تفنيد حجج من أجاز أخذ الشعور في الأضحية

تفنيد حجج من أجاز أخذ الشعور في الأضحية

مشاهدات: 523

تفنيد حجج من أجاز أخذ الشعور في الأضحية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشرته شيئا ))

وفي رواية : (( فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا ))

وفي رواية : (( من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا  يأخذ من شعره ولا من أظفاره ))

هذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي والترمذي  وغيرهم

وهذا الحديث  اختلف العلماء في حكم الأخذ من الشعور ومن الأظافر ومن البشرة يعني من جلد الإنسان لأن بعضا من الناس قد يأخذ  الجلد الزائد على شفتيه أو الجلد الزائد عند عقبه في القدم

فهذا أيضا مما جاء النهي عنه في الحديث

لكن هذه الأشياء ما حكم أخذها ؟

الحنفية يقولون : لا بأس بأخذها يجوزون  أخذها

 

الشافعية يقولون : يستحب عدم الأخذ والأخذ منها مكروه

وأما الحنابلة : فيرون التحريم يعني يحرم أن يأخذ الإنسان إذا أراد أن يضحي يحرم أن يأخذ من شعوره ومن أظفاره ومن بشرته شيئا

وهذا هو الصواب

ما ذهبت إليه الحنابلة هو الصواب ، وهو المفتى به عندنا والمعمول به

والصواب هو ليس لأنه مفتى به عندنا ، وإنما صوابه من حيث ما يأتي :

أولا :

ـــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى قال : ” فلا يأخذ ” والنهي يقتضي التحريم كما هي القاعدة الأصولية إلا إذا أتى صارف يصرفه

لو قالوا : ” إن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه ” أخرجه البخاري ومسلم

لا يعني أن هذا يجيز لأن الشافعية قالوا : إن البعث بالهدي أعظم من التضحية

فنجمع بين الحديثين فنقول : هو كراهة للتنزيه

لكن نحن نقول : يجمع بينهما بطريق آخر :

 هو أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل هذا  فيما يخص الهدي ، هذا هدي وليس بأضحية لم يمتنع عليه الصلاة والسلام لما بعث هديه لم يمتنع من هذه الأشياء

بينما فيما يخص حديث أم مسلمة هو يخص التضحية ففرق بينه وبين حديث عائشة  فيكون هنا الجمع هو الأحسن والأظهر

ولذلك قال الشوكاني وكذلك قال ابن قدامة قال : ” إن حديث أم سلمة أخص من حديث عائشة فإن حديث عائشة عام فيُبنى العام على الخاص ويكون الظاهر كما قال الشوكاني مع من قال بالتحريم

وقال ابن قدامة : ” قولا شبيها بهذا القول “

ولو قيل :

بأن حديث عائشة يرجح على حديث أم سلمة باعتبار أن البخاري لم يذكره في صحيحه

فيقال : ” ليس  كل ما تركه البخاري لا يكون صحيحا فقد أخرج الإمام مسلم أحاديث ولم يخرجها البخاري وهي أحاديث صحيحة

ثم فيما يخص هذا الأمر :

قالوا : إن حديث أم سلمة موقوف على أم سلمة

فنقول : سبحان الله كيف يكون موقوفا وقد قال الصنعاني في سبل السلام أخرجه مسلم من أربعة طرق

ثم كون أم سلمة ترويه موقوفا أيضا روي  مرفوعا ولذلك :

هي رضي الله عنها كانت تفتي بمقتضى هذا الحديث فيظن من سمعها أن هذا القول هو قولها لكن هي أيضا تفتي بناء على هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم

فهي تفتي رضي الله عنها بناء على هذا الحديث

ومعلوم القاعدة في الأصول وفي المصطلح :

” من أنه إذا روى الراوي الحديث مرفوعا وموقوفا أو أتى الحديث من جهة رفع وجهة وقف فإنه لا يتعارض بل يقدم جانب الرفع على جانب الوقف “

ولذلك كونهم يقولون هو موقوف فإنه روى بأحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما روى الطحاوي وروى منها الإمام مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن عبد الرحمن

ولذلك :

قيل لسفيان : قال بعضهم إنه لا يرفعه فقال : لكني أرفعه

فكونه يرفعه يدل على أن الرفع كما هي القاعدة مقدم على الوقف

فهذه هي طرق مرفوعة كلها صحيحة فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة هو الموقوف من حيث الأصل

وأما ما ذكره بعضهم:

 من أن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة أنه كان يبعث بالهدي لمكة وأنه ضحى في تلك السنة

فنقول :

