خطبة البيان الرائع بفهم أهل السنة والجماعة لحديث( أعوذ برضاك من سخطك… وبك منك)

خطبة البيان الرائع بفهم أهل السنة والجماعة لحديث( أعوذ برضاك من سخطك… وبك منك)

مشاهدات: 513

خطبة

البيان الرائع بفهم أهل السنة والجماعة لحديث

( أعوذ برضاك من سخطك… وبك منك)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ:  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في صحيح مسلم دعا النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده بهذا الدعاء: (اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، وكان يقول هذا الدعاء بعد فراغه من الوتر، إذا أراد أن يذهب إلى فراشه (اللهم إني) بزيادة كلمة (إني) (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) في رواية النسائي في السنن الكبري قال في آخره (اللهم لا أستطيع ثناء عليك، ولو حرصت، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك).

لست بصدد ذكر الروايات لهذا الحديث، أو الفوائد الحديثية أو اللغوية، ولكني أريد أن أبين في هذا المقام هذا الحديث بيانا على معتقد أهل السنة والجماعة حتى تعرف عظمة الله، وكمال غناه، وسعة رحمته، وشمول إرادته، وحسن تدبيره، وتصريفه للأمور.

وتعلم شدة فقرك الفقر لملازم لذاتك، وتعلم شدة حاجتك إلى ربك عز وجل، في هذا الحديث فيه استعاذة بصفات الله عز وجل، وهذا يدل على ماذا؟ كما قال ابن القيم في شفاء العليل، يدل على أنه كما يجوز أن تستعيذ بالله كأن تقول أعوذ بالله يجوز أن تستعيذ بصفة من صفات الله، ويجوز أن تستغيث بصفة من صفات الله، كما أنك تستغيث بالله تقول أستغيث بالله، ويجوز أن تقول أستغيث برحمة الله، نعم، في الحديث في الدعاء (برحمتك أستغيث)، في الحديث الآخر (أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، نحن نقولها باستمرار، استعاذة بكلمات الله، وهي صفة من صفاته عز وجل.

في هذا الحديث ذكر لصفات من صفات الله، والله جل وعلا له الصفات الكاملة التي لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه، وهي قائمة بذاته جل وعلا ليست مخلوقة.

قال ابن القيم: لو كانت مخلوقة لو كانت صفات الله مخلوقة، فكيف يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق، أو يستغيث بمخلوق، أو أنه يرشد الأمة إلى أن يستغيثوا أو يستعيذوا بمخلوق؟! فدل هذا على أن صفات الله قائمة بذاته جل وعلا، وذلك لكمالها، ولا يجوز تحريفها، ولا تعطيلها، ولا تمثيلها، ولا تكييفها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولذلك لكمالها نستغيث بها، ونستعيذ بهذه الصفات.

في هذا الحديث ذكر لبعض صفاته وأفعاله جل وعلا، صفة الغضب، صفة الرضا، صفة السخط، صفة المعافاة، العقوبة، وهنا ماذا؟ استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، واستعاذ بفعل المعافاة من فعل العقوبة، هذا يدل على أن بعض صفات الله أفضل من بعض، هي كاملة كلها ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه، لكن بعضها أفضل من بعض، بعضها أفضل من بعض، قال ابن القيم في شفاء العليل: “لأن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه”

 ولذلك يقول رحمه الله: ” كلام الله صفة من صفاته، فكلامه عز وجل في ذكره عز وجل بتوحيده، والثناء عليه، ليس ككلامه جل وعلا حينما يذكر عقاب أعدائه، فيقول ولذلك سورة الإخلاص أفضل من سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}

لماذا كانت آية الكرسي أعظم آية؟ وهذا لا يدل على أن صفاته عز وجل فيها نقص، كلا، بل هي كاملة، لكن يقول ابن القيم كما في شفاء العليل قال: “ولا تصغي إلى من غلظ حجابه فقال إن الصفات قديمة، والقديم لا يتفاضل، قال والأدلة من النصوص الشرعية والعقلية تدل على تفاضل صفات الله عز وجل، وكما قلت لا يعني أنه يعتري صفات الله عز وجل نقص، كلا وحاشا.

