خطبة خمس عشرة فائدة رائعة ومنوعة من ذكر
( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم)
هذا الذكر جاءت السنة من أنه يقال في الصباح وفي المساء ثلاث مرات، وهذا الذكر البعض إن لم يكن الكثير لا يفهم معناه مع أن معناه يسير؛ لأن فهم المعنى للذكر وللدعاء حري بأن يقبل ويستجاب، وأن يكون له تأثير. معناه باختصار:
من أن العبد إذا قال هذا الذكر فإن فيه اسم الله، واسم الله عز وجل إذا ذكر لا يمكن أن يجتمع معه ضرر أي شيء في الأرض، أو في السماء مهما عظم ذلك الشيء الذي يريد أن يوقع بك الضرر.
تأمل:
(بسم الله الذي لا يضر) (لا يضر) الفعل منفي يدل على العموم، نفي الضرر الذي لا يضر مع ماذا؟ مع اسمه، أي شيء؟ لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء وهو السميع العليم.
هذا الحديث الذي جاءت به السنة من فوائده ما يلي:
ذكرت المعنى من أجل أن تحضر القلوب لما أقوله عن هذا الحديث، وهذا الذكر العظيم.
من فوائد هذا الحديث:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن هؤلاء مشهورون، وذكره أبو داود الطياليسي، والبزار، وذكره آخرون غير هؤلاء، وذكرت هذا التخريج من باب بيان ماذا؟
من باب بيان أن هذا الحديث له روايات تفيدنا في فهم هذا الحديث، وفي معرفة فوائد كثيرة، وأيضا هذا الحديث حديث صحيح، وما ورد في بعض طرقه أن هناك رجلا مجهولا، فقد صرح في الطرق الأخرى من أنه محمد بن كعب، وجاء من طريق آخر أيضا من حديث عبد الرحمن عن أبيه، فإذن الحديث صحيح.
ومن فوائد هذا الحديث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث ذكره أبان بن من؟ ابن عثمان بن عفان، فله ابن اسمه أبان في هذا الحديث، ماذا قال أبان؟ قال: سمعت أبي يعني أباه عثمان، وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن أبان قد سمع من أبيه خلافا لبعض الأئمة الذي قال: لم يسمع أبان من أبيه، بل إنه جاء في صحيح مسلم في حديث (لا ينكح المحرم ولا ينكح) قال أبان سمعت عثمان رضي الله عنه، وذكر الحديث الذي في صحيح مسلم.
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــ
أن هذا الذكر جاء في بعض الروايات (يقال في صباح كل يوم، وفي مساء كل ليلة) وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أنه إذا قيل هذا الذكر في أي جزء من أجزاء الصباح، أو في أي جزء من أجزاء المساء، فإن له تأثيره خلافا لمن قال لا يؤثر إلا إذا قاله في أول الصباح، أو في أول المساء، ولعله استند إلى الرواية الأخرى (من قال في أول ليلة، أو في أول كل يوم) الشك من الراوي.
وهذا لا ينفي أن من قاله في أي جزء من أجزاء الصباح والمساء لا ينفي أنه مفيد، لكن الأفضل أن يقال في أول الصباح وفي أول المساء.
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
فائدة هذا الذكر إذا قيل في بعض الروايات (إلا لم يضره شيء) ما يضره أي شيء إذا قال هذا الذكر، وفي بعض الروايات: (إذا قاله في الصباح حفظ حتى يمسي، وإذا قاله في المساء حفظ حتى يصبح)، وفي رواية: (لم تفجأه فاجئة بلاء) تأمل (لم تفجأه فاجئة بلاء) يعني: أنه لا يصيبه ضرر أي شيء، ولو قل أيضا مهما عظم من الفواجع والفواجئ العظام التي تأتي إلى الإنسان لم تفجأه فاجئة، ولذلك في الرواية الأخرى: (لم تصبه فُجَأة بلاء) وضبطت (لم تصبه فجْأة بلاء) كلمة (فجأة) على وزن مرة، لا يفهم أنه لا يصيبه بإذن الله فاجئة واحدة عظيمة، لا، كل ذلك، لأن المقصود من ضبط فجأة الضبط لا من أجل أنه مرة واحدة، يعني أن الفواجع والفواجئ الكثيرة لم تصبه في صباحه وفي مسائه إذا قال هذا الذكر.
