( أخطاء الصيام )4
الاعتكاف وليلة القدر
( أما بعد : فيا عباد الله )
فيما مضى من خطب سابقة في هذا الشهر المبارك ذكرنا أخطاء تتعلق بالصيام ، وأعرض في هذا اليوم على مسامعكم ما نستحضره من أخطاء تقع في هذه العشر المباركة مع ما فيها من العبادات كالاعتكاف وليلة القدر
( من الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أن الاعتكاف صعب وعنت ومشقة ، ولا شك أن أي عبادة تحتاج إلى جهد في أول أمرها – ولاسيما الاعتكاف – لأن حرف ” التاء ” كما قال العلماء في الاعتكاف يدل على ” المعالجة والمجاهدة ” لكن إذا تربى الإنسان عليه حرص عليه ، بل لو تركه في السنوات المقبلة فإنه يجد فراغا في نفسه ، ولذلك جاء في الحديث الحسن عند ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم :
( الخير عادة )
( من الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يسميه ( خلوة ) وهذا خطأ ، الاعتكاف ليس بخلوة ، ولذا ذكر بعض العلماء أن تسميته بخلوة محرم ، وقال بعضهم مكروه ، واستظهر ذلك ابن مفلح رحمه الله في كتابه ” الفروع ” فقال : إنه مكروه لأنه لفظ لم يرد به الشرع ، إنما الشرع سمَّى الاعتكاف ” مجاورة ولم يسمه خلوة ” ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :
( إني جاورت هذه العشر )
ولم يسمه خلوة .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه بمجيئه للمسجد أنه يكون معتكفا ، بل ينوي بعضهم هذا ، وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لم يكن من عادة الصحابة رضي الله عنهم أنهم كلما أتوا إلى المسجد نووا الاعتكاف ، فلم يكن هذا فعلا لهم رضي الله عنهم .
بل إن الاعتكاف هو : لزوم مسجد طاعة لله عز وجل ، أما كلما أتى إلى المسجد لصلاة أو لقراءة نوى الاعتكاف ، فإن هذا لم يرد عن السلف رحمهم الله عز وجل .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه لابد أن يعتكف العشر كلها ، وهذا ليس بصواب ، لو اعتكفت ليلة واحدة من أذان المغرب إلى أذان الفجر ، لو اعتكفت يوما من أذان الفجر إلى أذان المغرب فجائز ، وكلما زدت فهو خير وأطيب ، لكن لا تحرم نفسك أن تعتكف في هذه العشر ولو ما تيسر ، لكن الاعتكاف ساعة أو ساعتين هذا ليس باعتكاف ، ولذلك الأظهر أن أقل الاعتكاف إما ليلة وإما يوم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لما نذر أن يعتكف ليلة ) كما في الصحيحين أقره ، فلو كان الاعتكاف لا يكفي بليلة ما أقره صلى الله عليه وسلم بوفاء النظر .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس – وهذا نلمسه في سؤال الناس – أن المرأة لا يسن لها الاعتكاف – وهذا زعم خاطئ – فنساء النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن معه ، لكن إذا أمنت الفتنة ، ولذلك لو أن المرأة أتت والمصليات موجودة في المساجد وهي آمنة وأتت من المغرب إلى الفجر فهذا يعد اعتكافا لها ، لأنه يمكن أن يكون الأيسر للنساء في هذه العشر أن يكون بالليل للمحافظة على أمورها المنزلية .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أن الاعتكاف ليس مشروعا إلا في هذه الأمة ” وليس بصحيح ، فهو مشروع في الأمم السابقة ، ولذلك في زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ماذا قال عز وجل ؟
{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }البقرة125
