خطبة
( عشرة ) أحكام فقهية مختصرة بأدلتها عن ( أنواع المياه وإزالة النجاسة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديثُنا في هذا الْيَوْم عن أحْكامٍ فِقهِيّةٍ مُختَصَرَة بِأَدِلَّتِها الشَّرعِيَّة عن أَقسام الماء وطهارَتِه ونَجاسَتِه
أوّلًا : الماءُ النَّازِلُ مِنَ السَّماء مِمّا يَكُونُ في الأَوْدِيَةِ وما شابهَ ذلك《 فإنّه يَجوزُ الوُضُوءُ بِهِ والاغتِسال وما شابَهَ ذلك 》
قال تعالى { .. وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) } الفرقان
حَتَّى لو تَغَيَّرَ هذا الماءُ بِمَا يجري مِمّا يكونُ في الأَوْدِيَةِ .
ثانيًا : الماءُ إذا سَقَطَ فيه شيءٌ طاهِرٌ مِن أوراقِ شَجَرٍ أو عِطْرٍ أو ما شابَهَ ذلك مِمّا يكونُ طاهِرًا《 فإنّه يَصِحُّ الوُضُوءُ والاغتِسالُ بِهِ 》
حَتَّى لَوْ تَغَيَّرَ اللَّونُ أو تَغَيَّرتِ الرائحةُ أوِ الطَّعْمُ فإنّه لا حَرَجَ في ذَلِكَ إذا تغيّرَ بِشَيْءٍ طاهِرٍ
قال تعالى { .. فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا .. }
وَلَمْ يَقُلْ ماءً صافيًا بل أَطْلَقَ .
الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم كانَ الماءُ في القِرَب ، ومعلومٌ أنّها مصنوعةٌ مِن الجِلْدِ وهيَ تُغَيِّر في الغالِب لَوْنَ الماءِ وطعْمَهُ ورِيحَهُ
إلّا إذا تَغَيَّرَ هذا الماءُ كُلِّيَّةً ، كأن يُقال : هذا طِين أو هذا حِبْر أو هذا الماء صار قَهْوَةً 《 فإنّه حينَها لا يَصِحُّ الوُضُوءُ بِهِ 》.
أمّا إذا تَغَيَّرَ وبَقِيَ على كَونِهِ ماءً《 فإنّه يَجوزُ ذَلِكَ ولا حَرَجَ 》
ثالِثًا : الماءُ إذا وَقَعَت فيه نَجاسَةٌ فإنّه لا يَنْجُس إلّا إذا تَغَيَّرَ ( لَوْن أو رِيح أو طَعْم ) يعني وَاحِد مِن هذه الأشياءِ الثلاثةِ . فإنِ اجتَمَعَت كُلُّها فَمِن بابِ أَوْلَى
《 فَإِنْ تَغيَّرَ لَوْنُ الماء أو طَعْمُه أو رِيحُه بِوُقُوعِ هذه النّجاسَة فَيَنْجُسُ 》 وإلّا فَيَبْقى على أنّه طَهُور .
الدليل :
قَالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ في السُّنَن (( إنَّ المَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ))
رابِعًا : الماءُ الذي يُوضَعُ في الشَّمسِ 《 يَصِحُّ الوُضُوءُ بِهِ والاغتِسال وما شابهَ ذلك 》 .
أمّا ما وَرَدَ مِن أحاديث مِن أنَّ الماءَ المُشَمَّسُ يُورِثُ البَرَصَ :
فإنّها أحاديثُ مَعلُولَة ضعيفة لا تَصِحُّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم
خامِسًا : مِياهُ البَحر ولو كانت شديدةَ المُلُوحَة 《 فيَصِحُّ الوضوءُ بها والِاغتِسال 》
ولذلك النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ في المُسْنَدِ والسُّنَن سُئِلَ عن ماءِ البحر فقال (( هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيَتَتُهُ ))
سادِسًا : ماءُ زَمْزَم ماءٌ مُبَارَك ، كما جاءَتْ بذلكَ الأحاديثُ الصَّحيحةُ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم《 لكنْ يجوزُ الوُضُوءُ بهِ والاغتِسال 》
ولذلك ثَبَتَ في المُسْند أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تَوَضَّأَ مِن ماءِ زَمْزَم
أمّا قَولُ العبّاس : ( لا أُحِلُّ ماءَ زَمْزَم لِمُغْتَسِل ) فإنّه أَثَرٌ ضَعيفٌ لايَصِحُّ عَنْهُ
سابِعًا : المِياهُ التي تَكُونُ في الطُّرُقات فَتُصِيبُ ثوبَك أو بَدَنَك《 عَلَيكَ أن تَحْكُمَ عليها بِأنّها لَيْسَتْ بِنَجِسَة 》
ولا يُشْرَعُ لكَ ولا يُسْتَحَبُّ لكَ أن تَتَفَقَّدَها بأن تَشمّها أو ما شابهَ ذلك .
حَتَّى لَوْ أنَّ شيئًا عَلَقَ بِكَ مِن رُطُوبَةٍ أو غَيرِها في ظُلْمَةٍ أو في لَيْلٍ لا تَتَفَقَّدْ ذلك ، 《 اُحْكُمْ على ذَلِكَ بِأنّهُ لَيْسَ بِنَجِس 》.
ولذلكَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين لمّا سُئِلَ عنِ الرَّجُل يَشُكُّ هل انْتَقَضَ وُضوؤُه أم لا قال (( لا يَنْصَرِف حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا ))
◼ فَالْيَقِينُ لا يَزولُ بِالشَّكِّ .
ولذلك الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم كانوا في الأمطار يَسِيرونَ في الطُّرُقات وكانوا يَقْضُونَ حَوائجَهُم في الصحراء وفِي الأماكِن الخالية القريبة مِن المدينة 《 ومع ذلك ما كانوا يَغسِلونَ أقدامَهم إذا خاضُوا في مِياه الأمطار 》
فَإِذَنْ لَوْ شَكَكْتَ في ماءٍ تَلَوَّثَ به ثوبُكَ أو شَيْءٌ مِن بَدَنِكَ في الطَّريق 《 فلا تَلْتَفِتْ إليهِ 》.
ثامِنًا : النَّجاسَةُ تُزال بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ
متى ما وَقَعَ عليكَ شيءٌ مِن نَجاسَةٍ على ثوبك أو ما شابهَ ذلك . فَيَكُونُ تَطهِيرُها بِغَسْلَةٍ واحِدَةٍ .
إذا أَذْهَبَتْ هذه الغَسْلَةُ هذه النَّجاسَة فالحَمْدُ للهِ ، إن لمْ تَذْهَب فَلْتَزِدْ على ذلك حتّى تَذهبَ النجاسةُ
والدَّليل :
في الصَّحيحَين ، في قصّة ذلك الرَّجُل الأَعْرَابِيّ الذي بِالَ في المسجِد . فماذا قالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ (( أَرِيقُوا عَلَيهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ )) يعني دَلْوًا مِن ماء
فإذا ذَهَبَتْ عَيْنُ النَّجاسَة بِغَسْلَة أو بِغَسْلَتَيْن أو بِثَلاث 《 فإنّ ذلك يكونُ تَطْهِيرًا لَها 》.
أمّا ما وَرَدَ مِن حديث ( أُمِرْنا بِغَسْلِ الأَنْجاسِ سَبْعًا ) فَهُوَ حَديثٌ ضَعيفٌ
إلّا إذا كانت هذه النَّجاسَةُ نَجاسَةَ كَلْبٍ . وهذا هو الأَمْرُ التَّاسِع
تاسِعًا :
نَجاسَةُ الكَلْب تُغْسَل سَبْعُ مَرّات أُولاهُنّ بِالتُّراب كما جاء بذلك الحديثُ في الصَّحيحَين وفي غَيرِهِما .
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ))
هذا الوُلُوغ : اللُّعابُ مِنْهُ .
إِذَنْ ما كانَ مِن نَجاسَةٍ أَعْظَمَ كَبَوْلِهِ ورَوْثِهِ مِن بابِ أَوْلَى
ولا يُجْزِئُ غَيرُ التُّراب مِن هذهِ المُنَظِّفات إلّا إذا عُدِمَ التُّراب
◾والخِنزير لا يُقاسُ على الكلبِ . فَنجاستُه مِثل نجاسَةِ أيّ نَجاسَةٍ أُخرى
عاشِرًا : الطِّفل ( ولَيْسَ البِنْت ) :
الطِّفل الرَّضيع الذي يَرضَعُ مِن ثَدْيِ أُمِّهِ《 الحُكَمُ مَخصُوص بِبَوْلِهِ فقط 》:
《 فإنّه لا يُلْزَمُ في ذلك أن يُغسَل بَلْ يُكاثَر عليهِ الماء 》
بِأَنْ يُرَشَّ على بَوله الماء ويُكاثَر عليهِ الماء دُونَ أن يُغْسَل
والدَّليل :
ما جاء في الصَّحيحَين : أنّ طِفلًا بالَ على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فَنَضَحَهُ بِماءٍ وَلَمْ يَغْسِلْهُ
وفِي سُنَنِ أبي دَاوُدَ وغَيرهِ كما ثَبَتَ عنه . قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( يُرَشُّ مِن بَوْلِ الغُلام ويُغسَلُ مِن بَوْلِ الجارِية )) إذَن بَوْلُ الغُلام الرَّضيع فقط
أمّـا :
-《 غائطُهُ : لا بُدَّ مِن الغَسْلِ ولا يُكتَفى بِالرَّشِّ 》.
– و《 قَيْؤُهُ : على الصحيح أيضًا لا بُدَّ مِن الغَسْلِ 》
إذن الكلامُ مَخصُوصٌ بِالبَول
أمّا الجارِية وهي البِنت التي تَرتَضِع 《 فإنّ نجاسَتَها لابُدَّ فيها مِنَ الْغَسْلِ سواء كانَ مِن بَوْل أو غَيرِه 》
لماذا التَّفريق ؟ :
قِيلَ لأنَّ الغُلامَ يُحمَلُ كثيرًا ، وقِيلَ غَيرُ ذلك
المُهِمّ عندنا الدليل .
ولْيُعْلَمْ :
أنّ المقصودَ مِن ( الرَّضيع ) :
هو الذي يَرضَعُ مِن ثَدْيِ أُمِّهِ 《 أمّا الذي يرتَضِع مِن هذا الحليبِ المُصَنَّع فإنَّهُ لا يَدْخُلُ في ذلك 》
فإن كان يَشربُ مِن هذا الحليب المُصَنَّع ولا يشرب مِن ثَدْيِ أُمِّهِ《 فإنّ بَوْلَهُ يُغسَل 》. لِمَ ؟
لأنّ هذا الحليب المُصَنَّع إمّا مِن بَقَرٍ أو ما شابَهَ ذلك
الحديثُ يتحدّثُ عن ماذا ؟
عن الطِّفلِ الرَّضيع الذي يَرتَضِع مِن ثَديِْ أُمِّهِ
هذهِ أحكامٌ فِقْهِيَّة مُختَصَرَة فيما يَتَعَلَّقُ بِهذا الأَمْرِ
أسألُ اللهَ عزّ وجلّ لي ولَكُم العِلمَ النَّافِع والعَمَلَ الصَّالِح