تأملات في آيات الصيام ( 7 )

تأملات في آيات الصيام ( 7 )

مشاهدات: 128

محاضرات وكلمات

تأملات حول آيات الصيام (7 )

قوله تعالى :

{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }

(1 )

فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــ

يقول عز وجل في ثنايا آيات الصيام : ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

يعني :

أن من شهد هذا الشهر ودخل عليه أول يوم منه فعليه أن يصوم ويلزمه أن يصوم فإذا لم يستطع لعذر طارئ  من مرض أو سفر فله أن يفطر وعليه عدة من أيام أخر

فقوله تعالى :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً ))

المرض هو :

اعتلال البدن وخروج البدن عن مألوفه الطبيعي

والمرض من الأعذار التي خفف الله بها عن عباده

والمرض قد يبتلي الله به بعض الناس ليكفر خطيئاته أو ليرفع درجاته

كما صحت بذلك الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام

والمرض :

ضده الصحة

وإذا كان المرض  لا يلائم الإنسان ويعجزه ويحبسه عن أداء  العبادات فهنا عليه أن يغتنم زمن صحته

فالصحة كما قيل تاج على رءوس الأصحاء  ولا يعرف قدرها إلا  من سلبت منه

ولذا يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري

قال :

((نعمتان مغبون كثير فيهما من الناس ))

حري بأن يغبن من هوصحيح سليم

حقيق بأن يغبن من كان فارغا، له وقت يتقرب فيه  إلى الله جل وعلا

ولذا :

عافية البدن لا توازيها أي عافية بعد نعمة الدين :

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( ما أعطي أحد بعد اليقين خيرا من العافية  ))

وقال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي

(( من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه ))

انظروا معافى في بدنه :(( عنده قوت يومه فكأنما حِيزتْ له الدنيا بحذافيرها ))

هناك أناس أثرياء تضرب فيهم الأمثال في الثراء والغنى يتمنى أن تعود إليه صحته وتذهب منه هذه الأموال

بل إن البعض قد تمد وتبسط أمامه صنوف الطعام والشراب ويتمنى أن يطعم شيئا منها ومع ذلك لا يستطيع بل إنه محصور على وجبة معينة قد خلت من الأملاح أو من البهارات أو مما شابه ذلك

فإذا كان الأمر كذلك:

والإنسان يغبن في صحته ويغبن في فراغه كما قال عليه الصلاة والسلام

فواجب علينا :

أن نغتنم زمن الصحة ، وأن نتقرب إلى الله عز وجل في  زمن عافيتنا

ولذا :

قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( اغتنم خمسا قبل خمس ))

يعني عليك أن تغتنم هذه الخمسة قبل أن تحل بك خمسة أمور :

قال :

(( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك  ))

لأن ابن آدم كما قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :

(( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ))

اجتهد في حياته فقدمها فدرت عليه حسنات بعد وفاته

قال :

(( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث  : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ))

(( اغتنم حياتك قبل موتك وصحتك قبل  سقمك وفراغك قبل  شغلك ، وغناك قبل فقرك ))

فعليك أن تغتنم هذه الأشياء الخمسة

فهي والله درة ثمينة

فإذا اغتنمتها واجتهدت لله في  زمن الصحة

فإن الله يثيبك على هذه الأعمال التي تؤديها في زمن الصحة إذا  اعتل جسمك

ولذا  :

يقول النبي عيه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري :

(( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم ))

بينما لو كان وهو في صحته:

لا يتقرب إلى الله بالنوافل

فهنا لو امترض لا يكتب له شيء

بينما لو كان مجتهدا في هذا الوقت ، وفي هذا الحين حين العافية والصحة فإنه في ثنايا مرضه يكتب الله له أجره كاملا

فقال عز وجل :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))

فمن كان مريضا فله أن يفطر

لكن ما هو ضابط المرض الذي يخول الإنسان أن يفطر معه ؟

هو :

المرض الذي يزداد مع الصيام

أويتضاعف عليه المرض لو صام

أو لا يتضاعف وإنما لو صام لتأخر برؤه وشفاؤه

فهذا هو المرض الذي يخول المسلم أن يفطر

وليس أي مرض

هناك أمراض خفيفة :

مثل الصداع اليسير

فهذا لا يجوز للصائم ان يفطر من أجله

أما إذا كان هناك مرض يشق عليه

يعني : لو صام وقع في مشقة

فهنا الأفضل له أن يفطر

لكن لو تكبد وصام مع وجود المشقة فإن صيامه صحيح

لكن الأفضل له إذا كان يشق عليه الصيام في أوقات مرضه الأفضل له ان يفطر

ويكون الصيام في حقه مكروها

أما :

إذا كان المرض يضر به ويزيده مرضا فيجعله طريحا في الفراش فهنا :

يحرم عليه أن يصوم ويجب عليه أن يفطر

مراعاة لصحته

لكن لو أنه صام مع وجود الضرر فصيامه صحيح ولكن هو آثم

لأنه ترك الرخصة التي جاءت في هذه الآية

فقوله تعالى :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً  )) :