في هذا الحديث: جعل صفة الرضا مقابلة لصفة السخط، أو السخط كما قال ابن القيم، والمعافاة تقابل العقوبة، قال فلما كانت هذه الصفات تقابل بعضها بعضا فاستعاذ بإحداهما، انتبه استعاذ بإحداهما من الأخرى، لكن لما أتى إلى الذات المقدسة، ولا مقابل لها ولا ضد قال: (وأعوذ بك منك)  (وأعوذ بك منك).

فيقول رحمه الله: “استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل العفو من  فعل العقوبة، واستعاذ بمن له هذه الصفات والأفعال، بمن له هذه الصفات والأفعال، وهو الله عز وجل”

قال: فهذا الحديث، انظر، فهذا الحديث بيَّن التوحيد والقدر بأوجز عبارة وأخصرها، نعم، هذا الحديث دل على ماذا؟ دل على أنه لا يمكن أن يقع شيء في هذا الكون إلا بتدبير من الله، فاطمئن، ودل هذا على أن الخالق والمدبر والمصرف هو الله، توحيد الربوبية، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو جل وعلا، الذي يرجى ويخاف منه جل وعلا، وفيه إثبات توحيد الأسماء والصفات، ويتضح هذا بما سيأتي.

انتبه، يقول ابن القيم كما في كتابه شفاء العليل يقول: “الشر وأسبابه التي في هذه الدنيا واقعة بقضاء الله وبقدره” فأنت لما تستعيذ بالله جل وعلا؛ ليصرف عنك هذا الشر الذي قدره إنما صرفه عنه بقضاء الله وبقدره فيقول رحمه الله: “فأنت تستعيذ من قضاء الله وقدره بقضاء الله وقدره، الذنوب وآلامها وعقوبتها المضرة للدين واقعة بقضاء الله وبقدره وبإرادته جل وعلا، فإذا استعذت بالله أن يصرفها عنك لما صرفها عنك صرفها عنك بقضائه وبقدره وبإرادته جل وعلا، فيقول: “فهو جل وعلا المعين عبده من قدره بقدره ومن إرادته بإرادته وهو يعيذ جل وعلا لعبده من نفسه لنفسه”

إذن كل شيء لا يجري إلا بتدبير وبتصريف من الله، ولذلك يقول ابن القيم يقول: ” لو قال هذه العبارة لو قالها غير النبي صلى الله عليه وسلم لأنكرها الجهال ولردوها” قال: “فنتج من هذه الكلمة ماذا أن الخلق والتدبير والنفع والضر من الله جل وعلا”، فيقول رحمه الله: “فأنت تستعيذ من قدر الله بقدر الله، ومن قضاء الله بقضاء الله، ومن الله بالله، وتفر من الله إلى الله {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِكما قال عز وجل {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}

قلت: وأعظم ما يفر به العبد إلى الله التوحيد؛ لأنه لما قال عز وجل {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ماذا قال بعدها {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} يقول ابن رجب في جامع العلوم والحكم يقول كلاما جميلا يقول: “المذنبون ليس لهم من يلجئون إليه في مغفرة الذنوب إلا الله قال وتأمل حال أولئك الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، رتب الله توبته عليهم لما ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} انتبه {وَظَنُّوا} ماذا {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} أين الملجأ إلى الله يقول: فلما ظنوا هذا الظن رتب توبتهم عليه جل وعلا، فيقول رحمه الله: أنت إذا خفت من مخلوق فررت منه إلى غيره، أما إذا خفت من الله فلا مهرب لك ولا ملجأ إلا إلى الله عز وجل.

