خطبة رقم (11) (ثمانية أصول)مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل

خطبة رقم (11) (ثمانية أصول)مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل

مشاهدات: 62

خطبة رقم (11)

( ثمانية أصول )

مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

elbahre.com/zaid

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدّثنا في جُمَعٍ سالفة عن اثنين وتسعين أصلًا مِن الأصول المهمّة التي يحتاج إليها العامّيّ وطالبُ العِلم في هذا الزمن حتّى يُعصَم بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلل

الأصل الثالث والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التَّشاؤم نَوعٌ مِن أنواع السِّحر ، قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد (( إنَّ العِيافَةَ والطَّرْقَ والطِّيَرَةَ مِنَ الجِبْت ))

وإنّما أُطلِق على التشاؤم طِيَرَة بِاعتِبار ما كانوا يصنعونه في الجاهليَّة ، يُرسِلون الطَّير فإن ذَهَبَ يَمنَةً أقدَموا على حاجتهم وإن ذهبَ يَسرَةً فإنّهم يُحجِمون عن ذلك .

والتشاؤم سِحْرٌ بِاعتبار أنّ السِّحر خَفيٌّ سَبَبُه كما هو التشاؤم ، ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في الصحيحَين  (( لا طِيَرَة )) أي لا تأثير لِهذه الطِّيَرة وإنّما هو شيء وَقَعَ في نَفْس العَبد يَمنَعُه مِن التوكّل على الله عزّ وجلّ

الأصل الرابع والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التشاؤم إمّا أن يكون بِشَيْءٍ مَرئيّ : كأن يَرى الإنسان طيرًا فيتشاءم به ، أو يرى إنسانًا أو يرى حيوانًا أو أيَّ شَيْءٍ مَرئيّ

ويكون التشاؤم بِشَيْءٍ مسموعٍ : كأن يسمع كلمةَ ( يا خاسر ، يا فاشل ) فيؤَثِّر ذلك عليه فيتشاءم

أو يتشاءم بِمكان : كأن يتشاءم مِن أنّه إذا مَرّ بذلك المكان حَصَلَت له مصيبة أو كارثة

أو يتشاءم بِزمان : كأن يَمُرّ عليه يوم مُعيَّن أو شهر معيّن أو سنة معيّنة فيتشاءم فيَظنّ أنّه بهذا الزمن تَقَعُ له مصيبة أو تَحصُل له كارثة

وكما مرّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصحيحَين (( لا طِيَرَة )) فلا وجود لِأثرٍ لهذا التشاؤم .

الأصل الخامس والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التشاؤم طريقةُ أعداءِ الرُّسُل

قال قَوْم صالح عليه السلام له :

{ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }

وقال أعداء موسى :

{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

 

وَمِن ثَمَّ فإنّه إذا كان التشاؤم سَبِيلًا وطريقًا لِأعداء الرُّسُل فيجب على المسلم أن يَحذَر وأن يُحَذِّر منه

 

الأصل السادس والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التشاؤم حُكمُه شِرك بالله عزّ وجلّ

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمدَ وغَيرِه (( الطِّيَرَة شِرك ، الطِّيَرَة شِرك )) كرَّرَها لِعظيم الأَمْر

 

فهو إن كان هذا التشاؤم جعلَه العبدُ سببًا في الإقدام على شيء ( يعني في فِعلِ شيء ) أو الإحجام عن شيء ( يعني في تَرك شيء ) جَعَلَه سببًا فقد أشرك بالله شِركًا أصغر

لِمَ ؟

لأنّ الشرع لَم يَجعلْ التشاؤم سببًا في الإقدام أو في الإحجام ، وَمِن ثَمَّ وَقَعَ في الشرك الأصغر

وإنِ اعتقدَ أنّ التشاؤم يؤَثِّر بِذاته فقد اعتقدَ أنّ مع الله خالقًا آخر ، وَمِن ثَمَّ يَقَعُ في الشِّرك الأكبر .

 

الأصل السابع والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زوال التشاؤم بالتَّوَكُّل على الله عزّ وجلّ وعدم الالتفات بِالقلب أو بِالسَّمع إلى التشاؤم

ثَبَتَ في المُسنَد والترمذيّ مِن قَوْل ابن مسعودٍ رضي الله عنه على الصحيح وليس مِن قَوْله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال ابنُ مسعود رضي الله عنه : (( وما مِنَّا – أي ما مِنَّا مِن أحد –  إلَّا ويَقَع في قلبه التشاؤم – لكن ما العلاج ؟

 قال : (( ولكن يُذهِبُه الله عزّ وجلّ بِالتّوكُّل ))

 

الأصل الثامن والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما ثَبَتَ عند أحمد (( مَن رَدَّتهُ الطِّيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك ))

 

والشِّرك كما سلف إن كان جعلَه سببًا فهو مشرِك بالله شِركًا أصغر ، وإن اعتقدَ أنّ التشاؤم أثَّرَ بِذاته فهو مشرك بالله شركًا أكبر

معنى هذا الحديث :

(( مَن رَدَّتهُ الطِّيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك ))

