تحذير الشرع والسلف من الشهرة

تحذير الشرع والسلف من الشهرة

مشاهدات: 479

” تحذير الشرع والسلف من الشهرة ”

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

موضوعنا في هذا اليوم موضوع هام جداً ، هذا الموضوع موضوع أتحدث فيه عما تحدث عنه السلف مما تحدثوا به على ضوء ما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا الموضوع الهام – وقد انتشر هذا الأمر في هذا الزمن أكثر من ذي قبل – بل لا يقارن هذا الأمر في هذا الزمن بما وقع في عصر السلف رحمهم الله

هذا الموضوع الهام هو ” حرص الناس على الشهرة ”

معنى الشهرة في كتب أهل اللغة ” الظهور والبيان “ ولذلك سمي الشهر بهذا الاسم لأنه يهلُّ وينتشر ويتضح للناس .

الشهرة هي بمثابة السبع الذي يفترس الإنسان إذا لم يتفطن لها ، كيف ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وعند الترمذي من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه :

( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ )

الشرف : هو الظهور والبروز والوضوح للناس ، ومن بين ذلك الشهرة ، تصوَّر أن هناك قطيعا من الغنم ، وإذا بذئبين جائعين ، هذان الذئبان الجائعان ماذا سيفسدان في هذه الغنم الضعيفة ؟ ليست بقراً , ستفسد إفساداً كبيرا ، الحرص على الشهرة والشرف أشد فتَّكاً لدين المسلم من فتك هاذين الذئبين الموصوفين بأنهما جائعان .

” الشهرة حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اللباس “

قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أبي داود :

( مَنْ لبس ثياب شهرة ألبسه الله ثياب مذلة تلتهب عليه نارا )

هذا في لباس، فكيف بفعل ؟ فكيف بقول  ؟ فكيف بما يخالف شرع الله ؟

استجلبت – وللأسف – والقرائن واضحة استجلبت الشهرة من قِبل بعض الناس عن طريق ما يخالف شرع الله ، كما يقال [ خالف تُعرف ] كما فعل ذلك الرجل من خثعم ، ذكرت كتب الأدب :

( سافر رجل من خثعم ومعه امرأته  ، وإذا برجل يقال له سليك التقى بهما فقال سأقتلك ، قال سأفتدي ، قال تفتدي مني بأن تدع زوجتك لي ، فأخذها ، فقالت تلك المرأة – ربما سعدت مع هذا الرجل الذي هو سليك – قالت له : احذر خثعم ،

فرجع هذا الرجل من خثعم ، وقد أعطاه الأمان على ألا يلحق به وألا يلحق به أحدٌ من أهل خثعم ،

لكن لما درى بعض أهل خثعم ، قال سـأتبعه ، فأتبعه فلما التقى بسليك قتله ، قال :

إني وقتلي سُليكا ثم أعقلَه

كالثور يُضرب لما عافت البقر

فقال سيد خثعم أعطيناه الأمان فأعطه الدية ، قال لا ، قال لم ؟ قال حتى أشتهر ، شهرة ماذا ؟ شهرة الثور إذا كانت هناك بقر تعاف شرب الماء ، يضربون الثور حتى تشرب البقر رغم أنفها ، قال حتى أشتهر كشهرة هذا الثور مع البقر :

         إني وقتلي سُليكا ثم أعقلَه

كالثور يُضرب لما عافت البقر

 

وكما في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة النجم ، فسجد من معه إلا رجلين ) قال ( أرادا الشهرة ) خالف تعرف ، لا أحد يقول هؤلاء مشركون ، في ظاهر الأمر هؤلاء مسلمون ، فهذا الحديث يختلف عن حديث ابن مسعود في الصحيحين :

( لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسجد معه المشركون إلا رجلا واحدا أخذ حصى وسجد به على كفه وقال يكفيني هذا ، فقتل بعد ذلك كافرا ، وأتى الصحابة رضي الله عنهم من الحبشة يظنون أن الكفار قد أسلموا )

هذه واقعة لأبي هريرة رضي الله عنها في المدينة ، قال:

( أرادا الشهرة )

سبحان الله ، حتى ولو فيما يخالف الدين .

