خطبة رقم (16)
( أَحَدَ عَشَرَ أَصْلًا )
مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سالِفة عن اثنين وثلاثين أصلًا بعدَ المِئة مِن الأُصول المُهمّة المُختصَرة التي يحتاجُ إليها الـعـامّـيّ وطالبُ العِلم في هذا الــزَّمــن حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ مِن الزَّلل
الأصلُ الثَّالِثُ والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصَّبرُ يَجِبُ عليكَ فيما يتعلّق بأنواعه – ثلاثة :
عليكَ أن تصبِرَ على أداء طاعة الله
وعليكَ أن تصبِرَ في الكفّ عن معصية الله
وعليكَ أن تصبِرَ على ما أصابكَ ممّا لا يُلائمكَ مِن أقدار الله عزّ وجلّ المُؤلِمة
الأصلُ الرابع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليكَ واجِبان فيما يَتعلّقُ بِالمَقدور قَبْلَ أن يَقَع وبَعْدَ أن يَقَع .
المقدور قَبْلَ أن يَقَع :
عليكَ أن تَتَوَكَّلَ على الله وأن تفعلَ الأسباب وألّا تَنظُرَ إلى ما سيكونُ في المُستقبَل .
بعضُ الناس يَخشى في المستقبل مِن أن تَقَعَ به مُصيبة ، أو تَحِلّ به نَكبة أو يَخسَر في تِجَارَة وما شابَهَ ذلك مِن أنواع المصائب ؛ فيُشغِلُ قلبَه وبَدَنَه
فَدَعِ المُستقبَل لِرَبِّك .
قال تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }
أمّا بعدَ وقوع المَقدور :
الذي قَدَّرَهُ الله عزّ وجلّ عليك ، فَأَتاكَ ما لا يُلائمُكَ ممّا قَدَّرَهُ الله عزّ وجلّ عليكَ ممّا لا يُلائمكَ :
عليكَ أن تصبِرَ وأن تَحتَسِب .
الأصلُ الخامس والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العَبْدُ إذا أصابته مُصِيبَة فَهُوَ بَيْنَ أُمور :
إمَّا أن يَتَسَخّط على قَدَرِ الله :
فَيَفُوتُه الأجر ويَحِلّ عليه العقاب مِن الله عزّ وجلّ 《 وهذا حَرَام 》
وإمَّا أن يَصبِر :
والصَّبرُ واجبٌ ، وذلك بِأن يَكُفَّ نَفْسَهُ وقَلْبَهُ وجَوارِحهُ عن التَّسَخُّط . هو يَجِد أَلَم المُصيبة في قَلْبِه ، لكنّه يُمسِكُ نفسَه حَتَّىٰ لا يَتَسَخَّطَ ، وحتّى لا يُغضِبَ الله . 《 فهذا الصبرُ في حَقِّه واجبٌ 》 فَهُوَ يقول في نفسِه مُتَمنِّيًا أنّ المصيبة لَمْ تَقَع به ، لكنّه يَمسِكُ نَفْسَهُ ابتغاءَ الأجر مِن الله ، وخَوْفًا مِن الله .
وإمَّا أن يَرضى :
بعضُ الناس لا تَكونُ عنده حرارةُ أَلَم إذا وَقَعت به المُصيبة ، راضٍ . هذا ليس كُلُّ أَحَد يَقدِرُ عليه《 هذا مُستَحَبّ 》
وإمَّا أن يَشكُرَ الله :
وهذا أيضًا《 أعلىٰ قَدْرًا 》. ليسَ كُلُّ أَحَدٍ يستطيع أن يَشكُرَ اللهَ عند المُصيبة .
لَكِنْ كيفَ يَشكُرُ اللهَ عند المُصيبة ؟ مع أنّها مُصِيبَة .
يَشكُرُ الله ، مِن أنّ اللهَ عزّ وجلّ لَمْ يَحرِمهُ أجرَها ، ويَشكرُ اللهَ عزّ وجلّ أنّ هذه المصيبةَ لَمْ تَكُنْ أعظم ، لَمْ تَكُنْ أعظم .
وليـسَ معنى ذلك أنّ قلبَه مُتَبَلِّدُ الإحساس . لا
الأصلُ السادس والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النِّياحَةُ عند حُدوث المُصيبة مِن الكبائر .
