تعليق الشيخ زيد البحريّ على كثرة خروج الفتاوى في هذه الأيّام والمخالِفة لِلنُّصوص الشَّرعِيَّة الواضحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مِثل هذه الأيّام انتشرَت فَتاوَى غريبةٌ ، وبِها مِن المخالَفات الشَّرعِيَّة ما هو واضح لِكُلِّ مُسلِم فَضلًا عن كُلِّ عالِم
وَهُنا مِن باب بَيان الحَقّ والحِرص على أن يُحْمَى هذا الدِّين مِن تلك الفَتاوَى التي تنوَّعَت وأصبحَت مِعوَلَ هَدمٍ لِأساسِيّاتٍ ومُسَلَّماتٍ في دِين الله عزّ وجلّ
أُذَكِّرُ هؤلاء -مَن يُفتي بِهذه الفَتاوَى- أن يَتَّقِيَ اللهَ عزّ وجلّ
▪وحديثي عن هذا الأَمْر مِن جانِبَين :
– مِن جانِب مَن يُفتِي بِهذه الفتاوى :
فنقول له اتَّقِ اللهَ عزّ وجلّ ، واتَّقِ اللهَ في دِين الله
فَإنَّكَ مسؤول عمّا تقول
وإذا أَرَدتَ أن تُفتِيَ لِلنّاس فَعَلَيك بِالفَتوَى المَبنِيَّة على الدّليل الشَّرعِيّ ، لا عَلَىٰ ما يَطلُبُه الناس ولا عَلَىٰ ما تَرغَبُ بِه الأهواء
فَالله عزّ وجلّ يقول { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } الأعراف(33)
قَرَنَها مع هذه المُحَرَّمات { وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } بل قَرَنَها مع الشِّرك بِالله عزّ وجلّ -نسأل اللهَ السلامةَ والعافية – مِمّا يَدُلّ على عظيم القَول على الله عزّ وجلّ بِلا عِلْم .
وَاللهُ جلّ وعلا يقول { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} سورة النَّحل
والنُّصوص في مِثل هذا واضحة وظاهِرة.
فنسأل الله أن يَهدِيَ الجميع وأن يَرزُقَنا وإيّاهم العِلْمَ النَّافعَ والعَمَلَ الصَّالِح – والجانِب الثَّاني : جانِب المُتَلَقِّين :
لِيَعلَموا أنَّنا لا نَتَعَبَّدُ بِقَولِ فُلان أو بِقَولِ فُلان . لا
وإنّما عَلَينا أن نَعْبُدَ اللهَ عزّ وجلّ بما قالَه اللهُ عزّ وجلّ وقالَه رسولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال اللهُ عزّ وجلّ { .. فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ..} ما الثَّمَرَة ؟ { ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
{ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } يَعني : وأحسَنُ عاقِبة
والصحابة -رضي الله عنهم- كان الواحد منهم إذا قَالَ قَولًا أَلزَموه بِالدَّليل على ذلك ؛ حِفاظًا على سُنَّةِ رَسُولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم
فَلَيسَت أيُّ فَتوَى تُقْبَل . لا
ولِذلك لَو أَخَذَ هؤلاء الذين يُفتُونَ بِهذه الفَتاوَى ، وَأَخَذَ المُتَلَقُّون عنهم هذه الفَتاوَى بِحُجَّة أنّ هناك مَن قالَ بِهَا مِن العُلَماء فيما سَبَق ، فَنَقُولُ :
فَنَقُولُ : العالِم له زَلَّة مع بَقاء قَدْرِه ومَكانَتِه ، لِأنّه كان يَجتهدُ مِن أَجْل الحِرص على الدَّليل ، لَكِنّه لَمْ يُوَفَّق إلى الإصابة إلى الْحَقّ
لَكِن في مِثل هذا الزَّمَن الحُجَّةُ قائمةٌ لِأنّ الأدِلّةَ واضحةٌ وأقوال العُلَماء واضحة
ولِذلك ماذا قال سلمان التَّيمِيّ رحمه الله ، قال : لَو أَخَذتَ بِرُخصَةِ كُلِّ عالِمٍ ، اجتَمَعَ فيكَ الشَّرُّ كُلُّه .
ولِذلك قال ابنُ عبدالبَرّ في (جامِع بَيانِ العِلمِ وفَضلِه) لَمّا ذَكَرَ هذا الأَثَر ، قال : هذا إجماع ، لا أَعْلَمُ فيه خِلافًا والحمدُ لله .