[ قلة الشهرة ، بل عدم معرفة الناس بالإنسان لا يحط من قدره  ]

فلا يغتر أحد بأنه مشهور أو بأنه معروف فهذه لها ضرائبها ، النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال :

( ربَّ أشعث ) أي الرأس ، لم يسرح شعره لقلة ما في يده ، أو لانشغاله بالعبادة ( أغبر ) مغبرة قدماه ( لو أقسم على الله لأبره ) لو قال يا الله حلفت عليك أن تفعل كذا أبرَّ الله قسمه ، من حسن ظنه بربه جل وعلا .

النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه – وذلك الحديث نفع سعدا في زمن الفتة ، لما قالوا له شارك في الفتن ، قال لا ، إن صلى الله عليه وسلم يقول :

( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )

مختفي .

النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري :

( كان جالسا ومرَّ رجل ، فقال صلى الله عليه وسلم ما رأيكم بهذا الرجل ؟ قالوا : هذا من أشراف المسلمين ، هذا حري إن خطب أن ينكح ، وإن قال أن يسمع له ، وإن شفع أن يشفَّع ، فسكت صلى الله عليه وسلم ، فلما مرَّ رجل آخر ، قال : وهذا ؟ قالوا : هذا حري إن خطب ألا ينكح – يعني ألا يزوج – وإن شفع لا يشفَّع، فقال صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا )

هذا هو المعيار ، بل هو صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، جعل الناس صنفين ، صنف مقبل على الدنيا ولو على حساب دينه ، وصنف – لا –  في حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم :

( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أَعْطَى رَضِيَ وَإِنْ مَنَعَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ  )

 هذا صنف ، والصنف الثاني :

(  فَطُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ كَانَت السَِّاقَةُ ) يعني في مؤخرة الجيش ( كَانَ فِي السِّاقَةِ ، وَإِنْ كَانَت الْحِرَاسَةُ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ ) قام بها على أكمل الوجوه ، ولا ينزجر حتى لو كان في الحراسة ( أَشْعَثُ رَأْسُهُ مُغْبَرَةٌّ قَدَمَاهُ ،إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشْفَعْ ، لو أقسم على الله لأبره )

فهذا معيار واضح منه صلى الله عليه وسلم ، وتقسيم بيِّن لحال الناس .

ولذلك أويس القرني رحمه الله – من قرن – كما عند مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم :

( خير التابعين رجل يقال له أويس من رآه منكم فليأمره أن يستغفر له )

”   فكان عمر رضي الله عنه كلما أتت وفود اليمن يسأل أفيكم أويس ؟

فأتى ذلك الوفد وإذا به فيه أويس ، فقال عمر لأويس استغفر لي ، فقال عمر إلى أين أنت ذاهب ؟ قال إلى الكوفة ، قال آمر عاملي هناك بالاعتناء بك ؟

قال : لا ، أريد أن أكون في غبراء الناس )

 يعني فقراء وصعاليك الناس .

فلما عرف الناس فضل أويس عن طريق عمر رضي الله عنه ، هام على وجهه ، فذهب حتى يختفي فلا يشعر به أحد “

والواحد منا في هذا العصر يريد أن يكون هو البارز الواضح ، نسأل الله السلامة والعافية .

