تفنيد كل حجة من حجج من أجاز تقصيراللحية في هذا الزمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الله يقول { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } وابن عباس رضي الله عنهما قال ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! )
فهذا الدليل من القرآن وهذا الدليل من الأثر يوضح توضيحا شافيا بينا أنه لا عبرة بقول أحد كائن من كان إذا خالف قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم
وهذه المسألة وهي مسألة اللحية ومسألة الأخذ منها ينظر فيها إلى النص القولي والفعلي منه عليه الصلاة والسلام وقبل هذا ننظر إلى أن هذه اللحية هي من سنن المرسلين ، ولذا قال هارون لموسى { لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي } فدل هذا على أنه إذا أخذ بلحيته دل على أنه قد أعفاها وتركها على ما هي عليه وهي سنة من سنن المرسلين بل ثبت في الصحيح أنها من سنن الفطرة يعني لو لم يأت دليل ينص على وجوب إعفاء اللحية لكان مقتضى الفطرة داعيا إلى أن يترك المسلم لحيته على ما هي عليه
نأتي إلى النص القولي منه عليه الصلاة والسلام :
فالنبي ثبت عنه في الصحاح وفي السنن أنه قال ( وفروا اللحى ) وقال ( وفوا اللحى ) كما في رواية أخرى ، وقال ( أعفوا اللحى ) وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام ( أرخوا اللحى ) وفي رواية خامسة قال ( أرجئوا اللحى ) فكل هذه العبارات تدل على الترك والتوفير ، فإذا كانت هذه الروايات كلها تدل على التوفير والإبقاء فإنه لا يمكن أن يقال بحال من الأحوال أنه متى ما أبقى الأصل أنه يكون موفرا وموفيا ومعفيا للحيته
تصور لو أنه قصرها بالماكينة برقم واحد هذا يسمى حلقا أم يسمى تقصيرا ؟ يسمى تقصيرا ، فإذا نظرنا إلى هذه الحال من أنه قصر بالماكينة برقم واحد لا يمكن أن يقول قائل ولا يمكن أن يثبت عاقل من أن هذا موفر للحيته على مقتضى ما جاءت به الأدلة الأخرى
ثم نحن ننظر إلى أن الأمر بتوفير اللحى أتت معه جملة أخرى وهي ( أنهكوا الشوارب ) وفي رواية ( جزوا الشوارب ) وفي رواية ( أحفوا الشوارب )
فهذه الجملة جمعت مع الجملة الأخرى التي أمرت بالتوفير فدل على أن شأن الشارب أنه يؤخذ منه وأن شأن اللحية أن ترك على ما هي عليه
ثم لو نظرنا إلى وجه آخر وهو أن النص الفعلي منه عليه الصلاة والسلام بين هذا التوفير هذا الإعفاء ، هو عليه الصلاة والسلام كما جاء عند البخاري ( كان كثير اللحية ) ، وفي رواية ( كان عظيم اللحية ) وفي رواية ( كان كث اللحية )
ففعله عليه الصلاة والسلام يبين ما صدر منه عليه الصلاة والسلام من قول ثم إنه لا يمكن أن يقال من أن الصحابة اختلفوا في مقياس وفي ضابط التقصير من الشوارب لا يمكن أن يقال هذا يقاس على اللحية أو أن اللحية تقاس عليه بمعنى أنه كما أن الأمر ورد بترك اللحى للإنسان أن يأخذ منها ما يشاء كما أن له أن يأخذ من شاربه ما شاء قل أم كثر لا يمكن أن يقال بهذا ، لماذا ؟ لأن الشارب وردت فيه روايات : ( أنهكوا ) ( أحفوا ) ( جزوا ) وفي رواية قال ( قصوا )
فجعل الأمر إلينا جعل الأمر إلينا مخيرا في قضية الشارب إما أن نقص ولو ما تيسر ، وإما أن نجز أو أن ننهك وأن نبالغ في ذلك فهذا أمر الشارب ، لكن اللحية لم يرد فيها قص كل الأدلة والروايات التي أتت (وفروا ) ( وفوا ) ( أرخوا ) يعني اتركوا ، و( أرجئوا ) كل هذه تدل على التوفير والإبقاء يعني إبقاء اللحية على ما هي عليه ؛ لأن العبرة إنما هي بقول النبي عليه الصلاة والسلام لا بقول زيد ولا بقول عبيد ولا بقول فلان ولا بقول علان ، هؤلاء مشاهير أو علماء أو طلاب علم أو دعاة إنما هم لحم وعظم لا ينظر لهذا باعتبار ذاته وإنما ينظر إليه مما صدر منه مما يوافق الشرع فإن كان موافقا للشرع فيقبل وإن كان مخالفا للشرع فيرفض
نأتي إلى قضية ابن عمر رضي الله عنهما ثبت عند البخاري ( أنه إذا كان في نسك حج أو عمرة مسك بلحيته بقبضته وأخذ ما زاد منها )
هذا اجتهاد منه رضي الله عنه هذا اجتهاد منه ولا يخالف اجتهاده ما جاء به النص القولي والفعلي منه عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه لو قيل إن ابن عمررضي الله عنهما لم ينكر عليه نقول إذن ابن عمر له اجتهادات أخرى من بينها أنه كان يغسل عينيه من الجنابة ، فلم ينقل أنه أنكر عليه هل يقال إن غسل عينيه إذا اغتسل للجنابة أن فعله صواب ؟ ليس بصواب ، خالف النص اجتهد وهو مأجور في اجتهاده إن أصاب فله أأجران وإن أخطأ فله أجر واحد .