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعض الموظفين لما لم يكن لديه عمل أو إذا لم يكن لديه عمل ، كأن يكون مثلا ممن يستلم يوما أو يومين ، يعتكف في المصلى الذي في الدائرة الحكومية أو في الدائرة العسكرية ، والمصليات ليست بمساجد ، ولا تثبت لها أحكام المساجد ، لأنه لا يصلى فيها إلا بعض الفروض ، وبالتالي فإنها لا تعد مسجدا .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه لابد أن يعتكف في جامع ، وهذا ليس بصحيح ، لو اعتكفت في مسجد فروض وخرجت إلى صلاة الجمعة في جامع فلا حرج ولا إشكال ، لكن الأفضل أن تعتكف في مسجد جامع ، والأفضل أن تعتكف في أحد المساجد الثلاثة كما جاء بذلك النص من حديث عائشة رضي الله عنها ( المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الحرام )
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أن الاعتكاف للمؤانسة والمسامرة ومجاذبة أطراف الحديث مع الزملاء أو أنه يغلب وقته على هذا ، وهذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لا بأس أن يتكلم الإنسان بما تيسر مع صاحبه أو مع من يزوره كما ( فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه صفية ) كما في الصحيحين ، فلا بأس بذلك ، لكن لا يكثر ، ولذلك يبدو أن ما يُرى من ظاهرة الاعتكاف مع جملة من الزملاء والاستئناس بهم في المطعم وفي المشرب وفي الكلام ، هذه الظاهرة ليست وليدة هذا العصر ، ولذا قال ابن القيم رحمه الله :
” فأما ما يصنعه بعض المعتكفين من المسامرة والمؤانسة ومجاذبة أطراف الحديث فهذا لون من الاعتكاف ، يخالف لون الاعتكاف النبوي ، والله الموفق “
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أن الصغار لا يحق لهم الاعتكاف “
هذا خطأ ، إذا كان مميزا بلغ سبع سنين فله أن يعتكف إذا لم يكن منه اشغال للآخرين ، فالمميز تصح منه عبادة الاعتكاف ، أما ما دون التمييز فلا .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
وهذا من باب التنبيه ” ألا يكون عليه غسل واجب “
لأن الجنب لو اعتكف لا يحق له أن يمكث في المسجد إلا إذا توضأ ، ثم إن الاعتكاف المقصود منه هو التقرب إلى الله عز وجل بالصلاة وبقراءة القرآن فكيف يعتكف من هو جنب ؟!
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يشترط أن يخرج وأن يذهب “
وهذا خطأ ، والاشتراط ليس عليه دليل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما هو قياس على الاشتراط في الحج ، ولذا على المسلم أنه إذا اعتكاف يعتكف ولا يشترط إلا عند الحاجة الملحة .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يخرج من المسجد لسنة “
وهذا خطأ ، بعض الناس يقول ” أجدد الوضوء ” نقول هذا ليس بواجب أو بضروري شرعا .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه لو اضطر إلى الخروج أنه لا يخرج ، أو أن اعتكافه ينقطع “
هذا ليس بصحيح ، تصور لو أن الإنسان مرض واضطر إلى الخروج لكي يتعالج فإنه لو ذهب إلى المستشفى ثم رجع فإن اعتكافه لا ينقطع لأن هذا ” مما لابد منه حسا “
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه لو اعتكف يوما أو يومين أو ثلاثة أيام وقد نوى أكثر من ذلك قال لو قطعت اعتكافي ذهب أجري في الأيام الماضية .
هذا خطأ ، تصور لو أنني أردت أن أعتكف العشر كلها واعتكفت يوما أو ليلة ثم بدا لي أن أخرج ، لي أن أخرج ، لأن الاعتكاف لا يجب إلا بالنذر ، وإذا خرجتُ اعتكافي في تلك الليلة أو في ذلك اليوم لا يذهب وإنما يبقى ، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس ربما يخرج من الاعتكاف لبيته من أجل أن يأتي بالأكل فربما يصادف زوجته فيحصل منه تقبيل أو مباشرة أو ما شابه ذلك وهذا مما ينقص الاعتكاف ، لكن لو حصل جماع أو مباشرة فأنزل منياً فإنه في مثل هذه الحال يبطل اعتكافه .
