريها بعض الفتور وإلا لو ظل الإنسان على ما هو عليه من حرارة الموعظة لصافحتنا الملائكة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لحنطلة
ـــــــــــــــــــــــــــ
ولذا :
إن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إن لكل عابد شِرَّة ))
كل عابد له شرة
يعني : نشاط ورغبة في الخير
(( ولكل شرة فترة ))
أحيانا :
تأتي الإنسان رغبة في عمل الخير يتلو كتاب الله تدمع عينه
يخشع قلبه
يتنفل
يتصدق
ثم إذا به يتقلص ويتراجع شيئا فشيئا
هذه فترة وهي طبيعة ابن آدم كما قال عليه الصلاة والسلام
لكن ماذا قال في تتمة الحديث ؟
قال :
(( لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد نجا ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فلا تعدوه ))
وفي رواية :
(( فقد هلك ))
يعني :
من كان له نشاط ورغبة ثم إذا به فيما يأتي من وقت يتراجع ويتراجع حتى يصل إلى ارتكاب الفواحش وإلى ترك الواجبات هذا هو الهالك
أما من رجع ولم يزل في إطار وفي محور سنة النبي عليه الصلاة والسلام فهذا هو الناجي
وهذا هو حال بعض من الناس :
إن لم نقل الكثير في رمضان تأتي الرغبة على الطاعة ثم إذا أُعلن عن عيد الفطر إذا بالأمور تنعكس وتنقلب رأسا على عقب
من حين ما يعلن دخول شهر شوال إذا بأحوال كثير من المسلمين تتغير
أين العبادة عبد الله ؟
أين الذكر ؟
أين تلاوة القرآن ؟
أين المحافظة على الجوارح ؟
أتريد أن يصدق عليك قول ابن مسعود :
((بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ))
الله معبود في جميع الشهور وليس في رمضان
ولذا :
أنا أنصح كما نصح النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله :
قال :
(( يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ))
لا ينبغي لمسلم اعتاد على عبادة أن يدعها
وهذا هو دأب نبيكم صلى الله عليه وسلم
كما قالت عائشة : (( إذا عمل عملا أثبته ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ))
ـــــــــــــــــــــــــــ
وإني في هذا المقام :
أنصحك يا أخي أن تجعل لك برنامجا معينا من العبادة التي هي النوافل
أما الفرائض والواجبات فهذه لا نقاش فيها ولا حوار فيها
فالواجب على المسلم :
أن يأتي بالواجبات والفرائض ويدع الفواحش والمنكرات
لكن النوافل قد تأتي للإنسان رغبة في أداء النوافل ثم يتراجع
أقول لك :
تجعل لك حدا أدنى
مثال ذلك :
إذا أردت أن تقوم الليل :
فنقول – وكل يقيس على حسب نفسه فالناس يختلفون – لو أتينا إلى قيام الليل أنت تعلم من نفسك لو ألمت بك شواغل وصوارف أن تأتي بهذا الجزء المعين من العبادة
يعني :
إنسان يقول في أحلك الظروف وفي أحلك المشاكل أستطيع أن آتي بثلاث ركعات أو آتي بركعة الوتر
فنقول :
لتلزم هذا المبدأ
إن جاءك نشاط فحيهلا
تزيد لا مانع من ذلك
فإذا أتاك فتور ترجع إلى الأصل الذي أصلته لنفسك
هكذا تكون بإذن الله لله عابدا
فهذا هو يسر الشريعة
ـــــــــــــــــــــــــــ
ولذا من ألطافه ومن إفضاله ومن إنعامه جل وعلا أنه قال :
((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ))
ثم قال :
((وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ))
هذا من باب التأكيد
لأنه لو قال :
((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ))
ربما يتوهم متوهم أن الله جل وعلا قد يريد بنا العسر
لا
الله جل وعلا يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر
ـــــــــــــــــــــــــــ
ثم ماذا قال تعالى :
((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ ))
أي عدة ؟
إما أن يكون الضمير راجعا إلى من أفطر بعذر أو يكون الضمير راجعا إلى جميع الأمة
كيف ؟
((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ ))
يعني :
أن من أفطر بعذر فماذا عليه ؟
أن يقضي هذا هو الواجب عليه
من أجل ماذا ؟
أن يكمل العدة أن يكمل صيام رمضان حتى يلحق بالركب
وهذا يدل :
على أن الواجب أعني واجب صيام رمضان لا يسقط بالبعض وإنما يسقط الواجب بصيام الشهر
بصيام الشهر كله
ثم الأمر بإكمال العدة يدل على أن من مصلحة العبد أن يصوم هذا الشهر وأن من انتقص منه شيئا فهذا راجع بالخلل على إيمانه وعلى تقواه .