اسمع إلى كلام السلف ، في الزهد يبين الحسن البصري رحمه الله الحرص الشديد من السلف على الخوف من الشهرة ، قال الحسن كما في ” الزهد لابن المبارك “ قال:

( لقد صحبت أقواماً إن كان أحدهم لتعرض الحكمة على لسانه فلا ينطق بها ، وسينتفع بها وينفع بها غيره فما ينطق بها مخافة الشهرة )

اسمع إلى كلام أيوب يوجه من حرص على الشهرة

قال أيوب كما في مسند علي بن الجعد :

( ما صدق اللهَ عبدٌ قطُّ أحب الشهرة )

وثبت عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله كما في الزهد للإمام أحمد رحمه الله ، قال :

( ما صدق اللهَ عبدٌ قطُّ أحب الشهرة )

الدارمي رحمه الله في سننه بوَّب قال [ باب من كره الشهرة والمعرفة ] ثم ذكر هذه الآثار

حال إبراهيم بن أدهم مع الشهرة ، يقول الأعمش – كما ذكر الدارمي – قال :

( جاهدنا بإبراهيم أن نجعل له مكاناً إلى سارية ليعلم الناس فأبى وكان لا يتكلم بالحديث حتى يُسأل )

بعضهم ما كان يريد تعليم الناس إذا كان الناس حوله ، لأن الإنسان ينقذ نفسه قبل أن ينقذ غيره ، فإذا علم من نفسه – وكلٌ يعلم من نفسه – إذا علم من نفسه أنه سيغتر أو أنه لن يغتر ولكن هناك من يقوم بتعليم الناس دونه فإنه ينفر ، هذا هو حالهم ، وإلا فإن الناس إذا احتاجوا وكثر الجهل فعليه أن يحرص على تثقيف وتعليم الناس، لكن لو أن الناس في جهل وخاف على نفسه – لا  -فأجمل بعاقل يحرص على نفسه قبل أن يحرص على غيره

” ذكر الدارمي رحمه الله عن الحارث بن قيس الجعفي ، وكان من أصحاب عبد الله ، وكانوا معجبين به فقالوا :

( كان إذا جلس إليه الرجل والرجلان تحدث معهما ، فإذا كثروا قام وتركهم )

وقيل لعلقمة رحمه الله حينما مات عبد الله بن مسعود :

( لو قمت مقامه فعلمت الناس ؟

فقال : أتريد أن توطأ  عقبي ؟ )

ولذلك قال إبراهيم بن أدهم :

( كانوا يكرهون أن توطأ أعقابهم )

ما معنى هذا ؟

يكره أن يكون هناك أناس من خلفهم ، بعض الناس الآن حتى في المجمعات الدينية يأتي كأنه في موكب ، موكب استقبال ، موكب توديع ، هذا علم .

وذكر الدارمي رحمه الله عن سليمان بن حنظلة ، قال:

( أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه ، فلما قام قمنا ، وبينما نحن نمشي إذا بعمر يعلو أبيَّا بالدرة ، فإذا بأبي رضي الله عنه يتقيها بذراعين ، فقال ماذا تصنع يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوما ترى هؤلاء ؟ فتنة للمتبوع ، مذلة للتابع )

المتبوع : يفتتن في دينه ، والتابع أذل نفسه .

 

وذكر الدارمي عن عون أنه قال :

( شاورت محمدا في أمر في البناء ، قال فأتيته فبينما نحن نسير في الطريق إذا برجل يأتي  ، فقال له محمد ألك حاجة ؟

قال : لا ، قال إذا لم تكن لك حاجة فاذهب ،ثم انطلقنا ، ثم قال لي اذهب من طريق وأنا من طريق ، فذهبت حتى التقيت معه بالطريق الآخر مخافة الشهرة )

وذكر الدارمي عن الربيع :

( أنهم إذا أتوا قال أعوذ بالله من شركم )

قل لنفسك أتريد هذا الأمر ؟

أم أنه إذا قلَّ من عندك أو قل من يبجلك ويعظمك إذا بالقلب يحترق ؟

والنفس البشرة تحب هذا ، لكن هذا هو حال السلف رحمهم الله .

وعند الدارمي :

( مشى بعض أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلفه ، فقال إليكم عني خفق النعال )

يقول اذهبوا وتنحوا عني

 ( فإنها مفسدة لقلوب الرجال )

وذكر الدارمي عن الحسن، قال :

( إن خفق النعال خلف الرجال يغتر به الحمقى )

والحديث قد يكون موجها لمن في وسائل التواصل ممن عندهم حسابات وعندهم أتباع ، بعض السلف إذا اجتمع عنده عشرة فرَّ وهرب ، فكيف بمن عنده الآن مائة شخص ، ألف ، مائة ألف ، مليون ؟

” فالحساب تحت الأرض ويوم العرض “

وذكر أبو نعيم في الحلية عن ابن سيرين قال :

( والله ما تركت مجالستكم إلا مخافة الشهرة )

ابن المبارك يوصيه العلماء ، وهو من ؟ الذي ألَّف كتابا في الزهد ، قال ابن المبارك :

( قال لي سفيان إياك والشهرة )

 وقال ( ما أتيت أحدا إلا وقد نهاني عن الشهرة )

وقال ( كان يقول لي سفيان : بثَّ علمك واحذر الشهرة )

وذكر أبو نعيم في الحلية قال :

( إن أدنى ضرر الكلام الشهرة ، وكفى بالشهرة بلية )

وذكر  أبو نعيم في الحلية قال :

( كتب بشر بن الحارث إلى علي بن خشرم  :

( يا علي : اعلم أن من أبتلي بالشهرة ومعرفة الناس فمصيبته جليلة فجبرها الله لنا ولك بالخضوع والاستكانة والذل لعظمته ، وكفانا وإياك فتنتها وشر عاقبتها )

ذكر الخطيب أبو بكر في كتابه ” الكفاية في علم الرواية

 

  ” قال يحيى بن معين :

( آلة الحديث الصدق والشهرة بطلبه )

وذكر يعقوب السدوسي في مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الأوزاعي أنه قال :

( كان الأوزاعي إذا أراد أن يعتم ) أي يلبس العمامة 

( يوم الجمعة أرسل إلى بعض أصحابه فقال اعتموا معي ) حتى لا ينفرد هو بالاعتمام خيفة الشهرة في اللباس .

وقال محمد بن عطية كما في كتبه ” قوت القلوب “عن بعض السلف قال :

( من نجا من الكِبر والرياء وحب الشهرة فقد سلم )

واسمع إلى نصيحة فضالة بن عبيد الصحابي رضي الله عنه إلى ابن محيريز ، كما عند الطبراني ، وقال عنه الهيثمي في المجمع رواته ثقات  :

( قال إن استطعت أن تعرف ولا تُعرف فافعل ، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل ، وإن استطعت أن تجلس ولا يُجلس إليك فافعل )

وذكر ابن أبي الدنيا في كتابه ” التواضع والخمول ” والخمول ليس معناه الكسل – لا- الخمول هو خمول الذكر ، يعني عدم معرفة الناس بهذا الرجل .

 

ذكر عن علي رضي الله عنه أنه قال :

( تبذل ولا تشتهر ولا ترفع شخصك لتُذكر  وتعلم ، وأكثر الصمت تسلم  ) ما النتيجة  ؟ ( تُسرُّ الأبرار وتقنط الفجار )

وذكر ابن أبي الدنيا ، قال :

( كتب محمد بن العلاء لمحمد بن يوسف قال يا أخي من أحب الله أحب ألا يعرف الناس )

وقال رجل من أصحاب الثوري :

( رأيت سفيان الثوري في النوم فقلت أوصني  ، فقال إياك ومعرفة الناس ، أقِل من معرفة الناس )

وذكر ابن أبي الدنيا عن عثمان بن زائدة ، قال :

( إذا رأيت الرجل كثير الأخلاء فاعلم أنه مخلِّط )

وكتب أبان بن عثمان إلى بعض إخوانه :

( إن أحببت أن يسلم لك دينك فقلل معارفك )