وهنا تنبيه / الاعتكاف لو كان نافلة فقطعته عمداً فلا تأثم ، لكن ينبغي للمسلم إذا دخل في عبادة ألا يدعها وإنما يحرص على أن يتمها .
( ومن الأخطاء في الاعتكاف )
أن بعضا من الناس يظن أنه لو أغمي علي إغماءً أن اعتكافه يبطل “
وهذا ليس بصحيح ، الإغماء لا يبطل الاعتكاف إنما الذي يبطل الاعتكاف ” الردة ” نسأل الله السلامة والعافية ، وكما ذكر الفقهاء ” السُّكر ” ولا شك أن الإنسان بعيد أن يسكر في الاعتكاف ، ولكن هذا من باب الأمثلة ، لأنه قد يقع في كل ألف سنة مرة واحدة ، بعض الناس يعيب على بعض الفقهاء أنهم يذكرون بعض المسائل ، ليس هذا بعيب ، لأنه ربما يقع ، قد يضل الله عز وجل إنسانا عابدا معتكفا – نسأل الله السلامة – قد يضله الله ويشرب مسكرا {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }آل عمران8
( ومن الأخطاء في العشر )
أن بعضا من الناس يظن أن آخر جمعة من رمضان لها مزية “
أنا تكلمت في الجمع السالفة أنه لا فضل لا لأول جمعة من رمضان ، ولا لخمس جمع تقع في رمضان ، وأقول الآن ولا لآخر جمعة من رمضان ، فهذا كله من البدع ، لا شك أن الجمعة لها فضل ، لكن كون آخر جمعة من رمضان لها مزية ثم نأتي بعبادات وبأذكار فهذا من البدع ، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
مردود على صاحبه .
ولذا أتى بعض الناس وقال دخلت العشر انو العشر ، قال اللهم إني نويت أن أتعبد لك في هذه العشر “
ومعلوم أن النية محلها القلب وأن إظهارها جهرا أو سرا من البدع ، وهذا ما عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ، والله جل وعلا عالم مطلع على ما في قلبك ، فلا يحتاج مثل هذا .
بعض الناس يقول ” لماذا تشددون ؟ هذا خير !
سبحان الله ، إذاً أول جمعة من رمضان أذكار معينة ، وربما أزيد وأقول قل هذه الأذكار عددا من المرات ولك ذلك الأجر ، وإذا أتت ليلة القدر أقول قل هذا الدعاء ، وفي آخر جمعة قل هذا الدعاء ، وفي أول شهر ذي الحجة ، وفي عاشوراء ، وفي يوم عرفة ، في كذا في كذا ، ثم أين دين الله ؟
يضيع مع البدع ، فالبدع خطرها عظيم ، ولذلك دخلت الطوائف الضالة من الرافضة والصوفية في هذا الباب فشككوا أبناء المسلمين وبنات المسلمين في دين الله عز وجل ، مع ضعف طلب العلم الشرعي وللأسف من المسلمين في هذا العصر .
أهل البدع يخططون ونحن نائمون ، أو نحن عبثيون ، أو نحن متسلطون يتسلط بعضنا على بعض ، كيف ؟
أتت رسالة طبية بها ملامح شرعية كما يقولون .
يقولون قل ” اسم الله العظيم ثلاثمائة وخمسين مرة من أجل الغدة الفلانية ، فإنها تعمل عملا طيبا “
قل اسم الله الرحمن على ذلك العضو كذا مرة “
فهذا من البدع ، ولذلك بعضهم أدرج بعض الأسماء لله وهي لم تثبت لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما فعل هذا إلا أصحاب الطوائف الضالة ، وللأسف نحن نرسل كل ما أتانا ” نسخ ولصق وإرسال ” ويبوء الإنسان بالإثم .