ومن فوائد هذا الذكر كما جاء به الحديث:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بسم الله)، الباء للاستعانة، يعني أستعين بالله، وأتحفظ بالله من كل مؤذ (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء) (مع اسمه) هذا يدل على عظم التوحيد، فذكر اسم الله سبب في حفظ العبد، (لا يضر مع اسمه شيء) {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} ولا يمكن لأي شيء أن يتحرك إلا بأمر الله، ولا يمكن أن يصيبك شيء من شيطان، أو إنس، أو سحر، أو جن، أو حيوان، أو ما شابه ذلك إلا بأمر الله، ولذا قال تعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وكما جاء في الحديث حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الترمذي وغيره (واعلم أن الأمة لو اجتمعت) ما هو شيء واحد (لو أن الأمة اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك)
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
قال (لا يضر مع اسمه شيء) إذن ينتفي الضرر، وهذا يدل على عظم اسم الله، واسم الله الذي هو الله يجمع كل الأسماء الحسنى، والصفات العلى “اسم الله” يعني أستعين بكل اسم من أسمائه عز وجل من أنه لا يضرني أي شيء في الأرض ولا في السماء، قال هنا (لا يضر مع اسمه) الضرر ينتفي مع اسمه عز وجل.
لكن قد يقول قائل: بعض الناس يقول هذا الذكر ويصاب؟
فالجواب كما قال ابن القيم: السيف بضاربه، لو أعطيت إنسانا سيفا قويا، فضرب به، وهو قوي أجاد في الضرب، لو أعطيت هذا السيف القوي الصلب أعطيته رجلا ضعيفا، فضرب به، فإنه لا يحسن الضرب، إذن الذكر بمثابة السلاح، والسلاح بضاربه، فإذا قال الإنسان هذا الذكر، وهو غافل، أو غير معتقد لنفعه ذلك الاعتقاد العظيم، لم ينفعه.
وليعلم: أن الإنسان قد يقول هذا الذكر بقلب حاضر، ومعتقد النفع، ومع ذلك يصاب، ما السبب؟ لا لخلل في الذكر، وإنما من باب ابتلاء وامتحان هذا الشخص لرفعة درجته، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله على كل أحيانه، وقد أصيب بالسحر، فهو من أعظم الناس ذكرا لله، لكن من بين الأسباب وقد ذكرت ذلك في مواضع أخرى ما سبب سحره عليه الصلاة والسلام، من بينها رفعة درجاته عليه الصلاة والسلام، لكن الأصل أن الإنسان متى ما قال هذا الذكر، و قد حضر قلبه واعتقد نفعه، فإنه بإذن الله يكون نافعا له.
ومن فوائد هذا الحديث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما يدل على عظم التوحيد أنه قال في ختام الذكر (لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء) أي شيء في الأرض أو في السماء مما ينزل ومما يخرج، أي شيء مهما عظم، فإنه لا يضر، وهذا يدل على عظم التوحيد كما سلف، ولذلك ختم الحديث بقوله (وهو السميع العليم) باسمين من أسمائه عز وجل (السميع) لقولك أنت يا أيها العبد الذي تذكر الله والعليم بحالك، وأيضا هو سميع لكل قول يقال، ومن ذلك ما يدبر لك من أجل الإضرار بك، وهو عليم بكل شيء، ومن ذلك بحال من أراد الإضرار بك، فلا تخف.
(لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)
ومن فوائد هذا الحديث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال (لا يضر مع اسمه شيء) مع اسم الله لا يضر شيء، اسم الله جاءت أدلة تدل على عظيم نفع هذا الاسم كما أنه لا يضر مع اسم الله عز وجل شيء، كذلك لا يثقل مع اسم الله عز وجل أي شيء، ويدل على ذلك ما جاء في المسند وغيره ذلكم الرجل قال عليه الصلاة والسلام وقد علقت عليه في إحدى الخطب فيما مضى قال: (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر الله له تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، فيقول الله أتنكر شيئا من هذا؟ أظلمك كتبتي؟ فيقول لا، قال هل لك من عذر؟ قال لا، قال إن لك عندنا حسنة، قال وما تغني هذه الحسنة أمام هذه السجلات؟! فيؤتى له ببطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله، فتوضع في كفة، وتلك السجلات في كفة، فتطيش تلك السجلات، وتثقل تلك البطاقة، قال عليه الصلاة والسلام: (ولا يثقل مع اسم الله عز وجل شيء)
هذا التوحيد، بإذن الله عز وجل يطيب الأكل ويعظم وتعظم البركة، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: يا رسول الله إننا نأكل ولا نشبع، فقال عليه الصلاة والسلام: (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم)، بل كما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتى أحدكم امرأته فقال بسم الله) انظر: بسم الله، (بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قضي بينهم ولد لم يضره الشيطان أبدا)
ومن فوائد هذا الحديث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(فكان أبان) بالصرف على المشهور، ويصح فكان أبانُ، أبان بن عثمان (فكان أبانُ قد أصابه فالج) وضبطها بعضم بالكسر (فالِجٌ) وهو مرض يسترخي معه الجزء جزء الإنسان يعني كما يقال عندنا شبيه بالجلطة، أو كذا من أن أحد شقيه لا يتحرك لا يحسن به الحركة، (فكان أبانٌ قد أصابه فالَجٌ فجعل رجل) وهو الراوي كما في الرواية الأخرى (ينظر إليه) يعني من باب التعجب، فقال (لم تنظر إلي؟ فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على النبي عليه الصلاة والسلام، ولكني نسيت) ولذلك في رواية في شرح مشكل الآثار قال: (ألم تكن حدثتنا عن النبي عليه الصلاة والسلام؟ فقال أما والله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكني نسيت أن أقول هذا الذكر ليمضي علي قدر الله) وفي رواية (ليُمضي الله علي قدره)
قال (فنسيت هذا الذكر فأصابني ما أصابني) أترون ما سبب النسيان؟ لماذا نسي؟حتى نحذر من شيء آخر، سبب النسيان من أنه غضب في ذلك، فبسبب ذلك الغضب، وهذا يدل على خطورة الغضب، وعلى المسلم أن يحذر منه، فبسبب غضبه نسي أن يقول هذا الذكر.
من فوائد هذا الحديث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن اسم الله عظيم، وكثير منافعه، ولولا خشية الإطالة لذكرت أدلة على ذلك، لكن سأكتفي بأمر واحد: وهو أن الإنسان إذا أصيب بشيء، وهذا يحدث لنا، فبعض الناس إذا وخصوصا الصغار إذا تعثر وسقط فإنه يقال له قل بسم الله، هذا مشهور عندنا، ولا أدري عن أماكن أخرى، بل إن كان صغيرا لا يميز قالوا (باسم الله عليك) مثل هذا لم يرد نص صريح في كلمة (بسم الله عليك) يعني ورد حديث عند ابن السني من أن رجلا كانت تصيبه الآفات فقال عليه الصلاة والسلام (قل بسم الله على نفسي وعلى أهلي ومالي) لكنه حديث ضعيف، وجاء حديث عند ابن عساكر (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت بسم الله على ديني وعلى أهلي وعلى مالي وعلى ولدي) أيضا هو حديث ضعيف، لكن من حيث المعنى الذي يظهر لي أنه لا إشكال في قول ذلك “بسم الله عليك”، لا إشكال في ذلك، ولا حرج بإذن الله لأن ذكر العلو ورد {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ذكر اسم الله على الذبيحة على الطعام (واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم) كما مر معنا في الحديث في الخطبة الأولى.
وأما قول “بسم الله” فقد جاء في سنن النسائي من أن جابرا قال لما انصرف المسلمون عن النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد، فبقي معه من بقي، ثم قال من بقي فقال طلحة يا رسول الله، فدافع طلحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأصيبت أنامله يعني أصابعه، فقال حثي، حثي كلمة تألم وتوجع من الضربة، فقال حثي، فقال عليه الصلاة والسلام (يا طلحة لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك فتلج بك في جو السماء) هذا الحديث كما سلف أخرجه النسائي مع ما ذكر من زيادة في معجم الطبراني في الأوسط، وهذا حديث صحيح، فلما حصل له ما حصل فقال (لو قلت يا طلحة بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء)
بل إن هذا الشيطان يكون مثل الذباب إذا قلت بسم الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام كما في المسند وغيره كان راكبا على حمار، وكان معه بعض الصحابة، فتعثر الحمار به فقال هذا الصحابي (تعس الشيطان) فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تقل تعس الشيطان، فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت، فيقول بقوتي صرعته، ولكن قل بسم الله) انظر، أيضا هذا الحديث يدل على أن من سقط فقال بسم الله فإن لها تاثيرا (ولكن قل بسم الله، فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب).
هذه جملة من الفوائد تحت هذا الحديث، وإلا فالحديث حديث عظيم.