خطبة
( عشرون فائدة عقدية وفقهية وتربوية عن المطر )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المَطَر . يقولُ ابن القيّم رحمه الله مُعْتَقَدُ السَّلَف مِن أنّ اللهَ عزّ وجلّ يَخْلُقُ المطرَ مِنَ الهَواء والأبْخِرَة المُتصاعِدَة بِإذنِ اللهِ عزّ وجلّ
ومِن ثَمَّ فإنّه إذا قيلَ بِمِثْلِ هذا القَوْل ، فإنّه يُقالُ بِأَمْرِ اللهِ عزّ وجلّ ؛ فلا يَحدُثُ شَيْءٌ في هذا الكونِ إلّا بِأَمْرِه عزّ وجلّ ، لَكِنْ جَعَلَ له أسبابًا .
فَالمَطَر أَنشَأَهُ اللهُ عزّ وجلّ مِن هذه الأسباب كما قال رَحِمَه الله ، كما أنشَأَ ابْنَ آدَمَ مِن نُطْفَة ، وكما أنشَأَ الزَّرعَ والشجرَ مِن الحَبَّة .
– ولِذَلِكَ في النُّصوص الشرعيّة وَصَفَهُ اللهُ عزّ وجلّ – يعني السَّحاب المُحَمَّل بِالمطر – بِأَنَّهُ ناشِئ { .. وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ }
– المطر ، سَمّاهُ الله عزّ وجلّ رحمة .
قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } الرحمة هُنا المطر .
فالمطر رحمة ؛ لأنّه مِن رحمة الله عزّ وجلّ ، وبِهِ الخَيْر وبِهِ البَرَكَة .
ولذا قال تعالى { … فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)}
– المطر ، فيه دلائلُ على عَظَمَةِ الله وعلى وُجوبِ تَفَرُّدِهِ بِالأُلوهِيَّة ، قال تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ .. } ، { الْمُعْصِرَاتِ } السُّحُب التي أُثقِلَتْ بِماءِ الـمَطَرِ
{وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) }
وهُوَ أيضًا يَدُلّ على ماذا ؟
يَدُلّ على عَظيمِ نِعمةِ الله عزّ وجلّ على عِبادِه { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ } { الْمُزْنِ } السَّحاب { لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا } يَعني شديد المُلوحَة { فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } فَهَلّا تشكرون اللهَ عزّ وجلّ على هذه النِّعمَة ؟
إذْ أَنزَلَ لَكُم هذا المطر وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجاجًا .
المطر : يَنزِلُ مِن السَّحاب ، والسَّحاب هو بَينَ الأرض وبَينَ السَّماء ، وفيهِ دلائل على عَظَمَةِ اللهِ لِمَنْ تَفَكَّرَ وتَعَقَّلَ
لمّا قالَ عزّ وجلّ { وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } ذَكَرَ دَلائلَ على ذلك :
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ ..} مَوضِع الشاهِد :{ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
– المطر إذا نَزَل ، فَالـسُّـنَّـةُ عِنْدَهُ أن يُخْرِجَ الإنسانُ شَيئًا مِن بَدَنهِ لِيُصِيبَه هذا الـمَطَر .
في صحيحِ مُـسْـلِمٍ قالَ أنس رَضِيَ اللهُ عنه (( أصابَنا مَطَر ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثَوْبَهُ فقال : إِنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ ))
فَهَذِهِ《 سُنَّةٌ فِعْلِيَّةٌ 》 عِنْدَ نُزولِ المَطَرِ .
وهُناكَ 《 سُنَنٌ قَوْلِيَّةٌ 》إذا نَزَلَ المَطَرُ :
(( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نافِعًا ))
لِأنَّهُ قد يَنزِل المطر ويكونُ بهِ ضَرَر بِأَمْرِهِ عزّ وجلّ .
يعني أنّ عاقِبَتَهُ تكونُ طَيِّبَةً لِلنَّاس
كانَ يَقُولُ ذَلِكَ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا نَزَلَ المطر يقول (( رَحْمَة ))
يعني هذا المطر رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ عزّ وجلّ .
وهذهِ أيضًا تُقالُ بعدَ نزولِ المطرِ وبعدَ تَوَقُّفِ المطر كما يَدُلُّ على ذَلِكَ تَبوِيب النَّوَوِيِّ رحمه الله في كتابِه ( الأذكار ).
– المطر ، يَكُونُ مَعَهُ أحيانًا الرَّعْد .
فما هُوَ الرَّعد ؟
الرَّعْدُ كما جَاءَ عِنْدَ أحمدَ والتِّرْمِذِيِّ كما ثَبَتَ عَنْهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم [ مَلَكٌ ]
إذا كانَ الرَّعدُ مَلَكًا ، فما هُوَ هذا الصَّوْتُ ؟
الصَّوْتُ هُوَ صَوْتُهُ حِينَ يَزْجُرُ السَّحاب ، كما دَلَّت على ذلك الأحاديث عَنْهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم .
– المطرُ يَكُونُ معهُ بَرْقٌ . فما هُوَ هذا البَرْق ؟
وكما ثَبَتَ عِنْدَ أحمدَ والتِّرمِذيّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( الرَّعدُ مَلَكٌ بِيَدِهِ مَخارِيقُ مِن نارٍ يَسوقُ بِها السَّحابَ ))
رِواية الطَّبَرانِيّ تُوَضِّحُ ذَلِكَ مِن أنَّهُ إذا رَفَعَ ذَلِكَ المِخْراقَ بَرَقَتْ ، وإذا ضَرَبَ صَعَقَت
لَكِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ . والصَّوْتُ والبَرْقُ كما وَضَّحْناه آنِفًا .