وذكر ابن أبي الدنيا عن الحسن بن رشيد  ، قال :

( سمعت الثوري يقول يا حسن لا تعرفنَّ إلى من لا يعرفك ) يعني لا تسعى إلى أن تعرف ( وأنكر معرفة من يعرفك )

وذكر عن خالد بن معدان أنه :

( إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة )

 

 

وأبو العالية :

( إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام )

وقال أبو بكر بن عياش :

(سألت الأعمش ما أكثر من رأيت عند إبراهيم بن أدهم؟ قال : أربعة أو خمسة )

وذكر عن طلحة أنه :

( رأى عشرة يمشون خلفه فقال ذبَّان طمع وفراش النار )

وذكر عن حماد بن زيد أنه قال :

( قال أيوب إني لأمر بالقوم فيعرفونني فأي خير مع هذا إذا عرفوني ؟  ) مخافة الشهرة وكراهية لها .

و ( خرج أيوب في سفر فتبعه أناس كثير ، فقال لولا أني أعلم أن الله يعلم أني كاره لمقامكم هذا لخشيت أن يمقتني ربي )

واسمع إلى هذا الكلام العظيم الجميل في الزهد الكبير للبيهقي ، قال  :

( اعلم أن أصل الجاه هو حب الصِّيت والإشهار ، وذلك خطر عظيم ، والسلامة في الخمول ) وقلنا إن الخمول هو خمول الذكر – وليس الكسل – وهو عدم معرفة الناس بهذا الرجل

( وأهل العلم لم يقصدوا الشهرة ولم يتعرضوا لها ولا لأسبابها ، فإن وقعت من قِبل الله فرُّوا منها وعنها وكانوا يؤثرون الخمول ، والمذموم هو طلب الإنسان الشهرة ، أما وجودها من جهة الله من غير طلب الإنسان فليس بمذموم ، غير أنه يكون في وجودها فتنة على الضعفاء فإن مثل الضعيف فيهاكالغريق القليل الصنعة في السباحة ، فإذا تعلق به أحد غرق وأغرقه ، وأما السابح النحرير فإن تعلق الغرقى به فهو سبب لنجاتهم وخلاصهم )

وذكر ابن مفلح في ” الآداب الشرعية ” عن الإمام أحمد رحمه الله :

( قال أحمد لعبد الوهاب أخمل ذكرك فإني قد بليت بالشهرة )

وقال الإمام أحمد رحمه الله :

( أشتهي ما لا يكون ، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس )

وقال ( من بُلي بالشهرة لم يأمن أن يفتنه الناس ، فإني لم أفكر في أول الأمر طلبت الحديث وأنا ابن ست عشرة سنة )

الشوكاني رحمه الله في كتابه ” أدب الطلب ومنتهى الأدب ” قال :

( من الآفات المانعة إلى الرجوع إلى الحق أن يأتيه الحق ممن هو أقل منه شهرة فلا يرجع إلى الحق يظن أن ذلك يحط من قدره ، وهذا الظن فاسد لأن النقص والانحطاط إنما هو في التصميم في الباطل والعلو والشرف هو الرجوع إلى الحق )

ولذلك قال الفضيل رحمه الله :

( كانوا يراءون فيما مضى بأعمالهم فأصبحوا الآن يراءون بغير أعمالهم )

وفي ” نزهة الفضلاء ” :

( أن شقيق بن سلمة إذا صلى في بيته نشج نشيجا من البكاء خوفا من الله ، قال بعض أصحابه لو قيل له إن الدنيا كلها ستجمع لك على أن تنشج هذا النشيج ما نشج نشجة واحدة حيث يراه الناس )

وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في ” حلية طالب العلم ” :

( من علامات العلم النافع الهرب من حب الترؤس والشهرة والدنيا )

