بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة (بعض ما جاء عن الاستغفار في الكتب التسعة)
لفضيلة زيد بن مسفر البحري
6/3/1442
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد:
فيا عباد الله نتحدث في هذا اليوم -عن بعض- عن بعض ما جاء في الكتب التسعة عن الاستغفار.
ولن أعزو كل حديث إلى مظانه حتى لا يطول الحديث.
والكتب التسعة هي:
[صحيح البخاري، مسلم، سنن أبي داود، الترمذي، النسائي، وابن ماجه، موطأ الإمام مالك، مسند الإمام أحمد، سنن الدارمي].
لأهمية الاستغفار قال النبي ﷺ: “يا أيها الناسُ: توبوا إلى اللهِ، واستغفروهُ، فإنّي أتوبُ إلى اللهِ وأستغفرهُ في كلِّ يومٍ مئةَ مرّةٍ“
لأهمية الاستغفار كان النبي ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا كما في حديث ثوبان.
لأهمية الاستغفار كان النبي ﷺ في آخر حياته يكثر من قول: “سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ أسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ”
كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
لأهمية الاستغفار كان بعض الصحابة رضي الله عنهم إذا خطب ختم خُطبته بالاستغفار كما في حديث جرير لما مات المغيرة خطب: ” قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ”
أبو بكر رضي الله عنه قام، فخطب، وصعد المنبر، فبين عذر علي رضي الله عنه في تخلفه عن البيعة العامة -مع أن عليًا بايع أبا بكر بيعة خاصة- فإنه يعني أبا بكر لما فرغ استغفر الله عز وجل.
لأهمية الاستغفار لما قال عمر رضي الله عنه: “ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا، ثم قال: أفى شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحياة الدنيا، فقلت استغفر لى يا رسول الله“
أسامة رضي الله عنه لأهمية الاستغفار، لما شفع في تلك المرأة المخزومية التي سرقت قال عليه الصلاة والسلام:
“أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ”
فقال أسامة رضي الله عنه:
“اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ”.
الاستغفار نحن بحاجة إليه بالليل وبالنهار؛
في الحديث القدسي قال الله –عز وجل-:
“يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ”.
الاستغفار لا تتركه ولو عظمت وكثرت ذنوبك، قال الله –عز وجل-في الحديث القدسي: “يا ابنَ آدمَ لو بلغَتْ ذنوبُك عَنانَ السماءِ، ثم استغْفَرْتني، غفرتُ لك ولا أُبالي”.
الاستغفار مراغمة للشيطان وإضعاف له؛ في الحديث قال النبي ﷺ: “إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ : بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتِ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ : فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي”
الاستغفار في السحر:
في الحديث “يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِنِصْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ – أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ – فَيَقُولُ : …”
“مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟”.
الاستغفار لأهميته إذا أذنب العبد:
في الحديث “مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ؛ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ “.
الاستغفار أمان من عذاب الله:
قال عليه الصلاة والسلام: “العَبدُ آمِنٌ مِن عَذابِ اللهِ، ما استَغْفَرَ اللهَ” وهو حديث حسن لطرقه ويؤيده في صلاة الكسوف، قال عليه الصلاة والسلام في السجود: “ربِّ لم تَعِدْني هذا وأنا أستغفرُكَ” ويدل لمعناه قوله تعالى:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
الاستغفار يزيل الهموم:
قال عليه الصلاة والسلام:
“إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ”.
الاستغفار من قاله بصدق بهذا اللفظ كما في الحديث:
“مَن قال: أستَغفِرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتوبُ إليه، غُفِرَ له وإنْ كان قد فَرَّ مِنَ الزَّحفِ”
والفرار من الزحف كبيرة من كبائر الذنوب، فهل الاستغفار لوحده يكفرها؟
الذي يظهر لي من أنه يُغفر له، وإن كان لم يتب من الفرار من الزحف، فالفرار من الزحف يحتاج إلى توبة أو لما عظُم الاستغفار في قلبه، فبمجرد قول هذا الاستغفار غُفر له الفرار من الزحف، وهذا لما عظُم الاستغفار في قلبه، ويدل لذلك أن الله –عز وجل-غفر لتلك المرأة البغي لما سقت كلبًا.
الاستغفار احرص عليه إذا قمت من أي مجلس، فهو كفارة المجلس كما قال عليه الصلاة والسلام:
“كفَّارةُ المجالِسِ أنْ يقولَ العبدُ: سُبحانَك اللهمَّ وبحَمْدِك، أَستَغْفِرُك وأَتوبُ إليك”
وهذا أحد ألفاظ كفارة المجلس وله ألفاظ أخرى.
