تأملات في آيات الصيام ( 2 )

تأملات في آيات الصيام ( 2 )

مشاهدات: 531

محاضرات وكلمات

تأملات حول آيات الصيام (2 )

قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(2 )

فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدثنا في الليلة الماضية وكان حديثنا عنوانه :

تأملات حول آيات الصيام :

وصيام رمضان أيها الأخوة في الله :

هو أحد أركان الإسلام :

قال تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة183

ولم يكن الصيام أعني صيام رمضان واجبا في أول الإسلام ، وإنما كان على التخيير

إنما كان الواجب :

صيام يوم عاشوراء

كما ثبت بذلك الحديث الصحيح في الصحيحين :

أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر رجلا من أسلم أن ينادي في الناس

لما ثبت عنده دخول شهر محرم أمر رجلا من أسلم أن ينادي في الناس ويقول :

” إن هذا اليوم يوم عاشوراء فمن كان صائما فليتم صومه ، ومن لم يكن صائما فليمسك بقية يومه “

فدل هذا :

على أن الصيام الواجب أول الإسلام هو صيام يوم عاشوراء

أما صيام رمضان فكان على التخيير كما جاء في سياق الآيات التي ذكرناها في الليلة الماضية

ثم بعد ذلك فرض صيام رمضان على الأمة وجعل صيام يوم عاشوراء  من السنن المندوب إليها

وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عمر :

(( بني الإسلام على خمس :  ذكر منها  : صيام رمضان ))

ورمضان :

جاءت بعض الأحاديث تذكر أن رمضان اسم من أسماء الله

ولكن هذا الحديث باطل مختلق على النبي عليه الصلاة والسلام لأن رمضان اسم جامد

ليس اسما حسنا لأنه لا يشتق  منه صفة

فهذا الحديث باطل لا يصح

وقد نبه العلماء المحققون على ذلك

وأسماء الله الحسنى وأسماؤه توقيفية عز وجل

فلا يجوز لأحد أن يسمي الله باسم لم يسم به نفسه أو لم يسمه به رسوله عليه الصلاة والسلام

وقد أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان

ومن أنكر وجوبه يعني :

من جحد وجوبه ولو صام

لو قال : سأصوم لكن لا أقر ولا أعترف ولا أجزم بأنه واجب فإنه يكفر ولو صام

لأن العبرة ليست هي فعل العبادة ، وإنما العبرة بالإيمان

ومن لوازم الإيمان :

العمل الصالح

ومن العلم الصالح :

الصيام

والنبي عليه الصلاة والسلام فُرض عليه الصوم

يعني :

صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان

ويجب على المسلمين أن يحرصوا تمام الحرص  على التاريخ الهجري ولا يجوز العدول عنه لأنه من شعائر المسلمين

واتفق عليه الصحابة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة السابعة عشرة من الهجرة

أما كون التاريخ الهجري يلغى نهائيا

كون التاريخ الميلادي يعمل به لكن التاريخ الهجري هو المقدم هذا هو الواجب

لأن التاريخ الميلادي ليس  من تواريخ المسلمين

إنما التاريخ الهجري هو الذي اجمع عليه الصحابة في عهد عمر بن الخطاب

ولو قال قائل :

ابتداء السنة الهجرية من شهر محرم أليس كذلك ؟

بلى

مع أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما هاجر في شهر ربيع الأول

فلما لم يكن شهر ربيع هو ابتداء السنة الهجرية ؟

الجواب  عن ذلك كما ذكر ذلك ابن حجر في الفتح :

قال : ” لأن النبي عليه الصلاة والسلام عقد العزم على الهجرة من شهر محرم ، ولكنه لم يؤمر بذلك إلا في شهر ربيع  ، فاتفق الصحابة على أن يكون مبتدأ السنة الهجرية من شهر محرم

ولماذا شهر محرم ؟

لأن قبله منصرف الحجيج

ومعلوم أن الحجيج يهتمون بالشهر الذي يلي الحجة

فكان شهر الله المحرم هو المناسب أن تبتدأ به السنة الهجرية

لأن موسم الحج لا ينسى

وإذا كان لا ينسى كان الشهر الذي يليه تابعا له في  عدم النسيان

إذاً :

فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان

وقد صام النبي عليه الصلاة والسلام تسعة رمضانات

ويثبت دخول الشهر بأمرين :

أولا :

ننظر في إثبات الشهر إلى الهلال :

قال تعالى :

((فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ))

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))

إذا لم نره :

قال عليه الصلاة والسلام :

((  فإن غُم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ))

وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي :

بأن يحصى شهر شعبان لرمضان :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( أحصوا هلال شعبان لرمضان ))