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله /
( ومن الأخطاء في العشر )
أن بعضا من الناس أنكر أن لليلة القدر علامات سابقة “
وهذا الإنكار لا ينبغي أن يشاع ويذاع ، لم ؟
لأن الأئمة رحمهم الله تكلموا في هذا الباب وذكروا الأحاديث في المسند وفي غيره فليرجع إليها .
لكن من بين العلامات التي يظن بعض الناس أنها علامة لليلة القدر أنهم يقولون : ” يقل فيها نباح الكلاب ” وهذا ليس بصحيح وليس بوارد .
( ومن الأخطاء في العشر )
أن بعض الناس يظن أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كما في المسند والسنن في ليلة القدر :
( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )
بعضهم يزيد ” كريم ” ( اللهم إنك عفو كريم )
اسم الله ” كريم ” لو قيل لا بأس به ، لكن إن كان يقال على أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ، ولذلك قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة قال : ” وقعت في إحدى النسخ وهي من أخطاء الطابعين والناسخين ، ولذلك لم توجد في النسخ الأخرى وكذلك لم توجد عند النسائي والسند واحد ، ولم تجد عند ابن السني “
فدل هذا على أن هذه الكلمة لم تثبت من حيث الناحية الحديثية العلمية ، ولو قيلت فلا إشكال في ذلك ، والأفضل الاقتصار على ما ورد :
( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )
لكن كون ” كريم ” ثابت في هذا الدعاء ، فإنه لم يثبت في ذلك حديث عنه صلى الله عليه وسلم .
الله جل وعلا يقول :
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }الأعراف180
وقال صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي :
( الدعاء هو العبادة )
فادع الله بما تشاء ، لكن أعطيك قاعدة في قضية الدعاء وفي قضية الذكر /
أي دعاء وأي ذكر لم يأت به الشرع أو أتى به الشرع ولكن حدد له زمن ” قله في رمضان ” أو ” قله في أول كذا ” أو حدد له مكان ” قله عند الكعبة ” أو ” قله عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم ” فإذا حدد دعاء أو ذكر بزمن أو بمكان أو رتَّب عليه هذا القائل أجرا فاعلم بأنه بدعة ، لا نأخذ بأي دعاء ولا بأي ذكر ، وحتى بعض الأدعية ليست سليمة في لفظها فيها ألفاظ شركية ، لماذا لا تقتصر على الوارد ، إذا أتى الشرع وقال ” قل هذا الذكر ” أو هذا الدعاء في ذلك الوقت أو في ذلك المكان ولك من الأجر كذا وكذا ، فعلى العين والرأس ولا خير فينا إن لم نقبل ، لكن إن أتى شخص بكلام مصفصف من عنده وقال قولوا هذا الدعاء ، أنا جربت هذا، مثل ما يقال ” أن جربت في السجود أن أقول سبعين مرة أو أربعين مرة هذا الدعاء فإني كنت عقيما فرزقني الله بالولد وجربه اثنان وثلاثة وأربعة وعشرة – سبحان الله – ربما أن قلبك صادف في تلك اللحظة وقت إجابة وأيضا مكان إجابة وهو السجود فصادفت إجابة من الله عز وجل ، ولا يعني أن في ذكرك خيرا حتى يقال بهذا العدد وينتج منه هذا الأثر – لا – ربما أقول دعاء آخر وأقول جربته ، وأنت تقول جربت هذا الدعاء ، وذاك يقول جربت هذا الدعاء ، أين ما قاله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
والله ما قاله ابن القيم رحمه الله أراه الآن ، قال :
“إن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن “
بعضهم يقول ” هذا دعاء يوم الجمعة ، هذا دعاء الأموات في يوم الجمعة “
لو سألت هذا / هذا قرأت سورة الكهف ؟ هل دعوت لنفسك في ساعة الإجابة ؟
الجواب لديكم .
الخاتمة : ……………..