الخطبة الثالثة
( أخطاء الصيام )(3 )
( أما بعد : فيا عباد الله )
ما زلنا في ذكر الأخطاء المتعلقة بالصيام
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس لا ينام هو وزوجته على فراش واحد أو على سرير واحد في الصيام .
وهذا إن كان يظن أنه عبادة فإنه ليس بصحيح ، وإما إن كان يخشى على نفسه من أن يواقعها فهذا أمر صحيح ومحمود ، لكن إن كان مجرد اعتبار هذا عبادة فليس بصحيح ، لم ؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم ( كان يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم )
فيجوز لك أثناء الصيام أن تقبل زوجتك وأن تضمها وأن تلامس بشرتك بشرتها ولو من غير حائل ولو من غير ثوب شريطة أن تأمن على نفسك أن تقع في محظور الجماع أو إنزال المني ، وإن كانت مجرد قبلة ، لمسة ، ضمة فلا إشكال في ذلك ، فكيف يتورع عن النوم مع الزوجة على الفراش لظنه أنه عبادة ؟
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يظن أن المني بمجرد خروجه يفسد الصوم ، يقول استيقظت من النوم فاحتلمت ، لا إشكال في ذلك ، ما وقع فيه الإنسان من مفطر من غير اختياره فلا يضر ، ولا يفسد صومه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن :
( رفع القلم عن ثلاثة ) ذكر منهم ( النائم حتى يستيقظ )
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )
إذاً / إذا وقعت في مفطر من غير اختيار فلا إشكال في ذلك .
لو أنك تمضمضت فنزل إلى جوفك ماء ، أنت لم تتعمد أن ينزل هذا الماء إلى جوفك ، فصيامك صحيح .
استنشقت فنزل الماء إلى جوفك ، فصيامك صحيح لأنه من غير اختيار ، استيقظت من النوم فوجدت منيا فصيامك صحيح لأنك نائم وهذا واقع من غير اختيارك ، عثرتَ في طريق وتصببت منك الدماء الكثيرة جدا وأنت صائم فصيامك صحيح لأنك لم تتعمد أن تفسد هذا الصوم
فهذا هو الضابط في هذا الأمر .
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يظن أن المذي يفطر ، ولذلك بعضهم لما يقبِّل زوجته يمذي فإن صومه صحيح ، بخلاف المني إذا نزل باختيار الإنسان بقبلة أو ضمة أو استمناء فإن الصوم يفسد ، أما المذي فلا .
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يظن أن كل ما دخل البدن يكون مفسدا للصوم ، وهذا خطأ ليس كل ما دخل في بدنك يكون مفطرا ، وقاعدة هذا الباب /
لتعلم أنه لا يكون الشيء داخلا في البدن فيكون مؤثرا على صومك إلا إذا دخل عن طريق الفم وعن طريق الأنف ويصل إلى الجوف “
بعض الناس يظن أنه بمجرد وصول الشيء إلى الفم أنه مفطر – هذا غير صحيح – ألسنا نتوضأ ؟ بلى ، ألسنا نتمضمض ؟ بلى ، ومع ذلك لا يفسد الصوم إلا إذا وصل إلى الجوف .
إذاً كل ما دخل في بدنك في ثنايا الصيام فإنه لا يكون مفطرا إلا عن طريق الفم والأنف ولابد أن يصل إلى الجوف .
لو سأل سائل فقال ما حكم قطرة العين ؟
الجواب / لا تفطر لأنها لم تدخل لا عن طريق الفم ولا عن طريق الأنف .
ما حكم قطرة الأذن ؟
ليست مفطرة ، ولو وجد طعمها في حلقه لأنها لم تدخل من الطريق الشرعي في تفطير الصائم ، ما هو الطريق الشرعي في تفطير الصائم ؟ ” الفم والأنف “
ما حكم قطرة الأنف ؟
الجواب / أنها تؤثر على الصوم إذا وصلت إلى الجوف ، لكن لو كانت في محيط الأنف فقط ولم تنزل فلا إشكال في ذلك لكن من المعلوم أن نزولها يغلب على الظن أنه ينزل فليتوقاها المسلم لكن لو أن إنسانا قطَّر ثم بعد ذلك أنزل رأسه حتى لا ينزل فلا إشكال في ذلك ، لم ؟ لأنها بمثابة الماء الذي تستنشقه ، لكن إن نزلت إلى الجوف هنا دخلت عن طريق الأنف وهو مدخل من مداخل الطعام والشراب ووصلت إلى الجوف
ما حكم معطر الفم الذي يوجد في الصيدلية ؟
لا إشكال في ذلك ، ولكن لا يبتلعه .
ما حكم معجون الأسنان ؟
لا إشكال في ذلك ، ولكن لا يبتلعه .
شخص يريد أن يخلع ضرسه ؟
لا إشكال في ذلك .