الناس في هذا الزمن عندهم حسابات في وسائل التواصل ” التويتر ، الفيسبوك ، الكيك ، اليوتيوب ، انستقرام ، وهناك برامج كثيرة لا تعرف يعرفها أهلها “

 تذكر أنه كلما فتحت حساباً كلما زاد الحساب هناك ، كلما فتحت حساباً كلما عظم الحساب هناك ، فتصور لو كان لديك ألف متابع في كل حساب أو مائة ألف أو مليون ؟ الإنسان في مثل هذا الزمن يخشى على نفسه أن يعاقب إذا فرَّط في متابعة أبنائه وهم ثلاثة أو خمسة أو ستة ، فما ظنكم إذا كان لدي متابعون بالآلاف أو مئات الآلاف أو بالملايين ؟ كم كلمة قلتها ؟ كم صورة وضعتها ؟ كم مقطع وضعته فنظر إليه أو قرأ تلك التغريدة أو تلك الرسالة مئات الآلاف ثم انتقلت  ؟كم وكم مما يتصبب على الإنسان في قبره ؟ أما يكفي ذنوب الإنسان أيتحمل ذنوب غيره ؟ حسابات نفخر بها ، نسعد إذا كثر المتابعون ، يهنئ بعضنا بعضا ، يبارك بعضنا لبعض ، ستوضع في قبرك وحيدا فريدا ، ونحشر يوم القيامة ، والله لن ينفعوك ، وسمعتم كلام السلف ، والحديث في مثل هذا المقام يحسن ويجمل وهو حديث بشر بن الحارث كما في ” صفوة الصفة ” لابن الجوزي يقول :

( قال بشر بن الحارث لقد شهرني ربي في الدنيا فيا ليته لا يفضحني يوم القيامة )

فضائح ، فلا يظن أحد أنه سيسلم ، قال بعض السلف كما عند ابن أبي الدنيا :

( أقلَّ من معرفة الناس فإنه أقلُّ للحساب لك يوم القيامة )

حدثني بربك كم عدد من يعرفه هؤلاء ؟ ألف ، عشرة آلاف ؟

كيف إذا وضعت رسالة لا ترضي الله ، كيف إذا وضعت صورة عرض لا ترضي الله تفتن عباد الله ، كيف إذا وضعت مقطعا لا يرضي الله ، وأكثر ما يوضع في اليوتيوب  والكيك ، وهذا الكيك أقول إنه لا يجوز لأحد أن يتصفحه على مثل هذه الحال ، فكيف إذا كان عندك متابعون ، وكيف إذا رآه من رآه ؟ ملايين المشاهدات على بعض المقاطع ، مئات الآلاف على بعض التغريدات ، نسينا الآخرة ، على قدر ما تصنع هنا يصنع بك هناك من حيث الشهرة ، أما تقرأ كلام الله عز وجل ؟

{  قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ }النحل27  ، هنا يبرز أهل العلم ، أما من يتلبس بغير لباسه ، بل ربما أنه يتسلق عن طريق الدين حتى يرتفع من أجل أن يعرف – هذه مصيبة { وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }هود18، بعضهم لا يملك من العلم شيئا ولا يعرف في العلم شيئا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها :

( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )

وقال كما عند أبي داود والترمذي :

( من تحلى بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور )

واحد من الشباب قبل ثلاثة أسابيع فرح ، قلت لم ؟

قال وصل المتابعون عندي ثلاثة آلاف ، قلت سبحان الله ، أتسعد بهذا ؟ ثم ماذا ؟

( إن الله يحب العبد التقي الغني ) بقلبه ( الغني الخفي )

 ( الخطبة الثانية )

أما بعد فيا عباد الله :

انتبه لنفسك ، المتابعون لن يحشروا معك ، بعض الناس يكتب تغريدة أما يتذكر أن هناك مئات الآلاف ، بل الملايين ربما تغويهم هذه الكلمة ؟

أسأل الله أن يثبتني وإياكم

الخاتمة : ………………….