ـــــــــــــــــــــــــــ
قال :
((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ )):
أو أن هذا ضمير راجع إلينا جميعا من أفطر ومن لم يفطر
بمعنى :
أن نكمل عدة رمضان بالهلال أو بإكمال رمضان
ما إكمال شهر رمضان ؟
إما بصيام ثلاثين أو بصيام تسعة وعشرين يوما إن كان الشهر ناقصا
ولو انتقص الشهر فقد أكملنا العدة
لو كان الشهر تسعة وعشرين يوما فإننا قد أكملنا العدة
كيف ؟
النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في الصحيحين – : ((شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ))
كيف ؟
معناه عند الجمهور :
أن المسلم إذا صام رمضان ولم يكن الشهر كاملا وإنما كان ناقصا فإنه يكتب له أجر من صام الشهر كله
إذاً :
(( شهرا عيد لا ينقصان – في ماذا ؟ في الأجر – رمضان وذو الحجة ))
قال :
((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))
أي :
لتعظموا الله على ما هداكم إليه مما ضلت فيه الأمم السالفة
من بينها :
أن الله أضل اليهود والنصارى عن يوم الجمعة :
((إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ))
يعني :
جعل السبت على من ؟
على الذين اختلفوا فيه يعني اختلفوا في يوم الجمعة
وكذلك هدانا الله للصيام
هذا الشهر في وقته المحدد بخلاف النصارى فإنهم كتب عليهم الصيام في شهر حار فنقلوه بعد ما زادوه عشرين يوما نقلوه إلى شهر ربيع
فهدانا الله لصيام هذا الشهر في وقته المحدد
قال :
((وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))
ـــــــــــــــــــــــــــ
واستدل بعض العلماء بهذه الآية : ((وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )) استدل على أنه :
إذا اكتملت عدة شهر رمضان وثبت دخول شهر شوال :
أن تكبر ليلة العيد إلى صلاة العيد :
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد
ـــــــــــــــــــــــــــ
ثم ماذا قال في ختام الآية ؟
(( وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))
البقرة185
سبق وأن قلت لكم :
أن الآية إذا ختمت بكلمة فإن لهذه الكلمة ارتباطا بما قبلها :
لماذا قال :
((وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))
علقت على قوله تعالى :
((وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ))
إن كنتم تذكرون هذا فقد علقت :
لماذا قال :
((وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )) ؟
هنا قال :
(( وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))
البقرة185
يدل على ماذا ؟
يدل على أن من منح منحة من الوهاب جل وعلا في دينه وفي طاعته أنه من المنعم عليهم والواجب عليه أن يشكر الله
أعظم النعم :
نعمة الدين نعمة الطاعة نعمة العبادة
جاءتنا آيات الصيام الأمر بالصيام ثم الأمر بالتكبير ثم ختمت الآية بالشكر
يعني :
لتشكروا الله على أن خفف عنكم وعلى أنه هداكم لهذه العبادات التي يكتمل بها إيمانكم
إذاً :
هذا الدين نعمة
هذه الطاعة نعمة
ولذا قال النبي عليه الصلاة واسللام :
((ما أعطي أحد بعد اليقين خيرا من العافية ))
العافية نعمة لكن أفضل منها :
نعمة اليقين : الدين
ولذا :
النبي عليه الصلاة والسلام كانت تتفطر قدماه من طول قيام الليل فتقول له عائشة :
((يا رسول الله لم تصنع بنفسك هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
فماذا قال ؟
( أفلا أكون عبدا شكورا )
وفقت إلى هذا الدين وإلى هذه العبادات وإلى هذا الفضل فأكون من الشاكرين
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }
الإسراء3
إذاً :
هذا الدين نعمة و لا يشعر بها إلا من أكرمه الله بها
ولذا الصحابة كانوا يحرصون على دينهم أشد حرصا منا على الدرهم والدينار
لماذا ؟
لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان وحلاوة هذا الدين
صحابي لما وقف بين يدي مسيلمة الكذاب :
قال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟
قال : نعم أشهد أن محمدا رسول الله
قال : أتشهد أني رسول الله ؟
قال : لا أسمع
فغضب وقال للسياف : اقطع يده
فأعادها عليه مرة أخرى :
قال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟
قال : نعم أشهد أن محمدا رسول الله
قال : أتشهد أني رسول الله ؟
قال : لا أسمع
فقال : اقطع يده الأخرى
ولم يزل به هكذا حتى قطَّعه قطعة قطعة
لماذا ؟
نعمة وحلاوة ولذة هذا الدين
(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ))
إذاً : للإيمان حلاوة
ولذا :
شيخ الإسلام رحمة الله عليه يقول :
إذا عملت العمل الصالح ولم تجد له ذلة وحلاوة فاتهم هذا العمل ، هذا العمل فيه خلل فيه تقصير
لماذا ؟
قال :
(( لأن الرب شكور والله لا يضيع أجر من أحسن عملا يثيب عبده في هذه الدنيا بهذه الحلاوة قبل الآخرة ))
ـــــــــــــــــــــــــــ
عبد الله بن حذافة رضي الله عنه :
قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة :
((لها شاهد مما يدل على أن هذه القصة معتبرة وقوية))
عبد الله بن حذافة رضي الله عنه لما أرسله عمر رضي الله عنه في سرية
فوقعت هذه السرية في يد الفرس، فأتوا بعبد الله رضي الله عنه ومن معه إلى كسرى
انظروا كيف كان الصحابة يحرصون على دينهم :
عبد الله بن حذافة لما وقع مع السرية قاله كسرى : تنصر وأعطيك نصف ملكي
سيعطيه نصف ملكه
وما ملك كسرى ؟
كان يملك نصف الأرض نصف العالم
فماذا قال عبد الله بن حذافة ؟
انظروا هذا الدين له لذة وحلاوة
قال : والله لو أعطيتني ملك فارس والروم لا ملكك على أن أدع دين محمد طرفة عين ما تركته
طرفة عين !
