تأملات في آيات الصيام ( 15 )

تأملات في آيات الصيام ( 15 )

مشاهدات: 476

محاضرات وكلمات

تأملات في آيات الصيام( 15 )

قوله تعالى :

((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ ……)) الآية ( 2 )

ـــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

 فمازلنا في مطلع قوله تعالى :

((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

قال عز وجل هنا : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

لماذا جاء اللفظ باللباس ؟

إذاً : المرأة لباس للرجل والرجل لباس للمرأة

واللباس في العادة ماذا يصنع بالبدن يغطيه ويستره

ومن هنا فهذه اللفظة :

((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

يستفاد منها فوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

الفائدة الأولى:

ـــــــــــــــــــــــــــ

باعتبار أن اللباس هو الستر فإن الزوج يعتبر سترا لزوجته والزوجة تعتبر سترا لزوجها عن الوقوع في الحرام

فالزوج مع زوجته كلاهما ستر للآخر من أن يقع في الحرام

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – :

((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ))

لم ؟

(( فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ))

والنبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( إذا تزوج أحدكم فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر ))

فدل هذا على أن المرأة والرجل كلاهما ستر للآخر عن الوقوع في المحرم

وهذا مما يجب على الرجل والمرأة أن يستحضراه وأن يجعلاه نصب أعينهما بحيث تكون المرأة قد ملأت عين وقلب زوجها فلا يتعدى بصره إلى غيرها وكذلك العكس

((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} ))

وذكر من صفاتهم عز وجل :

((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7}))

أيضا من فوائد هذه الكلمة

ـــــــــــــــــــــــــــ

أن اللباس كما أسلفنا ستر فيجب على كل من الزوجين أن يكون سترا لعيوب الآخر

وهكذا تكون العشرة الحسنة بين الزوجين ولا يمكن أن تستقيم حياة زوجية إلا بالتغاضي وبغض الطرف عن عيوب الآخر وإلا لو استقصى كل واحد من الزوجين ما له من الحقوق على الآخر ما استقرت ولا استقامت حياة بينهما

أنت لو تصاحب شخصا وتلتقي به في بعض الأوقات واللقيا به في مدة وجيزة لو لم تتغاضى عن أخطائه ويتغاضى عن أخطائك وإلا انفصمت ماذا ؟

العلاقة بينهما

فما ظنكم بالمرأة التي هي مع الزوج مصاحبة له باستمرار

 

ولذا :

انظروا إلى التوجيه النبوي منه عليه الصلاة والسلام :

قال عليه الصلاة والسلام لما سأله – كما في سنن أبي  داود بإسناد حسن – سأله معاوية بن حيدة قال :

يا رسول الله ما حق امرأتنا على أحدنا ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح – يعني : لا تقول : قبحك الله أو قبح وجهك

ثم قال : ولا تهجر إلا في البيت

انظر :

الحياة الزوجية لا بد أن يعتريها شيء من الشوائب وشيء من المشاكل

فهنا : الواجب على كل من الزوجين أن يحصر وأن يقصر المشكلة عليهما فلا تتعدى هذه المشكلة خارج البيت

لماذا ؟

لأن هذه المشكلة إذا خرجت من هذا البيت تدخل الوشاة وتضخمت المشكلة وتعقدت الأمور فإذا كانت المشكلة محصورة بين الزوجين فإن العلاقة عما قريب ستعود بينهما

وإنني في هذا المقام أنصح كلا من الزوجين أن يتغاضى عن حقوقه ولا يدقق

وهكذا البيوت مهما كانت من المقامات في الإيمان وفي الخير لابد أن يعتريها ما يعتريها

والشيطان حريص على أن يفك الرابطة التي بين الزوجين :

يقول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – :

قال :

(( إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث جنوده فيأتي أحدهم فيقول : فعلت