إذا قلت: سيد الاستغفار، إذا قلته في الصباح فمت قبل أن تمسي، وإذا أمسيت قبل أن تصبح فقلته موقنا به فمت على ذلك فإن لك الجنة.
من أخطأ أمامك فقل له: استغفر ربك؛ ذكر الترمذي في سننه عن أحمد بن الحسن، وهو من أصحاب الإمام أحمد، وهو من أوعية الحديث، ومن الحفاظ، وهو شيخ للبخاري، وشيخ للترمذي، قال الترمذي في سننه عن أحمد بن الحسن، وأحمد بن الحسن أيضًا هو ترمذي.
قال أحمد بن الحسن لما سُئل الإمام أحمد عمن تجب عليه الجمعة ممن هو بعيد عن البلد فقال: لا دليل عندي.
فقال أحمد بن الحسن: قلت عندي الدليل، قال: أعندك الدليل؟ فذكره بسنده عن أبي هريرة:
“الجمعةُ على مَن آواهُ الليلُ إلى أهلِه”
يعني من كان بعيدًا عن المصر، يعني عن البلد، فاستطاع بعد الصلاة أن يصل إلى أهله قبل أن يدخل الليل، فإنها تجب عليه، وإلا فلا.
فلما ذكر السند قال أحمد بن الحسن قال: فغضب علي وقال: “استغفر ربك، استغفر ربك”
لمَ؟
لأنه ذكر حديث فيه ثلاثة ضعفاء، فما ظنكم بمن يلقي في وسائل التواصل تلك الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة المختلقة على النبي ﷺ، وهو لم يحقق فيها ولم يبحث عنها، إنما أراد بذلك ما أراد، وكثير من الناس وللأسف يساعدونهم على نشر هذه الآثام التي هي مختلقة على النبي ﷺ فقال له الإمام أحمد غاضبًا: استغفر ربك، استغفر ربك، مع أن أحمد بن الحسن من أوعية الحديث ومن الحفاظ، وكان مجتهدًا، فأخطأ، ومع ذلك قال له ما قال، فما ظنكم بما يُقال لمن توغل واقتحم سنة النبي ﷺ وكذب عليه أو نشر عنه الأحاديث الضعيفة، أو من ساعده من الناس من باب حسن النية، أو من عدم ذلك على أنه ينشر ما يقوله.
الاستغفار أخيرًا الاستغفار يأتي بمعنى الهداية، ولذلك “أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ : ” لِمُضَرَ ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ “.
ومعلوم أن الاستغفار للكفار لا يجوز، فدل هذا على ماذا؟
على أن قوله: استغفر ربك لمضر يعني ادعُ لهم بالهداية التي يترتب عليها الاستغفار.
ولذلك مما يدل على ذلك، فدعا لهم، ويدل له رواية البخاري قال:
” اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ” فلا تعارض بين الروايتين.
الاستغفار نحن بحاجة إليه، في كل حين، وفي كل وقت، والحديث عن الاستغفار في الكتب التسعة يطول، لو ظللنا عشر خطب، لكني أريد بذلك أن أبين عِظَم سنة النبي ﷺ كيف اشتملت على مثل هذه الأحاديث، ليس في الاستغفار فقط، بل في كل شأن من شئون حياة المسلم، هذا بعض ما ذُكر في الكتب التسعة البعض، بل بعض الأبعاض مما ذكر عن الاستغفار.
فما أعظم سنة النبي ﷺ.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وآله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد.
فيا عباد الله تعلمون ونعلم انتشار هذا الوباء في البلدان الأخرى، وقد حرصت الوزارة من باب التقليل والاحتراز من هذا الوباء، أن تحث الناس على التطعيم الذي يُعنى بالإنفلونزا الموسمية، وهذا من باب أن يُدفع هذا الضر، وأن يُحترز منه
والوقاية خير من العلاج
وقاعدة: [الوقاية خير من العلاج]؛ دلت عليها السنة النبوية، النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال:
” مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ “ مما بين لابتيها” يعني المدينة، فهذا الحديث قاعدة في أن الوقاية خير من العلاج، نسأل الله –عز وجل- أن يرفع هذا الوباء عن المسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرا ومعينًا، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم، وانصرهم على الرافضة الحاقدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء، وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه يا كريم، اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.