– المطر يَكُونُ مَعَهُ ما يُسَمَّى بِالبَرَد .
وهذا يَنزِلُ مِن جِبالٍ مِنَ السَّماء على قَوْلِ بعضِ المُفَسِّرين ، وبعضُ المُفَسِّرين فَسَّرَ الجِبال بأنّها هي السَّحاب ؛ لِعِظَمِها
قال تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي .. } يَعني يَسُوق
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } يعني يَجعل بَعْضَهُ فوق بعض { فَتَرَى الْوَدْقَ } يَعني المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }
– المطر إذا اشتَدَّ وهَطَلَ هُطولًا عظيمًا يَهْطُـلُ مِن مَكانٍ يُسَمَّى بِالمَجَرَّة في السماء .
كما ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رِضِيَ اللهُ عَنْهُ في – الأَدَبِ المُفرَد – قال ( هِيَ شَرَج السَّماء ) يعني مِثل شَرَج الوادي : وهوَ المُنْفَسِح مِنَ الوادي إذا هَطَلَتِ الأمطار مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ . كيف تَكونُ قُوَّةُ نُزول هذه الأمطار .
فَهُوَ يُنَزِّلُ عزّ وجلّ المطرَ إذا انْهَمَرَ انْهِمارًا عَظيمًا مِن تِلْكَ المَجَرَّة ، مِن تِلْكَ المَجَرَّة .
– المطر إذا نَزَلَ ثُمّ تَوَقَّفَ كان النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عِنْدَ أبي دَاوُدَ كما قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها :
(( يَبْدُو إلى هَذِهِ التِّلاع )) يعني يَخْرُجُ إلى البَرِّ .
و ( التِّلاع ) هُوَ ما يَكُونُ مِن عُلُوٍّ مِن الأرض ، مِن جِبَالٍ ونَحوِها حِينما يَهطُلُ المطرُ
فَيَرَى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هُطولَ المطرِ حينما يَنزِلُ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ .
كما يُسَمَّى عِندَنا بِالشَّلَّال . شَبِيه بِالشَّلَّال ، لِيَنْظُرَ صلّى الله عليه وآله وسلّم ويَتَأَمَّلَ في عَظيمِ صُنْعِ اللهِ عزّ وجلّ ، ويَتَأَمَّل في نِعْمَتِهِ عزّ وجلّ
– المطر إذا نَزَل ، أحيانًا يكونُ هناك ما يُسَمَّى بِقَوْسِ قُزَح وَهِيَ الألوان المَوْجودَة في السَّماء .
تَسْمِيَتُهُ بِقَوْسِ قُزَح لا إشكالَ في ذَلِكَ . وما جَاءَ مِن حديثٍ عِنْدَ أبي نُعَيْمٍ ( لا تَقُولوا قَوْس قُزَح ، فإنَّ قُزَح شيطان ) حديثٌ ضَعيفٌ
ومِن ثَمَّ لَوْ قيلَ بهذا الْقَوْل لا إشكالَ في ذلك
لَكِنْ لا يُعتَقَدُ بهذا القَوْسِ أشياء ، كما لَوْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ على خُضْرَتِهِ مِن أَنَّهُ يأتي بِالشَّرِّ. أو زادَتِ الخُضْرةُ على الحُمْرَةِ مِن أَنَّهُ يأتي بالخَيْرِ .
كُلُّ هذا مِمّا يُخالِفُ عَقيدةَ المسلم ؛ لِأَنَّ هذه أشياء لا يُمْكِنُ أن تصنعَ شَيْئًا إلّا بِأَمْرِ اللهِ عزّ وجلّ
وقَوْسُ قُزَح كما جاءَتْ بِذلكَ الآثارُ الصَّحِيحَةُ في الأَدَبِ المُفرَد : أمانٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ الغَرَقِ بِإذْنِ اللهِ عزّ وجلّ
– المطر إذا اشتَدَّ وَخِيفَ مِنهُ إذا عَظُمَ فلا يَجوزُ لِلإنسان أن يقول ( يا ربِّ احبِس المطر ) لا يجوز
وإنّما عَلَيهِ بِتِلكَ الـسُّـنَّـة المُسَمَّاة بِالِاسْتِصحاء بالاسْتِصحاء
ولِذلك كما في الصَّحيحَين لمّا هَطَلَتِ الأمطارُ هُطولًا عَظِيمًا ، وشَكَوْا إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم رَفَعَ يَدَيْهِ إلى السَّماء . فماذا قال ؟
لَمْ يَقُلْ اللَّهُمَّ احبِس المطرَ . لا .
قالَ (( اللَّهُمَّ على الظِّرابِ والآكامِ ومَنابِتِ الشَّجَرِ وبُطونِ الأَوْدِيَةِ ))
( الظِّراب ) وهي الأماكن المُرتَفِعة .
( الآكام ) يعني الْجِبَال الصغيرة
لِأَنَّ تِلْكَ الأماكِن تَنْتَفِعُ بِالمطر ، ومِن ثَمَّ يَنْتَفِعُ النَّاسُ منها .
أمّا قَول ( اللَّهُمَّ احبِسْ عنّا المطر ، أو اللَّهُمَّ أَوْقِفْ هذا المطر ) فَلا .
وإنّما على المسلم أن يَعمَلَ هذه الـسُّـنَّـة . وهي سُنَّة الِاستِصحاء سُنّة الِاستِصحاء
هذهِ إمْرارَةٌ سَرِيعَةٌ عمّا يَتَعَلَّقُ بِالمطر
وَفَّق اللهُ الجميعَ لِلعِلم النافع والعمل الصالح