فيقول له الشيطان : لم تفعل شيئا

ويأتي الآخر ويقول : فعلت

فيقول : لم تفعل شيئا

ثم يأتي الآخر ويقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته

فيقول : أنت أنت ويلتزمه ويقربه

لماذا ؟

لأن الأسرة هي نواة المجتمع

تصور :

لو أن البيوت تفككت أواصرها :

أين يذهب الأولاد ؟

أين تذهب البنات ؟

سيكون هناك مفاسد وشرور

ولذا الشيطان يحب أن يأتي إلى الأصل وإلى القاعدة التي  للمجتمع وهي الأسرة فيفرق بينهما

ولذا : تجد أن الزوج قد يقدم على الطلاق بسبب مشكلة تافهة

كيف ؟

 يضخم الشيطان له هذا الشيء فيقول : أنت أنت الذي لك الحق الأكبر على زوجتك ثم أيضا المرأة يضخم لها الشيطان المشكلة فإذا بها تعانده وتراجعه الكلام ، ومن ثم تقع كلمة الطلاق على لسانه  ثم إذا هدأت الأعصاب أتى يبحث عن الحل .

 

فالواجب على الإنسان أن يحفظ لسانه ولاسيما من الطلاق

لأن هناك أناسا تجري كلمة الطلاق على ألسنتهم صباح مساء

والله جل وعلا لما ذكر آيات الطلاق قال :

((وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً ))

ابن عباس :

كما جاء في سنن أبي داود :

لما أتاه رجل وقال : إني طلقت زوجتي ألف طلقة

انظروا :

كيف بلغ به الغضب وكيف بلغ بالشيطان أن يؤزَّ هذا الزوج إلى أن يتلفظ بألف طلقة

لم ؟

هل هناك عداوة ؟

يا أخي العلاقة الزوجية هي علاقة مبنية على المحبة والمودة

،  الله ماذا قال ؟

قال : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ))

 ثم : ((وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ))

إذاً : هذه المرأة خلقت منك

وإذا كانت منك فماذا يجب عليك أو ماذا ينبغي عليك نحو هذا العضو الذي منك ؟

أن تحافظ عليه أن تحرص عليه

والمرأة ضعيفة

والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنها خلقت من ضلع ولا تستقيم لك على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها .

فيقول ابن عباس لما أتاه هذا الرجل فقال :

( (يركب أحدكم الحموقة ثم يأتي ويقول : يا ابن عباس أغثني أنقذني قد بانت منك زوجتك ))

لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجا ))

والمراجعة :

مراجعة الزوجة زوجها هذا موجود حتى في بيت النبي عليه الصلاة والسلام

لأن المرأة قد تراجعك الحديث في قضية ما ثم إذا بالأمر يتزايد لديك لماذا تتحدث بها الحديث  ولماذا تناقشني وتحاورني  ؟

يجب عليها أن تسكت

لا شك أن للزوج على زوجته حقا عظيما :

((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ))

لكن المرأة من البشر وهذه طبيعتها ، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن حالها

هنا :

الواجب عليها :

 أن تتقي الله وأن تطيع زوجها لكن لو أنها انفلتت وانفلت لسانها بكلمة على الزوج عليه أن يكون أعقل منها

فإذا احتدمت الأمور فعلى الأقل  يخرج من البيت حتى تهدأ الأمور

هذا هو العقل : لأن الطلاق لا يحل مشكلة

وكم من أسر تشتَّتت!

وكم من أولاد ضاعوا !

وكم من بنات ضعن !

