تأملات في آيات الصيام ( 3 )

تأملات في آيات الصيام ( 3 )

مشاهدات: 21

المحاضرات والكلمات :

تأملات في آيات الصيام  (3 )

فضيلة الشيخ  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما زال حديثنا حول أول  آية من آيات الصيام

وهي قوله تعالى :

({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة183

يقول ابن مسعود :

وحسبك بابن مسعود وبقوله يقول :

 ” إذا سمعت الله يقول : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) فأرع لها سمعك – أصغ سمعك لهذا النداء – فإما أمر تؤمر به وإما نهي تنهى عنه ))

وابن مسعود ما صدرت من هذه الكلمة ارتجالا

لا

هذا الرجل الذي لا أحد أعلم منه في زمنه بكتاب الله

كان يحلف ويقول : ((  لو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله جل وعلا لأتيته ))

هو رضي الله عنه تلقى من فم رسول الله عليه الصلاة والسلام سبعين سورة

((  من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل ))

يعني : طريا كأنه أول ما نزل

(( فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ))

هذا الرجل ما تحدث بهذه الكلمة وما تفوه بها إلا لأنه يعلم عظم هذا الكتاب

وأن هذا النداء إذا نادى الله به فإنما هو نداء لك أنت أيها المؤمن الذي شرفك الله بهذا الإيمان

فعليك أن تمتثل

فإما أمر تؤمر به أو نهي تنهى عنه

ولذا :

 كان يقول رضي الله عنه :

(( لا تهذوه هذَّ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل ))

يعني : نثر التمر الرديء (( وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب  ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ))

فإذا كانت هذه المقولة صدرت من هذا الرجل الذي له عناية فائقة بكتاب الله

فعلينا نحن المسلمين حينما نتلو كتاب الله أو نسمع آيات الله جل وعلا ويمر بنا هذا النداء علينا أن نصغي الأسماع لأن من لوازم الإيمان أن تمتثل أمر الله وأن تجتنب نهيه

هنا في هذه الآية :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) ففيه إما أمر وإما نهي

وهذه الآية فيها أمر :

((  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ – يعني  :فرض –  عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ))

الصيام في اللغة هو الإمساك

يقال : خيل صائمة  :

يعني : ممسكة عن الجري

يقال : ريح صائمة :

يعني  : ممسكة عن الهبوب

يقال :

رجل صائم :

قد يراد منه في عرف اللغة أنه ممسك عن شيء قد يكون ممسكا عن الكلام

ولذا مريم ماذا قالت :

((فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً ))

ماذا بعدها ؟

((فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ))

فصامت عن الكلام

لكن الصيام عن الكلام في شرعنا مذموم

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي  داود قال : (( لا صمات إلى الليل ))

وقد أنكر أبو بكر رضي الله عنه على امرأة لما أمسكت عن الكلام قال :

(( إن هذا من صنيع أهل الجاهلية ))

والنبي عليه الصلاة والسلام لما رأى رجلا واقفا في  الشمس

فقال عليه الصلاة والسلام : من هذا ؟

قالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يمكث قائما في الشمس وألا يستظل وألا يتكلم  وأن يصوم

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( مروه فليقعد وليستظل ، وليتكلم وليتم صومه))

فإذا رجعنا إلى المعنى اللغوي إلى الصيام  وجدنا أنه : الإمساك

وإذا كان هو الإمساك فهو يلتقي مع التعريف الشرعي

ما هو التعريف الشرعي ؟

هو التعبد لله عز وجل عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس

و مما يدل على عظم هذا الصيام :

أن الله جل وعلا أضافه إلى نفسه

وإذا أضاف الله جل وعلا شيئا إلى نفسه فإنما يدل على شرف هذا المضاف

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : (( كل  عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله جل وعلا : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ))

ولذا :

قال بعض العلماء :

” إن الصيام لا تكتبه الملائكة :

((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ{10} كِرَاماً كَاتِبِينَ{11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ{12} ))

أنهم لا يكتبون الصيام لماذا ؟

لأن الصيام استأثر الله به فيكافئ ويثيب الصائم حقيقة

ما هو أي صوم

لا

الصائم الذي امتثل أمر الله جل  وعلا وأمر النبي عليه الصلاة والسلام

كما جاء  في الصحيحين :

(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

ولذا :

هذا الصوم توفرت فيه أنواع الصبر الثلاثة :

الصبر على طاعة الله

الصبر عن معصية الله

الصبر على أقدار الله المؤلمة

وجزاء الصابرين لا حد له ولا نهاية :

قال تعالى :

((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ))

بل إن الصائم الذي صام الذي صام في  نهاره إن أتبع هذا الصيام بالمحافظة عليه وذلك :بترك المحرمات وأداء  الواجبات

فإذا طعم تمرة أو أكلة بعد غروب الشمس فإنه يعتبر في ليله من الصائمين الصابرين

لكن متى ؟

إذا التزم بالصيام الحقيقي

قال نبيكم عليه الصلاة والسلام :

 (( الطاعم الشاكر – كل الناس يطعمون لكنه حدد عليه الصلاة والسلام هذا الطاعم بأنه شاكر ))

ما هو الشكر ؟

الحمد لله ؟

والشكر لله فقط ؟

لا

الشكر له أركان :

وذلك أن تعتقد بأن هذه النعمة من الله

أن تستعين بهذه النعمة على طاعة الله


أن تثني على الله بهذه النعمة

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ))

فإذاً :

من صام في  نهاره

وحافظ على ليله مما يلوثه ومما  يدنسه ويعفنه من مسلسلات وزمر أغاني  ومن أمور مخزية هنا ينال المسلم المرتبة العظيمة التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح مسلم :

إذ قال :

(( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر ))

هذا الصيام شاق فيه شيء من المضرة

الجهاد شاق :

((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ ))

((  إن أصابته ضراء صبر – فهو في  نهاره من الصابرين – وإن أصابته سراء شكر – فهو في ليله من الشاكرين وليس ذلك إلا للمؤمن ))

ولذا :

كان من المناسب أن تصدر الآية بهذا النداء :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ))

إذاً :

إذا أردت أن يعلو إيمانك وأن يزداد إيمانك فعليك بهذا الصيام

ولكن ما حقيقة هذا الصيام ؟

حقيقة هذا الصيام كما سمعتم

في  ختام هذه الآية قال : ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

إذا كان صيامك لا تظهر عليه دلائل التقوى فاتهم هذا الصيام

إن لم تجد في هذه الأيام رغبة في الخير وإدبارا عن الشر فاتهم هذا الصيام

لماذا ؟

(( إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ….. إلى أن قال عليه الصلاة والسلام : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ))

قد أتيحت لك الأسباب وهيأت لك الأمور فعليك أن تجاهد وأن تستفرغ القوى والطاقة في طاعة الله جل وعلا

قال :

(((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ))

هو شاق

لكن هو جل وعلا من رحمته ومن لطفه وإلا لو أمرنا أن نتعبده جل وعلا بالليل وبالنهار دائبين ومستمرين لما قمنا بشكر نعمة واحدة من نعمه عز وجل

ومع ذلك هو أرحم بنا وألطف بنا فأراد أن يسلينا

فهذا الصيام فيه مشقة فقال : لستم الأوائل في  هذا الصيام قد كتب هذا الصيام على الذين من قبلكم

وهذه هي التسلية الأولى

فهناك تسليات تخفيفات في هذه الآية يخفف الله جل وعلا علينا هذا الصيام حتى نستقبله بانشراح صدر

قال : ((كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ))

فهو كتب على الذين من قبلنا

الكاف هنا :

يقول العلماء إنها للتشبيه

يعني  : إن صيامنا كصيام من قبلنا

كيف ذلك ؟

ورد حديث  والصحيح والصواب أنه موقوف على الصحابي ” ابن حنظلة رضي الله عنه ” :

(( أن النصارى فرض عليهم الصيام وهو صيام شهر وكان هذا الصوم في شدة الحر فلما مرض أحد زعمائهم أضافوا  بعد أن عافاه الله أضافوا إلى هذا الشهر عشرين يوما فأصبحت خمسين يوما فشق عليهم ، فنقلوه من هذا الشهر شديد الحرارة إلى شهر الربيع

ولذا سيأتي قوله تعالى :

((وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))

لأن من قبلنا قد ضل عن صيام هذا الشهر في وقته وفي حينه

وكان الصيام في  العصور السابقة كان الصيام من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ثم من غربت عليه الشمس ثم نام قبل أن يأكل

بهذه النومة يحرم عليه أن يأكل فعليه أن يمسك عن سائر المفطرات إلى اليوم التالي

وكان هذا موجودا في أول الإسلام

ولذا :

جاء التخفيف من الله جل وعلا فقال

 ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ))

كما سيأتي معنا

وقد جاء في سنن الترمذي أن الله أمر زكريا بخمسة أشياء يأمر قومه بها

فقال – مما  يدل على أن الصيام كان موجودا في الأمم السابقة قال :

((  وآمركم بالصيام فإنما مثل الصيام كمثل رجل معه صرة من طيب وهو في  عصابة فجعلوا يعجبون منها وإن ريح فم الصائم عند الله أطيب  من ريح المسك ))

لماذا ؟

لأنها ناشئة عن طاعة لله فأصبحت في  مقام أرقى وأجل من أطيب  الطيب

فقال : (( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ))

لم

((  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

هذه  هي  الزبدة

هذه هي الثمرة

هذه هي الفائدة من الصيام

فإذاً :

الصيام وسيلة سريعة إلى تحقيق تقوى الله

وإذا تحققت تقوى الله وامتلأ القلب بها سعد الإنسان والله سعادة غامرة ما تفوقها أي سعادة

وهل  هنا مناسبة بين أول الآية : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ))

وبين آخرها : ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

وما هي التسليات والتخفيفات التي جاءت لتسهيل هذا الصيام ؟

في الدرس  القادم إن شاء الله نأتي على هذه الأشياء

ـــــــــــــــــــ

محاضرة مسليات الصيام موقعها هنا