تأملات في آيات الصيام ( 6 )

تأملات في آيات الصيام ( 6 )

مشاهدات: 65

محاضرات وكلمات

تأملات حول آيات الصيام (6 )

قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(6 )

فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــ

فمازال الحديث متواصلا عند أول آية من آيات الصيام

وهي قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة183

إذا حاز العبد على هذه المرتبة الفضلى وهي مرتبة التقوى سعد سعادة غامرة وأفلح فلاحا عظيما

ولو قال قائل :

ما هي هذه التقوى التي هي مطمع العقلاء  من البشر ؟

التقوى :

تباينت وتعددت أقوال العلماء في تعريفها وما تعددت إلا لأهمية هذا الأمر العظيم

فبعض العلماء يقول :

التقوى :

( هي الخوف من الجليل أي  من الله والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل )

وبعض العلماء يقول :

التقوى :

( أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك المعصية على نور من الله ترجو ثواب الله )

وبعض العلماء يقول :

( إن التقوى مكمنها في ترك الذنوب فإذا تركت الذنوب فإن العبد يكون تقيا )

كما قال الشاعر :

خلِ  الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أرض

الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

يقول :

خلِ  الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى

والمتقي :

في حياته يكون كالرجل الذي يسير في أرض مليئة بالشوك فإنه يحذر  من ان يؤخز بشوكة.

فكذلك المتقي يتورع حتى عن ما هو مشتبه ببين الحرام و الحلال :

قال :

واصنع كماش فوق أرض

الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

لا تحقرن من الذنوب صغيرة إن الصغير غدا يصير كبيرا

ولذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( إياكم ومحقَّرات الذنوب ))

هناك بعض الذنوب يحتقرها البعض

لكنه عليه الصلاة والسلام حذر من هذه المحقرات قال :

(( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن تجتمع على العبد حتى تهلكه  ، وإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بأرض ، فأتى هذا بعود ، وهذا بعود ، وهذا بعود حتى جمعوا حطبا  ، فأوقدوا نارا ، فأنضجوا به طعاما ))

يقول الشاعر عن الذنوب :

رأيت الذنوب تميت القلوب

وخير لنفسك عصيانها

ـــــــــــــــــــ

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل عليَّ رقيبُ

ولا تحسن الله يغفل ساعة

ولا أن ما تُخفي عليه يغيب

لهونا لعمر الله ثم تتابعت

ذنوب على آثارهن ذنوب

إذا :

هذا تعريف البعض للتقوى

بعض  العلماء :

يقول وهذا التعريف هو أشمل  التعاريف:

( أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية )

بماذا ؟

( بفعل أوامره واجتناب نواهيه )

طيب : اتقى العبد ربه هنا يتقي نار الله وعذابه وسخطه

فإذا اتقى العبد ربه حظي على ثمرات جليلة

تأمل كتاب الله تجد

هناك ثمرات ذكرها الله لمن اتقى

نضرب أمثلة :

بالتقوى تنال ولاية الله

كما مر معنا في الدرس الماضي :

((  أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} – من – الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63} ))

((وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ))

التقوى :

من ثمارها :

أن العبد يستفيد من هذا القرآن

هذا القرآن كما ذكر تعالى في آيات الصيام أنه هدى للناس

هو في الأصل هدى للناس إذا عملوا به :

قال تعالى :

((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ))

ولكن هو هدى حقيقة للمنتفع به والمنتفعون به هم المتقون

ولذلك قال تتعالى :

((الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} ))

هذا القرآن يكون شفاء للمتقين :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }يونس57

هذه التقوى :

من ثمارها :

أن الله يفرج همك، وينفس كربك، وييسر لك أمرك

ويغفر لك ذنبك، ويعظم لك أجرك

((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ))

إذا  ضاقت بك الأمور فإن الله يجعل لك من هذا الأمر الذي أحاط بك مخرجا

وانظر إلى  قوله تعالى في ختام هذه  الآية إذ قال :

((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} ))

يعني :

من اتقى الله وضاق عليه رزقه أو ضاقت عليه أموره فإن الله يفرج همه ويرزقه من حيث  لا يحتسب حتى لو تأخر هذا الأمر فعليك أن تتريث وأن تتوكل على الله

ولذا قال :

((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ))

ما قدَّره جل وعلا لابد ان يكون ولكن :

((قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} ))

((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ))

ييسر الله أمره ترى المتقي سعيد النفس طيب القلب مرتاح البال هادئ الضمير فهو في  يسر

لذا قال  بعض  السلف :

” ما احتاج تقي “

يعني :  إن من استمرت به الحاجة فإن في تقوا خللا

ولذا  جاءت هذه العبارة الصريحة من عالم : ” ما احتاج تقي “

لابد أن يفرج الله همه ، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب

ومن ثمار التقوى :

تكفير السيئات                تعظيم الأجور :

((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً{5} ))

بتقوى الله يجعل لك ربك نورا وضياء وفرقانا بين الحق والباطل :

قال تعالى :

((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29

(( واتقوا الله ويعلمكم الله ))

ولذا قال الشافعي في أول طلبه لعلم :

يقول :

كنت أحفظ بعض الأشياء وأنسيها فأتيت إلى شيخي وهو ” وكيع بن الجراح “

فقال :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن علم الله نور

ونور الله لا يؤتى لعاص

{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29

بتقوى الله :

تتنزل  عليك البركات والخيرات :

((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))

من ثمرات التقوى :

أن تحصل مع خير الدنيا على خير الآخرة :

((وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ))

يقول ربكم :

لولا أن يكون الناس على أمة الكفر وعلى ملة الكفر لوسَّعنا على الكافر توسيعا عظيما  لكن يخشى أن يتبعه المؤمن فيكون معه في  الكفر:

((وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ – يعني سلالم – عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ{33} وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ{34} – يعين من فضة – وَزُخْرُفاً- يعني من ذهب – وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لمن ؟ – لِلْمُتَّقِينَ{35}))

(({تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }مريم63

النجاة من النار :

قال تعالى :

((وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72} ))

فتقوى الله جل وعلا يتحصل عليها العبد بفعل أوامره، واجتناب نواهيه فلا يقع في كبيرة ولا يصر على صغيرة

وكم مقامك ، ومكثك في هذه الدنيا ؟

قليل جدا فعليك أن تحاسب نفسك وأن تؤوب إليه وأن تستغفره من جميع الذنوب