خطبة
( عشرة أمثلة من الرزق ) بأدلتها الشرعية تدل على أن( الرزق ليس محصورا في المال)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الرزق يظن البعض حينما يسمع هذه الكلمة يظن أنها محصورة في المال، أو يظن أن المقصود من الرزق هو المال، كلا، فهناك من أنواع الرزق ما هو أفضل من المال، وسأذكر لك بعضا من ذلك حسبما دلت عليه الأدلة والآثار على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
العلم رزق :
ــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الترمذي قال: ( إنما الدنيا لأربعة نفر) يعني أحوال الناس في الدنيا أربعة أقسام (عبد رزقه) انتبه قال ( رزقه) ( رزقه الله علما ومالا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقا فهذا في أفضل المنازل) يعني عند الله عز وجل (وعبد رزقه الله علما، ولم يزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا، ولم يزرقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم) يعني على حسب ما تشتهيه نفسه، ينفق هذا المال على وجه الكبر والخيلاء والترف، وربما ينفقه في مقام يجب أن ينفق فيه (فهو يخبط في ماله، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم أن لله فيه حقا فهذا في أخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله لا مالا، ولا علما، فهو يقول لو أن لي مالا لعملت كعمل فلان فهو بنيته ووزرهما سواء)
ولذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الحاكم: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علما أنتفع به)
توفيق الله للعبد بأن يقوم بنافلة من النوافل رزق من الله:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولذلك ثبت عند الطحاوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لا يدع سامرا بعد العشاء، ينهى الناس عن السهر بعد العشاء، ويقول: ” ارجعوا لعل الله يزقكم صلاة أو تهجدا”
الإنسان حينما يكون في عبادة يريد أن يصل إلى أفضل أنواعها، فيرزقه الله عز وجل الأجر عليها هذا رزق، في الصحيحين قالت عائشة لما حاضت في حجة الوداع قالت فسمعت بالعمرة سمعت أنك تذكر يا رسول الله العمرة، وفي رواية عند مسلم منعت العمرة يا رسول الله، وهي تبكي فقال صلى الله عليه وسلم: (كوني في حجتك لعل الله أن يرزقكها)، وفي رواية مسلم: (أن يرزقكيها) بإشباع الكسرة حتى تولدت منها ياء، هذا رزق من الله عزوجل.
الإنسان لما يمنح منحة من الله لصفة طيبة، ولاسيما إذا كانت عبادة يحتاج إليها في أموره الدينية والدنيوية هذا من أعظم الرزق، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند ابن حبان والحاكم قال صلى الله عليه وسلم: (ما رزق عبد خيرا وأوسع له من الصبر) الصبر رزق، والحديث أصله في الصحيحين: (ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر) في روايات مسلم في النسخ: (وما أعطي أحد من عطاء خير) على أنه خبر لمبتدأ محذوف هو خير( وأوسع من الصبر)، إذاً هذه الخصلة رزق من الله.
العبد كونه يوفق لصحبة طيبة هذا رزق:
ولذلك ثبت عند ابن حبان أن علقمة قال: “أتيت إلى الشام ـ وهو غريب ـ فدخلت المسجد، وصليت ركعتين، فقلت: اللهم ارزقني جليسا صالحا”
انظر: فيسر الله له أبا الدرداء رضي الله عنه، فجلس إلى أبي الدرداء، وجاء مثله عن بعض التابعين كما ثبت عند أبي داود: ” اللهم ارزقني جليسا صالحا” لما أتى إلى المدينة، فرزقه الله بأبي هريرة رضي الله عنه. إذاً الصحبة الصالحة رزق.
بل كون الإنسان يكون في عبادة، وتلك العبادة يكون له الأجر كاملا مع أنه لم يقم بشيء منها عن طريق النسيان هذا رزق، ولذلك في سنن الترمذي كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسيا، وهو صائم فلا يفطر) فهو رزق رزقه الله، هذا رزق، والحديث أصله في الصحيحين: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)
الأولاد الصالحون رزق:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: (لو أن أحدكم إذا أتى امرأته فقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قضي ولد لم يضره الشيطان أبدا)
الزوج الصالح للمرأة رزق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند أحمد وغيره قال للنساء: (إياكن وكفران المنعمين) يعني أصحاب نعمة، هذا احتمال أن تنطق هكذا، واحتمال أن تنطق المنعِمين؛ لأنهم أنعموا عليكن، (إياكن وكفران المنعَّمين أو المنعِمين، قلنا يا رسول الله وما هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لعل إحداكن تطول أيمتها عند أبيها) يعني ولذلك في رواية أخرى: (وتعنس، فيرزقها الله عز وجل زوجا، ويرزقها من هذا الزوج مالا وولدا، فتغضب فتقول تلك الكلمة ما رأيت منك خيرا قط)، إذاً الزوج الصالح رزق للمرأة.
الزوجة الصالحة رزق للرجل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم، النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند البيهقي وغيره قال: (إذا رزق الله أحدكم امرأة صالحة، فقد استكمل نصف دينه فيلتق الله في الشطر الباقي)، إذاً هي رزق، بل ينشأ منها بإذن الله، وينشأ منه بفضل من الله أن الله يزق بعضهم من بعض، ولذلك ثبت عند الطبراني في المعجم الكبير، وهو في المعجم الأوسط مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه به ضعف، لكن الصحيح أنه ثابت عند الطبراني في المعجم الكبير عن ابن مسعود قال:(إذا دخل أحدكم على امرأته) يعني في أول ليلة الزواج (فليقم فليصل، ولتصل خلفه، فيصليان ركعتين، فيقول اللهم بارك لي في أهلي، وبارك أهلي في، وارزقني منهم، وارزقهم مني، وأن تجمع بيننا إذا جمعت بخير، وأن تفرق بيننا إذا فرقت بخير)
انظر الجملة هذه حتى نستفيد منها، وهي دارجة على ألسنة بعض الناس خصوصا من يبيع ويشتري، بعض الناس إذا باع شيئا، قد يكون هذا مشهورا في العقار لما يبيع مثلا بيتا، أو أرضا أو ما شابه ذلك فيقول يا فلان بعته بثمن قليل، فيقول أنا ربحت أنا ربحت ربحا طيبا، سأدع لغيري أن يربح، فالمقولة التي عندهم: “اللهم ارزقني وارزق مني” هذه دل عليها هذا الأثر (اللهم ارزقهم مني، وارزقني منهم) هذا من أنواع الرزق، بل إذا قذف الله في قلبك محبة لزوجتك فهذا رزق من أعظم الرزق أن تحب زوجتك؛ لأنها بذلك تعفك بإذن الله، ويطمئن قلبك ويرتاح فتسعد بذلك، نعم محبة الزوجة رزق.
بعض الناس مثل ما سلف يظن أن الرزق فقط مال، لا، ولذلك في صحيح مسلم ماذا قال صلى الله عليه وسلم عن خديجة قال: (إني رزقت حبها) (رزقت حبها)، زوجته رضي الله عنه، ولذلك في الصحيحين كان يذكرها كثيرا، ولذلك في الصحيحين استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة بعدما ماتت خديجة، فارتاع، كما في رواية البخاري ليس هو الفزع، لا، رواية مسلم تبين ذلك (فارتاح) سر بذلك، فقال: (اللهم هالة)، قالت عائشة رضي الله عنها: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قد هلكت في الدهر، قد أبدلك الله بخير منها)، طبعا هذا من الغيرة كما قال العلماء على الأشهر من أن هذا من غيرتها، فلم تملك نفسها، فهي تتكلم في وقت الغيرة، ما تتكلم في غيرها، قالت: (حمراء الشدقين)، الأشهر في ذلك كما قال النووي وغيره من أن أسنانها سقطت، فلم تبق إلا حمرة اللثة، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني رزقت حبها)، ولذلك إذا رزق العبد محبة زوجته هذا خير، حتى إن بعض الناس يقول فلان كيف يحب فلانة التي هي زوجته؟! ما هذا الحب؟! وهذا الحب العظيم لها هذا رزق من الله، ولذلك الناس يسمون الزوجة بالعزبة هذا مشهور عندنا بعض الناس يظن أنها لغة عامية أو لهجة عامية، لا، لغة عربية، ولذلك ينطقونها إما على وزن معزبة، أو المعزبة، الأشهر عندنا أن نقول المعزبة، المعزبة هذا في اللغة العربية، ولذلك يقولون في اللغة العربية كما في لسان العرب ما لفلان معزبة يعني ما له زوجة، لم؟ لماذا سميت بهذا الاسم؟ لأنها تزيل عزوبته بكونها تقيم مصالحه من أكل أو شرب ونحو ذلك، بل وجدت أن هذا ورد في حديث، ورد هذا في حديث أصل الحديث في الصحيحين من حيدث ابن مسعود رضي الله عنه لما قبل ذلك الرجل امرأة رجل وهو في الجهاد قبلها ضعفت نفسه فقبلها، فندم، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم القصة طويلة فأنزل الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ولا أريد الحديث في هذا لأنه يحتاج إلى توضيح أكثر، لكن عند عبد الرزاق عن معمر عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه، ورأيت هذا الإسناد، واطلعت عليه لما اطلعت عليه وجدت أن رجاله ثقات، فأتى إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر أمعزبته؟ أهي امرأة رجل؟ فقال لا أدري، فأتى إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال عمر، فهذه كلمة ليست عامية، ولا تستغرب، بعض الناس قد يستغرب بعض الكلمات مثل بعض الناس يقول مثلا: “إيش هذا” هذه لغة عربية لكن ليست بهذا النطق، أيش؟ يعني أي شيء هذا، وق ورد هذا على ألسنة السلف، وبعض المحدثين لما يذكر له رجل يقول أيش هذا يعني من هو هذا؟
بل ورد في بعض الأحاديث منها، وأصل الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن من صلى على جنازة فله قيراط، ومن صلى عليها وتبعها فله قيراطان) في الصحيحين قيل ما القيرطان؟ عند ابن أبي شيبة أيش القيراط؟
وورد بعض الآثار وبعض الأحاديث في مثل ذلك، منها من صححه من بعض العلماء، ومنهم من ضعفه، المهم أن كلمة أيش هذه لغة عربية.
بعض الناس مثلا لما يقول فلان طس، الناس يقولونها على وجه الغضب، ولذلك لما يسأل يقال أين فلان؟ يقول فلان طس، يعني ذهب، لغة عربية لكن المعنى كلمة ذهب، ليس على سبيل الغضب، فبعض الكلمات نتحدث بها، وإذا بها عربية مثل بعض الناس، وهذه لغة من اللغات، بعض الناس قد يبدل الياء الساكنة إذا كان ما قبلها مفتوحا يبدلها ألفا، وقد ذكر ذلك الأنباري في كتابه الزاهر في معاني كلمات الناس المتوفي سنة ثلاثمائة وثمان وعشرين للهجرة يعني من المتقدمين هو ذكر في كتابه أن بعض الناس يبدل ذلك، حتى قال بعض الناس يقول إذا أتى إلى القوم يقول: السلام علاكم، السلام علاكم؛ لأن كلمة عليكم الياء ساكنة، وقبلها مفتوح لكن ليس معنى ذلك إذا سلم على الناس يقول هذا اللفظ، لا، وإنما يقول السلام عليكم، يعود لسانه، ولكن هذه لغة من اللغات، وليست محصورة بكلمة عليكم، بل لديكم مثلا هل لديكم طعام؟ يصح في لغة هل لداكم طعام؟
فالشاهد من هذا: أنها من فوائد عربية بالنسبة للغة العربية لما ذكرت أن محبة الزوجة رزق، وأن الزوجة كما يسميها البعض عندنا بالذهبة، لكن ما أدري عن البلدان الأخرى النطق لها معزبة على وزن مغرفة، أو المعزبة.
الناس يتوجعون من ضيق الرزق
إذا ضاقت بك الأمور ادع الله أن يبسط عليك رزقه، وأن يكون هذا الرزق معينا على طاعته، أعطيكم أمثلة إذا ضاقت بالعبد الأمور يلجأ إلى الله سواء كان فيما يتعلق بمال، أو يتعلق مثلا بصحة، أو ما شابه ذلك فلتلجأ إلى الله، ولذلك عمر رضي الله عنه كما ثبت في الأدب المفرد أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال إن عمر لما أتى عام الرمادة أجدبت الأرض حتى أتى الأعراب مما حل بهم فأعطاهم عمر من الأرياف، أعطاهم الإبل وأعطاهم القمح والزيت حتى تأثرت الأرياف، فأصاب الناس قحط عظيم فماذا قال عمر؟ دعا الله قال: ” اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال” هذا يدل على السعة، والله أعلم، أن يجعل الرزق على رؤوس الجبال، فاستجاب الله له وللمسلمين، فلما نزل الغيث قال:” الحمد لله”، قال:” لو لم تفرج لأدخلت على أهل بيت ذي سعة أدخلت عليهم أعدادهم من الفقراء فلا يهلك اثنان مع ما يصيب واحدا” يعني ما يقيم الواحد من الطعام يقيم غيره ونظيره، ولذلك ماذا قال عمر قال: “اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال”
النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الأدب المفرد لما أصابه ما أصابه في غزوة أحد قال للصحابة:” استووا حتى أثني على ربي” قدم الثناء على الله قبل الدعاء قال: ” حتى أثني على ربي، فجعلوا وراءه صفوفا، فقال اللهم لك الحمد، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مباعد لما قربت، ولا مقرب لما باعدت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، نسألك أن تبسط” قال: ” نسألك أن تبسط علينا رحمتك وفضلك ورزقك” ثم لما كانت الدنيا إلى زوال ماذا قال: ” وإني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول” وهو نعيم القيامة
فاسأل ربك عز وجل، فالرزق بيد الله، {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} الرزق ليس بيد أحد من المخلوقين، فنسأل الله عز وجل أن يبسط علينا رزقه، وأن يكون معينا لنا على طاعته، ونسأله عز وجل أن يرزقنا الحسنيين حسن العيش في الدنيا، وحسن العيش في الآخرة، وكما أسلفت انتبه الرزق لا تحصره بالمال، فربما يكون المال شقاء على العبد، نعم، بعض ما ذكرت من الأنواع التي ذكرتها هي أفضل من المال، مثل ما يقال ما مثل راحة البال والراحة النفسية، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم السعادة في الدنيا وفي الآخرة.