بسبب الطلاق

والواقع يشهد بهذا :

لما دخل عمر على زوجته – كما جاء في الصحيح – دخل على زوجته فإذا به يتحدث معها عن أمر فتراجعه الحديث

وكانت أحوال عمر مع زوجاته ألا يراجعنه الحديث يأمرهن فيأتمرن

فلما راجعته غضب فقال : أتراجعنني

فقالت : ولم ؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم تراجعه إحدى زوجاته وتهجره إلى الليل

فلما سمع عمر بهذا الحديث ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأتى إلى بيت حفصة لأن حفصة ابنته وتحت النبي عليه الصلاة والسلام ويخشى عليها

فقال لها :

 أو تراجع إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام ؟

فقالت  :نعم

فقال : أو تهجره إحداكن إلى الليل ؟

فقالت  : نعم

فغضب رضي الله عنه وقال :

كيف تراجع إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت ؟ لا تراجعي رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تسأليه شيئا  سليني ما بدا لك

ثم خرج عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره ما جرى بينه وبين زوجته وما جرى بينه وبين حفصة

فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام

الأمر طبيعي

النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها :

(( إني لأعلم متى تكونين عليَّ غضبى ))

أعرف الوقت الذي تغضبين فيه عليَّ

وهو النبي صلى الله عليه وسلم

إذاً :

هو القدوة هو الأسوة يجب أن نقتدي به

فقالت : كيف  ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : إذا كنت راضية عني قلت : لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم

فقالت : أي والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك

 

وهنا :

في ثنايا وجود المشكلة بين الزوجين أيضا على الأبوين واجب آخر

بعض الآباء والأمهات إذا أتت البنت من بيت زوجها غضبى عظمت الأمور وضخمت الأمور وجعلت تسب وتشتم في الزوج

وهذا لا يزيد المشكلة إلا تعقيدا

المشكلة لا تحل بل تزيد قلب هذه البنت ضغينة وحقدا على زوجها

وإنما – انظروا إلى ما جرى في قصة الإفك لما رميت عائشة بهتانا وزورا في عرضها ، ولم تعلم إلا بعد شهر خرجت إلى بيت أبيها أبي بكر رضي الله عنه

وكان أبو بكر وأمها يعلمان بما جرى فقالت عائشة لأمها : أو ما سمعت ما يقول الناس ؟

فقالت  :نعم

وأمرتها أن ترجع إلى بيت زوجها ، وأخبرتها أنها امرأة حسناء وما من امرأة حسناء إلا ضرائر يحسدنها

فلما سمع – لأنها بكت – فسمع أبو بكر رضي الله عنه بكاءها وهو في السطح فنزل فقال : أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيت زوجك

فرجعت

النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم :

لما جاء إلى بيت علي وتحته من ؟

فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

فقال : أين علي ؟

فقالت : كان بيني وبينه شيء ثم خرج

فأرسل النبي  عليه الصلاة والسلام في أثره ليعلم أين ذهب علي ؟

فأخبر أنه في المسجد فأتاه النبي  عليه الصلاة والسلام فوجده نائما والتراب قد علا وجهه فقال عليه الصلاة والسلام :

(( قم أبا تراب قم أبا تراب ))

انظروا :

النبي عليه الصلاة والسلام قادته قدماه إلى زوج ابنته لكي يرضيه وكي يحل المشكلة

فهنا :

أنت أيتها المرأة ستر لزوجك ، وأنت أيها الرجل ستر لزوجتك

إذاً :

هذه أحد المعاني من كلمة : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

أيضا من المعاني :

أن بعض العلماء قال : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ ))

يعني : سكن لكم

مأخوذ من الليل

 

الليل لباس كما قال تعالى

والليل ماذا يصنع ؟

يغطي المخلوقات ويحصل الهدوء والسكن

وهذا موجود في كتاب الله عز وجل :

((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  ))

((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ))

فقال جل وعلا : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

 

ويحصل اللباس إذا جامع الزوج زوجته فإنه يكون لها بمثابة اللباس  وكذلك تكون هي له بمثابة اللباس

فإذاً قوله جل وعلا :

((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ))

لم ؟

((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))

ثم قال تعالى :

 ((عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ))

هناك كلام طويل عند قوله تعالى :

((عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ))

وحتى لا نطيل نرجئ  ونؤجل هذا الحديث إلى الدرس القادم والله أعلم.