خطبة رقم (9)
( عشرة أصول )
مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا في خُطَبٍ سالفةٍ أربعةً وسبعين أصلًا مِن الأصول المهمّة التي يحتاج إليها طالب العلم والعامّيّ في هذا الزمن حتّى يُعصَم بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلل
الأصل الخامس والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ اقتضَت سُنَّةُ الله أنّ مَن أعرَضَ عن الخير اشتغَلَ بالشَّرّ ]
فهؤلاء اليهود لمّا أعرَضوا عن كتاب الله كما قال عزّوجلّ :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
أعرَضوا عن الخير فوَقَعوا في السِّحر .
بَعدَها :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ }
أي ما تتلوه مِن السِّحر
ولِهذا نظائر ، فَمِن مُستَقِلٍّ وَمِن مُستَكثِرٍ
ـــ مَن أعرَضَ عن العِلْم الشرعيّ في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ اشتَغَلَ في الدعوة بِالقَصَص الحياتيّة وبِالنُّكَت ، وَلَرُبَّما بِما يَخرِقُ مروءة الإنسان
ــ مَن أعرَضَ عن سماع القرآن وعن تلاوته اشتغَلَ بسماع الأغاني والأناشيد
وعلى هذا فَقِسْ .
الأصل السادس والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر خطير خطيرٌ جدًّا ، ولذا فإنّ فاعِلَه كفَّرَه العلماءُ حتّى إنّ بعضهم لَمْ يُفَرِّق بين الساحر الذي يستعين بِالشياطين وبين الساحر الذي يَعقِدُ العُقَد ويَنفُثُ فيها ، قال تعالى :
{ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
الأصل السابع والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر هلاك ، هلاكٌ لصاحبه وهلاكٌ لِغَيره ، بل هو الهلاك في الدنيا وفِي الآخرة
ولذا :
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( اجتَنِبوا السَّبعَ المُوبِقات – يعني المُهلِكات – الشِّرك بالله والسحر.. )) ثَنَّى بالسِّحر لِعظيم أمْرِه بعد الشرك بالله قال تعالى :
{ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ }
أي مِن نَصيب .
الأصل الثامن والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِخطورة السِّحر حَكَمَ الصحابة رضي الله عنهم -عليه بِالقتل كما صَحَّ عن عمر وجُندب وحفصة ؛ لأنّه مِن أعظم المفسدين هو أعظم مِن المحاربين فقَتْلُهُ أفتى بذلك وأمَرَ بذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنّ بقاء الساحر فسادٌ في الأرض .
الأصل التاسع والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحرُ سِحرُ عَطْف ، وهو أن يَعطِفَ الزوجةَ على زوجها أو العكس حتّى تُصبح أو يُصبح يُقاد كما تُقاد البهيمة ،
ومِنه سِحرُ الصَّرْف وهو الذي يَصرِف الزوجة عن زوجها أو العكس حتّى يرى أحدُهما الآخر في مَنظرٍ قبيحٍ لا يرتاح له ، قال تعالى :
{ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }
الأصل الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر لا يَضُرّ أبدًا إلّا بإذن الله ، لَو اجتمع السحرة كلُّهم لن يَضُرُّوا أحدًا إلَّا بِأمْر الله ، قال تعالى : { وَمَا هُم } أي الشياطين والسَّحَرة
{ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ }
لكن على المسلم :
أن يتّخذ الوسائل الشرعيّة حتّى يُحمى بإذن الله عزّ وجلّ من شرّ هؤلاء ويكونُ ذلك بكثرة الأذكار؛ ولذا يُصيب السِّحر أكثر مَن يُصيب : يُصيب النساء والأطفال والجُهّال ، كما قال ابن القيّم رحمه الله : لِأنّ هؤلاء يَلهَون عن ذِكر الله عزّ وجلّ .
▪ ولو قيل :
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – كما عند مسلم – كان يَذكُرُ الله على كُلّ أحيانه ، ومع ذلك أُصيب بالسحر
والجواب عن هذا :
إصابتُه صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسحر لِحِكَم يريدها الله ، منها :
– لِيُعلَم أنّه بَشَر ، لا كما يَصنَعُه مَن يَصنَعُه لِأَنْ جَعَلَ له من صفات الإلٰه فهو بَشَر يصيبه ما يصيب البَشَر؛
– و أُصيبَ بالسحر لِرِفعة درجاته،
كما سَقَطَ صلّى الله عليه وآله وسلّم من فَرَسه فتأثّر كما كان -كما في الصحيحين- يُوعَك كما يُوعَك الرَّجُلان منكم
– ومن الحِكَم في إصابته صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالسِّحر ؛ لِيُعَلِّمَ أُمَّته كيف التخلُّص مِن السِّحر بالفِعل كما بَيَّن لهُم ذلك عن طريق القَول ؛ ولذا لمّا أُصيب نَزَلَت المعوِّذتان فقَرأ على هذا السِّحر ، قَرأ المعوّذتين على هذا السِّحر فانفكّت هذه العُقد
– ولذا قال بِاعتبار أنّ ما أصابه لا يُنقِص مِن مقام النُّبوَّة – أصابه نوع من المرض – ولذا قال : ( أمّا الله فقد شفاني )
الأصل الواحد و الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّطَيُّر والتشاؤم نَوع من أنواع السِّحر
التَّطَيُّر :
كما يفعلُه أهل الجاهليّة يَزجُرون الطَّير فإن ذهب يَمنةً تفاءلوا ، وإن ذهبَ يَسرةً تشاءموا فلَمْ يُقدِموا لا على سَفَر ولا على تجارة .