ولو قال قائل :

كيف تتم معرفة أو كيف يتم ثبوت الشهر عن طريق الرؤية ؟

لو قال قائل :

لو أردت أن أعرف  هل دخل الشهر أم لم يدخل عن طريق الرؤية فماذا أصنع ؟

الطريقة سهلة جدا :

في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان :

قد تكون الليلة التي بعده :

إما ليلة الثلاثين من شهر شعبان أو اليوم الأول من رمضان

فإذا أردت أن تعرف فاخرج إلى الصحراء إلى مكان مرتفع إذا أدنيت الشمس الغروب

يعني : اليوم التاسع والعشرين إذا دنت شمسه على الغروب يكون لها اصفرار تصفر الشمس ، وتكون بحجم أكبر فيكون الهلال قريبا منها

ففي  هذه الليلة تنظر :

إذا أوشكت الشمس على الغروب تنظر :

إذا لم تر الهلال : لأن الهلال في آخر الشهر يستتر ليلة أو ليلتين لا يرى فهو صغير جدا

فاصفرار الشمس يدل على الهلال

فإذا دنت الشمس على الغروب ولم تر الهلال فاعلم بأن الشهر تام

لم ير الهلال

لكن لو رأيت الهلال بجانب الشمس فتنظر :

إن غربت الشمس وبقي الهلال

الهلال لن يبقى طويلا بعد غروب الشمس سيختفي لأن القمر ممحو يستمد نوره  من الشمس

فإذ1ا غربت الشمس وبقي الهلال فاعلم بأن شهر رمضان قد هلَّ وأن الشهر ناقص

أما إذا غرب الهلال قبل أن تغرب الشمس فاعلم بأن هذا الهلال تبع لشهر شعبان

إذاً :

الهلال يكون قريبا في  آخر الشهر من الشمس

ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله :

(( لا يمكن أن يحصل كسوف للشمس إلا في آخر الشهر ))

كسو ف الشمس لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال في أول الشهر أو في أوساطه ، وإنما يكون الكسوف في آخره

لماذا ؟

لأن القمر يكون في آخر الشهر قريبا من الشمس فيحجب القمر ضوء الشمس عن الأرض فيحصل الكسوف إذا أراد الله ان يحصل

إذاً :

أول ما ننظر في ثبوت الشهر إلى الرؤية

إن لم نره فيكون الشهر تاما

واعلم بأن الشهر الهجري  لا يمكن أن ينقص  عن تسعة وعشرين

 

ولا يمكن أن يزيد عن ثلاثين

لا يمكن أن يكون الشهر الهجري واحدا وثلاثين

ولا يمكن أن يكون ثمانية وعشرين

إنما يكون تسعة وعشرين أو ثلاثين

قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

(( إنَّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا : وأشار بأصابعه عليه الصلاة والسلام إلى عدد الثلاثين وإلى عدد التسعة والعشرين ))

ولا يجوز أن يصام اليوم الذي يُشك فيه :

قال عمار ابن ياسر كما جاء  في صحيح البخاري  معلقا وفي سنن أبي  داود موصولا قال :

(( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم عليه الصلاة والسلام ))

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

(( لا تقدموا شهر رمضان بصوم يوم أو يومين إلا في صوم يصومه أحدكم ))

يعني :

تصور لو أن يوم الشك وافق يوم الاثنين ، ومن عادتك أن تصوم يوم الاثنين فنقول : صم ولا بأس بهذا

لماذا ؟

لأنك لم تصم من أجل الاحتياط لرمضان ، وإنما صمت لأن هذا الأمر من عادتك

ولماذا  نهي عن صيام يوم الشك ؟

السبب :

أن الأمم السابقة فرض عليهم صيام شهر فبالغوا في الأمر فزادوا فعجزوا عن صيام الزيادة وعن صيام الشهر الواجب عليهم

فنهى الإسلام أن يصام يوم الشك حتى لا يحصل لنا ما حصل للأمم السابقة إلا من كانت عادته أن يصوم

ولهذا جاء حديث صححه بعض العلماء وضعفه البعض :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان ))

على افتراض صحة هذا الحديث :

هذا الحديث لا يتعارض  مع ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يكثر من صيام شهر شعبان

إنما هذا الحديث على افتراض صحته :

((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان ))

لمن يضعفه الصيام :

لأنه قد يصوم بعد نصف الشهر فإذا جاء رمضان ضعف عن صيام هذا الشهر الذي هو واجب عليه

والحديث يطول لكن نكتفي بما ذكر

وللحديث  تتمة إن شاء الله في الليلة القادمة إن شاء الله تعالى