لَكِنْ بعض الناس يَظُنّ أنّ النِّياحةَ لا تَكونُ إلّا في مُصِيبَة المَوت . لا
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيحِ مُـسْلِـمٍ قال :
( اثنتانِ في الناس هُـمـا بِهم كُفر : الطَّعنُ في النَّسَب والنِّياحةُ على المَيِّت ) ،
في حديث آخَر عند مسلم :
( أربَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِليَّة لا يَتْرُكُونَهُنّ . ذَكَرَ مِنْهَا النِّياحة وَلَمْ يُقَيِّدها بِالمَوت )
فَــمَـــنْ أصابته مُصِيبَةٌ فيما يَتعلّق بمَوْتٍ فَناحَ ، أو ذهبَتْ تِجارتُه فَناحَ ، أو ذَهَبتْ وَظيفتُه فَناحَ ، أو ضاعَ جاهُه فَناحَ فإنّ الحُكْمَ هُوَ هُوَ . على أيّ نَوْعٍ مِن أنواع المُصيبة
الأصلُ السابع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالَ كما في الصَّحيحَين ( ليسَ مِـنّــا مَنْ ضَرَبَ الخُدودَ وشَقَّ الجُيوبَ ودَعا بِدَعوى الجاهِليَّة )
على حُدوث المُصيبة قد يَشُقُّ الجَيْبَ أو يَضْرِب الخَدّ . وهذا الحُكْمُ عامٌّ للرجال وللنِّساء .
لا يَقْتَصِر هذا على شَقِّ الجَيْب ولا على ضَرْب الخَدّ .
مَن كَسَّرَ آنِيَةً ، مَنْ ضَرَبَ رأْسَه في الجِدار ، وما شابَهَ ذلك فَكُلُّ هذا مِن التَّسَخُّط على أقدارِ الله عزّ وجلّ .
الأصلُ الثَّامن والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّسَخُّطُ عند نُزول المُصيبة مِن كَبائرِ الذّنوب ، لَكِنْ قد يَصِل إلى الكُفر بِاللهِ ، وذلك فيما لَوْ أصابت الإنسان مُـصـيــبـةٌ فَتَرَكَ دِينَ الله ، فهذا كُـــــفْـــــــرٌ . نسأل الله السلامة والعافية .
قال تعالى :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
الأصلُ التاسع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُصيبةُ إذا نَزَلَت قد تَنزِلُ بِالصالحين ، وقد لا يَكُونُ ذَلِكَ بِسَببِ ذُنوب ، قد يَكُونُ مِن أجْلِ رِفْعَةِ دَرَجات . فأنتَ حالَ المُصيبة إن صَبَرتَ إمّا أن تُكفَّرَ سَيِّئاتُك وإمّا أن تُرفَعَ دَرَجاتُك .
ولذا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين – مع عَظيمِ مَنْزِلَتِه – قال ( إنِّي أُوعَكُ كَما يُوعَكُ الرَّجُلان )
يعني إذا أصابَتني الحُمَّى تُضَعَّفُ عَلَيَّ مَرَّتَيْن ؛ لِرِفْعَةِ دَرَجاتِه صلّى الله عليه وآله وسلّم .
الأصلُ الأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرِّضا بِالمُصيبةِ والصَّبْر عندها تُعطي العَبْدَ هُدوءًا واسْتِقرارًا نَفْسِيًّا . وهذا يَدُلّ على إيمانه بِقضاء اللهِ وبِقَدَرِه .
قال تعالى :
{ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
قال عَلْقَمة : هو الرَّجُل تُصِيبُه المُصيبةُ فَيَعْلَمُ أنَّها مِن عندِ الله فَيَرضا .
ولذا في قراءةٍ غَيرِ سَبْعِيَّة : ( ومن يؤمن بالله يهدأ قلبه )
والمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ عزّ وجلّ .
الأصلُ الحادي والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَعْظَمُ المِصائبِ مُصيبةُ الدِّين .
مُصِيبَةُ الدُّنيا لا شكَّ أنّها مُصِيبَةٌ وشاقّةٌ على النّـفوس ، لَكِنْ أعظم المَصائب أن تُصابَ في دِينِك .
ولِذا كان مِن دُعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند التِّرمِذيّ كما ثَبَتَ عَـنْـهُ ( ولا تَجعَلْ مُصيبَتَنا في دِينِنا ) .