كان ابن عمر يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم فإذا مر رضي الله عنهما بموطن مر به النبي صلى الله عليه وسلم وقف فيه وفعل مثل ما فعل عليه الصلاة والسلام ، هذا اجتهاد منه فنحن كما أسلفنا قول ابن عباس رضي الله عنهما ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! )
ثم إن ابن عمر ولو كان راويا للحديث فالعبرة كما هي القاعدة عند أهل العلم العبرة بما روى الرواي لا بما رآه ، لم ؟ لأن ابن عمر رضي الله عنهما لم يرو حديث إعفاء اللحية وحده
روى هذا الحديث أبو أمامة في مسند الإمام أحمد وسنن البيهقي بإسناد حسن ، ومع ذلك لم يؤثر عنه رضي الله عنه أنه أخذ شيئا من لحيته
ثم هناك حديث إضافة إلى ما سبق وهي أدلة شافية هناك حديث يفصل في الموضوع ، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقصير الشوارب وبإعفاء اللحى من أجل أن يخالف أهل الكتاب ، وفي رواية ( خالفوا المجوس ) وفي رواية ( خالفوا الأعاجم )
إذن لو سألنا هؤلاء الذين يحرمون هم يحرمون حلق اللحية لكنهم يجيزون الأخذ منها لو سألناهم لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حلق اللحى لقالوا إن في ذلك تشبها بالأعاجم أو باليهود ، نقول أيضا ورد النص في مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خالفوا اليهود يوفرون سبالاتهم ويقصون عثانينهم )
(يوفرون سبالاتهم ) يعني الشوارب يوفرونها ( ويقصون عثانينهم ) جاء النص بالقص فأمر عليه الصلاة والسلام بمخالفتهم ، فدل على أن هؤلاء الذين هم المشركون من أهل الكتاب ومن الأعاجم منهم من يحلق ومنهم من يقصر فنهانا الشرع من أن نتشبه بهؤلاء لا بحلق ولا بتقصير
ثم إنه مما يلحظ أن من يأخذ من لحيته ونحن لا نقول هي الفيصل ، لا ، لكن من الواجبات إعفاء اللحية من الواجبات الشرعية ولا يجوز الأخذ منها كما يجب عليك أن تكرم ضيفك أن تكرم جارك أن تصل رحمك كذلك يجب عليك أن تعفي لحيتك وأن تتركها على ما هي عليه
وليس معنى ذلك أنها هي الفيصل وأنها هي الفارقة بين المسلم والكافر ، لا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري لما أوتي برجل يشرب الخمر فلعنه بعض الصحابة فقال ( لا تلعنه أما علمت أنه يحب الله ورسوله )
فقد يفعل المنكر ولكن قلبه مليء بمحبة الله
لكن لا يعني هذا أن هذا الأمر يجوز سواء قال به فلان أو علان ثم نحن لو نظرنا إلى علمائنا السابقين ممن رحلوا عن هذه الدنيا أمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين لا يرون هذا
هذا أمر أبرز في هذا العصر ولو نظرنا إلى آراء علمائنا في هذا العصر الذين هم أحياء لوجدنا أن رأيهم أنه لا يجوز أخذ شيء من اللحية فليتق العبد ربه ولا ينظر إلى فتوى فلان أو فلان لأن بعض الفتاوى قد تصادف هوى وشهوة في قلب الإنسان ، ولذلك من يأخذ شيئا من لحيته يستمر به الحال إلى أن يأخذ منها شيئا فشيئا ونحن رأينا أمثال هؤلاء حتى حلقوها ثم أتت الثياب فأأسبلوها ثم رأينا التقصير في واجبات أخرى من التأخر عن الصلاة وما شابه ذلك ، فالمسلم عليه أن يحذر وليعلم أنه سيقابل رب العالمين ثم يا أخي لو لم يرد دليل يأمر بذلك لكان مقتضى فعله عليه الصلاة والسلام بإعفاء لحيته وبتركه عليه الصلاة والسلام لها على ما هي عليه هو الخير كله
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق .