خطبة
ستّة أحكام فِقهِيّة مهمّة بأدلّتها الشرعيّة عن ( بعض مفطّرات الصّيام )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَديثُنا في هذا اليَوم عن أَحكامٍ فِقهِيّةٍ مُختَصَرَةٍ بِأدِلَّتِها الشَّرعِيّةِ عن بَعضِ مُفطِّراتِ الصَّوم
▪أوّلًا :
الجِماع : وهُوَ أَعْظَمُها .
[[ فَمَن جامَعَ في نَهارِ رمضانَ فإنّه مِن أَعظَمِ المُفَطِّراتِ وعَلِيهِ الكَفَّارَةُ المُغَلَّظَة ]]
والجِماعُ يَحْصُل ( بِتَغيِيبِ حَشَفَةِ الذَّكَر – يَعني بِمُقَدِّمَةِ الذَّكَر – وَلَوْ لَمْ يُنزِل ) فإنّه إن فَعَلَ ذَلِكَ فَإنّهُ يَكونُ جِماعًا
فَالنَّبِيُّ ﷺ كما في الصَّحِيحَينِ :
(( لَمّا أتاهُ رَجُلٌ فَقالَ : يا رسولَ اللهِ ، هَلَكتُ .
قالَ : ” وما ذاكَ ؟ “
قالَ : وَقَعْتُ على امْرَأتِي في نَهارِ رَمضان .
فَقالَ : ﷺ ” أَعتِق رَقَبَة “.
– فأَمَرَهُ أن يُعتِقَ رَقَبَة -.
قالَ : لا أَجِدُ .
قالَ : ” فَصُم شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ “.
قالَ : لا أستَطيعُ .
فَقالَ ﷺ : ” فَأَطعِم سِتِّينَ مِسكينًا ” ))
والمَقصُودُ مِن عَدَمِ الِاستِطاعة ، لَيسَتِ المَشَقَّةَ ؛ لِأنَّ الصَّومَ في الغالبِ يَكُونُ شاقًّا
– وإنّما المَقصودُ : مَن لَمْ يَستَطِعِ الصَّومَ فَيَنتَقِل إلى الإطعامِ إذا كانَ الإنسانُ كبيرًا في السِّنِّ أو كانَ بهِ مَرَضٌ لا يُرجَى بُرؤُهُ ، أو ما شابَهَ هذه الأَعذار .
[[ فَتَغيِيبُ الحَشَفَة يَكُونُ مُفَطِّرًا وعَلَيهِ هذه الكَفّارَة المُغَلَّظَة ]]
▪ثانيًا :
تَقبيلُ الإِنسانِ لِزَوجَتِهِ ومُباشَرةِ هذه الزّوجة بِضَمٍّ وما شابَهَ ذَلِكَ إذا كان صائمًا [[ فَلا إشكالَ في ذَلِكَ ]]
فقد جَاءَ في الصَّحِيحَينِ :
أنّ النَّبِيَّ ﷺ كان يُقِبِّلُ وهو صائمٌ .
[[ شَرِيطَةَ ]] :
أن يَعرِفَ الإنسانُ مِن نَفْسِهِ أنّ هذا الضَّمّ وهذا التَّقبيل وهذه المُباشرة [[ شَريطةَ ألَّا تَجُرَّهُ إلى الجِماع أو حتّى لا يَنزِلَ مِنهُ مَنِيّ ]].
فإن خافَ أن يُوقِعَهُ هذا التَّقبيل وتِلكَ المُباشَرة في الجِماع أو يَتَرَتَّب على ذلك نُزول المَنِيّ [[ فإنّه لا يَجُوزُ لَهُ هذا التَّقبيل ولا هذه المُباشَرة ]] .
ثالِثًا :
إنزالُ المَنِيّ [[ باختيار الإنسان باختيار الإنسان ]]
وذَلِكَ لأنّ الإنسان رُبّما أنّه يَستَيقِظُ مِن نَومِهِ فَيَجِدُ مَنِيًّا ، [[ فَهُنَا : لا إشكالَ في ذلك وصِيامُه صحيح ؛ لأنّه مِن غَير اختِيارِه ]].
– لَكِنّ الحديث :
لَوْ أنّ الإنسانَ أَمْنَى مُتَعَمِّدًا
أو كانَ مُتَسَبِّبًا : بِمَعنى أنّه قَبَّلَ فَأَمْنَى أو باشَرَ بِضَمِّ زَوجَتِه فَأَمْنَى
[[ فإنّه يَكُونُ مُفَطِّرًا مِن مُفَطِّراتِ الصّيام ]]
أمّا المَذي : وهو أنّ الإنسان يُقبِّل أو يُباشِر فَيَحصُلُ مِنه مَذي [[ فإنّه لا يُفَطِّر ]].
والدّليل : أنّ النَّبِيَّ ﷺ قال كما في الصَّحِيحَينِ
(( قال الله عزّ وجلّ : لِيَدَع طعامَه وشَرابَه وشَهوَتَه مِن أَجْلِي ))
قال : ((.. وشَهوَتَه مِن أَجْلِي )) فيَدخُلُ فيها المَنِيّ
أمّا المَذي فَإنّه لا يَدخُلُ في ذلك ؛ لأنّه لا يُقاسُ على المَنِيّ مِن حيثُ الشَّهوَة وما شابَهَ ذلك .
▪رابِعًا :
[[ أنّ مَنِ استَقاءَ عَمدًا فإنَّ صَومَهُ يَفسُد ]] .
استَقاءَ عمدًا : يعني استَفرَغَ .
– لَكِنْ لو أنّه حَصلَ مِنه بِدُون اختِياره : [[ فَصَومُه صحيح ولا حَرَجَ عليه في ذَلِكَ ؛ لأنّه مَن غَير اختِيارِه ]]
– أمّا إذا كان مُتَعَمِّدًا : [[ فَيَفسُد الصَّوم ]]
لأنّ النبيَّ ﷺ كما ثَبَتَ عِنْدَ أحمدَ وأبي دَاوُدَ قال :
(( مَن ذَرَعَهُ القَيْءُ فَلا قَضاءَ عَلَيْهِ .. ))
مَن ذَرَعَهُ : يَعْنِي غَلَبَهُ القَيْءُ فلا قضاء عليه
(( .. ومَنِ استقاءَ عَمدًا فَلْيَقضِ ))
▪خامِسًا :
الإنسانُ واجِبٌ عليه أن يمتَنِع عن الطعامِ والشّرابِ إذا طَلَعَ الفَجرُ الثاني
قالَ اللهُ عزّ وجلّ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }
ومِن ثَمَّ فإنّ المُؤذِّنَ إذا كان يُؤَذِّنُ في نَفْسِ الوقتِ ( حينما يطلعُ الفجرُ الثاني ) :
[[ فَيَتَعَيَّن على المُسلم أن يَمتَنِعَ عَنِ الأكلِ وعنِ الشّرابِ وَعَن سائرِ المُفَطِّرات ]].
ولِذا لَوْ أنّه أَكَلَ أو شَرِبَ حينما أَذَّنَ المؤذِّنُ الذي يؤذِّنُ في الوقتِ [[ فإنّ صومَه لا يصحّ ]] ؛ لأنّه لَم يَتَقَيّد بِالزَّمَن الشَّرعِيّ .
ومِن ثَمَّ فإنّه لا يَجُوزُ له الشُّرب إلّا في حالةٍ واحدةٍ :
وهي كما ثَبَتَ بِشَواهِد كثيرة مِن أنّ النبيَّ ﷺ كما عند أبي دَاوُدَ قال :
(( إِذا سَمِعَ أَحَدُكُم النِّداءَ .. )) يَعني الأَذان
(( إِذا سَمِعَ أحَدُكُمُ النِّداءَ وَالإِناءُ فِي يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقضِيَ مِنهُ حاجَتَهُ ))
مِثالُ ذلك :
– لَو أنّ الإنسان كان مثلًا الكَأْسُ في يَدِه فأَرادَ أن يَشرَب فإذا بالمؤذَّن يُؤَذِّن [[ فَهُنَا : يَشرَب حَتّى يَقضِيَ مِنه حاجَتَه ]]
– لَكِنْ لَوْ أنَّ الكأسَ مثلًا أو الإناءَ كانَ في الأرض ، فَلَمّا أَذَّنَ أَخَذَهُ [[ هذا لا يَدخُلُ ضِمْنَ هذه الرُّخصَة ]]
لذلكَ يُتَنَبَّه إلى هذا الأَمْر .
▪سادِسًا :
النبيُّ ﷺ كما ثبتَ عنه عند أبي دَاوُدَ :
[[ وهو حَديثٌ صحيحٌ ولَيسَ بِمَنسوخٍ ]]
بل بَيَّنْتُ ذَلِكَ في مَوطِنٍ وتَوَسَّعتُ في ذَلِكَ أكْثَرَ مِن هذا الموطِن
قال ﷺ (( أَفطَرَ الحاجِمُ والمَحجُومُ ))
ويَدخُلُ ضِمنَ ذَلِكَ : [[ التَّبَرُّعُ بِالدَّم أو إخراجُ الدَّمِ الكثير بِاختِيار الإنسان ]]
لَكِنْ لَوْ أنّ الإنسان مثلًا خَرَجَ مِنهُ دمٌ مِن غَير اختياره :
– كَأَن يَحضُرَ مَثَلًا فَيَسقُط فَتَسِيل منه دِماء . [[ هذا مِن غير اختياره . وَلَوْ كانت كثيرة ]]
– إنسان مثلًا خَرَجَ منه مثلًا دم بَواسير أو ناصور [[ لَو كانَ كثيرًا . هذا مِن غير اختياره . صِيامُه صحيح ]]
وعلى هذا فَقِس ..
الدَّم الذي يخرُجُ منك ولو عَظُمَ وكَثُرَ مِن غَير اختِيارِك [[ فَهُنا : لا قضاءَ عليكَ ، وصَومُك صحيح ]]
لَكِنْ إِنْ كانَ بِاختيارِك وكان كثيرًا [[ وكانَ كثيرًا فإنّه يَأخُذُ حُكمَ الحِجامَة ]]
أَسأَل اللهَ عزّوجلّ لِي ولَكُم العِلمَ النَّافِعَ والعَمَلَ الصَّالِحَ