ولذلك يقول رحمه الله: ” تأمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك” يعني لا ملجأ منك ولا منجا لي منك يا الله إلا إليك يا الله، فالمخلوق لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

قال ابن القيم: “ولذلك قال الله عز وجل لعظم خلقه محمد صلى الله عليه وسلم {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌوقال لمن قالوا مجيبا لهم {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِالملك كله لله، التدبير كله لله، الخلق كله لله، النفع بيد الله، ولذلك ماذا قال عز وجل قال {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِقال تعالى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} من خير من رزق {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} لا أحد يستطيع أن يمسكها ولو كان المخلوق من كان {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُفيقول رحمه الله: ” فأنت تفر من الله إلى الله، وتلجأ من من الله إلى الله”

قال رحمه الله في شفاء العليل قال: ” لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بأمر الله، وليس لمخلوق تدبير، ليس لأي مخلوق، من حيوان من دابة من أي شيء  ليس له تدبير ولا يضر أحدا إلا بإذن الله، ولذلك ماذا قال عز وجل عن السحر الذي هو أعظم خطرا على العبد  قال {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}

قال رحمه الله قال وقال هذه العبارة يعني هذه الدعوات قالها من؟ قال قالها أعرف الناس بالله، وأقواهم في التوحيد، من؟ هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال ومن جملة ما قال (أعوذ بك منك)

ثم قال رحمه الله: ختم هذا الدعاء بالثناء على الله، (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) يعني: لعظيم صفاتك وكمالك لا أستطيع أن أحصي ما لك من هذه الصفات، وأيضا لا يستطيع أحد من الخلق أن يبلغ الثناء على الله، فلا يحصي الثناء عليه جل وعلا إلا هو”

قال الإمام مالك كما ذكر ابن عبد البر في الاستذكار قال: ” لا أحصي ثناء عليك” يعني لا أحصي ما أنعمته علي من النعم، ومن ثم فإني لا أستطيع أن أبلغ الثناء عليك؛ لأني عاجز، نعم {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، إذن هو صلى الله عليه وسلم استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، واستعاذ بفعل المعافاة من فعل العقوبة، لم؟ لأن كل ما يجري في هذا الكون ما يحصل فيه بقضاء من الله، الذي يضرك، انتبه عبد الله، الذي يضرك في هذه الدنيا، وتخشى منه الشر، الشر يحصل لك في حياتك في دنياك من مرض من فقر من تسلط ظالم من سحر من شرور في هذا الكون وما تخشاه على دينك من الذنوب والمعاصي كل هذا يقع بماذا؟ بقدر من الله وبقضاء من الله.

فأنت إذا استعذت بالله عز وجل كما جاء في هذا الحديث فصرف عنك هذه الشرور التي تخشاها في هذه الدنيا مما يتعلق بدينك أو بدنياك هنا من صرفها عنك إلا بقضائه وبقدره، فإذن أنت تستعيذ بقدر الله من قدر الله، وبقضاء الله من قضاء الله، وبإرادة الله من إرادة الله، وبالله من الله.

كل شيء يجري بتدبير من الله، إذن أين المفر؟ أين المفر؟المفر تفر إلى الله ليس لنا ملجأ نلجأ إليه، ولا نفر إليه إلا إلى الله، فعلق قلبك بالله، وعلق رجاءك بالله، فلا تخش من شيء أبدا، لم؟ لأنه ما يقع شيء إلا بقدر من الله، فالتجئ إلى الله ليعيذك بقدره جل وعلا من قدره.

ما أعظم التوحيد! فهذا هو التفسير لهذا الحديث، ولا تغتر بأي تفسير آخر، ولاسيما ما ذكره ابن الجوزي فإنه لم يصب في تعليقه على هذا الحديث، ولم يسنده فيما قال دليل من أدلة الشرع.

 تعظيم لله عز وجل أعيده مرة أخرى أعيد الحديث حتى نستحضر الكلام قال( اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) لأنني  عاجز، ولذلك في رواية النسائي في السنن الكبري (اللهم لا أستطيع ثناء عليك ولو حرصت، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك).

هذه إيضاحة وبيان مختصر لهذا الحديث الذي إذا تؤمل فيه حينما تدعو الله به يزداد إيمانك ورجاؤك بالله وخوفك من الله، ويتعلق قلبك بالله، ومن ثم يزداد توكلك على الله، تؤمن بالقضاء وبالقدر، نعم تتوكل على الله تحسن الظن بالله تتفاءل.

تأمل وترجو أن تنفتح لك أبواب الخير في دينك وفي دنياك، تأمل هذا الحديث إذا دعوت الله به.