فقال لهم : اصلبوه
فصلبوه وقال : ارموه بالسهام في جوانب جسمه
فجعلوا يرمونه بالسهام
فقال له : أتتنصر ؟
فقال له : لا ، لا أدع دين النبي صلى الله عليه وسلم
فاغتاظ كسرى وقال : احبسوه وامنعوا عنه الطعام والشراب ولا تضعوا له إلا الخنزير والخمور وادخلوا عليه امرأة جميلة عارية
وفعلوا ، ولم يطعم شيئا من هذا الطعام المحرم
ودخلت هذه المرأة وأرادت أن تفتنه ثم خرجت وقالت : والله ما أدري هل أدخلتموني على بشر أم على حجر ؟!
فقال : ائتوا به
فلما أتوا به قال : أوقدوا زيتا
فلما أوقدوا الزيت أتوا بأحد المسلمين ورموه في هذا الزيت فتطاير لحمه فبكت عين عبد الله
فقال كسرى : أخفتَ ؟
قال : لا لكني أتمنى أن تكون لي مائة نفس حتى ألقى مرة بعد أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــ
الصحابة رضي الله عنهم :
كان الواحد منهم يعمل ليل نهار وكأن النار كتبت له ، والواحد منا لو عملا أعمالا يسيرة كأن أبواب الجنان فتحت له !
أناس معهم ضمانات بدخول الجنة ومع ذلك كانوا يخشون من الله
ولذا الله يعلم بحالهم ويعلم الصفاء والنور في قلوبهم فقال عن أهل بدر :
(( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ))
لماذا ؟
لأن الله يعلم بأن هؤلاء القوم لا يقدمون على شر ولا يقدمون على معصية
فلما يئس منه كسرى قال : قبلْ رأسي وأطلق سراحك ومن معك
فقام عبد الله من أجل أن يخلص المسلمين فقبّل رأسه
فأطلقت السرية
فلما قدموا على عمر قال عمر رضي الله عنه لما أخبروه : (( حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله )) فقام عمر رضي الله عنه فقبَّل رأسه
ـــــــــــــــــــــــــــ
الشاهد من هذا :
أن هذه المحاولات التي أجراها كسرى مع عبد الله لكي يتنصر أن هذه المحاولات مع هذه الإغراءات لم تضعف عبد الله بن حذافة في دينه
ولذا لما هجر النبي عليه الصلاة والسلام كعب بن مالك وصاحبيه :
((وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ ))
مضت أربعون ليلة والنبي عليه الصلاة والسلام لا يكلمه وأمر من في المجتمع المدني أن لا يكلمه :
تصور :
لو أنك تعيش مع أناس وهم لا يكلمونك وهذه المدة
والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي معه ويسلم عليه ويقول : ولا أدري أحرك شفتيه ام لا
ومع ذلك لما مضت أربعون ليلة إذا برسالة تأتي من ملك غسان
أين ؟
في الشام
الهواء العليل الأشجار ملك
ماذا في المدينة ؟
كانت المدينة موبؤة بالحمى
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام دعا الله أن يخرجها إلى مَهْيعة يعني إلى الجحفة فاستجاب الله دعاءه
الشاهد من هذا :
أنه لما أتته الرسالة مع أنه في ضيق
يعني :
هجر من قبل المجتمع المدني وهجر من النبي عليه الصلاة والسلام
إذا بالرسالة تضمن ويقال فيها : قد بلغنا أن صاحبك قد هجرك فالحق بنا نواسك
فلما قرأها قال : (( والله إن هذا من البلاء ))
فقام إلى التنور فسجرها
فأحرقها حتى لا تتوق نفسه إلى أن يقرأها مرة أخرى لأن الشيطان حريص
فلماذا – أيها الأحبة في الله – لا تغلق التلفازات إذا أتت هذه المسلسلات ابتغاء لثواب الله عز وجل وخيفة من نقمته وسخطه
إذاً :
أيها الأحبة في الله :
الله لما يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الأوامر في الصيام والتكبير
(( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))
يدل على أن العبادة نعمة يجب عليك أن تشكرها :
((اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ))
الله جل وعلا لما أوجب علينا الكفارة في أيماننا إذا حنثنا ماذا قال ؟
قال بعد ما ذكر الكفارة وتفاصيلها ((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))
المائدة89
فهذا من النعم
أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى كل خير وأن يجنبني وإياكم كل شر وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا