خطبة
( ستة عشر ) حكما فقهيا مختصرا بالدليل عن
( مسائل متنوعة في الطهارة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديثُنا في هذا الْيَوْمِ عن أحكامٍ فِقهِيّةٍ مُختصَرَة بِأدِلَّتِها الشَّرعيَّة في مسائلَ مُتَنَوِّعَة عن الطهارة
▪أوّلًا :
إذا قامَ الإنسانُ مِن النَّوْم ولا سِيَّما مِن نَوْمِ اللَّيل《 فإنّ عَلَيْهِ ألَّا يُدخِلَ يَدَهُ في الإناءِ حتّى يَغسِلَها ثَلاثًا 》 .
وهذا قد يُحتاجُ إليهِ في مِثلِ هذا الزمن لِمَن يكونُ في البَرِّ في الصحراء
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما عندَ مسلم ، وبِنَحْوِهِ عندَ البُخاريّ :
(( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ))
ولا يَدُلُّ هذا على أنّه إذا غَمَسَها ( لا يَدُلُّ على أنّ الماءَ يَنْجُس . لا ) لَكِنْ لِقُرْبِ الشَّيْطَانِ مِن الإنسانِ أثناءَ النَّوْمِ .
ولذلك في الصَّحيحَيْنِ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ ))
وَإِذًا هُنَا إضافة وهي :
أنّ الإنسان إذا قامَ مِن النَّوم ولا سيَّما مِن نَوم اللَّيل فماذا عليهِ ؟
يَستَنثِر ثَلَاثَ مَرّات . إِلَّا إِنْ كان يُريدُ الوضوء [ فَاسْتِنثارُ الوُضوء يَكفي عن هذا الِاسْتِنثار ] لِرواية البخاريّ رحمه الله
▪ثانيًا :
الماءُ المُسَبَّل لِلشُّرْب《 لا يَجوزُ لِأَحَدٍ أن يَتَوَضَّأَ بِهِ ولا أن يَستَخدِمَه في غَيرِ الشُّربِ 》
وذلك كما يُوضَع في مِثلِ هذا الزَّمن بعض القوارير التي هي مِياه لِلشُّرب أو ما يكونُ مِن مِياهِ البرَّادات التي أُوقِفَت . فإنّه لا يَجُوز له .
لِمَ ؟
لِأنّه مالٌ أُخرِجَ لِلّهِ عزّ وجلّ ، وأرادَ صاحِبُه شيئًا مُعَيَّنًا . فلا يُستَخدَم في غَيرِ هذا الشيء المُعَيَّن إلَّا إن تَسامَحَ عُرْفُ الناس أو دَلَّت قَرائِن ، فَهُنا أمرٌ آخر .
《 لَكِنّ الأَصْلَ هُوَ المَنْع 》فإنِ اسْتخدَمَهُ فَوُضُوؤُه صحيح لَكِنَّه آثِمٌ .
▪ثالِثًا :
إذا أصابَ ثَوْبُ الإنسانِ نَجاسَةً فَغَسَلَها وحَرِصَ على أن يَغسِلَها وبَقِيَ – عَجْزًا مِنْهُ – بَقِيَ ريحُ النَّجاسَةِ أو لَونُها 《 فلا يُؤَثِّر ذلك في طهارةِ ثَوبِه 》
ولذلك ثَبَت في المُسنَد تِلكَ المرأةُ التي سَأَلَت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن دَمِ الحَيض يُصِيبُ الثَّوبَ . فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( يَكفِيكِ الماءُ ولا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ ))
▪رابِعًا :
الهِرَّة هِيَ مِمّا يَطُوفُ عَلَيْنا
فَـ《 رِيقُها وعَرَقُها ولُعابُها 》طاهِرٌ .
أمّا《 فَضَلاتُها 》 فَلَا .