شخص آلمه ضرسه فوضع عليه ما يسمى بالعويدي ؟
فلا إشكال في ذلك ، لأنه لازال في محيط الفم .
ألم يقل الفقهاء : لا بأس للمرأة أن تتذوق الطعام ، ولكن لا تبلعه ، تضع الطعام على لسانها ، لم ؟
لأنها ما زال في محيط الفم .
لو قال قائل / ما حكم بخاخ الربو ؟
لا بأس به ، لكن إن تنوعت كما في مثل هذه السنوات ، وكانت بمثابة الأجرام فإنه تكون مؤثرة ، فبعضها حبيبات ، لكن ينظر إلى أهل الطب في هذا هل إذا استنشقها عن طريق الفم أو الأنف تتحول إلى هواء إلى الرئة أم أنها تذهب إلى الجوف على أنها أجرام ، إن ذهبت على أنها أجرام وبقيت على حالها فهذه مؤثرة وليستبدلها المسلم ببخاخ آخر ، لكن إن كانت حبيبات لكن لما تستنشق إذا بها هواء فلا إشكال في ذلك .
ما حكم الأكسوجين ؟
لا إشكال في ذلك لأنه مجرد هواء يصل إلى الرئة .
إذاً / لابد أن يدخل المطعوم أو المشروب إلى الفم والأنف ويصل إلى الجوف .
لكن ما كان من غير الفم والأنف فلا يؤثر إلا هذه الأشياء التي سأذكرها :
أولا : ” الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام والشراب “
لأنها تقوم مقام الأكل والشرب ، ولذلك لو بقي المريض سنة أو سنتين عليها عاش ، وهذا مشاهد وواقع .
فالإبر المغذية مؤثرة مع أنها لم تدخل لا عن طريق الفم ولا الأنف ، لم ؟
لأنه يستغنى بها عن الطعام والشراب .
ثانيا : ” الدم “ إنسان احتاج إلى أن يحقن بدم وهو صائم فتُبرع له بالدم فحقن به فهذا يؤثر لأن الدم هو أصل الغذاء .
ثالثا : ” إنسان به مرض الكلى ويغسِّل ”
فهذا يؤثر لأنهم يدخلون مع الدم محلولات وما شابه ذلك .
إذاً / ما عدا هذه الأشياء فلا تؤثر .
” إبرة السكر “ لا تؤثر .”
” إبرة فيتامينات “ لا تؤثر .
” أدخل منظار في فتحة الشرج ” لا يؤثر .
” أدخل منظار في فرج المرأة ” لا يؤثر .
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يظن أنه بمجرد أن يخرج الطعام من معدته أنه قد أفطر – وهذا خطأ – فما خرج من غير استدعاء منك فلا يؤثر ، المفسد للصوم من التقيؤ إذا تعمدت إخراجه ، أما إذا لم تتعمد فلا إشكال ، يعني أنا صائم واستفرغت فلا إشكال في هذا ليس باختياري ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في المسند، وسنن أبي داود وغيره قال :
( من ذرعه القيء ـ يعني غلبه القيء ـ فلا قضاء عليه ، ومن استقاء عمدا فليقض )
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يظن أنه بمجرد نزول الدم منه يؤثر ، ونزول الدم من الصائم مؤثر مبني على مسألة وهي ” الحجامة ” قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :
( أفطر الحاجم والمحجوم )
والصواب أن الحجامة مفطرة ، وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله في تهذيب سنن أبي داود في أكثر من عشرين صفحة أنها مفطرة وردَّ على من قال بعدم التفطير .
خلاصة القول / أن خروج الدم مبني على الحجامة ، وبالتالي لو أنه تبرع بالدم يؤثر ، لو أُخرج منه دم باختياره يؤثر ، أما اليسير فلا يؤثر مثل تحليل برواز بمقدار الأصبع فهذا لا يؤثر في صومه .
وكما أسلفت لكم ليس هو مجرد خروج الدم من غير اختيار الإنسان مؤثر، يعني إنسان أرعف ، والدماء كثرت ، هل هو يريد إخراج هذا الدم ؟
الجواب / لا ، إذن صومه صحيح .
حتى لو قلنا إنه نظف أنفه هو الآن متعمد أن ينظف الأنف فلما نظف أنفه نزل معه هذ الدم الذي هو الرعاف أيفسد صومه ؟ لا ، لأنك لو سألته أتريد أن تفسد صومك بإخراج الدم ؟ قال لا ، أريد أن أخرجه لكن أردت أن أنظف أنفي فخرج هذا الرعاف، إذن هذا غير مؤثر في الصوم، فلابد أن تكون مختارا في هذا الباب ، إما إذا كنت مكرها أو غير قاصد فإنه لا إثم عليك ، ولذلك قال الله عز وجل :
{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }البقرة286
قال الله عز وجل كما عند مسلم في الحديث القدسي :
( قد فعلت ) وفي رواية قال ( نعم )
(و من الأخطاء في الصيام )
التي يتوارثها الناس جيل بعد جيل أنهم يقولون :
إن لك إذا سمعت أذان الفجر لك أن تشرب حتى يفرغ المؤذن، وقال بعضهم حتى يفرغ جميع المؤذنين – سبحان الله !
النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين :
( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )
فمجرد ما تسمع الأذان تقف عن الأكل والشرب ، إذا كان هذا المؤذن حريصا في إصابة الوقت ، أما إذا كان مستعجلا فهذا فيه جناية ، وهذا خطأ أيضا ، لأن بعض الناس يحرم، ففي أحد الأيام أردتُ أشرب ماء فإذا بأحد المؤذنين قد أذّن قبل أذان الفجر بدقيقتين ، فإذا سمع بعض الناس هذا الأذان يقف عن الشرب ، فهذا فيه جناية .
ولذلك بعض المؤذنين يقول لما أتقدم ورع
نقول : هذا تنطع ، وفيه حرمان لعباد الله من أن يأكلوا أو يشربوا ،ولذلك لو سمع هذا المؤذن شخص آخر لتوقف
ولذا قال صلى الله عليه وسلم :
( أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون )
فهم أمناء ، ولذا يجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل .
إذاً بمجرد ما تسمع المؤذن هنا تقف عن الأكل والشرب إلا في حالة واحدة أجازها الشرع كما جاء عند أبي داود :
لو أنني رفعت الكأس من أجل أن أشرب ففي أثناء الرفع وهو في يدي أذن المؤذن فلي أن أشرب ، لكن لو كان الكأس على الأرض ثم لما أذن المؤذن رفعته نقول لا تشرب .
قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :
( إذا أذَّن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي منه حاجته )
لأنه لما رفعه تعلقت نفسه به فأباح له الشرع أن يشرب.
(و من الأخطاء في الصيام )
عند الإفطار أذَّن مؤذن آخر ، نقول له أفطر ، يقول لا ، لم ؟
لأنه لم يؤذن مؤذن مسجدنا ، لو أن مؤذن مسجدك مات أو تأخر تبقى هكذا ؟!
بمجرد ما يؤذن أي مؤذن أفطر ، ولتعلموا أنه ليس المقصود هو الأذان – لا – ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح قال :
( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم )
بعض الناس يقول : أنا مسافر ولا أدري أفطر على أي أذان ؟
نقول : لا على هذا ولا على هذا ، أنت الآن في بر فإذا رأيت الشمس غربت فأفطر .
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله /
(و من الأخطاء في الصيام )
أننا نتناول وجبة السحور لكننا نغفل عن أمور ، وهذه الأمور إذا غفلنا عنها فاتتنا أجور ، حينما نتسحر لنستحضر ما يلي :
أولا / أن السحور عبادة تتقرب بها إلى الله عز وجل ، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( تسحروا فإن في السحور بركة )
ثانيا /
استحضر أن هذه الوجبة التي تتناولها تعينك على طاعة وهي طاعة الصيام حتى تؤجر ، فالأكل وإن كان مباحاً فإن صاحبه يؤجر عليه ، فكيف إذا كانت وجبة سحور ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما عند النسائي :
( هلموا إلى الغداء المبارك )
ثالثا /
استحضر أنك تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه ( أنهم تسحروا معه صلى الله عليه وسلم )
رابعا /
استحضر أنك تخالف أهل الكتاب ،فأهل الكتاب يصومون ولكنهم لا يتسحرون ، قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :
( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )
ما المانع أن نستحضر هذه الأمور الأربعة حتى نؤجر ، وليست فيها صعوبة لأن مردها إلى القلب .
(و من الأخطاء في الصيام )
أن بعضا من الناس يأكل في منتصف الليل ويستغني بها عن وجبة السحور ، والسحور تأخيره أفضل لكن لا يلزم أن يكون قبيل الفجر – لا – أهم شيء أن يكون في السحر ، والأفضل تأخيره .
لو قال قائل / أنا جائع وسآكل في منتصف الليل ؟
نقول / إذا كنت جائعا فكل ، ولكن لا تترك وجبة السحور ، لأن بعضهم ينام ويقول لا توقظوني إلا إذا أذَّن الفجر ، نقول / قم ولو أن تأكل تمرات ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي :
( نِعم سحور المؤمن التمر )
لا تريد تمرا ” اشرب ماءً “
عند أبي يعلى قال صلى الله عليه وسلم :
( تسحروا ولو بجرعات من ماء )
لكن لا تترك هذه العبادة وهذه الوجبة المباركة .
الخاتمة : ………………….