تأملات في آيات الصيام ( 4 )

تأملات في آيات الصيام ( 4 )

مشاهدات: 578

محاضرات وكلمات

تأملات في آيات الصيام (4 )

قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(4 )

فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من رحمة الله بخلقه

وأيضا من واسع فضله أن جعل لهم من المسليات ما تهون عليهم به العبادات

فقلنا إن الله فرض الصيام ، وفيه من المشقة ما الله به عليم

فنادى عز وجل فقال :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ))

فذكر المسلي  الأول

قال : ((كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ))

المسلي الثاني قال :

((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} ))

المسلي الثالث :

قال : ((أَيَّاماً  ))

المسلي الرابع :

قال : ((مَّعْدُودَاتٍ  ))

المسلي الخامس :

قال :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

خمس تخفيفات ذكرها جل وعلا في ثنايا آيات الصيام حتى يهون علينا هذا الصيام الذي سماه النبي عليه الصلاة والسلام شهر الصبر

فقال عز وجل : ((أَيَّاماً  ))

هذا الشهر بمثابة الأيام

ليس هذا الشهر دهورا ولا عصورا وإنما هو بمنزلة الأيام واليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس

لم يأمرنا جل وعلا أن نتبع الليل بالصيام كما هو الشأن في النهار

علم ضعفنا

وعلم جل وعلا تقصيرنا

وعلم تفريطنا

ولذا لما كان في أول الإسلام كان الصائم إذا غربت عليه الشمس ثم نام قبل ان يأكل أو أن يشرب فإن الواجب عليه ان يمد صيامه إلى اليوم التالي فلا يطعم ولا يشرب حتى يغرب عليه شمس اليوم الثاني

فضاق ذلك على الصحابة

فجاء التخفيف  من رب العالمين فقال :

((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ))

إذاً :

هو أيام هذا تخفيف

هذه تسلية

ثم بماذا  وصف هذه الأيام ؟

قال  هي : ((مَّعْدُودَاتٍ  ))

والذي يعد الذي يحسب أهو كثير أم قليل أهو طويل أم قصير؟

هو قصير قليل

ولذا : لما ذكر عز وجل أمر السيارة التي أخذت يوسف عليه الصلاة والسلام من البئر وأخذوه وقالوا : بشرى هذا غلام

ما الذي أخبر عز وجل عن هؤلاء إذ باعوه بصفقة رديئة بثمن بخس دراهم معدودة

فالشيء الذي يعد الشيء الذي يحسب إنما هو قليل

وانظروا :

نحن الآن نودع الليلة السابعة من هذا الشهر المبارك

سبحان الله!

قبل أيام

كأنها والله لحظات كأنها والله ثواني كنا نستبشر بإطلالة هذا الشهر ويهنئ بعضنا بعضا في هذا المكان

أيام مضت والعاقل اللبيب الحصيف هو الذي ينظر إلى تلك الأيام التي  سلفت منه في هذا الشهر ماذا قدم فيها ؟

لنتساءل وليسأل بعضنا نفسه :

هل ختمت القرآن في هذه الأيام السبعة ؟

هل قرأت نصف القرآن ؟

هل قرأت ثلث القرآن ؟

والله ما هي إلا لحظات وثواني وإذا بنا يبارك لنا بإطلالة العيد

هكذا الأيام :

يسر المرءَ ما ذهب الليالي

كان ذهابهن له ذهابا

والله إن هذا الشهر لفرصة عظيمة ودرة سانحة لنا حتى نعود إلى الله جل و علا

فيا مخطئ يا مذنب يا مقصر عليك أن تتدارك في الأيام القادمة وإلا والله ستمر عليك هذه الأيام وأنت لم تقدم شيئا

من منا الذي سخَّر وقت سحره للاستغفار

نحن نقوم لتناول وجبة السحور

من منا فرغ هذا الوقت أو جزءا منه في الاستغفار

{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  } الذاريات18

السحر  :

هو وقت نجاة عباد الله

((إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ }القمر34

ربكم عز وجل ينزل إلى السماء  الدنيا نزولا يليق بجلاله وعظمته حين يبقى ثلث من الليل فيقول :

هل من داع فأستجيب له ؟

هل من مستغفر فأغفر له ؟

هل من سائل فأعطيه ؟

هل اغتنمنا هذا الوقت في الأيام التي مرت بنا ؟

أنتِ يا أمة الله هل اغتنمتي  وقتك حال إعداد الفطور بالذكر والتسبيح والتهليل أو بسماع إذاعة القرآن ؟

هل قرأتي شيئا ولو يسيرا من كتاب الله ؟

الواحد منا يجب أن يحاسب نفسه

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

وتدرون من هو عمر

من هو عمر ؟!

رجل شهد له النبي عليه الصلاة والسلام بدخول الجنة

هو رجل يمشي بين الصحابة رضي الله عنهم يجلس معهم وهم يعلمون أن هذا الرجل من أهل الجنة

ومع ذلك من يسبر حاله ومن يقرأ سيرته يجد العجب العجاب

يسمع ذات ليلة يسمع قارئا يقرأ قوله تعالى :

((وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} ))

انظروا إلى سلفكم رضي الله عنهم

كانوا قبل رمضان في سائر ساعاتهم وأيامهم لله

خشوع

خضوع

صلاة

صيام

قيام

تلاوة قرآن

فإذا دخل هذا الشهر إذا بأوضاعهم تتغير وتتجدد

هذا الشهر والله بمثابة المحطة التي يتزود فيها المسلم إيمانا وتقى وخشوعا لله

نبيكم عليه الصلاة والسلام كما أخبر ابن عباس كان أجود الناس فإذا دخل رمضان ماذا قال ؟

(( كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ))

فعليك – عبد الله – أن توازي  وأن تقارن وأن تقايس حالتك بعد رمضان وبعد دخول رمضان

عمر يسمع رضي الله عنه

يسمع هذا القارئ يقرأ:

((وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ{3} وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ{4} وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ{5} وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ{6} ))

ثم لما قرأ :

((إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ{7} مَا لَهُ مِن دَافِعٍ{8} ))

إذا به رضي الله عنه يتأثر من هذه الآية تأثرا عجيبا حتى طرحته هذه الآية على فراشه عشرون يوما

يزورونه يظنون أن به مرضا وما به مرض إنما هو الخشوع من الله

هذا هو عمر

علي بن أبي  طالب :

يقف في محرابه تاليا لكتاب الله جل وعلا فيقول : يا دنيا غري غيري أبي  تعرضتي أم لي  تشوفتي

دار أولها بكاء :

من حين ما تنزل من بطن أمك إذا بالشيطان يطعن في خاصرتك فتبكي إيذانا ببداءة المعركة بينك وبين الشيطان

دار أولها بكاء

وأوسطها عناء :

والله ما فيه أحد مستريحا في هذه الدنيا

وإن كانت هناك استراحة وراحة وسعادة فهي  نسبية وتكون للمتقي

ولذا:

قال الحسن البصري رحمه الله :

(( والله لن يجد المؤمن راحة إلا في الجنة ))

هذه الدنيا لا سعادة فيها

يقول ابن القيم رحمه الله :

(( لو سبرت العالم كله لوجدت أن الكل مصاب إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه ))

لست وحدك

دار أوسطها عناء

وآخرها فناء

تفنى

فهذا هو عمر يهمس في أذنك أيها  المؤمن فيقول لك ولغيرك من المؤمنين :

(( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن تزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله : {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } لحاقة18

الحسن البصري رحمه الله :

يقول : (( إن المؤمن قوَّام على نفسه يحاسبها لله وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في هذه الدنيا))

وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في هذه الدنيا))

وإنما شق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة

قالوا  :

نحسن الظن بالله

قال رحمه الله :
((وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل ))

فالله الله سبع ليال مرت ولا ندري :