والتشاؤم :
كما يحصل مِن بعض الناس يتشاءم بِطَيرٍ كَالبُومة أوغَيرها ، أو يتشاءم بِبَعض الناس كالأَعوَر كما هو دارِج عند بعضٍ مِن الناس .
هذا مِن السِّحر ، نوعٌ من أنواع السِّحر
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد قال :
( إنّ العِيافَة .. )
يعني زَجر الطَّير
( إنّ العِيافَة والطَّرْقَ والتَّطَيُّر مِن الجِبْت )
يعني مِن السِّحر
كيف ؟
السِّحر خَفِيّ ، سببُه خَفِيّ مَبناهُ على التدليس . فَكَونُ هذا الطير يذهب يَمْنَة أو يَسْرَة ، كَوْنُكَ ترى أعوَر أو ترى مثلًا بومة أو طيرًا فتتشاءم ، أين مَوقع التشاؤم ؟ سبب خَفِيّ لا يؤثّر
فدلّ هذا على أنّه نَوعٌ مِن أنواع السِّحر
الأصل الثاني و الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخَطُّ في الرِّمال لِبيان مستقبَل الإنسان أو لِلبحث عن أَمْرٍ ماضي ، هذا نوع مِن أنواع السِّحر
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد – في الحديث السابق –
( إنّ العِيافَة والطَّرْقَ والطِّيَرَة مِن الجِبْت )
يعني من السِّحر
الطَّرْق :
هو الخَطّ في الأرض لِكَي يستعلِم عن مستقبَله أو عن شيءٍ ماضي
ومِثلُهُ :
[ خُطوط الكَفّ ] كما يُقال [ قِراءة الكَفّ ]
ما عِلاقة هذه الخطوط بِمستقبَلِك ؟! في حياتك الزوجيّة أو الوظيفيّة أو ما شابه ذلك ؟
أسباب خَفيّة مَبْناها على التدليس
ومِثلُها :
أنّ بعض أنواع القهوة قد يبقى في الفُنجان ، قد تبقى بعض الخطوط فيَستَدِلّون بها على مستقبلٍ سيأتي أو على أمْرٍ قد مضى
ما علاقتُها ؟
حتّى إنّه لَيُدَلَّس على الناس في بعض البلدان خارج المملكة ، يقولون مِن باب التجميل : اقرأ قراءة الفَأْل .
وهي نفسُها [ قراءة الفُنجان أو الكَفّ ]
يقولون قراءة الفَأْل مِن باب التحسين لها .
فدلّ هذا على ماذا ؟ فدلّ هذا على أنّ السِّحر شَرُّه عظيم .
والمؤمن لله عزّ وجلّ حقيقةَ الإيمان لا يَلتفتُ إلى هذه الأشياء ، لكِن لو أنّ الإنسان خَطّ خطًّا في الأرض كَسُترَة -عند بعض العلماء- أو لِأمرٍ يحتاجُه لا لِهذه الأمور فلا حَرَج
المقصود مِن ذلك ما ذَكَرناه آنِفًا
الأصل الثالث و الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَذَر مِن النَّميمة التي بها يَحْصُل الإفساد بَين الناس ، وقد عُدَّت مِن أنواع السِّحر
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – كما في صحيح مسلم :
( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ ، النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ )
وفِي الصحيحَين :
( لا يَدْخُلُ الجنّةَ قَتّات )
وعند مسلم :
( لا يَدخُلُ الجنّة نَمّام )
لِمَ هي نوعٌ مِن أنواع السِّحر ؟
وَلَو لَمْ يَصِل إلى
الحُكم [ حُكم الساحر ] لكنّها مِن كبائر الذنوب
لكن هي في حقيقتها في صورتها تُشابِه السّحر ، لأنّ السِّحر كما أنّ فيه نوعًا -كما سبق- يُسَمَّى بِالصَّرْف ، صَرْف الزّوج عن زوجته ، كذلك النميمة تَصرِف بَين المتحابَّين
الأصل الرابع و الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر يا مسلم مِن أيّ شخصٍ فصيح اللسانِ بليغ العبارةِ :
– يتكلّم في الدِّين ويأتي بِغَيْر النُّصوص الشَّرعيّة
– أو يُحَرِّف النّصوص الشرعيّة بِعقله
– أو يأتي بالنّصوص على وجهها لكنّه لَمْ يَفهَمْها على فَهْم السَّلَف
فهؤلاء يَصرِفون الناس عن دِين الله ، وهذا نَوع مِن أنواع السِّحر .
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين :
( إنّ مِن البيانِ لَسِحْرًا )
فالفصاحة والبلاغة لا تُحمَد لِذاتِها ، إنَّما تُحمَد بِاعتِباراتِها ؛ فإن كانت الفصاحة والبلاغة لِبَيان شَرْع الله على ما فَهِمَهُ سَلَفُ هذه الأُمّة فَهِي خَيْر.
وَإِنْ لَمْ تَكُن وهذا موجود ومنتشر في القنوات الفضائيّة وفِي مقاطع اليوتيوب أُناسٌ أَدخَلوا عقولَهم وحرَّفوا النّصوص الشرعيّة بتأويلاتٍ فاسدةٍ وبعقولٍ ماجِنة ، هؤلاء صَرَفوا الناس عن دِين الله عزّ وجلّ وأدخَلوا عليهم الشُّبَه والشُّكوك
ولذا :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد :
(( أَخوَفُ ما أَخَاف على أُمَّتي مُنافِق عليمُ اللسان ))
فاحذروا
لِهذه الأصول المهمّة تتمّة ، لأنّها مهمّة لِعامّة الأُمّة .