الأصلُ الثاني والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الابتِلاء لا يَكُونُ فقط في حُصولِ مُصِيبَة ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بَلْ يَكُونُ عِنْدَ حُصولِ نِعْمةٍ .
فإنّ بعضًا مِن النَّاسِ قد تُصِيبُه المُصيبةُ ممّا لا تُلائمُهُ ولا تُناسِبُهُ ، فهذهِ مُصِيبَةٌ في زَوالِ مَحبوبٍ له أو حُصولِ مَكروهٍ .
لَكِنَّ النوعَ الثاني ويَظُنُّه بعضُ النّاسِ أنّه أَخَفُّ ، بَلْ إنّ بعضَهم يَظُنُّ أنّه ليسَ ابتِلاءً ، وذلكَ حينما تَحْصُلُ لِلعَبْدِ نعمةٌ أو نِعَم ، فإذا بهِ لا يَشكُرُ اللهَ . فإذا لَمْ يَشكُرِ اللهَ فإنّه حِينَها خَسِر .
يقولُ عبدُالرحمٰن بن عَوْف رضي الله عنه كما ثبتَ عنه عند التِّرمِذيّ
( ابْتُلِينا بِالضَّرَّاء فَصَبَرنا ، وابْتُلِينا بالسَّرَّاء فَلَمْ نَصْبِر )
ولِذا بعضُهم قد تَأتِيه النِّعمةُ فَيَطغى ويَتكبَّر على حقّ الله وعلى حقّ الخَلْق . فهذه مِن أعظم المَصائب .
الأصلُ الثالث والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أصابتكَ مُصِيبَةٌ فَقُلْ كما جاء في الشَّرع :
( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ اؤجُرْنِي في مُصيبتي وأَخْلِفْ لي خيرًا مِنها ، قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَل )
ما معنى هذا الكلام ؟
( إنَّا لله ) : أي نَحْنُ مُلْكٌ لله ، يفعلُ بِنَا ما يَشاء .
ثمّ ماذا لو نَزلَت المُصيبة ؟ المَرَدّ إلى الله .
ولِذا بعدها : ( وإنّا إِلَيْهِ راجعون )
الثَّمَرات : المُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ الله ، المُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ الله .
{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ }
{ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } يُثني الله عزّ وجلّ عليهم في المَلَأ الأَعْلَى
{ وَرَحْمَةٌ } رَحْمَة مُطْلَقة .
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } هِداية عامّة .
فَـمـا ظَنُّكَ بِمَن أَثنى اللهُ عَلَيْهِ في المَلَأ الأَعْلَى ؟! وما ظَنُّكَ بِمَن رَحِمَه ؟! وما ظَنُّكَ بِمَن هَداه الله ؟!
كمْ مِن الخَيْرَات !
لَكِنّ المُوَفَّقَ مَن وَفَّقَهُ الله
( اللَّهُمَّ اؤجُرْني في مُصِيبَتي وأَخْلِفْ لي خَيرًا مِنها )
يَعني لا تَحرِمني أَجر هذه المُصيبة .
( وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنها ) أعطِني خَيرًا منها .
فإنّ العَبْدَ متى ما قالَ هذه فإنّ الله عزّ وجلّ سَيُثِيبُهُ على مُصِيبَتِه وسَيخلفُهُ اللهُ خَيرًا منها .
ودَلِيلُه : أُمُّ سَلَمَة لمّا ماتَ زوجُها فأرشدَها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن تَقُولَ هذا القَوْلَ . فأَخلَفَها الله عزّ وجلّ بِمَن هو أعظم مِن أبي سَلَمَة رضي الله عنه ، بِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ تزوّجَها .
( قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَل )
( قَدَّرَ اللهُ ) هذا قَدَرُ الله وليـسَ لكَ خُروجٌ وطاقَةٌ وقُدْرةٌ عن قَدَرِ الله .
ولِذا قال بَعْدَها ( وما شاءَ فَعَل ) استِسلام كـامِل لله عزّ وجلّ .
اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بِـكَ مِن جَهْدِ الْبَلاء ودَرَكِ الشَّقاء وسُوءِ القَضاء وشَماتةِ الأعداء . اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بكِ مِن زَوال نِعمَتِك وتَحَوُّلِ عافيَتِك وفُجاءةِ نِقمَتِك وجميعِ سَخَطِك
وهذه الأُصول بإذن الله لها تَتِمّة لأنّها مُـــهِـــمَّـــةٌ