هل ستبقى أرواحنا إلى نهاية هذا الشهر ؟

الله أعلم

ربما أن هناك أناسا صلوا معنا العام الماضي في هذا المكان والذي قبله

وأين هم الآن ؟

تحت التراب

يتمنى أحدهم إن كان محسنا أن يعود إلى الدنيا فيزداد إحسانا

ويتمنى من كان منهم مقصرا مسيئا أن يعود إلى هذه الدنيا حتى يصلح من وضعه

ويعدل من حاله ويتقرب إلى الله

أسبوع مضى

فعلنا أن نتقي الله

وهكذا :

الشهر كله

(( ومن أصدق من الله قيلا ))

((ومن أصدق من الله حديثا ))

ماذا قال الله عن هذا الشهر ؟

((أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ))

ثم إذا بالتخفيف الخامس :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

معنى هذه الآية :

من كان منك مريضا أو على سفر فأفطر عند البلاغيين يقولون :

هذا إيجاز حذف

فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر

وتأمل هذه الآية :

إذ خفف جل وعلا على من به عذر طارئ  ممن مرض أو في حالة سفر أن يفطر

هكذا فحسب ؟

لا

قال : ((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

وفي هذه الآية أيضا : تخفيف سادس :

قالت عائشة رضي الله عنها  كما عند الدارقطني  وقال : عنه صحيح وهو موقوف عليها :

قالت : كانت هذه الآية ((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

متتابعات فنسخت

قال : ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))

من به عذر طارئ فما الذي يخفف عنه ؟

أن يفطر

هكذا ؟

لا

قال : ((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

هذا يؤكد ويدل دلالة ساطعة وعلامة نيرة على أن إيماننا يكمل بهذاالصيام فإنه لما طرأ هذا الطارئ من السفر والمرض لم يسقط عنا الصيام مطلقا

وإنما خفف عنا في حالة المرض والسفر

ثم أنت يا عبد الله عليك ان تقضي هذه الأيام لأن في قضائها تكميلا لإيمانك

وهذا يدل على عظم الصيام

فقوله تعالى :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

هذه الآية فيها عدة فوائد :

وهذه الفوائد لو شرعت في ذكرها لطال بنا الحديث لكن لنوقف الأسماع على ان قوله تعالى : ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

أن هذا يعد التخفيف الخامس

فمن طرأ عليه عذر السفر أو مرض فعليه أن يفطر ومع إفطاره عليه ان يقضي

نعم عليه أن يقضي

ولذا :

النبي عليه الصلاة والسلام قال عن المرأة أنها ناقصة دين وعقل

فقيل
: يا رسول الله وما نقصان دينها ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟

فهنا :

بين جل وعلا أن الصيام له ثمرة واضحة على إيمان العبد

ولذا :

أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الشباب

بماذا ؟

إذا عجزوا عن النكاح :

قال :

(( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ))

لأن من غض بصره وأحصن فرجه أصبح من المؤمنين ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ  ))

قال عليه الصلاة والسلام :

(( ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء  ))

يعني: علاج

يخفف  من شهوته

وإن خفت شهوته علا إيمانه

لكن لو انغرق في شهوته ووقع في  مستنقعات الرذيلة والفاحشة فإن الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام :

((يخرج منه حتى يكون كالظلة عند رأسه فإن تاب رجع إليه))

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( خصاء أمتي  ))

الصحابة رضي الله عنهم :

كعثمان بن مظعون أحبوا أن يتفرغوا لعبادة الله ولم يرغبوا أن يعاشروا النساء وأن ينشغلوا بهن ، فاستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يختصوا

والخصاء :

أن يؤتى إلى الخصيتين فترضان فلا يشتهي الرجل

فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك

فقال عليه الصلاة والسلام : (( خصاء أمتي الصيام))

وإذا صام العبد عاد هذا بالثمرة اليانعة على إيمانه :

لأن النبي  عليه الصلاة والسلام قال – كما في الصحيحين – : (( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))

فإذا صام المسلم عن الأكل والشرب هنا تضيق مجاري الطعام والشرب على من ؟

على الشيطان فتقل وساوسه

فهذه الآية في مضامينها فوائد جمة لعلنا نتعرض لهذه الفوائد في الدرس القادم إن شاء الله تعالى