والدَّليل : ثَبَت في السُّنَن قَوْلُه صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الهِرَّة (( إنّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّما هِيَ مِنَ الطَّوّافِينَ عَلَيكُم ))
▪خامِسًا :
《 أيُّ حَيَوانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُه 》سَواءٌ كانَ حَيَوانًا أَهْلِيًّا أو بَرِيًّا ، أيُّ حَيَوان :
فَـ《 بَوْلُهُ ورَوْثُهُ ومَنِيُّهُ وقَيْؤُهُ طاهِرٌ 》
والدَّليلُ جَاءَ في الصَّحيحَين في قِصَّةِ أولئك القَوم العُرَنِيِّينَ الذين اشْتَكَوا بُطُونَهُم :
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم -كما في الصَّحيحَين :
(( أَمَرَهم أن يَشْرَبُوا مِن أَلْبانِ ، وأَبْوالِ الإِبِلِ ))
مِن أَجْلِ أنْ يُشْفَوا مِن هذا المَرَض .
[ وَوَجْهُ الِاستشهاد : (( وأَبْوالِ الإِبِلِ )) ]
فدلّ هذا على أنّ《 كُلَّ ما يُؤْكَلُ لَحْمُه فَبَولُه ورَوْثُه ومَنِيُّه وقَيْؤُه طاهِرٌ 》
ولِذا لَوْ ذَهَبتَ إلى سوقِ الغَنَمِ مَثَلًا وبالَتْ على ثيابِك أو على بَدَنِكَ شاةٌ ، فَحَضَرَتِ الصلاة ، فَصَلَّيْتَ فَصلاتُك صحيحة .
لا شَكَّ أنّ الأفضلَ أن يَتَطَهَّرَ الإنسانُ مِن بابِ أن يَدخُلَ إلى الصلاةِ بِثَوبٍ حَسَنٍ وبِهَيئَةٍ حَسَنَة . لَكِنْ لَوْ صَلَّى فَصَلاتُه صحيحة
مَثَلًا :
بَوْل ورَوْث ( الضَّبّ ) الذي يكونُ في الصحراء أو ( الغزال ) أو ما شابَهَ ذلك ممّا يُؤكَلُ في الصحراء . هذا الحُكم هو نَفْسُ الحُكم . لا يَتَغَيَّر
▪سادِسًا :
الآدَمِيُّ《 بَدَنُه طاهِر 》
ولِذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين : (( إنّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ ))
لَكِنْ《 لَوْ كان هذا الآدَمِيُّ كافِرًا 》
فَقَدْ يُغَسِّل أَواني المُسلم ، ورُبّما يَطبَخُ لهُ وما شابَهَ ذلك《 فالصَّحيحُ أنّهُ طاهِرٌ مِن حيثُ البَدَن 》
( لَكِنْ مِن حيثُ القَلْب )؛ لِمَا في قَلبِهِ مِنَ الشِّرك فَقَلبُهُ نَجِس { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ .. }
( لَكِنْ مِن حيثُ البَدَن ): فَطاهِرٌ ولا إشكالَ في ذلك . ولذلكَ اللهُ عزّ وجلّ أباحَ لَنا طعامَهم .
يعني طعام مَـنْ ؟
طعام اليهود والنصارى { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ .. } يعني الذَّبائح
وأيضًا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أكلَ مِن طَعَامِ اليهود . فَدَلّ على أنّ أبْدانَهم طاهِرة .
▪سابِعًا :
《 مَنِيُّ الآدَمِيّ 》على الصحيحِ طاهِر
《 المنِيٌّ طاهِرٌ 》 على الصحيح
والدَّليل :
أنّ عائشةَ رضي اللهُ عنها كما في الصَّحيحَين (( كانت تَغسِلُ الرَّطْبَ مِن ثَوبِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وتَفرُكُ اليابِس )) .
فدلّ هذا على ماذا ؟
على أنّه طاهِر ؛ لأنّ الفَرْكَ لا يُزِيلُ النّجاسَةَ
▪ثامِنًا :
《 المَذْي 》وهو السائل الرّقيق الذي يخرُجُ عندَ تَذَكُّرِ الجِماع أو مُداعَبَةِ الزَّوجة. لَيْسَ المَنِيّ
《 المَذْي هذا نَجِس 》
《 فَإِنْ أَصابَ البَدَنَ فَيُغْسَل 》؛ لِقَولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين :
(( اغسِلْ ذَكَرَكَ وتَوَضَّأْ ))
ويَلْزَم معَ غَسلِ الذَّكَر أن تَغسِلَ الأُنثَيَيْنِ ( يعني الخُصْيَتَيْن ) ، لِمَا ثَبَت عند أبي دَاوُدَ قال (( لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وأُنْثَيَيْهِ )) يعني خُصيَتَيْه .
لكنْ لَوْ أَصابَ الثَّوبَ ؟
فَقَدْ جَاءَ عند التِّرمِذِيِّ لَمّا سُئل صلّى الله عليه وآله وسلّم عنه ( عن المَذْي ) إذا أصابَ الثوب :
قال (( إنَّما يَكفِيكَ أنْ تَنضَحَهُ بِالماءِ )) يعني أن تَرُشَّ عليه الماء وأن تُكاثِرَ عليه الماء .
فدلّ على أنّ وقوعَه على البَدَن يُغسَل . مَعَ ماذا ؟ مع غَسْل الذَّكَر والأُنثَيَين
هذا إِنْ وَقَعَ على البَدَن ( على يَدٍ أو على فَخِذ ).
《 فَإِنْ وَقَعَ على الثَّوب ، فَلْيُنْضَحْ 》كما مَرَّ
▪تاسِعًا :
《 القَيْء 》الذي يَخْرُج مِن الإِنسان
《 نَجِس 》 على الصَّحيح
لِمَ ؟
لأنّه طعامٌ اسْتَحالَ إلى المَعِدَة فَتَغَيَّرَ فأصبحَ مِثل … ماذا ؟
مِثل الغائط
ولذلك تَستَبشِعُهُ النُّفوس إذا رَأَتْهُ .
▪عاشِرًا :
《 القَيْح والصَّدِيد والمِياه 》
《 التي تَخْرُج مِن جُروحِ الإنسان 》:
《 طاهِرة على الصحيح 》
وذلك لأنّه لا دليلَ على نَجاسَتِها
▪الحادي عَشَر :
《 دَمُ السَّمكِ طاهِرٌ 》؛ لِأنّ مَيتَتَهُ طاهِرةٌ .
عند ابن ماجَهْ كما ثَبَت عن ابنِ عُـمَـرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال (( أُحِلَّت لَنا مَيتَتان ودَمَان ))
قال (( فَأَمّا المَيتَتان فَالجَراد والحُوت )) الجَراد و الحوت .
( الحُوت ): يعني السمك .
فَدَلّ هذا على أنّ الإنسان لَوْ أصابَ ثَوبَه أو بَدَنه دِماءٌ كثيرةٌ مِن دِماء السَّمَك فإنّه طاهِر ولَيْسَ بِنَجِس .
▪الثاني عَشَر :
《 الحَشَرات التي لها دَم . لَكِنّ دَمَها لا يَسِيل 》《 هذا الدَّمُ طاهِر》
مِثلُ ماذا ؟ مِثلُ الذُّباب .
لَوْ أنّ الإنسان مَثَلًا أَتَى على ثَوبه ذُبَابًا فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فإذا بِالدَّمِ يَبْقَى عَلَى بَدَنِهِ فَصَلّى فَصَلاتُه صحيحة
قــاعِــدة :
[ أيُّ حَشَرَةٍ لها دَمٌ لَكِنَّ دَمَها لا يَسِيل – مثل الخنفساء والعقرب – دَمُها طاهِرٌ ]
والدَّليل : ما جاء في صحيح البُخارِيّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ))
إذا غَمَسَه ماذا يَجري لِلذُّباب ؟ يَمُوت
فإذا كانت مَيْتَتُهُ طاهِرة إذًا فَدَمُهُ طاهِر
ويُقاسُ عَلَى الذُّباب ( كُلُّ حَشَرَةٍ أو دابّةٍ لَها دَمٌ لَكِنَّ دَمَها لا يَسِيل ) .
▪الثالِث عَشَر :
《 الدَّمُ الذي يَبْقَى في لَحْمِ البَهيمَةِ التي تُؤكَلُ طاهِر ٌ 》
ولذلكَ لَوْ أنّ الإنسان مَثَلًا حَمَل معه مَثَلًا لَحمًا مِن شاةٍ أو ما شابهَ ذلك فَتَلَوَّثَ ثَوبُه كُلُّهُ بِهذا الدَّم . تغيّرَ ، فهذا طاهِر
ولذلك الصحابة رَضِيَ الله عنهم كانوا يَضَعون اللحم في القُدور ويَرَون خُطوط الدَّم في ذلك ، فما كانوا يغسِلون القُدور مِنها . فَدَلَّ على طَهارَتِه .
《 إِلَّا الدَّم المَسفوح 》الذي يَخْرُج عند تَذكِيَة البَهِيمَة《 هذا الدَّم المَسفُوح نَجِس 》
{ قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ .. }
أمّا الدِّماء التي تَخْرُج مِن غَيرِ هذا المَوطِن عند ذَبحِ الذَّبِيحَة فإنَّها دِماءٌ طاهِرة
▪الرّابِع عَشَر :
《 دَمُ الآدَمِيّ الشهيد طاهِر 》؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحين قال :
(( يَأْتِي دَمُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ رِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ ))
فَكَونُه يُشَبِّهُهُ بِرِيح المِسْك دَلَّ على طهارتِه .
《 أمّا الآدَمِيّ غَير الشهيد 》فَخِلافٌ بَينَ أهلِ العِلم . لكِنّ الظاهِر أنّ دَمَ الآدَمِيّ طاهِر .
لِمَ ؟
لأنّ الصحابةَ رَضِيَ الله عنهم كانوا يُصَلُّونَ والدِّماءُ تَنزِفُ منهم ويُكمِلونَ صلاتَهم .
وأيضًا لأنّ مَيتَةَ الآدَمِيّ ( الآدَمِيّ إذا ماتَ طاهِر )
فإذا كانت مَيتَتُهُ طاهِرة ، فَيَكُونُ دَمُهُ طاهِرًا .
▪الخامِس عَشَر :
《 الدَّم الذي يَخْرُج مِن الذَّكَر أوِ الدُّبُر 》 لِمَرَضٍ أو ما شابهَ ذلك فإنّه نَجِس《 فإنّه نَجِس 》
ولذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحين ، لمّا سُئِلَ عن دَمِ الِاستِحاضة قال (( اغْسِلِي عَنْكِ الدَّم ))
▪السادِس عشر :
دِماء الحيوانات التي يُؤْكَلُ لحمُها《 مِثل الشاة وهي حَيَّة》《 وهِيَ حَيَّة ، دَمُها نَجِس 》
الكلام عنها وهِيَ حَيَّة ، أمّا إذا كانت بعد ذَبْحِها فكما سبقَ الحديثُ عَنْهُ .
دَمُها نَجِس وهِيَ حيّة《 لَكِنْ يُعفَى عن يَسِيرهِ 》. هذا إذا كانت حَيّة .
مَثَلًا :
لَوْ أُصيبَتْ بِجُرحٍ وأصابكَ شيءٌ مِن دمِها :
《 فَإِنْ كان يسيرًا فَيُعفَى عنه 》
《 وإذا كان كثيرًا فإنّه لا يُعفَى عنه 》
هذه جُملةٌ مِن المسائل المُتَعَلِّقَة بِالطهارة بِأنواعِها
أسألُ اللهَ عزّ وجلّ لي ولَكُم العِلم النافع والعمل الصالح