بسم الله الرحمن الرحيم
خُطبة: صفة الصلاة (4)
من الرفع من السجدة الأولى إلى القيام في الركعة الثالثة
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
كنا في الجمعة الماضية تحدثنا عن: صفة الصلاة فيما يتعلق بالركوع وبالسجود.
الجلسة بين السجدتين
فإذا رفع المصلي من السجود/ فإنه يجلس بين السجدتين، وواجبٌ عليه أن يطمئن:
وهو أن يعودَ كلُّ عظمٍ إلى موضعه كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحة ومرت معنا؛
تنبيه على خطا: لأن بعض الناس من حين ما يرفع من السجود إذا به يسجد السجدة الثانية مباشرة! ومثل هذا لا تصح صلاتُهُ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة وهي ( الطمأنينة ).
ويقول في هذه الجلسة: كما جاءت بذلك النصوص من مجموع ما جاء في السنن
( رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وعافني، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي، وَاجْبُرْنِي )
هذا من مجموع ما جاء عن النبي ﷺ في السنن
( رَبِّ اغْفِرْ لِي) ولو اقتصر على كلمة ( رَبِّ اغْفِرْ لِي) فقد صح بها الحديثُ عن النبي ﷺ كما عند ابنِ ماجه وغيره
وهذا يؤكد ماذا؟ يؤكد أنَّ قولَ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي) ولو مرة واحدة هو الواجب – خلافاً لمن يقول بخلاف ذلك – وأنه لو ترك ذلك فقد ترك واجباً من واجبات الصلاة فلا تصح صلاته إذا كان متعمداً
ما الدليل؟ النبي ﷺ كما ثبت عنه من أنه كرر كلمة ( رَبِّ اغْفِرْ لِي) ومعلومٌ أنَّ السكوتَ في الصلاة لا يكون – كما قرر أهل العلم وكما هي حالُه ﷺ –
فكونه يقتصر على كلمة ( رَبِّ اغْفِرْ لِي) ويكررها دل على أنه هو الواجب، مع تقريرنا من أن الصلاة لا سكوتَ فيها.
فلو اقتصر على كلمة واحدة ( رَبِّ اغْفِرْ لِي) هذا هو الواجب وما زاد فهو من السنة.
جلسة الافتراش
وإذا جلس فإنه يجلس – وهذا ما تسمى بجلسة الافتراش – من أنه يفرُشُ رِجله اليسرى ويقعُد عليها وينصِب رِجلَهُ اليمنى، تطبيق عملي من الشيخ (النصب هكذا الارتفاع يعني تكون مرتفعة، ويستقبل بأصابع رجلَيه القبلة، هذا هو الافتراش).
وتكونُ يدُهُ اليمنى على فخِذِه الأيمن، واليسرى كذلك وتكونان على الصحيح مبسوطتين.
أما ما جاء من حديث – وسأذكر ذلك باختصار لأن المقام ليس مقاماً للتحقيق في هذا –
من أنه ورد وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: من أنه يُشير بأصبعه بين السجدتين.
فنقول: هذا الحديث رواه عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل، ورواه عن عاصم جماعة، هؤلاء الجماعة افترقوا وهم ثقات افترقوا على ثلاثِ فرق، منهم: من أطلق ذلك ولم يذكره لا في جلسة التشهد ولا بين السجدتين، منهم ابن عيينة والثوري وغير هذين، ومنهم: من حدد من أنه في التشهد فقط كابن عيينة رحمه الله وكشعبة أيضاً، ومنهم: من جعله بين الجلسة بين السجدتين وقد روى ذلك عبدالرزاق في مصنفه عن الثوري، ومعلومٌ مِن أنَّ هذه الرواية لو نظر فيها الإنسان نظر إلى أنَّ بها شذوذاً؛ لا لكون الثوري أخطأ وإنما والعلمُ عند الله: عبدالرزاق مع أنه حافظ وثقة وقد ذُكِرَ في علم الرجال – ذكر الأئمة من أن له بعض الأوهام – فلعل الوهم حصل من عبدالرزاق؛ فإذاً تكون على الصحيح فيما أراه مرجحا: من أنها شاذة في هذا الموطن وإنما يُشار بالأُصبُع في ماذا؟ في التشهد فقط في التشهد الأول وفي التشهد الثاني؛ أما بين السجدتين فالذي يظهر من أنها رواية شاذة.
السجدة الثانية
ثم يسجُد السجدةَ الثانية ويقول: (سبحان ربيَ الأعلى) والأكمل ثلاث مرات،
وما جاء من أذكار عن النبي ﷺ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) إلى غير ذلك.
وَلْيُكْثِر من الدعاء في السجود كما في صحيح مسلم قال ﷺ:
( وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) “فَقَمِنٌ” يعني: حريّ.
ثم يرفع من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية
“لأن ما مضى هو الحديث عن الركعة الأولى”
ثم يرفع: هل يرفع وهو قد اعتمد على ركبتيه دون أن يعتمد على الأرض؟
أو أنه يعتمد على الأرض فتكون جلسة الاستراحة؟
فعلى كل حال الأمر في هذا واسع، لكنَّ الذي يظهر:
من أن الحديث بالإضافة إلى ما جاء في الآثار من أنه يقوم معتمداً على ركبتيه هذا لمن يقدر، أما من لا يقدر فإنه يجلِسُ جلسة خفيفة ثم يعتمد بيديه على الأرض ثم يقوم إلى الركعة الثانية، وهذه لا تكون إلا في وتر من الصلاة تسمى بجلسة الاستراحة، يعني إذا قام إلى الثانية وإذا قام إلى الرابعة، والنبي ﷺ كما هو ظاهر من أنه ﷺ ما فعلها إلا في آخر حياته ولذلك كان يقول في آخر حياته: ( إِنِّي قَدْ بَدنتُ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ )
وكان يصلي كثيراً في آخر حياته وهو جالس صلاة الليل عليه الصلاة والسلام، ففي هذا إشارة إلى أن هذه لا تُفعل إلا عند الحاجة،
والأمر كما أُقرر من أن الأمر في ذلك واسع، من جلسها فله ذلك وقد قال بذلك بعض أهل العلم ولهم قدر ومكانة، من لم يجلسها فقد قال بهذه أيضاً أهل العلم ولهم قدر في ذلك.
فإذاً يقوم إلى الركعة الثانية/ ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى، اللهم أنه لا دعاء استفتاح في الركعة الثانية.
وهل يتعوذ قبل القراءة أو لا؟ قولان، والأمر في ذلك واسع.
ولتكن الركعةُ الثانية أقل من الركعةِ الأولى كما في جاءت بذلك الأدلة الكثيرة في هذا.
فإذا أنهى الركعة الثانية وقام من السجدة الثانية هنا سيجلس جلسة التشهد
سيتشهد: (التحيات لله والصلوات والطيبات..) الخ
والتشهد أنواع: تشهد ابن مسعود، تشهد أبي موسى الأشعري أنواع،
لكنَّ المشهور عند الناس الذي يقولونه هو: تشهد ابن مسعود.
ولا يتسع هذا المقام لذكر ألفاظ كل تشهد ورد عن النبي ﷺ من كل صحابي.
فإذا كانت الصلاة صلاة الفجر تشهد واحد: هذا التشهد لأنه بعد ركعتين يكون الجلوس فيه على هيئة الافتراش التي مرت معنا في الجلسة بين السجدتين، يعني: يفرش رجله اليسرى ويجلس بمَقعدته على رجله وينصب رجله اليمنى.