ولِذلك قال مَعمَر : لَو أنّ رَجُلًا أَخَذَ بِقَولِ أَهْلِ المدينة في السَّمَاع ( يَعني في الغِناء ) وإتيان النِّساء في أدبارِهِنّ ، وبِقَولِ أَهْلِ مكّة في المُتعَة والصَّرْف ، وبِقَولِ أَهْلِ الكُوفَة في السُّكْرِ كان شَرَّ عِبَادِ الله .
قال إبراهيم بنُ أَدهَم رحمه الله : مَن حَمَلَ شاذَّ العِلْمِ حَمَلَ شَرًّا كبيرًا
ولِذلك قالَ بعضُ السَّلَف : إن أَخَذتَ بِشَرِّ ما في الْحَسَن وبِشَرِّ ما في ابن سِيرِين -مع أنّ هؤلاء عُلَماء أفاضِل- اجتَمَعَ فيك الشَّرُّ كُلُّه
إِذَن ما مِن أَحَدٍ مِن أعْيان الأُمَّة إلَّا لَهُ أقوال وأفعال خَفِيَ عَلَيْهِمْ فيها السُّنَّة ، وهذا باب وَاسِع لا يَغُضّ مِن أقدارِهِم ولا يُسَوِّغ اتِّباعَهُم فيها ، كما قال تعالى { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }
ولِذلك قال مُجاهِد ومالِك وغَيرُهم : لَيسَ أَحَدٌ مِن خَلْقِ الله إلَّا يُؤخَذُ مِن قَولِه ويُترَك إلَّا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
ولِذلك ابنُ عبّاس رضي الله عنهما قال : وَيلٌ لِلأَتْباعِ مِن عَثَرات العالِم .
قيل : كيف ذلك ؟
قال : يقول العالِم شَيْئًا بِرَأيِه ، ثُمّ يَجِدُ مَن هو أَعْلَمُ بِرَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن هذا العالِم ، فَيَترُكُ قَولَهُ ذلك ثُمّ يَتَّبِع عَثَرَة هذا العالِم
ولِذلك الواجبُ على مَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَه ، إذا بَلَغَه قَولٌ ضعيفٌ عن بعضِ الأئمّة ألّا يَحكِيَ هذا القَولَ ، بَل يَسكُت عن ذِكرِه وإن تَيَقَّنَ صِحَّتَه
ولِذلك مَن شَرَحَ الله صَدْرَه إذا بَلَغَه قَولٌ ضعيفٌ عن بعضِ الأئمّة ألّا يَحكِيَ هذا القَولَ حتّى لا يُفسِدَ على الناس
مع العِلم أنّه قد يُفتَرَى على بعض الأئمّة السابِقِين بِأقوال لَمْ تَثبُت عنهم مِن حَيْثُ صِحَّتُها ، لِأنّ كثيرًا مِن المسائل خَرَّجَها بعضُ أتباعِهم مِن الطُّلَّاب على قاعِدة مَتبُوعَة اجتِهادًا مِن هؤلاء الطُّلَّاب
وَمِن ثَمّ فإنّ الأقوالَ في مِثل هذا كثيرةٌ .
لَكِنّني أقولُ في نِهاية هذا الأَمْر :
الحَذَر الحَذَر مِن أن تَرُدَّ شَيْئًا مِن دِينِ الله مِن أَجْل هَواكَ ، أو تَنتَصِر لِمَذهَبٍ أو لِشَيخٍ أو لِأَجْلِ شَهوَةٍ أو هَوى أو لِأَجْل الدُّنيا
احذَر مِن ذلك ، فَالله عزّ وجلّ لَمْ يُوجِب على أَحَدٍ طاعَةَ أَحَدٍ إلَّا طاعةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، هذا هو الواجِبُ عَلَينا فقط
والأَخْذ بِما جاء به عليه الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ .
فالذي يُطاع – إذا أَتَى بِالدّليل – إنَّما يُطاع تَبَعًا لِلرَّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
فنسألُ اللهَ عزّ وجلّ أن يُثَبِّتَنا على الْحَقّ حتّى نَلقاهُ ، وأن يَتَوَلّانا بِحِفظه وبِرِعايَته ، وأن يَحفَظَ عَلَينا دِينَنا .
ونعُوذ بِالله مِن الخُذلان وسُوءِ الخِتام
وَصَلّى الله وسلَّمَ وبارَكَ على نَبِيِّنا محمّد .