بمعنى أنّ الإنسان لو كان ذاهِبًا لِحاجة ، فَلَمَّا سَمِعَ قَولًا ( هذا القَول : يا فاشل أو يا خاسر ) فرَجَعَ فقد وَقَعَ في الشرك

وإنّما الذي عليه أن يَستمرّ وأن يتوكّل على الله عزّ وجلّ وألّا يَلتفِت بِقلبه أو بِسَمعه أو بِأيّ جارِحةٍ مِن جوارحه ، لا يَلتفِتُ إلى التشاؤم

قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }

 

الأصل التاسع والتسعون :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كَفَّارَة التشاؤم ، قيل يا رسول الله – كما ثَبَتَ عند أحمد – وما كَفَّارَة ذلك ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( يقول العبد : اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك ، ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك ، ولا إِلَهَ غَيرُك ))

نعم . (( اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك )) لأنّ الخير بِيَدِ الله وليس بِيَد هذا الطائر أو بِهذا المخلوق أو بهذا الحيوان أو بهذا المكان أو بهذا الزمان

(( ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك )) طَير ، هذا الطَّير حينما يَذْهَب يَمنَةً أو يَسرَةً ، أو ذلكم القَول الذي صَدَرَ مِن فلان أو مِن فلان ( لا طير إلَّا طيرك )

هذه الطير لا تَذهب بِإرادتها وإنّما بِمشيئة الله عزّ وجلّ .

فكيف يُعَلِّق العبدُ قلبه بِطَيرٍ ذهبَ يَمنَةً أو يَسرَةً ، أو يُعلِّق قلبه بِكلامٍ أو بِمَرئيّ أو بِمسموعٍ يَرُدُّه عن ذلك

ولذلك :

” ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما لمّا كان جالسًا ، أَتَى طَيرٌ فصاحَ ، فقال رَجُلٌ حَولَه : خَير خَير  ، فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : لا خَير ولا شرّ ، عِند هذا الطائر  “

 

طائرٌ صاح ، ما علاقة كلمة خير بكلمة طير ؟

ولذلك :

بعض الناس – وهي بِلُغَتِنا – يقولون إذا صار بَيْنَه وبين شخصٍ كلام أو ما شابه ذلك قال : ( خير يا طير ) ما علاقة الطَّير بالخَير هنا ؟ خطأ

( خير يا طير ) خطأ ، مِن ثَمَّ يجب على المسلم أن يتنبَّه لِهَذَا الأمر . ما علاقة كلمة خَير بكلمة طَير ؟ ( خير يا طير )

 

(( ولا إِلَهَ غَيرُك )) : أي لا معبودَ بِحَقٍّ إلَّا أنت

فمن وَقَعَ في الطِّيَرَة وفِي التشاؤم لَمْ يُحَقِّق العبوديّة التي في هذا الحديث

كفّارتُه :

(( اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك ، ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك ، ولا إِلَهَ غَيرُك ))

 

الأصل المائة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضِدُّ التشاؤم : التّفاؤل . التفاؤل

في الصحيحَين :

(( قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” لا طِيَرَة ويُعجِبُني الفَأل ” قيل ما الفأل يا رسولَ الله ؟ قال : ” الكلِمة الطيِّبة ” ))

الكلمة الطيّبة

ولذلك :

لو أنّ الإنسان مثلًا أراد أن يَذهبَ لِحاجة ، فسَمِع شخصًا يقول ( يا راشد ، يا ناجح ، يا رابح ) هذه الكَلِمة تُعطي العبد تفاؤلًا مِن أنّ حاجته ستُقضَى .

لا بهذا التفاؤل ، لا . وإنّما بِأَمْر الله عزّ وجلّ فيُدخِل السُّرور على قلبه .

وهذا لا يُحصَر بالكلام فقط مِن حيثُ التفاؤل ، لا

حتّى مِن حيثُ الفِعل ، حتّى مِن حيثُ الفِعل

بِمعنى :

لو أنّ الإنسان مثلًا وهو سائر في الطريق رأى مثلًا – كَمِثال – لوحة سيّارة مثلًا ( ر ب ح ) ( رَبِحَ ) يتفاءل بها دون أن يَعتمد عليها

ولذلك :

النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صُلح الحُدَيبِية لمّا جَرَى ما جَرَى مِن مناقشات وحِوارات بينه وبين قريش ، وأتى مَن أتى مِن رُسُل قريش إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولَم يتمّ صُلح ، ولَم يتمّ صُلح

أتَى سُهَيل بن عمرو ، لمّا رَآه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم -لأنّ اسمُه سُهَيل تفاءل به ، قال : (( قد سَهُلَ عليكم أَمرُكُم )) وبالفِعل تمّ الصُّلح

ولذا :

(( ثَبَتَ عند الترمذيّ مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يُحِبُّ إذا أراد أن يَقضيَ حاجةً أن يَسْمَعَ يا راشد – أي مِن الرُّشد- و يا نجيح – يعني يا ناجح – ))

 

فإذَن اترُك عنك التشاؤم واحرِص على التفاؤل وتوكَّل على الله العزيز الحكيم

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آلِ محمّد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنّك حَمِيدٌ مجيد

ولهذه الأصول تتمّة بإذن الله لأنّها مهمّة لِعامّة الأُمّة