 لا يدخل علينا من هذا الباب فهي أرادت رضي الله عنها أنه لا يحرم عليه ما يحرم على المحرم لكن يستثنى من ذلك ما جاء  في حديث أم سلمة رضي الله عنها

ولذلك :

كان يجامع عليه الصلاة والسلام وكان يفعل سائر المحظورات ما عدا ما ذكر في حديث أم سلمة من تقليم الأظافر وأخذ  الشعور وأخذ  البشرة

ولو قيل :

بأن المتمتع لو أراد التضحية أن له أن يأخذ من شعره للنسك

فنقول :

 هذا هو تابع للنسك فيكون مقدما على حديث أم سلمة فهو أمر مخصوص بالنسك

يعني :

من كان متمتعا وأراد أن يضحي غير الهدي فإنه يمسك من حين ما يدخل العشر لكن إذا أراد أن يأتي بحجة التمتع سيفرغ لا محالة من العمرة ولابد أن يقصر من شعره

فهنا لو قصر من شعره فالتقصير هنا من باب أنها  نسك

ولا يستدل بهذه العلة

ولو قيل :

بأن الأضحية سنة عند الجمهور

فنقول :

هناك من أوجبها كشيخ الإسلام رحمه الله

لكن لو قلنا إنها سنة عند الجمهور فلا يعني أن كون الشيء سنة أن ما كان في ضمنه لا يكون و اجبا هذا ليس بصحيح

ولذلك : في الصلاة لو أن الإنسان صلى سنة الراتبة أو صلاة تطوع ولم يقرأ الفاتحة فإننا نقول قد أثمت لو ترك شيئا من أركان الصلاة في صلاة التطوع

نقول : أثمت

لو قال : إنها من الأصل سنة

نقول :

 إذا أردت أن تأتي بالعبادة فلتأت بها على الوجه المشروع وإلا  لا تصلي من الأساس تطوعا وإلا لا تضحي من الأساس تطوعا

وبالتالي فإنه لا يعني أنها إذا كانت سنة أنه لا يكون المضمون أو ما جاء فيها لا يكون واجبا

ولو قيل :

 بأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

 (( إذا أراد أحدكم والإرادة هنا تقتضي أنه ليس بإلزام ))

إذاً :

تركي للشعر وللأظافر وللبشرة ليس بإلزام

يعني : لو شئت أن آخذها أخذتها

فيقال في مثل هذا الأمر : ليست هذه الصيغة تدل على ما ذكرتم

فالنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود بإسناد حسن ( إذا أراد أحدكم الحج فليتعجل )

يعني : على هذه الصيغة نقول : الحج ليس بواجب هذا ليس بصحيح

إذاً: هذه الصيغة لا تعني أنها تدل على الاستحباب فقد تأتي في سياق  الوجوب

ولذلك :

فالقول الأقرب للأدلة وجمعا بينها والأخذ بالأحاديث وعدم ترك ما جاء في  حديث أم سلمة عند مسلم ، الأصوب  والصحيح أنه يحرم على المسلم إذا أراد أن يضحي يحرم عليه أن يأخذ شيئا من أظفاره أو من شعره أو من بشرته من جلده

ولو قالوا :

إن الجماع جائز لمن أراد التضحية لأنهم يقولون بهذا القول

فنقول :

 الجماع لا علاقة له بهذه الأمور الثلاثة لأن الحديث نص عليها

أما كونكم تقيسون هذه الأشياء الثلاثة على محظورات الإحرام وأن الجماع هو أعظم محظور في الإحرام وأنه يجوز في الضحية إذاً يجوز من كان تحته

هذا خارج عن مسألتنا لأن هذا حج وتلك أضحية

فالمتعين أنه يحرم أخذ شيئا من الشعور ومن البشرة ومن الأظافر إذا أراد أن يضحي

 

لكن لو قال قائل :

ما الحكمة من منع المضحي من أخذ هذه الأشياء الشعر والأظافر والبشرة ؟

الحكمة اختلف العلماء في  مثل هذا الأمر

فبعضهم قال : تشبها بالمحرم

فنحن نقول : هو تشبه بالمحرم لكن في  هذه الأشياء الثلاثة لأنه هناك أشياء لا تحرم عليه كما هي محرمة على المحرم فالمحرم لا يجوز له الطيب ولا لبس المخيط ولا يجوز له الجماع و لا المباشرة لكن نقول :إن كان هذا الوجه أو هذه الحكمة صحيحة فنقول فيما يخص هذه الأشياء الثلاثة

وقال بعضهم : الحكمة أن تبقى هذه الأشياء الثلاثة لعل الله عز وجل يعتقه من النار فيبقى على حالته كما هي دون أن يأخذ شيئا