ولْيُعلَم أنه بين الجلسة بين السجدتين هناك صفة وهي: – تذكرتُها الآن- الإقعاء بين السجدتين فقط غير صفة الافتراش هناك صفة أخرى أخذ بها كثير من أهل العلم وهي واردة في صحيح مسلم ولا تثريب فيها من أنه يُقعي بين السجدتين كما جاء في صحيح مسلم،
( تطبيق عملي من الشيخ ) ” ينصب قدميه هكذا ويجلس بمقعدته على عقبيه ” هذا هو الإقعاء المسموح.
هناك إقعاء كإقعاء الكلب: منهي عنه
الحديث هنا عن هذا الإقعاء الذي هذا هو صفته كما جاء في صحيح مسلم.
إذاً في التشهد الذي هو يكون بعد ركعتين: تكون صفة الافتراش.
أما في الجلسة بين السجدتين: فصفة الافتراش مع الإقعاء الذي وصفناه قبل قليل.
فيجلس في التشهد الأول وإذا كانت صلاةً ثلاثيةً كالمغرب أو صلاةً رباعية كالظهر والعصر والعشاء وبعد الركعتين تكونُ صفة الافتراش.
إن كانت الفجر: يُكمل في التشهد إلى أن يُسلم.
إن كانت صلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء: فإنه يقوم إلى الثالثة.
لكن هنا في الجلسة بين السجدتين كما وصفنا – قلنا الافتراش – فتكون يده اليمنى على فَخِذِهِ الأيمن، وكذلك اليسرى على فخذه الأيسر، وإن شاء يُلْقِمَ يده بركبته فقد جاءت بذلك السنة.
اليمنى يُشير بها: الإشارة إما أن يجمع ( طبعاً هي لها خمس صفات سأذكر بعضاً منها)
في صحيح مسلم: يجمع أصابعّهُ كُلها ويشير بالسبابة.
هل يحركها أو لا يحركها؟ الأمر في ذلك واسع، لكنه يُشير بها.
وجاء صفة عند مسلم أيضاً: يكون الإبهام تحت السبابة قريباً من الوسطى -هكذا-(تطبيق عملي من الشيخ)، أو يُحلق بها كما في السنن هكذا تحليقاً بها هكذا.
هل يُشير بها عند الدعاء؟ عند التشهد؟ في كل التشهد؟
الأمر في ذلك واسع لأن هناك من يُعنف في هذا الأمر، لكن الذي تدل عليه الأدلة:
من أنه يُشير بها من حين ما يجلس للتشهد إلى أن يُسَلِّم.
إذا قام إلى الركعة الثالثة من التشهد يُكبر
السنة هنا: يرفع يديه، (إذاً/ هذا هو الموطن الرابع الذي تُرفع فيه اليد، كما جاء في صحيح البخاري في مثل هذا الموطن)
إذاً عندنا ماذا؟ يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند التشهد إذا قام منه من التشهد الأول يرفع يديه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة الفاتحة
إذا قام إلى الثالثة من صلاة المغرب، ومن صلاة الظهر والعصر والعشاء فإنه حينها يقرأ الفاتحة في الركعة الثالثة وفي الركعة الرابعة.
وليُعلَم: أن السنة جاءت في بعض الأحيان كما في صحيح مسلم من أنك تقرأ في الثالثة وفي الرابعة من صلاتَي الظهر والعصر تقرأ بعد الفاتحة ورد أحياناً،
ولذلك: لو أطال الإمام في صلاة الظهر أو العصر فإنك تقرأ
أو إذا طبَّقَ الإمام هذه السنة أحياناً فلا تُنكِر
أحياناً قد يطيل بعض الأئمة في الركعة الثالثة والرابعة من صلاتي الظهر والعصر متعمداً من أجل أن يطبق هذه السنة: فلا تُنكر
لأن بعضا من الناس قد يُنكر ما يجهلُهُ وهو واردٌ في السنة.
وللحديث تتمة إن شاء الله فيما يتعلق بصفة الصلاة ولعلها الجمعة القادمة تكونُ هي الأخيرة.