خطبة حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
[ 1 ] ( الجنة بين البائع و المشتري )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول ابن القيم كما في حادي الأرواح، وأنقل كلامه بتصرف حتى أقرب كلامه رحمه الله..
يقول: ” ولما علم الموفقون ما خلقوا له، ولأي شيء أوجدوا رفعوا رؤوسهم، فإذا علم الجنة قد رفع لهم، فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم، فاستمروا عليه، وعلموا أن من الغبن، ومن أعظم الغبن أن يبيعوا ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يفنى، ولا يزول أن يبعيوه بصبابة” يعني بقية بصبابة “عيش مشوبة بالنغص ممزوجة بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا، وإن سر يوما أبكى شهورا، آلامه تزيد على ملاذته، أحزانه أعظم من مسراته، فواعجبا فواعجبا لمن آثر الحظ الفاني الخفيف على الحظ الباقي النفيس، وواعجبا من باع جنة عرضها السموات والأرض، بسجن ضيق بين أرباب البليات، وياعجبا من باع مساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة مآلها إلى الخراب والزوال، وياعجبا من باع أبكارا عربا أترابا مطهرات باعهن بنساء زانيات مثيبات بين الأنام دنئيات الأخلاق، وياعجبا من باع أنهارا من خمر لذة للشاربين بخمر مزيلة للعقل مفسدة للدين والدنيا، وياعجبا من باع سماع خطاب الله باعه بالمعازف والأغاني وبالألحان، ويا عجبا من باع تلك المنابر على الزبرجد والياقوت في يوم المزيد بمجالس أهل الفسق مع كل شيطان مريد”
قال: “وإنما يتبين غبن هذا البيع لصاحبه يوم القيامة، وإنما يظهر سفه من باع ذلك يوم الحسرة والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا، وسيق المجرمون إلى جهنم وردا، وواعجبا لهذه الجنة كيف نام طالبها؟ وكيف تأخر خاطبها عن مهرها؟ ويا عجبا من طاب له القرار في هذه الدنيا بعد سماع أخبارها، ويا عجبا كيف يستقر للمشتاق قرار دون أن يعانق أبكارها، ويا عجبا كيف صبرت نفوس الموقنين عنها، وياعجبا كيف أعرضت قلوب أكثر العالمين عنها، وبأي شيء اعتاضت نفوس المعرضين عنها”
ثم قال رحمه الله:
“وسميت هذا الكتاب بحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح”
الجنة عباد الله هي بلاد الأفراح، قال رحمه الله: “والله يعلم ما قصدت، وما من أجله جمعت، وألفت وهو المطلع على نية كل عبد”
قال: “وجل ما ألفته وما جمعته من أجل أن يكون بشارة لأهل السنة، فهم أهلها، وهم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهم أولياء الرسول عليه الصلاة والسلام وحزبه، ومن خرج عن سنته فهو عدوه وحربه”
وهؤلاء هم أهل السنة قال رحمه الله: ” وهؤلاء أهل السنة لم يقدموا على ما صح من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام قولا لأي أحد من الأنام” يعني من البشر
“وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام في صدورهم أجل من أن يقدموا عليه رأيا فقيها، أو بحثا جدليا، أو تناقضا كلاميا، أو قياسا فلسفيا، أو خيالا تصوفيا”
قال: “فمن رد سنة النبي عليه الصلاة والسلام فباب الصواب عنه مسدود، وهو عن طريق الرشاد مصدود”
ثم قال رحمه الله”
” فيا أيها الناظر فيه” يعني في هذا الكتاب “يا أيها الناظر فيه لك غنمك وعلى مؤلفه غرمه”
يقول لك الخير منه يعني إن قمت به “وعلى مؤلفه غرمه” إن لم تكن نيته طيبة، رحمه الله نحسبه والله حسيبه أنه من أهل الخير والصلاح.
فيقول “يا أيها الناظر فيه لك غنمك، وعلى مؤلفه غرمه، ولك صفوه وعليه كدره، وهذه بضاعته المزجاة” سبحان الله!
من يقرأ في هذا الكتاب ير العجب انظر إلى عظم التواضع، بعض الناس لو يؤلف عشر صفحات أو ما شابه ذلك كأنه هو العالم الأوحد، فيقول “فهذه بضاعته المزجاة عرضت عليك، وبنات أفكاره زفت إليك”
قال ” فإن صادفت كريما فإنه لن يعدم منه إما إمساكا بمعروف، وإما تسريحا بإحسان، إما أن ينتفع به باعتبار المعروف، أو أنه يسكت ويسرح ويترك هذا الكتاب بإحسان”
“إما إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان، وإن صادفت غير ذلك قال فالله هو المستعان”
ثم قال “فإن كان صوابا فمن الواحد المنان، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله عليه الصلاة والسلام بريء منه”
هذا هو الكتاب، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
بلاد الأفراح الجنة من يطلع في هذ الكتاب له أجر، ولعل الله ييسر والكلام فيه رصين، والبحث فيه عميق، ولعل الله عز وجل ييسر، فنعرض شيئا مما نقربه للمسلمين مما ذكره رحمه الله حتى يعرف المسلمون عظم هذه الجنة بلاد الأفراح، ويعرفوا عظم ما عليه، وما به وما تضمنه علم السلف من الخير للقلوب وللنفوس وللأبدان، فيه الخير في الدنيا وفي الآخرة؛ لأنه مبني لا على الآراء ولا على الفلسفات، ولا على المنطقيات، ولا على الشذوذات، ولا على الخيالات، لا، مبني على ما جاء في كتاب الله، وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
هذه الجنة بلاد الأفراح، معتقد أهل السنة والجماعة:
أنها موجودة الآن، وقد خلقها عز وجل قال ابن القيم كما في حادي الأرواح قال: ” وهذا هو معتقد أهل السنة من لدن صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن جاء بعدهم حتى بزغت بازغة من القدرية، فقالوا إنها لم تخلق، فكيف تخلق وتترك هكذا دون أن يكون هناك فيها أحد، وإنما حملهم على ذلك كما أسلفت فيما مضى حملهم على ذلك أن العبد متى ما أدخل عقله في النصوص الشرعية ضل وأضل، وهذا بناء على أصلهم الفاسد من أنهم يشبهون أفعال الله بأفعال المخلوقين تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فهذه الجنة موجودة الآن، ومن الأدلة قال تعالى {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وما أعد وهيئ فهو موجود الآن.
والنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين دخلها ليلة الإسراء، قال: (فدخلت الجنة) كما جاء في الصحيحين: (فإذا ترابها المسك) وجاء في الصحيحين (أنه رآها عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس) قال: (فتقدمت فتناولت عنقودا لو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا).
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين: (إن أحدكم إذا مات يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) يعني في أول النهار، وفي آخر النهار (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة).
وفي حديث البراء الطويل في مسند الإمام أحمد: (أن العبد المؤمن يقول الله أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة) فدل هذا على أن الجنة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة موجودة الآن، وهي لا تفنى ولا تبيد.
ونقل ابن القيم آثارا كثيرة عن السلف قال الإمام أحمد قال: ومذهب أهل العلم وأهل الإسلام من لدن صحابة النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، والقول قول الإمام أحمد قال: وقد أدركت علماء الحجاز والشام وأدركت غيرهم كل يقول بهذا القول من أن الجنة لا تفنى ولا تبيد، قال فمن خالف أقوالهم أو عابها فهو ضال مبتدع مخالف للحق،
قال: “فإن استدل مبتدع أو زنديق بقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أو بما يشابهها من هذه الآيات فالجواب عن هذا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} ممن كتب الله عليه الهلاك فهو هالك، أما من كتب عليه البقاء، ولم يكتب عليه الفناء فإنه باق، وذلك كالجنة والنار وما فيهما؛ لأنهما ليسا من أمور الدنيا، وخلقهما الله للبقاء والدوام وكذلك ما فيهما قال رحمه الله: ” والحور العين لا يمتن لا عند النفخة، ولا عند قيام الساعة، ولا يمتن أبدا؛ لأنهن خلقن للبقاء والدوام، ولم يكتب عليهن الفناء” قال: “ومن خالف ذلك فهو مبتدع مخالف لصريح الحق والصواب” انتهى كلام الإمام أحمد.
فهذه هي الجنة