هذا هو العذر الذي به يفطر الصائم

قال :

((أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))

السفر سمي بهذا الاسم لأمرين :

لأن الإنسان يسفر ببدنه عن بنيان مدينته فيسفر في الصحراء

وكذلك :

لأن السفر يسفر عن أخلاق الرجال

فلا تعرف الرجل إلا إذا سافرت معه

فالسفر يبين حقيقة الرجل

وهذا السفر يجوز للصائم أن يفطر معه

وهنا :

إن كان الصيام يضر به في سفره فيه مضرة فهنا يحرم عليه الصيام

ويجب عليه الفطر

ما الدليل ؟

جاء في الصحيحين :

أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في سفر وإذا برجل قد ظلل عليه فقال عليه الصلاة والسلام : ما هذا ؟

فقالوا : هذا رجل صائم

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( ليس  من البر الصيام في السفر ))

يعني : إذا كان الصيام في السفر يودي بالإنسان إلى مثل هذه الحالة حتى يحتاج إلى إخوانه

فهنا هذا الصيام ليس من البر

 

في إحدى الغزوات

لما كان صائما قالوا : يا رسول الله إن الناس ينظرون إليك وأنت صائم وقد شق عليهم الصوم

فدعا النبي عليه الصلاة والسلام بقدح فشرب فأخبر بعد ذلك أن طائفة لم تفطر مع وجود الضرر عليها

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( أولئك العصاة أولئك العصاة ))

أما إذا كان الصيام في  السفر لا ينزل بالإنسان الضرر ، وإنما ينزل به المشقة تحصل له مشقة في سفره

فهنا يكره في حقه الصوم

والأولى في حقه الفطر

أما إذا استوى الأمران يقول :

الحمد لله الجو بارد

وقد تكون سفرته عن طريق الجو ومدة وجيزة ويقول : لا أجد عناء ، ولا تعبا ، ولا مشقة في الصيام

فنقول : الأولى لك أن تصوم

لكن لو أفطر مع وجود تلك الوسائل المريحة فله ذلك

فالأفضل في حق من استوى عنده الصيام والفطر الأفضل في حقه الصوم

ولا ينبغي إليه أن يفطر

لكن لو أفطر :

لا جناح عليه ولا حرج

ما الدليل ؟

أن النبي عليه الصلاة والسلام كما قال أبو الدرداء في صحيح مسلم قال :

(( كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في السفر، وكان أحدنا يتقي بيده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن رواحة ))

ولذا :

هو عليه الصلاة والسلام لديه طاقة

ولديه قدرة على تحمل المشاق

كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل  طويلا

نحن الآن في الليلة العاشرة ومع ذلك لم ننه إلا البقرة وآل عمران والنساء

النبي عليه الصلاة والسلام كما قال حذيفة في صحيح مسلم :

قال : ” دخلت معه في ليلة فافتتح بالبقرة قلت :يركع عند المائة ثم مضى قلت : يختم بها

ثم افتتح النساء ثم افتتح آل عمران

أكصلاتنا ؟

لا

قال : (( لا يمر في آية فيها سؤال إلا سأل ، ولا يمر بآية فيها استعاذة إلا تعوذ، ثم ركع فكان ركوعه قريبا من قيامه عليه الصلاة والسلام ))

ولذا :

كانت تتفطر قدماه

فتقول له عائشة : يا رسول الله ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( أفلا أكون عبدا شكورا ))

وهكذا ينبغي للمسلم كلما ازداد إيمانا وكلما أسبغت عليه نعم الله جل وعلا :

أن يزداد في العبادة :

{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60

إذا أنعم الله عليك فعليك أن تتعبد لله عز وجل

ولتعلم :

أن العبد كلما أقدم على العبادة بانشراح صدر وبطمأنينة نفس فإن الله يعينه

ربكم ذو سعة وذو فضل وكريم وهو أكرم من عبده ولا يضيع أجر من أحسن عملا

عليك فقط أن تتقرب إلى الله

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( إنما  العلم بالتعلم ))

بعض الناس يقول : لا يمكن أن أكون عالما

بعض الناس يقول : أنا غضوب لا يمكن أن أكون حليما

لا يا أخي لا تستصعب شيئا

بعض الناس يقول : لا أستطيع أن أقوم الليل هذا شيء شاق

عسى أن تؤدى صلاة الفجر حتى أقوم الليل ؟

لا ليس بصحيح

بعض السلف  يقول  :

كابدت قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذت به عشرين سنة

لذة وراحة :

أنا أعرف رجلا ، وأيضا أعرف امرأة يمكن من ستين سنة وهم لا يتركون قيام الليل

بل أعرف أن بعضهم يقوم قبل صلاة الفجر بساعتين

لذة وسعادة

بينما لو قيل للبعض قال : هذا أمر عظيم لا يمكن أن تتحمله نفسي

ليس بصحيح

ولذا :

قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ))

تحلم

روِّض هذه النفس

ثم قال عليه الصلاة والسلام :

(( ومن يتوخى الخير يعطه  ))

تقرب

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}العنكبوت69

عليك أن تحسن

وإذا أحسنت فمن معك يؤيدك يعينك ينصرك يسددك يوفقك معك أكرم الأكرمين جل وعلا

قال :

(( من يتوخَ الخير يعطه ومن يتوقَ الشر يوقَّه  ))

فالنبي  عليه الصلاة والسلام كان يصوم مع شدة الحر

ولذا :

كان يواصل الصيام اليوم واليومين والثلاثة ويقول :

(( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ))

 

قال بعض العلماء :

إن هذا الطعام والشراب من الجنة حسي

قال ابن القيم :

لا ليس بحسي لأنه لو كان يطعم  لما عد صائما

لكن يقول رحمه الله :

(( إن العبادة والتلذذ بها أغنته عن الأكل والشرب كما لو كان الإنسان جائعا ثم أقبل عليه حبيب لم يره منذ مدة طويلة فإنه ينسى جوعه وينسى ظمأه ))

فقال :

(( إني لست كهيئتكم ))

فإذاً  :

الصيام في السفر على هذه الأحوال الثلاثة

ثم :

لو كان الإنسان صائما ثم بدا له أن يسافر في وسط النهار

فخرج

وليعلم :

أن من أنشأ السفر في بلده لا يجوز له أن يستبيح على الصحيح رخص السفر حتى يخرج من بلدته

لا يتناول شيئا

ولا يقصر الصلاة

ولا يجمع بين الصلاتين

إلا إذا خرج من بلده

فإذاً :

لو خرج وهو صائم :

هل له أن يفطر  ؟

نعم

ما الدليل ؟

ما قلنا لكم :

((  أن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم خرج وهو صائم فلما بلغ كراع الغميم ( وهو موضع قرب المدينة ) أفطر عليه الصلاة والسلام مراعاة  لأصحابه ))

 

قال :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ )) :

السفر :

عذر وحق له أن يكون عذرا

ولا ننظر إلى زماننا هذا لأن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان

فالسفر عذر

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

(( السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل بالسفر إلى أهله ))

ثم قال :

((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) :

أطلقها :

كانت الآية إن كنتم تذكرون في الدروس السابقة :

((فعدة من أيام أخر متتابعات ))

فرحمنا الله ونسخ هذه الكلمة وأصبح الأمر في سعة للإنسان أن يفرق قضاؤه

لو كان عليه مثلا أربعة أيام :

له أن يصوم مثلا يوما في شوال

و يوما في ذي الحجة

و يوما في محرم

و يوما في ربيع

فالأمر فيه سعة

وما جاء من حديث :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( من كان عليه قضاء من رمضان فليسرده ) )

فلا يصح فهو حديث ضعيف

الشاهد من هذا :

أنه قال عز وجل :

((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) :

أطلقها :

ومن هنا :

صومنا في هذه السنة في حر أم في برد ؟

وسط

بينما إن أمد الله في أعمارنا وإذا أراد الله شيئا ففي  السنوات القادمة يكون رمضان في شدة الحر

لو أن إنسانا كان مريضا أو مسافرا ثم أفطر في  رمضان في عام الحر

مثلا أفطر يومين عليه يومان:

له أن يقضي هذين اليومين في زمن الشتاء في شدة البرد

له أن يقضي أيام الحر في أيام البرد

وأيام البرد في أيام الحر

وأن يقضي الأيام طويلة الساعات في الأيام قصيرة الساعات

والعكس بالعكس

ما الدليل ؟

قوله عز وجل :

((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) :

وقد أطلقها

ثم قال :

((((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) :

يعني : لك وقت موسع في القضاء إلى أن يبقى على رمضان القادم بعدد الأيام التي عليك

يعني :

لو كان عليك أربعة أيام فهنا لك أن تؤخرها إلى شعبان من السنة القادمة إلى أن لا يبقى على رمضان إلا أربعة أيام

 

تقول عائشة رضي الله عنها :

(( كان يكون علي الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ))

ولكن :

من أحب أن ينال فضل صيام ستة أيام  من شوال فعليه أن يقضي قبل أن يصومها :

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم :

قال :

(( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ))

ماذا قال ؟

تأمل تدبر

قال :

(( من صام رمضان ))

وهذا الرجل هل صام رمضان ؟

لا لم يصم إلا أكثره

ومن هنا :

فمن أراد أن يحوز على فضل صيام ست من شوال أمد الله في أعمارنا وأعماركم على طاعته

فهنا :

عليه أن يقضي أيامه ثم يصوم ستا من شوال ليصدق عليه هذا الحديث

 

فقوله تعالى :

((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))

المرض والسفر عذر طارئ  أم مستمر  ؟

عذر طارئ

ثم قال : ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ))

هذه الآية تشير إلى العذر المستمر الذي  لا يتمكن فيه الإنسان من الصيام مطلقا

كيف ذلك مع أن ظاهر الآية لا يدل على ذلك ؟

نتحدث عن هذا بإذن الله تعالى في الدرس القادم